المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
مضمونُ السؤال:
إن إرسالَ جبريلَ في صورتِهِ الحقيقيَّة، مبلِّغًا الرسولَ بصوتٍ واضحٍ ما يُريدُهُ،
هو الأمرُ الأَوْلى في صُوَرِ الوحيِ مِن وجهةِ نظَرِ السائل، دون الطرُقِ الخفيَّة.
مختصَرُ الإجابة:
إن البراهينَ دلَّتْ دَلالةً قاطعةً على صدقِ النبوَّةِ؛ وهذا هو المطلوبُ للتصديقِ بالرسولِ واتِّباعِهِ، وليس المطلوبُ معرفةَ الطريقةِ التي جاء بها الوحي.
ثم حتى لو جاء الوحيُ بطريقةٍ ظاهرةٍ، ولكنه جاء على صورةِ بشَرٍ؛ فما الذي سيتغيَّرُ؟! سيكذِّبونه كما كذَّبوا رسولَ اللهِ ^.
ثم هو أيضًا نوعٌ مِن الاختبارِ؛ وإلا فاللهُ تعالى قادرٌ على أن ينزِّلَ الملائكةَ بأسواطٍ مِن النارِ لمن يَعْصُون اللهَ تعالى،
وأطواقٍ مِن الذهَبِ لمَن يُطِيعونه، ولكنَّ ذلك يخالِفُ حكمةَ الابتلاء.
وعدَمُ معرفتِهم بطريقةِ إتيانِ جبريلَ، لا يَنْفي وجودَهُ؛ لأن عدَمَ العِلمِ بطريقةِ الشيءِ لا يستلزِمُ الحُكْمَ عليه بعدمِ الصحَّةِ، أو عدمِ الوقوع.
هذه الشبهةُ خارجةٌ عن النَّسَقِ العلميِّ القائمِ على الاستدلالِ العقليّ، والجوابُ عنها يحتاجُ إلى كشفِ ما تضمَّنَتْهُ مِن خَلْطٍ بين برهانِ صدقِ الوحي، وبين طريقةِ وصولِه:
فنحنُ لا نُنكِرُ أن نزولَ الوحيِ على قلبِ النبيِّ ^، ليس مشاهَدًا في ذاتِه، وإنما الذي كان يشاهِدُهُ الصحابةُ: آثارُ ذلك النزولِ على جسَدِهِ الشريف، ولكنَّ ذلك ليس قادحًا في النبوَّةِ البتَّةَ؛ لأن هناك فرقًا بين طريقِ وصولِ الوحيِ إلى النبيِّ، وبين دليلِنا على صحَّةِ ذلك الوحيِ وصدقِه:
فطريقةُ وصولِ الوحيِ إلى النبيِّ غيبٌ بالنسبةِ لنا، وهذا الغيبُ لا يختلِفُ في طبيعتِهِ عن أنواعِ الغيوبِ الأخرى التي نُؤمِنُ بها:
فإن المؤمِنين وغيرَهم مِن أتباعِ المذاهبِ المادِّيَّةِ، يُؤمِنون بـ «غيوبٍ كثيرةٍ» لا يَعرِفون حقيقتَها، ولا طريقةَ حصولِها في الواقع،
وبعضُها بعيدٌ كلَّ البُعْدِ عن الإدراكِ الحِسِّيِّ المباشِر، وهي أبعَدُ عن التصوُّرِ مِن حادثةِ الوحيِ ذاتِه.
وأما «برهانُ النبوَّةِ»، فهو يقومُ على المعطَياتِ الوجوديَّةِ العقليَّةِ التي يُمكِنُ الاعتمادُ عليها في التحقُّقِ مِن صدقِ النبيِّ؛ فهي لم تكن خفيَّةً، بل كانت ظاهرةً ومتنوِّعةً بشكلٍ كبيرٍ جِدًّا،
والمطلوبُ في الإيمانِ بالأمورِ الغيبيَّةِ التصديقُ بصحَّتِها، ولا يتوقَّفُ ذلك على العِلمِ بحقيقتِها، ولا بطريقِ حصولِها.
وأصحابُ هذه الشبهةِ وقَعوا في خَلْطٍ فظيعٍ بين طريقةِ حصولِ النبوَّةِ للنبيِّ، وبين برهانِها الذي يُوجِبُ التصديقَ بها؛
فتوهَّموا أن الإيمانَ بالنبوَّةِ لا يُمكِنُ إلا مع العِلمِ الحسِّيِّ المباشِرِ بطريقةِ حصولِها.
وهذا توهُّمٌ منافٍ للمنهجيَّةِ العِلميَّةِ العقليَّة؛ فإن عدمَ العِلمِ بطريقِ الشيءِ لا يستلزِمُ بالضرورةِ الحُكمَ عليه بعدمِ الصحَّةِ،
أو عدمِ الوقوع؛ فهناك أمورٌ وجوديَّةٌ كثيرةٌ يؤمِنُ العقلاءُ بصحَّتِها وتحقُّقِها؛ لثبوتِ الأدلَّةِ والبراهينِ الدالَّةِ على ذلك؛
مع أنهم لا يَعلَمون شيئًا عن طريقِ حصولِها في الواقع.
إن اللهَ تعالى عليمٌ حكيمٌ، وثبَتَ ذلك بالأدلَّةِ؛ فلا يُعارَضُ في كمالِ حكمتِهِ وعلمِهِ،
خصوصًا وأن هناك حِكَمًا قد تُلتمَسُ في ذلك. وأيضًا: فإذا ثبَتتِ النبوَّةُ بالأدلَّةِ،
لم يكن للاختياراتِ الشخصيَّةِ وجهٌ صحيحٌ في معارَضةِ تلك الأدلَّة.