المولى
كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن إبراهيم العليان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة |
إنهم يريدون إسلامًا مبتورَ الأطراف، ضعيفَ البنيان، مشوَّهَ الصورة، منزوعَ الثقة، إسلامًا مُتَّهَمًا في كل رزيةٍ نازلة، تابعًا لا متبوعًا، خاضعًا للظروف لا مخضوعًا له، تصنعه الأزمنة والأمكنة ولا يصنعها، وربما صاحوا صيحةَ المشفقِ على الإسلام، الغيورِ على فضائلِه وأخلاقه، ملقين بأسئلة التعجب: كيف يُقْحَمُ الإسلامُ في قضايا السياسة؟ وكيف يهبَطُ به إلى توافهِ المجتمع ومتغيِّراتِه؟! ألا ما أصدق ظنَّ إبليسَ في هؤلاء! إذِ اتَّبَعَه أغرارٌ، فكانوا دعاةً على أبوابِ جهنم؛ ليُصَدَّ بتلكم الدعاوى فئامٌ من الناس، وخاصةً الناشئةَ منهم، فتعملُ تلكم الأطروحاتُ عملها المشين؛ لكثرة ما أُلقِيَتْ واسْتُمْرِئَتْ؛ لتُرسَمَ في أذهانهم صورةٌ مشوَّهة عن الإسلام، ليكون إسلامهم إسلامًا لم ينزله اللهُ ولم يشرعْه، ولتكون تشجيعًا على تحليل الحرام، واقتحام حمى المسلمات، ونقضِ عُرى الإسلامِ عروةً عروة.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون بالله ورُسُلِه، واذكروا وقوفَ كلِّ امرئ بين يدي ربه ومجازاتَه بعمله، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: 30].
نورُ النبوة الوهاج، وهديُ صاحبها الأكملِ الأفضل -عليه صلوات الله وسلامه تترى- من أجملِ ما يُتَحَدَّثُ عنه، وأنفعِ ما يُتَكَلَّمُ به، ولا جرم؛ فعزةُ المسلمين مرهونةٌ بمدى صلتِهم بهذا الهدى وذلكم النور، (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) [النور: 35]، والضدُّ بالضد؛ فكلما ابتعد المسلمون عن مصدر عزهم، ومعقِلِ سعادتِهِم؛ فقدِ استكثروا من الحضيض الأدنى بقدر ما ابتعدوا، ووجدوا من الظلمة بقدر ما تركوا من ذلك النورِ وما فقدوا (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 40].
وإن الناظرَ إلى المساعي المبذولة حثيثًا إرادة تفرُّقِ الناس عن سبيل الله الحق، تارةً بقوةِ السِّنان، وأكبرُ من ذلكم وأخطر: ما يشبِّهُ به المنافقُ عليمُ اللسان، أو ذو القلمِ المأجورِ بقليلِ الأثمان؛ ليرى جهودًا سريعةَ الخطو، تَحْمِلُ التشكيكَ والكيدَ من الأجنبيِّ عن المسلمين، أو من داخلِ دائرةِ المسلمين وبني جلدتِهم، كل ذلك لئلا يبقى من الإسلام إلا ضروراتٌ تتلاشى مع إدبارِ الزمن، على حدِّ وصفِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "يُدرَسُ الإسلامُ كما يُدرَسُ وشيُ الثوب، حتى لا يدرى ما صلاةٌ ولا صيامٌ ولا صدقة" (أخرجه البخاري).
إنهم يريدون إسلامًا مبتورَ الأطراف، ضعيفَ البنيان، مشوَّهَ الصورة، منزوعَ الثقة، إسلامًا مُتَّهَمًا في كل رزيةٍ نازلة، تابعًا لا متبوعًا، خاضعًا للظروف لا مخضوعًا له، تصنعه الأزمنة والأمكنة ولا يصنعها، وربما صاحوا صيحةَ المشفقِ على الإسلام، الغيورِ على فضائلِه وأخلاقه، ملقين بأسئلة التعجب: كيف يُقْحَمُ الإسلامُ في قضايا السياسة؟ وكيف يهبَطُ به إلى توافهِ المجتمع ومتغيِّراتِه؟!
ألا ما أصدق ظنَّ إبليسَ في هؤلاء! إذِ اتَّبَعَه أغرارٌ، فكانوا دعاةً على أبوابِ جهنم؛ ليُصَدَّ بتلكم الدعاوى فئامٌ من الناس، وخاصةً الناشئةَ منهم، فتعملُ تلكم الأطروحاتُ عملها المشين؛ لكثرة ما أُلقِيَتْ واسْتُمْرِئَتْ؛ لتُرسَمَ في أذهانهم صورةٌ مشوَّهة عن الإسلام، ليكون إسلامهم إسلامًا لم ينزله اللهُ ولم يشرعْه، ولتكون تشجيعًا على تحليل الحرام، واقتحام حمى المسلمات، ونقضِ عُرى الإسلامِ عروةً عروة.
ولعلَّ من أعظم ما نالته سهامُ المناوئين للإسلام بالشبهة أو الشبهة، ولاكته ألسنتهم ليًّا وطعنًا: سُنّةَ مَن لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-، التي هي مرتكزٌ عظيم من مرتكزَاتِ الدين، وهي المصدرُ الثاني للتشريع، والتي خاصمها من خاصمها في ذاهبِ الزمان؛ فجعلَ العليم القديرُ تلكم المخاصمة هباءً منثورا أدراجَ الرياح، وبقيت سنةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يُذهِبُ بهاءَها اختلافُ الليل والإصباح.
إنها سنتُه، التي حذّرَ من الهَوِيِّ إلى أودية الضلال استغناء عنها وزهدًا فيها، فلقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ".
وفي الحديث الآخر المتفق عليه أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً؛ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ».
ولئن كان ما كان في الماضي؛ فإن ما حصل في هذه العصور المتأخرة من مجادلة في السنة النبوية ابتغاء التشكيك فيها لهو أعظمُ وأخطر من ذي قبل؛ ذلكم بما كان من احتلال الكافر الأجنبيِّ لكثير من بلاد المسلمين، وأتى بمستشرقيه يثيرون الشبه، ويكسون الباطل لحاء البحث والتحقيق العلمي زعموا، وثَمَّ تركوا لهم في بلادِ الإسلامِ رجعَ صدى، يردِّدون ما قالوه، ويلوكون ما سطَّروه.. إبان طفرةٍ طاغيةٍ من الثقافات الدخيلة، ما ضاعفَ الهجومَ الكاسحَ على السنة، مع قلةٍ في الإنصاف، وبعدٍ عن الموضوعية في الطرح، الموافقِ للشرعِ الصحيح، والعقلِ الصريح.
وهؤلاء وإن قَصَروا هجومَهم وكرَّسوا جهدَهم في ردِّ السنةِ أو نقدِها؛ فإن ذلكم قنطرة إلى إضاعةِ كتابِ الله أيضًا، وإذا أتاهم ما عرفوا من حُجَّةٍ في كتاب الله تدحضُ باطلهم كفروا بها، وفزعوا إلى المتشابهات، وخالفوا الإجماعَ المنعقدَ مذ قرون متطاولة؛ فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب.
أيها المؤمنون:
لقد تعددت وسائل هؤلاء المشككين في السنة النبوية، إلا أن غاراتهم تمثلت في معظمها على أمرين: الأول: التشكيكُ في صحة جملة كبيرة من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى ولو كانت صحيحة ثابتة، حتى ولو كانت في أصحِّ الكتب بعد كتاب الله: صحيح البخاري، بل إن منهم من لا يفرق بين صحيح البخاري وأغاني الأصفهاني!!
لا سيَّما تشكيكهم في الأحاديث التي يبني عليها المسلمون مرتكزاتهم الدينية، وثوابتَهم الشرعية، فيصِفونها بعدمِ لثبوتِ تارة، أو أنها مكذوبةٌ تارةً أخرى، أو يشككون في ثقة رواتِها ومقاصدهم، وربما كان هذا الراوي صحابيًّا جليلاً قد عدَّله اللهُ وزكَّاه، أو تابعيًّا كبيرًا مجمَعًا على ثقته وإمامته، مع أن للأحاديث جهابذةً وصيارفة على مدى التاريخ، يبيِّنون صحيحَا من سقيمِها.
قال أبو القاسمِ الأصبهانيُّ -رحمه الله-: "ولئن دخل في غمار الرواة من وُسِمَ بالغلطِ في الأحاديث؛ فلا يروجُ ذلك على جهابذةِ أصحاب الحديث، حتى أنهم عدوا أغاليطَ من غلِطَ في الأسانيدِ والمتون، بل تراهم يعدون على كل رجل منهم في كم حديثٍ غلط، وفي كم حرفٍ حرَّف.." إلى آخر كلامه رحمه الله.
ولقد بذل العلماء في سبيل الاحتياط لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النفائس التي شهد بها الأعداء، بدءًا من حرص الصحابة -رضي الله عنهم- في حضور مجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتناوب على ملازمته كل حين، ثم الرحلةِ في طلب الحديث، كرحلة جابر إلى عبدالله بن أنيس -رضي الله عنهما- مسيرة شهر من أجل أخذ حديث واحدٍ عنه، ثم تتابعت جهود علماء السلف الصالح في ذلك حتى قال عبدالله بن المبارك -رحمه الله-: "لو همَّ رجل في السَّحَر أن يكذب في الحديث؛ لأصبح الناس يقولون: فلان كذاب".
وهذا بحمد الله من تمام حفظ الله لكتابه، ونصرته لدينه..
قد قلت ما سمعتم، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله، ولله الحمدُ ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي وَعَظَنَا بالوحيين، والصلاة والسلام على سيد الثقلين.
أما بعد: فإن الأمرَ الثانيَ من مسالك هؤلاء الشانئين: هو الترويضُ على استسهالِ نقد نصوص السنة النبوية دون مسوِّغٍ شرعيٍّ يرجَعُ إليه، والجرأةِ على مواجهتها بأنها تخالفُ العقولَ تارة، أو أنها لا تليق بواقع الحال في حينٍ آخر؛ حتى يكونَ أسهل شيء انتقاد حديثٍ صحيح إما بتكذيب، أو بدعوى مخالفةِ العقل؛ فتُنتهَكُ حرمةُ النصِّ النبوي، ويُسَاءُ الظنُّ به.
وإنه لا أقبح في العصيان من تقديمِ جدليات يُدّعى أنها عقليات؛ يرد بها كلامُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويدعى أنها قطعيات وضروريات يجب الرجوعُ إليها، ولقد وصف هؤلاء الإمام ابنُ القيم -رحمه الله- في قوله: "فلو رأيتَها -يعني السُّنَّةَ النبوية- وهم يلوكونها بأفواهِهِمْ، وقد حَلَّتْ بها المثُلات، وتلاعبت بها أمواجُ التأويلات، وتقاذفت بها رياحُ الآراء..، ونادى عليها أهلُ التأويل في سوقِ: من يزيد؟ فبذل كلُّ واحدٍ في ثمنها من التأويلات ما يريد..؛ فلا إله إلا اللهُ والله أكبر! كم هُدِمَتْ بهذه المعاولِ من معاقلِ الإيمان؟! وَثُلِمَتْ بها حصونُ حقائقِ السنة والقرآن، وكم أُطلِقَتْ في نصوص الوحي لسانُ كلِّ جاهلٍ ومنافقٍ أرعن، وطَرَقَتْ لأعداءِ الدينِ الطريق، وفتحت البابَ لكل مبتدعٍ وزنديق" ا.هـ (الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة: 1/ 297-298).
والله سبحانه يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم. وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 1 - 4] ويقول: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 80 - 82]
عبادَ الله: وحين يتطرق إلى هذا الموضوع؛ فإنما ذلكم للفت الانتباه إلى أن للسنة خبراءها العالمين بها، وهم أئمة الدين من العلماء والفقهاء (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83]، وإن ترك الرد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإلى أولي الأمر في هذا المضمار لسبيلٌ من سبل اتباع الشيطان.
يقال ذلكم في زمنٍ كَثُرَ فِيهِ قَبْضُ الْعُلَمَاء، وكثر الأدعياء، وفشا القلم، وكثر الكذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ومع ذلكم فإن الله لن يخلي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل زمان من قائم لها بنصرة، وفي هذا العصر وقبل عقودٍ من الزمن وسط ركود علمي، قيض الله للسنة علماء أفذاذا، أعادوا لأمة الإسلام جهودَ نقادها الأولين -رحمهم الله جميعًا، وجزاهم عن أمة الإسلام خير الجزاء -.
أما اليوم ففتح مبين في حفظ سنة الرسول الأمين، عليه الصلاة والسلام، فحفَظِها شيب وشبان وغلمان حفظ صدور، كما حفظتها الأمة في السطور، سائرين على سنن الأئمة الحُفاظ، بعد أن فترت الهمم دونها، وقصرت العزائم عنها؛ فذلكم مسرة للمؤمنين، ومساءة للمنافقين، والحمد لله ربِّ العالمين.
إن المجتمع المسلم وهو يبتهج بحفّاظ سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحتمٌ عليه أن يوليَ شطرَه تجاه هذا المنبع الثر الذي كأنما نبع للتو، يستوقد منه نورًا يمشي به، ويلتمس منه هدًى يقتدي به، ويبتغي عزًّا لا يذل به إلا لمنزله، وسعادة لا شقاء معها، وما كان أحسننا لو تلونا سنته -صلى الله عليه وسلم- في مجامعنا، واستبنا هداياتها في معاقل العلم فينا، وذكرنا بها وتذاكرناها، ووعظنا بها وأصلحنا، وحاكمنا بها وحكمنا (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31، 32].