القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يتوهم بعض المغرضين أن هناك تعارضا بين بعض آيات القرآن الكريم؛ حيث يفهم من بعضها أن تذكير الناس لا يطلب إلا عند مظنة نفعه، كما جاء
* في قوله سبحانه وتعالى: [فذكر إن نفعت الذكرى(9)] [الأعلى،]
بينما تفيد آيات أخرى وجوب التذكير مطلقا، سواء نفع أم لم ينفع،
* مثل قوله سبحانه وتعالى: [فذكر إنما أنت مذكر(21)] [الغاشية.]
ويتساءلون: كيف يقيد القرآن التذكير بشرط النفع في موضع، ثم يأتي في موضع آخر بإطلاقه من غير شروط؟! ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم.
وجه إبطال الشبهة:
• الآية في سورة الغاشية مطلقة، قيدتها آية سورة الأعلى، والمطلق [1] يحمل على المقيد [2].
• وجوب التذكير مطلقا في حالة النفع وعدمه، وفي آية "الأعلى" حذف، والتقدير: إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع.
• تأويل "إن" بـ "ما" المصدرية الحينية، والمعنى: فذكر ما نفعت الذكرى.
• التذكير مراحل، فهو لازم ابتداء، لكن الاستمرار فيه - بعد - منوط بظن الفائدة والنفع به.
• تأويل "إن" بـ "إذ"، والمعنى: وذكر إذ نفعت الذكرى، على التعليل.
• "إن نفعت" صيغة شرط أريد بها ذم الكفار.
1. التذكير مقيد بمظنة النفع، كما تقيده آية الأعلى، والآيات الآمرة بالتذكير مطلقا - كآية الغاشية - تحمل على المقيدة، وإلى هذا ذهب ابن كثير الذي قال: ذكر حيث تنفع التذكرة، ومن هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم، فلا يوضع عند غير أهله، كما قال علي رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم [3].
2. التذكير واجب نفع أو لم ينفع، وفي الكلام حذف، أي: إن نفعـت الذكـرى، وإن لـم تنفـع
* كقولـه عز وجل: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل: 81]
أي: والبرد [5].
هذا قول الفراء والنحاس، ووافقهما الواحدي الذي قال: إن نفعت أو لم تنفع [6]؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مبلغا للإعذار والإنذار؛ فعليه التذكير في كل حال نفع أو لم ينفع.
وقال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع؛ فالمعنى: إن نفعت الذكرى أو لم تنفع. وقد قواه الشوكاني وذكر أنه أولى.
3. "إن" بمعنى "ما"، أي: فذكر ما نفعت الذكرى؛ لأن الذكرى نافعة بكل حال.
4. هناك من يرى أن التذكير مرحلتان:
المرحلة الأولى: تكرير التذكير - وإن لم ينفع - تكريرا يؤدي به المذكر واجبه في التذكير،
* كما قال سبحانه وتعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ [الشورى: 48]
، وتقوم به حجة [7] الله على خلقه،
* كما قال سبحانه وتعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165]
المرحلة الثانية: استمرار التذكير عند ظن الفائدة منه، ورجاء النفع لمن يوجه إليه التذكير،
* وهو ما تتحدث عنه الآية الكريمة: [فذكر إن نفعت الذكرى (9)] [الأعلى.]
أما إذا علم عدم الفائدة من التذكير، فلا داعي للاستمرار فيه؛ لأن الاستمرار فيما لا فائدة فيه عبث.
وهل هناك قرائن يعلم منها عدم إفادة التذكير [8]؟
• إعلام الله تعالى بذلك، كما وقع في شأن أبي لهب،
* قال - سبحانه وتعالى - فيه: [سيصلى نارا ذات لهب (3) وامرأته حمالة الحطب (4)] [المسد،]
فأبو لهب وامرأته لا تنفع فيهما الذكرى؛ لأن القرآن نزل بأنهما من أهل النار، بعد تكرار التذكير لهما تكرارا تقوم عليهما به الحجة؛ فلا يلزم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد علمه بذلك أن يذكرهما بشيء،
* كما قال سبحانه وتعالى: [فذكر إن نفعت الذكرى (9)] [الأعلى.]
• قرينة [9] الحال، مثل: رفض الإيمان والإعراض عن اتباع الرسول عنادا ولجاجا [10]بعد العلم بحقيقة الإسلام وصدق رسوله، فهنا لا يجب تكرير الذكرى لمن يصر على الكفر والعناد، بعد أن كررت له تكرارا لزمته به الحجة.
"إن" بمعنى "إذ"، هو مذهب الكوفيين وجعلوا منه
* قوله عز وجل: [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين (57)] [المائدة،]
* وقوله عز وجل: [ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (139)] [آل عمران.]
5. جملة:
* [فذكر إن نفعت الذكرى (9)] [الأعلى]
جملة شرط، أريد بها ذم الكفار واستبعاد تذكيرهم كما قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي [11]
تعددت تأويلات العلماء لمعنى التذكير
* في قوله عز وجل: [فذكر إن نفعت الذكرى (9)] [الأعلى]
* وقوله عز وجل: [فذكر إنما أنت مذكر (21)] [الغاشية]
فمنهم من قال: إن معنى التذكير عام، نفع أو لم ينفع، ومنهم من قال: إنه مقيد بالنفع... إلخ، ومن المعلوم أن التبليغ إعذار للناس؛ لإقامة الحجة عليهم، والظاهر أنه واجب على كل حال - ولو في البداية - فإن بدت قرائن يعلم منها عدم إفادة التذكرة - كإخبار القرآن، أو دلالة الحال، أو رفض الإيمان وتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - انتفى وجوب التذكير في حقهم، ومن هؤلاء: أبو لهب، وأبو جهل، والوليد بن المغيرة.