البحث

عبارات مقترحة:

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

مع الشدة والكربة والضيقة يأتي الفرج واليسر والنصر

العربية

المؤلف فؤاد بن يوسف أبو سعيد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. انتشار الهموم والغموم وبواعث ذلك .
  2. الفرج بعد الشدة .
  3. ابتلاء الله للأنبياء والصالحين .
  4. اللجوء إلى الله عند الشدائد والكربات .
  5. قصص رائعة في إكرام الله لعباده الصالحين وتفريجه لكرباتهم .

اقتباس

عباد الله: من منا ليس في ضيقة؟ من منا خال من شدة؟ من منا سليم من مرض؟ من منا لا يشكو من ألم؟ من منا لا يحتاج إلى مال؟ من منا سلم من الديون؟ من منا يخلو من الهموم؟ وكم منا يعيش في غموم؟ الزوجة من جهة، والأولاد من جهة، والجيران من جانب، والأحزاب والفرق وما جنته الأمة من...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسلَه بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

اللَّهُمَّ فارجَ الْهمِّ، وَكَاشفَ الْغمِّ، ومجيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرين، رَحْمَانَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ورحيمَهما، أَنْت ترحمنا، فارحمنا برحمة تغنينا بهَا عَن رَحْمَة من سواك.

عباد الله: من منا ليس في ضيقة؟ من منا خال من شدة؟ من منا سليم من مرض؟ من منا لا يشكو من ألم؟ من منا لا يحتاج إلى مال؟ من منا سلم من الديون؟ من منا يخلو من الهموم؟ وكم منا يعيش في غموم؟ الزوجة من جهة، والأولاد من جهة، والجيران من جانب، والأحزاب والفرق وما جنته الأمة من اختلاف وتنازع وشقاق من جانب، والحكومات بضرائبها وجماركها وجبايتها للمخالفات من جوانب، هذا داخليا.

أما خارجيا، فهموم تنشأ من تربُّصِ الأعداء بالمسلمين، والعبثِ بمقدراتهم، وتقييدِ حرياتِهم، والغارةِ على بلادهم، واستخدامِ بعض أبناء الأمة في تدمير الأمة.

فاللهم فرِّج الكربة، واكشف الغمة.

ولكن أبشروا -أيها المؤمنون- إذا صبرتم على ما أُصبتم، أبشروا إذا توكلتم على الله حقَّ توكُّلِه، أبشروا بالفرجِ العاجل، والثوابِ الآجل، فلا تستعينوا بغيرِ الله، ولا تستنجِدوا بغير الله، ولا تتوكَّلوا على غير الله، توجهوا بقلوبكم إلى الله، أخلصوا في دعائكم لله، يأتكم الفرج والنصر من الله -جل جلاله-.

عباد الله: لَوْ أَنَّ الْعُسْرَ دَخَلَ فِي جُحْرٍ لَجَاءَ الْيُسْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُ، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5 - 6] وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.

وكلما زادت الشدة قرب الفرج: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].

هذه سنَّةُ اللهِ -جلَّ جلاله- في خلقه، فقد حوصر الرسل، وحورب الأنبياء، وضُيِّقَ على الأولياء، وحُرِم الأصفياء، وسُجِنَ الصُّلَحاء، لم يمنعهم ذلك من الاستمرار على دعوتهم، والبقاء على منهجهم، بل لم يزدْهم ذلك إلاَّ إصرارًا على طريقتهم، وتمسُّكا بدينهم، ثم جاءهم الفرج، وحالفَهم النصر، وفازوا وربحوا، ونجحوا وأفلحوا.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" [هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" سنن الترمذي [2516].

ونحوه عند ابن أبي الدنيا، وزاد: "فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالصِّدْقِ فِي الْيَقِينِ فَافْعَلْ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" [الفرج بعد الشدة، لابن أبي الدنيا، ص: 27، رقم 7)].

استعن بالله وحده لا شريك له؛ لا بنبي مرسل، ولا مَلَكٍ مقرَّب، نستعين بالله، وبذكر الله، وباستغفاره، والتوبة إليه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود: 52].

ويخاطب نوح -عليه السلام- قومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح: 10 - 14].

مغفرة الذنوب، والأرزاق والأموال، والبنين والجنات والبساتين، والقوة فوق القوة، بالله ومن الله لا من أحد سواه.

اللهم اجعلنا من: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

جاء مالكٌ الأشجعي -رضي الله تعالى عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أُسِرَ ابْنِي عوفٌ" فقالَ له: "أرسل إليه: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرُكَ أن تُكثِرَ من قولِ: "لا حول ولا قوة إلا باللَّهِ" فأتاه الرسولُ فأخبرَه، فأكبَّ عوفٌ يقول: "لا حول ولا قوة إلا باللَّه" وكانوا قد شدُّوه بالقدِّ -وهو قيد أو حبل من جلد-، فسقطَ القدُّ عنه، فخرجَ فإذا هو بناقةٍ لهم فركبَها، فأقبلَ فإذا هو بسَرحِ -أي إبل- القومِ الذي كانوا شدُّوه، فصاح بهم، فاتبعَ آخرُها أوَّلَها، فلم يفجأْ أبويه إلا وهو ينادي بالبابِ، فقال أبوه: "عوفٌ وربِّ الكعبةِ" فقالتْ أُمُّه: "واسوأتاه! عوفٌ كئيبٌ يألمُ لما فيه منَ القدِّ" فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه، فإذا عوفٌ قدْ ملأ الفناءَ إبلاً، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبلِ فأتى أبوه رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بخبرِ عوف وخبرِ الإبل، فقال له رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "اصنع بها ما أحببتَ، وما كنتَ صانعًا لإبلك" ونزل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2 - 3]. [تفسير ابن رجب الحنبلي [2/ 594]، ونحوه مختصرا في الفرج بعد الشدة، لابن أبي الدنيا، ص: 32، رقم 10].

إن جيوش المسلمين إذا وقعت في كرب وشدة من أعدائها، توجهت إلى الله، وإلى ذكر الله، لا لأحد سواه فيأتيا الفرج والظفر، ودلنا على ذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ففي إحدى غزواته قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ" ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ" [صحيح البخاري [2966].

عَنْ إِسْحَاقَ الْغَزَوَانِيِّ، قَالَ: "زَحَفَ إِلَيْنَا أَزْدَمْهَرُ عِنْدَ مَدِينَةِ الْكِيرَجِ -من بلاد السند- فِي ثَمَانِينَ فِيلًا، فَكَادَتْ تَنْفَضُّ الْخُيُولُ وَالصُّفُوفُ، فَكَرِبَ لِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، فَنَادَى عِمْرَانَ بْنَ النُّعْمَانِ أَمِيرَ أَهْلِ حِمْصٍ وَأُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ، فَنَهَضُوا فَمَا اسْتَطَاعُوا، فَلَمَّا أَعْيَتْهُ الْأُمُورُ نَادَى مِرَارًا: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" فَكَفَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْفِيَلَةَ بِذَلِكَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا الْحَرَّ، فَأَنْضَجَهَا، فَفَزِعَتْ إِلَى الْمَاءِ، فَمَا اسْتَطَاعَ سُوَّاسُهَا -وقادتها- وَلَا أَصْحَابُهَا حَبْسَهَا، وَحَمَلَتِ الْخَيْلُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَكَانَ الْفَتْحُ بِإِذْنِ اللَّهِ" [الفرج بعد الشدة، لابن أبي الدنيا، ص: 38، رقم 17].

"لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" ولم يقولوا: مدد يا بدوي، ولا مدد يا نبي، ولا مدد يا أولياء الله، لا والله، بل قالوا: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".

وهذا أبو ذر -رضي الله عنه- يأتي مكة مسلما باحثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيعذبه أهل مكة عذابا شديدا، ثم ينجيه الله بعد الشدة والكرب، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: "فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: "أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟" فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: "الصَّابِئَ؟" فعرفه أهلُ مكة، وانكشف أمره قال: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ -أي حجر- وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ: وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ، ... ثَلَاثِينَ؛ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ -منع من الطعام قال:- مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، ...، -وقابل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ له-: "مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟!" قَالَ: قُلْتُ: "قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ" قَالَ: "فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟!" قَالَ: قُلْتُ: "مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ" قَالَ: "إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ".

ولما كانت الهجرةُ إلى المدينة، أسلَمَت قبيلةُ أبي ذرٍّ؛ غفارُ، ومعها قبيلةُ أسلمَ وجاؤوا إلى المدينة، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ" [صحيح مسلم [2473].

فتفريج الهموم، وكشف الكربات، إلى الله -سبحانه-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].

وهذه قصة أم شريك -رضي الله عنها- وهي: أم شريك العامرية، ويقال: الدوسية، ويقال: الأنصارية، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "كانت امرأة من دوس، يقال لها: أم شريك، أسلمت في رمضان، فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم-، فلقيت رجلا من اليهود، فقال: "ما لك يا أم شريك؟" قالت: "أطلب رجلا يصحبني إلى رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم-، قال: "فتعالي فأنا أصحبك"، قالت: "فانتظرني حتى أملأَ سقائي ماء" قال: "معي ماء، لا تريدين ماء" قال: فانطلقَت معهم، فساروا يومهم حتى أمسوا، فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشّى، وقال: "يا أم شريك! تعالي إلى العشاء" فقالت: اسقني من الماء فإنّي عطشى، ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب" فقال: "لا أسقيك حتى تهوَّدي" فقالت: "لا جزاكَ اللَّهُ عني خيرا، غررتني ومنعتني أن أحمل ماء" فقال: "لا واللَّه! لا أسقيكِ منه قطرةً حتى تهوَّدين" فقالت: "لا واللَّه لا أتهود أبدا بعد أن هداني اللَّه إلى الإسلام" وأقبلت إلى بعيرها فعقلته، ووضعت رأسها على ركبته فنامت، قالت: "فما أيقظني إلا بَرْدُ دلوٍ قد وقع على جبيني. فرفعت رأسي فنظرت إلى ماءٍ أشدَّ بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فشربت حتى رويت، ثم نضحت على سقائي حتى ابتل، ثم ملأته، ثم رُفِعَ بين يديَّ وأنا انظر حتى توارى مِني في السماء، فلما أصبحت جاء اليهودي" فقال: "يا أمَّ شريك!" قلت: "واللَّه قد سقاني اللَّه" فقال: "من أين؟ أَنزل عليك من السماء؟!" قلت: "نعم! واللَّه لقد أنزل اللَّه -عزّ وجلّ- عليّ من السماء، ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء" [إمتاع الأسماع [5/ 193].

وقعت في شدة رضي الله عنها فلم تتوجه إلى غيره سبحانه، فكشف عنها كربها، ومن كيد اليهوديِّ نجَّاها.

وتوبوا إلى الله، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعد:

وأما إشباع اللَّه -تعالى- لأبي أمامة -رضي اللَّه عنه-، تكرمة لرسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم-، فعن أبي أمامة قال: "أرسلني رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم- أظنه، قال: إلى أهله وهم على طعام -يعني الدمُّ في خوان- فقالوا لي: "كل" قال: قلت: "إني لأنهاكم عن هذا الطعام، وأنا رسولُ رسولِ اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم- إليكم، وكذبوني وزبروني" أي انتهروني، قال: "فانطلقت عن ذا وأنا جائعٌ ظمآن، وقد نزل بي جَهد فنمت، فأُتيت في منامي بشربة من لبن، فشبعت ورَوِيتُ وعظُم بطني" فقال القوم: "أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فرددتموه؟! اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي" فأتوني بطعام، قال: قلت: "لا حاجة لي في طعامكم، فإن اللَّه -عزّ وجلّ- قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى حالتي التي أنا عليها" فآمنوا بي وبما جئتهم من عند رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم-" [إمتاع الأسماع [5/ 195].

أما ما وقع لأم أيمن الحبشية -رضي الله عنها-، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: "خَرَجَتْ أُمُّ أَيْمَنَ مُهَاجِرَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ صَائِمَةٌ لَيْسَ مَعَهَا زَادٌ وَلَا حَمُولَةٌ، وَلَا سِقَاءٌ فِي شِدَّةِ حَرِّ تِهَامَةَ، وَقَدْ كَادَتْ تَمُوتُ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْحِينُ الَّذِي فِيهِ يُفْطِرُ الصَّائِمُ، سَمِعَتْ حَفِيفًا عَلَى رَأْسِهَا، فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَإِذَا دَلْوٌ مُعَلَّقٌ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ، قَالَتْ: "فَأَخَذْتُهُ بِيَدَيَّ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى رُوِيتُ، فَمَا عَطِشْتُ بَعْدُ" قَالَ: "فَكَانَتْ تَصُومُ، وَتَطُوفُ لِكَيْ تَعْطَشَ فِي صَوْمِهَا، فَمَا قَدَرَتْ عَلَى أَنْ تَعْطَشَ حَتَّى مَاتَتْ" [مصنف عبد الرزاق الصنعاني [4/ 309، رقم 7900].

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَلِمَاتُ الْفَرَجِ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ رب السماوات السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" [المجالسة وجواهر العلم [6/ 359، رقم 2770] والفرج بعد الشدة، لابن أبي الدنيا، ص: 54، رقم 44] انظر: الصحيحة [2045].

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: "اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" [سنن أبي داود [5090].

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا" قَالَ: فَقِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟" فَقَالَ: "بَلَى! يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا" [مسند أحمد [6/ 246، رقم 3712].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

اللهم ارض عن الخلفاء الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة أجمعين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].