البحث

عبارات مقترحة:

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الكبر والعجب

الكبر: قال الله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: 146] وقال: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: 23]. وفى الحديث الصحيح من أفراد مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". وفي "الصحيحين" عنه قال: "قالت النار: أوثرت بالمتكبرين". وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صورة الذر، يطؤهم الناس لهوانهم على الله عز وجل". وقال سفيان بن عيينة رحمة الله: من كانت معصيته في شهوة، فارج له التوبة، فإن آدم عليه السلام عصى مشتهيا فغفر له، فإذا كانت معصيته من كبر، فاحش عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبراً فلعن. وفي "الصحيحين": أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقال أبو بكر: يارسول الله إن أحد شقي إزاري ليسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لست ممن يصنعه خيلاء". واعلم: أن الكبر خلق باطن تصدر عنه أعمال هي ثمرته، فيظهر على الجوارح، وذلك الخلق هو رؤية النفس على المتكبر عليه، يعنى يرى نفسه فوق الغير في صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبراً وبهذا ينفصل عن العجب، فان العجب لا يستدعى غير المعجب، حتى لو قدر أن يخلق الإنسان وحده تصور أن يكون معجباً، ولا يتصور أن يكون متكبراً، إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوقه، فإن الإنسان متى رأى نفسه بعين الاستعظام، حقر من دونه وازدراه، وصفة هذا المتكبر، أن ينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير استجهالاً واستحقاراً. وآفة الكبر عظيمة، وفيه يهلك الخواص، وقلما ينفك عنه العباد والزهاد والعلماء. وكيف لا تعظم آفته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وإنما صار حجاباً دون الجنة، لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين، لأن صاحبه لا يقدر أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه، فلا يقدر على التواضع، ولا على ترك الحقد والحسد والغضب، ولا على كظم الغيظ وقبول النصح، ولا يسلم من الازدراء بالناس واغتيابهم. فما من خلق ذميم إلا وهو مضطر إليه. ومن شر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم، وقبول الحق، والانقياد له. وقد تحصل المعرفة للمتكبر، ولكن لا تطاوعه نفسه على الانقياد للحق، كما قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14] ﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ [المؤمنون: 47] ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [إبراهيم: 10] وآيات كثيرة نحو هذا، وهذا تكبر على الله وعلى رسوله. وقد تقدم أن التكبر على العباد هو احتقارهم واستعظام نفسه عليهم، وذلك أيضاً يدعو إلى التكبر على أمر الله تعالى، كما حمل إبليس كبره على آدم عليه السلام أن امتنع من امتثال أمر ربه في السجود. وقد شرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكبر فقال: "الكبر: بطر الحق وغمط الناس". ومعنى غمط الناس: الازدراء بهم، واستحقارهم. ويروى: غمص الناس بمعنى غمط الناس. واعلم: أن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاثة درجات: الأولى: أن يكون الكبر مستقراً في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيراً من غيره، إلا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلا أنه قد قطع أغصانها. الثانية: أن يظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه، فترى العالم يصعر (1) خده للناس، كأنه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدب الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، حين قال: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215]. الدرجة الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه، كالدعاوى والمفاخر، وتزكية النفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التكبر بالنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملاً. قال ابن عباس: يقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك، وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13﴾. وكذلك التكبر بالمال، والجمال، والقوة، وكثرة الأتباع، ونحو ذلك، فالكبر بالمال أكثر ما يجرى بين الملوك والتجار ونحوهم. والتكبر بالجمال أكثر ما يجرى بين النساء، ويدعوهن إلى التنقص والغيبة وذكر العيوب. وأما التكبر بالأتباع والأنصار، فيجرى بين الملوك بالمكاثرة بكثرة الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين. وفي الجملة فكل ما يمكن أن يعتقد كمالاً، فإن لم يكن في نفسه كمالاً، أمكن أن يتكبر به، حتى إن الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمرة والفجور، لظنه أن ذلك كمال. واعلم: أن التكبر يظهر في شمائل الإنسان، كصعر وجهه، ونظره شزراً، وإطراق رأسه، وجلوسه متربعاً ومتكئاً، وفى أقواله، حتى في صوته ونغمته، وصيغة إيراده الكلام، ويظهر ذلك أيضاً في مشيه وتبختره، وقيامه وقعوده وحركاته وسكناته وسائر تقلباته. ومن خصائل المتكبر، أن يحب قيام الناس له. والقيام على ضربين: قيام على رأسه وهو قاعد، فهذا منهي عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبواً مقعده من النار". وهذه عادة الأعاجم والمتكبرين. الثاني: قيام عند مجيء الإنسان، فقد كان السلف لا يكادون يفعلون ذلك. قال أنس: لم يكن شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك. وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل، وفضلاء الناس، وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل، فإذا تركه الإنسان في حق من يصلح أن يفعل في حقه، لم يأمن أن ينسبه إلى إهانته، والتقصير في حقه، فيوجب ذلك حقداً. واستحباب هذا في حق القائم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك، ويرى أنه ليس بأهل لذلك. ومن خصال المتكبر: أن لا يمشى إلا ومعه أحد يمشى خلفه. ومنها أن لا يزور أحداً تكبراً على الناس. ومنها أن يستنكف من جلوس أحد إلى جانبه أو مشيه معه. وقد روى أنس رضى الله عنه قال: كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتنطلق به في حاجتها. وقال ابن وهب: جلست إلى عبد العزيز بن أبى رواد، وإن فخذى لتمس فخذه فنحيت نفسي عنه، فأخذ ثيابي فجرني إليه وقال: لم تفعلون بى ما تفعلون بالجبابرة، وإني لا أعرف منكم رجلا شراً منى؟ ‍! ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته، وهذا بخلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها أن لا يحمل متاعه من سوقه إلى بيته، وقد اشترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً وحمله. وكان أبو بكر رضى الله عنه يحمل الثياب إلي السوق يتجر فيها. واشترى عمر رضى الله عنه لحماً فعلقه بيده وحمله إلى بيته. واشترى على رضى الله عنه تمراً فحمله في ملحفة، فقال له قائل: أحمل عنك؟ قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل. وأقبل أبو هريرة رضى الله عنه يوماً من السوق وقد حمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة مروان، فقال لرجل: أوسع الطريق للأمير. واعلم: أن الكبر من المهلكات، ومداواته فرض عين، ولك في معالجته مقامان: الأول: في استئصال أصله وقطع شجرته، وذلك بأن يعرف الإنسان نفسه ويعرف ربه، فإنه إذا عرف نفسه حق المعرفة، علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه أن ينظر في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً، بعد أن كان جماداً لا يسمع ولا يبصر، ولا يحس ولا يتحرك، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه. وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله: ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ [عبس: 18 و 19] ثم امتن عليه بقوله: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ [عبس: 20]، وبقوله ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الدهر: 2] فأحياه بعد الموت، وأحسن تصويره، وأخرجه إلى الدنيا، فأشبعه وأرواه، وكساه وهداه وقواه. فمن هذا بدايته، فأي وجه لكبره وفخره؟ على أنه لو دام له الوجود على اختياره لكان لطغيانه طريق، بل قد سلط عليه الأخلاط المتضادة، والأمراض الهائلة، بينما بنيانه قد تم، إذ هو قد وهى وتهدم، لا يملك الشيء لنفسه ضراً ولا نفعاً، بينها هو يذكر الشيء فينساه، ويستلذ بشيء فيرديه، ويروم الشيء فلا يناله، ثم لا يأمن أن يسلب حياته بغتة. هذا أوسط حاله، وذاك أول أمره، وأما آخر أمره، فالموت الذي يعده جماداً كما كان، ثم يلقى في التراب فيصير جيفة منتنه، وتبلى أعضاؤه، وتنخر عظامه، ويأكل الدود أجزاؤه، ويعود تراباً يعمل منه الكيزان، ويعمر منه البنيان، ثم بعد طول البلى تجمع أجزاؤه المتفرقة، ويحضر عرصة القيامة، فيرى أرضاً مبدلة، وجبالاً مسيرة، وسماءً منشقة، ونجوماً منكدرة، وشمساً مكورة، وأحوالاً مظلمة، وجحيماً تزفر، وصحائف تنشر، ويقال له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: 14]. فيقول: وما كتابي؟ فيقال: كان قد وكل بك في حياتك التي كنت تفرح بها وتتكبر بنعيمها ملكان يحصيان ما تنطق به وتعمل من قليل وكثير، وقيام وقعود، وأكل وشرب، وقد نسيت ذلك، وأحصاه الله تعالى، فهلم إلى الحساب عليه، وأعد جواباً به، وإلا فأنت تساق إلى النار، فما لمن هذه حاله التكبر؟ فإن صار إلى النار، فالبهائم أحسن حالاً منه، لأنه تعود إلى التراب، ومن هذا حاله وهو على شك من العفو عن أخطائه، كيف يتكبر؟! ومن الذي يسلم من ذنب يستحق به العقوبة، وما مثله إلا كمثل رجل جنى على ملك جناية استحق أن يضرب لأجلها ألف سوط، فحبس في السجن ليخرج فيعاقب، وهو منتظر أن يدعى به لذلك. أفتراه يتكبر على أهل السجن؟ وهل الدنيا إلا سجن، وهل المعاصي إلا موجبة للعقاب؟. وأما معرفة ربه، فيكفيه أن ينظر في آثار قدرته وعجائب صنعته، فتلوح له العظمة، وتظهر له المعرفة، فهذا هو العلاج القالع لأصل الكبر. ومن العلاج العملي التواضع بالفعل لله تعالى ولعباده، وذلك بالمواظبة على استعمال خلق المتواضعين، وقد تقدمت الإشارة إلى طريقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان عليه من التواضع والأخلاق الجميلة. المقام الثاني: فيما يعرض من التكبر بالأنساب، فمن اعتراه الكبر من جهة النسب، فليعلم أن هذا تعزز بكمال غيره، ثم يعلم أباه وجده، فإن أباه القريب نطفة قذرة، وأباه البعيد تراب، ومن اعتراه الكبر بالجمال، فلينظر إلى باطنه نظر العقلاء، ولا ينظر إلى ظاهره نظر البهائم، ومن اعتراه من جهة القوة، فليعلم أنه لو آلمه عرق، عاد أعجز من كل عاجز، إن حمى يوم تحلل من قوته ما لا يود في مدة، وإن شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته، وبقة لو دخلت في أذنه لأقلقته. ومن تكبر بسبب الغنى، فإذا تأمل خلقاً من اليهود، وجدهم أغنى منه، فأف لشرف تسبق به اليهود ويستلبه السارق في لحظة، فيعود صاحبه ذليلاً. ومن تكبر بسبب العلم، فليعلم أن حجة الله على العالم آلد من الجاهل، وليتفكر في الخطر العظيم الذي هو بصدده، فإن خطره أعظم من خطر غيره، كما أن قدره أعظم من قدر غيره. وليعلم أيضاً أن الكبر لا يليق بالله سبحانه، وأنه إذا تكبر صار ممقوتاً عند الله تعالى بغيضاً عنده. وقد أحب الله منه أن يتواضع، وكذلك كل سبب يعالجه بنقيضه ويستعمل التواضع. واعلم: أن هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان ووسط: فطرفه الذي يميل إلى الزيادة تكبراً. وطرفه الذي يميل إلى النقصان يمسي تخاسساً ومذلة. والوسط يمسي تواضعاً، وهو المحمود وهو أن يتواضع من غير مذلة، فخير الأمور أوساطها، فمن تقدم على أقرانه فهو متكبر، ومن تأخر عنهم، فهو متواضع، لأنه قد وضع شيئاً من قدره، فأما إذا أدخل على العالم إسكاف أو نحوه، فتنحى له عن مجلسه أو أجلسه فيه، ثم قدم له نعله ومشى معه إلى الباب، فقد تخاسس وتذلل، فذلك غير محمود، بل المحمود العدل، وهو أن يعطى كل ذي حق حقه، لكن تواضعه للسوقة بالرفق في السؤال واللين في الكلام، وإجابة الدعوة، والسعى في الحاجة، ولا يحقره، ولا يستصغره، والله أعلم. العجب: روى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل (1) فيها إلى يوم القيامة". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه". وروى عن ابن مسعود أنه قال: الهلاك في شيئين: العجب والقنوط. وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى. قال مطرف رحمه الله: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً، أحبُ إلى من أن أبيت قائما وأصبح معجباً. واعلم: أن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة، وهذا مع الخلق. فأما مع الخالق، فإن العجب بالطاعات نتيجة استعظامها، فكأنه يمن على الله تعالى بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها، ويعمى عن آفاتها المفسدة لها. وإنما يتفقد آفات الأعمال من خاف ردها دون من رضيها وأعجب بها. والعجب إنما يكون بوصف كمال من علم أو عمل، فإن انضاف إلى ذلك أن يرى حقاً له عند الله إدلالاً، فالعجب، يحصل باستعظام ما عجب به، والإدلال يوجب توقع الجزاء، مثل أن يتوقع إجابة دعائه وينكر رده. علاج العجب: اعلم أن الله سبحانه هو المنعم عليك بإيجادك وإيجاد أعمالك، فلا معنى لعجب عامل بعمله، ولا عالم بعلمه، ولا جميل بجماله، ولا غنى بغناه، إذ كل ذلك من فضل الله تعالى، وإنما الآدمي محل لفيض النعم عليه، وكونه محلاً له نعمة أخرى. فان قلت: إن العمل حصل بقدرتك ولا يتصور العمل إلا بوجودك ووجود عملك وإرادتك وقدرتك فمن أين قدرتك، وكل ذلك من الله تعالى لا منك، فإن كان العمل بالقدرة فالقدرة مفتاحه، وهذا المفتاح بيد الله تعالى، وما لم تعط المفتاح لا يمكنك العمل كما لو قعدت عند خزانة مغلقة لم تقدر على ما فيها إلا أن تعطى مفتاحها. وفى "الصحيحين" من حديث أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل". واعلم: أن العجب يكون بالأسباب التي يقع بها الكبر، وقد سبق ذكرها وعلاجها. ومن ذلك العجب بالنسب، كما يتخيل الشريف أنه ينجو بشرف آبائه، وعلاجه أن يعلم أنه متى خالف آباءه، وظن أنه ملحق بهم، فقد جهل، وإن اقتدى بهم، فإنه لم يكن العجب من أخلاقهم، بل الخوف والإزراء على النفس. وإنما شرفوا بالطاعة المحمودة، لا بنفس النسب. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا فاطمة، لا أغنى عنك من الله شيئاً". فإن قلت: إنما يرجو الشريف أن يشفع فيه ذوو قرابته. فالجواب: أن كل المسلمين يرجون الشفاعة، وقد يشفع في الشخص بعد إحراقه بالنار، وقد يقوى الذنب فلا تنجى الشفاعة. وفي "الصحيحين" من حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك". ومثل المنهمك في الذنوب اعتماداً على رجاء الشفاعة، كمثل المريض المنهمك في الشهوات، اعتماداً على طبيبه الحاذق المشفق، وذلك جهل، فإن اجتهاد الطبيب، ينفع بعض الأمراض لا كلها. ويوضح هذا أن سادات الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يخافون من الآخرة، فكيف يتكل من ليس في مثل مراتبهم؟! ومن ذلك العجب بالرأي الخطأ، كما قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: 8]. وعلاج هذا أشد من علاج غيره، فإن هذا متى كان معجباً برأيه لم يصغ إلى نصح ناصح، وكيف يترك ما يعتقده نجاة؟! وإنما علاجه في الجملة أن يكون متهماً لرأيه أبداً، لا يغتر به، إلا أن يشهد له قاطع من كتاب، أو سنة أو دليل عقلي جامع لشروط الأدلة، ولن يعرف ذلك إلا بمجالسة أهل العلم وممارسة الكتاب والسنة. والأولى لمن يتفرغ لاستغراق العمر في العلم أن لا يخوض في المذاهب، ولكن يقف عند اعتقاد الجمل، وأن الله سبحانه واحد لا شريك له، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وأن رسول الله صادق فيما جاء به ويؤمن بما جاء به القرآن من غير بحث ولا تنقير، ويصرف زمنه في التقوى، وأداء الطاعات، فمتى خاض في المذاهب ورام ما لا يصل إلى معرفته، هلك. ‌‌ "مختصر منهاج القاصدين" للمقدسي.