البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

الحسد

قسم الله تعالى الأرزاق بين الناس، وأمرهم بالرّضا ولكن بعض النفوس ابتليت بشر الحسد، وهو تمني زوال النعمة عن الآخرين، وهذا الخلق من ذمائم الأخلاق وأشدها رذالة، فالحاسد ظلم نفسه وظلم الآخرين، وقبل كل هذا كان معترضًا على قضاء الله وحكمته، بل إن أول حسد ظهر هو حسد إبليس لآدم عليه السلام، فمن تخلق بهذا الخلق كان متشبهًا بعدوه وعدو أبيه، ومن وجد في نفسه هذا الخلق فعليه السعي في تركه، واجتناب أسبابه.

التعريف

التعريف لغة

قال ابن منظور: الحسد أن تتمنّى زوال نعمة المحسود، وحسده يحسده ويحسده حسداً، وحسّده إذا تمنّى أن تتحوّل إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما. "لسان العرب" لابن منظور (3 /148- 149).

التعريف اصطلاحًا

قال الجرجانيّ: «الحسد تمنّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد». "الإحياء" (3 /189)، "التعريفات " (ص87). وقال الجاحظ: «الحسد: هو التألّم بما يراه الإنسان لغيره وما يجده فيه من الفضائل، والاجتهاد في إعدام ذلك الغير ما هو له، وهو خلق مكروه وقبيح بكلّ أحد». "تهذيب الأخلاق" (ص34). وقال الماورديّ: «حقيقة الحسد: شدّة الأسى على الخيرات تكون للنّاس الأفاضل». "أدب الدنيا والدين" (ص260). وقيل: «هو ظلم ذي النعمة بتمنّي زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد». "التوقيف"(ص139، 140). وقال الكفويّ: «الحسد: اختلاف القلب على الناس لكثرة الأموال والأملاك». "الكليات" للكفوي (ص408، 672). وقال ابن جزي: «الحسد، وهو حرام، ومعناه: تألم الْقلب بِنِعْمَة الله على عباده وَتمنى زَوَالهَا عَن الْمُنعم عَلَيْهِ». "القوانين الفقهية " (ص641). وقال القرافي: «الحسد تمني القلب زوال النعمة عن المحسود واتصالها بك، وهو أخفُّ الحسدين، وشَرُّهما تمني زوالها، وإن لم تصل إليك». "الذخيرة" (13/249).

الفروق

الفرق بين الحسد و البخل

قال الكفويّ: البخل والحسد مشتركان في أنّ صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثمّ يتميّز البخيل بعدم دفع ذي النعمة شيئًا، والحاسد يتمنّى ألّا يعطى أحد سواه شيئًا. "الكليات" للكفويّ (ص242). انظر: البخل

الفرق بين الحسد و الغبطة

قال الكفويّ: الغبطة: تمنّي الإنسان أن يكون له من الّذي لغيره من غير إرادة إذهاب ما لغيره، أمّا الحسد فهو إرادة زوال نعمة الغير، ثمّ إنّ الغبطة صفة المؤمن، والحسد صفة المنافق. "الكليات"(672). وقال القرافي: «والفرق بينه وبني الغبطة: تمني مثل ما لغيرك، لا عين ما لغيرك، وقد يُعبَّرُ عنها بالحسد لما بينهما من المشابهة قال رسول الله : لا حسد إلا في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجلٌ آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار. أي: لا غبطة إلا في هاتين على وجه المبالغة». "الذخيرة" (13/250).

الأدلة

القرآن الكريم

الحسد في القرآن الكريم
1- جعل الله تعالى الحسد من صفات الذم في أهل الكتاب التي اتصف بها أكثرهم وأرشد إلى طريقة التعامل مع الحسد فقال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 109] 2- وقال تعالى في النهي عن الحسد: ﴿‌وَلَا ‌تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اْللَّهُ بِهِۦ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٖۚ﴾ [النساء: 32]. 3- وبين الله تعالى أن الحسد هو داء اليهود ومرضهم العضال الذي حال بينهم وبين اتباع محمد : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً *أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ [النساء: 51- 54] 4- وأمر الله تعالى بالتعوذ به من أعتى أنواع الشرور، وجعل الحسد منها وقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ﴾ [ الفلق: 1-5]

السنة النبوية

الحسد في السنة النبوية
1- وقوع الحسد ثابت بالسنة المطهرة، وقد رقى جبريل عليه السلام سيدنا محمدًا من الحسد فعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ جبريل أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا محمّد اشتكيت؟» فقال: «نعم». قال: «باسم الله أرقيك، من كلّ شيء يؤذيك، من شرّ كلّ نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك». أخرجه مسلم (2186). 2-جعل الرسول الحسد من أنواع الداء المنتشر بين الأمم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه سيصيب أمّتي داء الأمم» قالوا: وما داء الأمم؟ قال: «الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتّى يكون البغي ثمّ الهرج». أخرجه الحاكم (7311) 3- حث الرسول على ترك الحسد لتنتشر المحبة بين الناس فقال رسول الله : «ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا». أخرجه البخاري (6066). ومسلم (2563) واللفظ له. 4-جعل الرسول ترك الحسد من الفضائل التي تسمو بصاحبها، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الناس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب، صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه. فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقيّ النقيّ، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غلّ، ولا حسد» أخرجه ابن ماجة (4216). 5-جعل الرسول الحسد من الأمور المناقضة للإيمان، والذي إذا زاد في قلب المؤمن نقص من إيمانه بقدر هذه الزيادة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافرًا، ثمّ سدّد وقارب، ولا يجتمعان في جوف مؤمن غبار في سبيل الله، وفيح جهنّم، ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد». أخرجه النسائي (2912). 6-وجعل الرسول الحسد من الصفات التي اتسم بها اليهود فعن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على الإسلام والتأمين». أخرجه ابن ماجة (856). والمراد بـ «التأمين» هنا هو قول المصلي «آمين» عقب قراءة الفاتحة. 7-ومن سلّم الله قلبه من الحسد والغل على الآخرين فقد أُعطي خيراً عظيماً، ومن أعظم الأحاديث في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده 3 /166 بسند صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه قال: كنَّا جلوساً مع رسول الله فقال: «يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنَّة» فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوءه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبَّيُّ مثل ذلك، فطلع ذلك الرجلُ مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النَّبيُّ مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النَّبيُّ ، تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيتُ (لاحيتُ: الملاحاة، المباغضة والمنازعة) أبي، فأقسمتُ أنْ لا أدخلَ عليه ثلاثاً، فإنْ رأيتَ أنْ تؤويني إليك حتى تمضي، فعلت. قال: نعم. قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنَّه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يَرَهُ يقوم من الليل شيئاً، غير أنَّه إذا تعارّ هب واستيقظ من الليل، وتقلّبَ على فراشه ذكر الله عز وجل، وكبّر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضتِ الثلاث ليالٍ، وكدتُ أنْ أحقر عمله، قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجر ثَمَّ، ولكني سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات: ((يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنَّة)) فطلعت َ أنت الثلاث مرارٍ، فأردتُ أنْ آوي إليك، لأنظرَ ما عملك، فأقتدي به، فلم أرَكَ تعملُ كثيرَ عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قالَ رسول الله فقال: ما هو إلا ما رأيتَ. قال: فلما ولّيتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خيرٍ أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغتْ بكَ، وهي التي لا نطيق.

الإجماع

قال القرافي: «وأجمعت الأمة على تحريمه». "الذخيرة" (13/250).

أقوال أهل العلم

الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما لا يملكه، طالب ما لا يجده ابن المُعْتَزّ "أدب الدنيا والدين" (179)
الحسود من الهمّ كساقي السمّ، فإن سرى سمّه زال عنه همّه عَبْد الحَميد الكاتِب "أدب الدنيا والدين" (176)
«بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكِبَر والشحّ، حسد إبليسِ وتكبّر على آدم، وشحّ آدم، فقيل له: كلْ من شجر الجنة كلها إلَا التي نهاه الله فشحَّ فأَكل منها». الإمام مالِك "البيان والتحصيل" (17/62).
«واعلم أنه لا أصل للعداوة المذمومة سوى حب العاجلة، فمنه تنشأ المماراة، والحقد، والحسد، ونحوها، وآفات العداوة كثيرة جدًا ولا يقابلها شيء». عبد الله بن عبد الرحمن بن سراج الدين باجمال الحضرمي "النفحة الجودية" (ص200)

الأضرار والمفاسد

الحسد داء خطير، فإن حسد إبليس آدم هو أول معصية عصي الله بها في الأرض. ومن أضرار الحسد: 1- إسخاط الله تعالى في معارضته، واجتناء الأوزار في مخالفته، إذ ليس يرى قضاء الله عدلًا، ولا لنعمه من الناس أهلاً، فالله تعالى هو من قسم الأرزاق بين الناس، والحاسد يعترض على هذه القسمة، وصاحبه يستحق أن يحل عليه غضب الله تعالى. 2- حسرات النفس وسقام الجسد، ثمّ لا يجد لحسرته انتهاء، ولا يؤمّل لسقامه شفاء، فالحسد نارٌ تأكل صاحبها قبل أن تصل لغيره. 3- انخفاض المنزلة، وانحطاط المرتبة، فالحسود تنحط منزلته بين الناس ولا يبقى له أي اعتبارٍ بينهم. 4- مقت الناس له، حتّى لا يجد فيهم محبّا، وعداوتهم له حتّى لا يرى فيهم وليّا، فيصير بالعداوة مأثورا وبالمقت مزجورا، فالناس أعداءٌ لكل حسود. 5-يجلب النقم ويزيل النعم، وهذا راجعٌ للضرر الأول فالله تعالى يجازي المسيء بما يستحقه بحكمته. 6- منبع الشرور العظيمة ومفتاح العواقب الوخيمة، فالحاسد قد يصل به الحسد أن يغتاب، أو يسعى بالنميمة، وقد يصل به الحال إلى قتل النفس التي حرم الله بغير حق. 7- يورث الحقد والضغينة في القلب، فقلب الحاسد مجمع للشرور والأضغان. 8- معول هدم في المجتمع، فالحسد يتعدى ضرره ليصل إلى المجتمع، وينشر الشرور فيه. 9- دليل على سفول الخلق ودناءة النفس، فنفس الشريف تأبى الحسد، وتجتنب كل سببٍ يوصل إليه. انظر "كتاب نضرة النعيم في مكارم الرسول الكريم" (4429/10)

وسائل الاجتناب

أولًا: اتّباع الدين في اجتنابه، والرجوع إلى الله عزّ وجلّ- في آدابه فيقهر نفسه على مذموم خلقها، وينقلها عن لئيم طبعها وإن كان نقل الطباع عسرًا، لكن بالرّياضة والتدريج يسهل منها ما استصعب، ويحبّب منها ما أتعب، فالحسد شأنه شأن كل خلق يتركه من ابتلي به بالتدرج. ثانيًا: اتباع العقل الّذي يَستقبِحُ به من نتائج الحسد ما لا يرضيه، ويستنكف من هجنة مساويه، فيذلّل نفسه أنَفَةً، ويُطهِّرها حميَّة، فتذعنُ لرُشدها، وتجيب إلى صلاحها، فالناظر في عواقب الحسد يأنف اتباع هذا الطريق. وهذا إنّما يصحّ لدى النفس الأبيّة، والهمّة العليّة، وإن كان ذو الهمّة يجلّ عن دناءة الحسد. ثالثًا: أن يستدفع ضرره، ويتوقَّى أثرَه، ويعلمَ أنَّ مكانته في نفسه أبلغ، ومن الحسد أبعد، فيستعملَ الحزم في دفع ما كدَّهُ وأكمده، ليكون أطيب نفسًا وأهنأ عيشًا. رابعًا: أن يرضى بالقضاء، ويستسلم للمقدور، ولا يرى أن يغالب قضاء الله، فيرجع مغلوبًا، ولا أن يعارضه في أمره، فيردّ محرومًا مسلوبًا. قال ابن جماعة: «ومن أدوية الحسد: الفكر بأنه اعتراض على الله في حكمته المقتضية تخصيص المحسود بالنعمة، كما قال الشاعر العربي: فإن تغضَبُوا من قسمةِ اللهِ بيننا=فلَلَّهُ إذ لم يُرضِيكُمُ كان أبصَرَا». "تذكرة السامع والمتكلم" (ص55). خامسًا: الفكر بما في الحسد من الغم وتعب القلب وتعذيبه بما لا ضرر فيه على المحسود. "تذكرة السامع والمتكلم" لابن جماعة (ص55)، "نضرة النعيم في مكارم الرسول الكريم" (4419/10).

مسائل متعلقة

أسباب دفع شرّ الحاسد عن المحسود

قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ويندفع شرّ الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب: السبب الأوّل: التعوّذ بالله من شرّه، والتحصّن به، واللجوء إليه. السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره. السبب الثالث: الصبر على عدوِّه، وأن لا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسَه بأذاه أصلا. فما نصر على حاسده وعدوّه بمثل الصبر عليه. السبب الرابع: التوكّل على الله. فمن توكّل على الله فهو حسبه، والتوكّل من أقوى الأسباب الّتي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم. وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإنّ الله حسبه، أي كافيه. ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه. السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلّما خطر له. فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شرّه. السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبّته ورضاه والإنابة إليه في محلّ خواطر نفسه وأمانيّها تدبّ فيها دبيب تلك الخواطر شيئا حتّى يقهرها ويغمرها ويذيبها بالكلّيّة. فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيّه كلّها في محابّ الربّ، والتقرّب إليه. السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه. فإنّ الله تعالى يقول: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى /30). السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنّ لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ودفع العين، وشرّ الحاسد ولو لم يكن في هذا إلّا بتجارب الأمم قديمًا وحديثًا لكفى به. فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها، ولا عرّضها، للزّوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله، وهو كفران النعمة، وهو باب إلى كفران المنعم. السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقّها عليها، ولا يوفّق له إلّا من عظم حظّه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلّما ازداد أذى وشرّا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا، وله نصيحة، وعليه شفقة. وما أظنّك تصدّق بأنّ هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه، فاستمع الآن إلى قوله- عزّ وجلّ-: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (فصلت /34- 36) السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كلّه وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد والترحّل بالفكر في الأسباب إلى المسبّب العزيز الحكيم والعلم بأنّ هذه الآلات بمنزلة حركات الرّياح وهي بيد محرّكها وفاطرها وبارئها ولا تضرّ ولا تنفع إلّا بإذنه فهو الّذي يحسن عبده بها وهو الّذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس: 107]. "التفسير القيم" لابن القيم (585، 593).