الحيي
كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...
اسْمٌ لِطَعَامِ الْعُرْسِ . ومن شواهده حديث ابن عمر –رَضِيَ اللهُ عَنْهما - قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "إذا دُعِيَ أحدُكم إلى الوليمة،ِ فليأتِها ." البخاري :4878
الوَلِيمَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِن الوَلْـمِ، وهو: الـجَمْعُ؛ لأنّ الزَّوْجَيْنِ يَـجْتَمِعانِ، يُقالُ: أَوْلَـمَ فُلانٌ: إذا عَمِل وَلِيمَةً، وأَوْلَـمَ فُلانٌ، أي: اجْتَمَعَ خَلْقُهُ وعَقْلُهُ، وهي اسْمٌ لِطَعامِ العُرْسِ والإِمْلاكِ، وقِيل: هي كُلُّ طَعامٍ صُنِعَ لِعُرْسٍ وغَيْرِهِ، أو كُلُّ طَعامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ أو غَيْرِها، أو اتُّخِذَ لـِجَمْعٍ لا سِيَّما في المَسَرَّاتِ. والجمع: ولائِـمٌ.
ولم
كُلُّ طَعامٍ صُنِعَ بِمناسَبَةِ الزَّواجِ.
الوَلِيمَةُ: طَعامٌ يُصنَعُ بِمناسَبَةِ الاحتِفالِ بالزَّواجِ، ويُدْعى النَّاسُ إلى أَكْلِهِ.
الوَلِيمَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنَ الوَلْـمِ، وهو: الـجَمْعُ، يُقال: أَوْلَـمَ فُلانٌ: إذا عَمِل وَلِيمَةً، وهي اسْمٌ لِطَعامِ العُرْسِ والإِمْلاكِ، أو لِكُلِّ ما اتُّخِذَ لـِجَمْعٍ لاسِيَّما في المَسَرَّاتِ.
اسْمٌ لِطَعَامِ الْعُرْسِ.
* العين : (8/344)
* مقاييس اللغة : (6/140)
* تهذيب اللغة : (15/292)
* الصحاح : (6/332)
* تاج العروس : (34/61)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/672)
* تحرير ألفاظ التنبيه : (ص 285)
* شرح حدود ابن عرفة : (1/270)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 327)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 511)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (3/503)
* القاموس الفقهي : (ص 387) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَلِيمَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَلْمِ وَهُوَ الْجَمْعُ، لأَِنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ، وَهِيَ اسْمٌ لِطَعَامِ الْعُرْسِ وَالإِْمْلاَكِ، وَقِيل: هِيَ كُل طَعَامٍ صُنِعَ لِعُرْسٍ وَغَيْرِهِ أَوْ كُل طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِجَمْعٍ. (1) وَفِي الاِصْطِلاَحِ تَقَعُ الْوَلِيمَةُ عَلَى كُل طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ مِنْ عُرْسٍ وَإِمْلاَكٍ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً فِي الْعُرْسِ أَشْهَرُ وَفِي غَيْرِهِ بِقَيْدٍ. (2)
وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوَلاَئِمِ الَّتِي يُدْعَى إِلَيْهَا النَّاسُ أَسْمَاءً خَاصَّةً. (3) تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (دَعْوَة ف 26) .
وَيَنْحَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى بَيَانِ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، أَمَّا الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِسَائِرِ الْوَلاَئِمِ فَتُنْظَرُ فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَا وَفِي مُصْطَلَحِ (دَعْوَة) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أـ الدَّعْوَةُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الدَّعْوَةِ فِي اللُّغَةِ: الضِّيَافَةُ، وَهِيَ بِفَتْحِ الدَّال عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ، وَتَيْمُ الرِّبَابِ تَكْسِرُهَا، وَذَكَرَهَا قُطْرُبٌ بِالضَّمِّ وَغَلَّطُوهُ. (4)
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ الدَّعْوَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَالصِّلَةُ بَيْنَ الدَّعْوَةِ وَالْوَلِيمَةِ أَنَّ الدَّعْوَةَ أَعَمُّ مِنَ الْوَلِيمَةِ. (5)
ب ـ الْمَأْدُبَةُ:
3 - الْمَأْدُبَةُ لُغَةً: الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ الرَّجُل وَيَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ. (6)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: كُل طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ مَأْدُبَةٌ. (7) ، وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَأْدُبَةِ وَالْوَلِيمَةِ أَنَّ الْوَلِيمَةَ أَخَصُّ مِنَ الْمَأْدُبَةِ. الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَلِيمَةِ وَلَهُمْ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ وَلِيمَةَ الْعَرَبِ سُنَّةٌ، زَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. (8) ، وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْوَلِيمَةَ مَسْنُونَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَ فِي الْمَال حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ (9) .
وَقَالُوا: سَبَبُ الْوَلِيمَةِ عَقْدُ النِّكَاحِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَفَرْعُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَلأَِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَتَقَدَّرَتْ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَكَانَ لَهَا بَدَلٌ عِنْدَ الإِْعْسَارِ، كَمَا يَعْدِل الْمُكَفِّرُ فِي إِعْسَارِهِ إِلَى الصِّيَامِ، فَدَل عَدَمُ تَقْدِيرِهَا وَبَدَلِهَا عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِهَا، وَلأَِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ مَأْخُوذًا بِفِعْلِهَا حَيًّا، وَمَأْخُوذَةً مِنْ تَرِكَتِهِ مَيِّتًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (10)
الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالإِْمَامُ أَحْمَدَ فِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ وَاجِبَةٌ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَال لَهُ: مَهْيَمْ - أَيْ مَا الْخَبَرُ؟ - قَال: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَْنْصَارِ. فَقَال: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (11) .، وَهَذَا أَمْرٌ يَدُل عَلَى الْوُجُوبِ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا نَكَحَ قَطُّ إِلاَّ أَوْلَمَ فِي ضِيقٍ أَوْ سَعَةٍ، وَلأَِنَّ فِي الْوَلِيمَةِ إِعْلاَنًا لِلنِّكَاحِ، فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ أَعْلِنُوا النِّكَاحَ (12) ، وَلأَِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ إِجَابَةُ الدَّاعِي إِلَيْهَا وَاجِبَةً، دَل عَلَى أَنَّ فِعْل الْوَلِيمَةِ وَاجِبٌ، لأَِنَّ وُجُوبَ الْمُسَبِّبِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السَّبَبِ. (13) الْقَضَاءُ بِالْوَلِيمَةِ:
5 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْوَلِيمَةِ أَوْ عَدَمِ الْقَضَاءِ بِهَا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ أَوْ نَدْبِهَا.
وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمَ الْقَضَاءِ بِالْوَلِيمَةِ، لأَِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَحَمَلُوا الأَْمْرَ فِي قَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁: " أَوْلِمْ. . . " عَلَى النَّدْبِ.
وَقَال خَلِيلٌ: وَصُحِّحَ الْقَضَاءُ بِالْوَلِيمَةِ: أَيْ عَلَى الزَّوْجِ إِنْ طَالَبَتْهُ الزَّوْجَةُ وَأَبَى مِنْهَا، وَأَشَارَ خَلِيلٌ بِهَذَا إِلَى قَوْل أَبِي الأُْصْبُعِ بْنِ سَهْلٍ: الصَّوَابُ الْقَضَاءُ بِهَا لِقَوْلِهِ ﷺ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: " أَوْلِمْ. . . " وَالأَْصْل فِي الأَْمْرِ الْوُجُوبُ مَعَ الْعَمَل بِهِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.
وَمَحَل الْخِلاَفِ - كَمَا قَال الدُّسُوقِيُّ - مَا لَمْ تَشْتَرِطْ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ يَجْرِ بِهَا الْعُرْفُ، وَإِلاَّ قَضَى بِهَا اتِّفَاقًا. . . أَيْ عِنْدَهُمْ. (14) حِكْمَةُ الْوَلِيمَةِ:
6 - الْوَلِيمَةُ: عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لإِِشْهَارِ النِّكَاحِ، قَال مَالِكٌ: كَانَ رَبِيعَةُ يَقُول: إِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الطَّعَامُ فِي الْوَلِيمَةِ لإِِثْبَاتِ النِّكَاحِ وَإِظْهَارِهِ وَمَعْرِفَتِهِ؛ لأَِنَّ الشُّهُودَ يَهْلَكُونَ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَمَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالْوَلِيمَةِ وَحَضَّ عَلَيْهَا. (15) بِقَوْلِهِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (16) . وَبِمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الآْثَارِ، وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِبَنِي زُرَيْقٍ فَسَمِعُوا غِنَاءً وَلَعِبًا، فَقَال: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: نِكَاحُ فُلاَنٍ يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَال: كَمُل دِينُهُ، هَذَا النِّكَاحُ لاَ السِّفَاحُ، وَلاَ نِكَاحُ السِّرِّ حَتَّى يُسْمَعُ دُفٌّ أَوْ يُرَى دُخَانٌ (17) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الظَّاهِرُ أَنَّ سِرَّهَا - أَيْ حِكْمَةُ الْوَلِيمَةِ - رَجَاءُ صَلاَحِ الزَّوْجَةِ بِبَرَكَتِهَا، فَكَانَتْ كَالْفِدَاءِ لَهَا. (18) إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ:
أ - حُكْمُ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ إِلَى ثَلاَثِ آرَاءٍ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الإِْجَابَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَاجِبَةٌ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ الإِْجَابَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ لِلْوَلِيمَةِ مُعَيَّنًا بِالشَّخْصِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا وَلَوْ بِكِتَابٍ أَوْ بِرَسُولٍ ثِقَةٍ يَقُول لَهُ رَبُّ الْوَلِيمَةِ: ادْعُ فُلاَنًا أَوْ أَهْل مَحَلَّةِ كَذَا، أَوْ أَهْل الْعِلْمِ أَوْ الْمُدَرِّسِينَ - وَهُمْ مَحْصُورُونَ - لأَِنَّهُمْ مُعَيَّنُونَ حُكْمًا، فَلاَ تَجِبُ الإِْجَابَةُ إِذَا كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ، كَادْعُ مَنْ لَقِيتَ أَوِ الْعُلَمَاءَ أَوِ الْمُدَرِّسِينَ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ دَعَا الْجَفَلَى -. (19) بِأَنْ يَقُول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا إِلَى الْوَلِيمَةِ، أَوْ يَقُول الرَّسُول: أُمِرْتُ أَنْ أَدْعُوَ كُل مَنْ لَقِيتُ أَوْ مَنْ شِئْتُ - لَمْ تَجِبِ الإِْجَابَةُ وَلَمْ تُسْتَحَبُّ، وَتَجُوزُ الإِْجَابَةُ بِهَذَا لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الدُّعَاءِ. (20) قَال الزُّرْقَانِيُّ: قَال غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَّاحِ: وَالتَّعْيِينُ بِأَنْ يَقُول صَاحِبُ الْعُرْسِ أَوْ وَكِيلُهُ لِمُعَيَّنٍ: تَأْتِي وَقْتَ كَذَا، أَوْ أَسْأَلُكَ الْحُضُورَ، أَوْ أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ، أَوْ تُجَمِّلَنِي بِالْحُضُورِ، لاَ إِنْ قَال: احْضُرْ إِنْ شِئْتَ إِلاَّ لِقَرِينَةٍ أَوْ اسْتِعْطَافٍ مَعَ رَغْبَتِهِ فِي حُضُورِهِ. (21)
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الإِْجَابَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ بِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا (22) ، وَفِي لَفْظٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ إِلَيْهَا (23) ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَْغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (24) . قَالُوا: إِنَّ فِي الإِْجَابَةِ تَآلُفًا، وَفِي تَرْكِهَا ضَرَرًا وَتَقَاطُعًا. (25)
الرَّأْيُ الثَّانِي: َذَهَبَ عَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ - اخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - إِلَى أَنَّ الإِْجَابَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، لأَِنَّهَا تَقْتَضِي أَكْل طَعَامٍ وَتَمَلُّكُ مَالٍ، وَلاَ يُلْزَمُ أَحَدٌ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالاً بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلأَِنَّ الزَّكَوَاتِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَى الأَْعْيَانِ لاَ يُلْزَمُ الْمَدْفُوعَةُ إِلَيْهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَكَانَ غَيْرُهَا أَوْلَى. (26)
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: َيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ: أَنَّ الإِْجَابَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا أَجَابَ مِمَّنْ دُعِيَ مَنْ تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ وُجُوبُهَا عَنِ الْبَاقِينَ وَإِلاَّ حُرِّجُوا أَجْمَعِينَ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْوَلِيمَةِ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا لِيَقَعَ الْفَرْقُ فِيهَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، فَإِذَا وُجِدَ الْمَقْصُودُ بِمَنْ حَضَرَ سَقَطَ وُجُوبُهَا عَمَّنْ تَأَخَّرَ. (27)
ب - مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الإِْجَابَةُ:
الْمَدْعُوُّ إِلَى الْوَلِيمَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا:
8 ـ أَمَّا الصَّائِمُ فَتَتَحَقَّقُ الإِْجَابَةُ إِلَى الْوَلِيمَةِ فِي حَقِّهِ بِحُضُورِهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ كَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا لَمْ يُفْطِرْ وَدَعَا لِلْقَوْمِ بِالْبَرَكَةِ وَقَال: إِنِّي صَائِمٌ، وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمَقَامِ أَوْ الاِنْصِرَافِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ (28) ، قَوْلُهُ " فَلْيُصَل " أَيْ يَدْعُو، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَال: " دَعَا أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَأَتَاهُ، فَجَلَسَ وَوَضَعَ الطَّعَامَ، فَمَدَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَدَهُ وَقَال: خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ، وَقَبَضَ عَبْدَ اللَّهِ يَدَهُ وَقَال: إِنِّي صَائِمٌ " (29) .
وَإِنْ كَانَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا فَيَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إِتْمَامُ الصِّيَامِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْكُل وَيُفْطِرَ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَنَّهُ إِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ مِنَ الْمَدْعُوِّ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَل مِنْ إِتْمَامِ الصَّوْمِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ لِجَبْرِ خَاطِرِ الدَّاعِي، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ فِي دَعْوَةٍ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ، ثُمَّ قَال لَهُ: افْطَرْ وَصُمْ مَكَانَهُ صُمْ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ (30) .
فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالإِْمْسَاكُ أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ﵁ أَنَّهُ أَجَابَ عَبْدَ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَال: إِنِّي صَائِمٌ وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُجِيبَ الدَّاعِيَ، فَأَدْعُو بِالْبَرَكَةِ (31) .، وَعَنْ عَبْدِ اللِّهِ قَال: إِذَا عُرِضَ عَلَى أَحَدِكُمْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُل: إِنِّي صَائِمٌ (32) .
قَال الرَّحِيبَانِيُّ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الْمَدْعُوِّ الأَْكْل كَسْرُ قَلْبِ الدَّاعِي كَانَ تَمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ فِطْرِهِ.
قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَعْدَل الأَْقْوَالِ، وَقَال: لاَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الدَّعْوَةِ الإِْلْحَاحُ فِي الطَّعَامِ أَيْ الأَْكْل لِلْمَدْعُوِّ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ، أَوْ الأَْكْل إِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَإِنَّ كِلاَ الأَْمْرَيْنِ جَائِزٌ، وَإِذَا أَلْزَمَهُ بِمَا لاَ يَلْزَمُهُ كَانَ مِنْ نَوْعِ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. (33) 9 ـ أَمَّا الْمَدْعُوُّ الْمُفْطِرُ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ أَكْلِهِ فِي الْوَلِيمَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
َذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الظَّاهِرِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الأَْكْل وَلاَ يَلْزَمُهُ، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعُمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ (34) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى وُجُوبِ الأَْكْل عَلَى الْمُفْطِرِ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَل وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ (35) ، وَلأَِنَّ الأَْكْل هُوَ مَقْصُودُ الْحُضُورِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ: إِنَّ الأَْكْل فِي الْوَلِيمَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَإِنْ أَكَل غَيْرَهُ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الأَْكْل. (36) ج ـ شُرُوطُ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ:
اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ شُرُوطًا مِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي مَكَانِ الدَّعْوَةِ، وَمِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الدَّاعِي، وَمِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَدْعُوِّ، وَمِنْهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَلِيمَةِ نَفْسِهَا.
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي مَكَانِ الدَّعْوَةِ:
أَوَّلاً: أَنْ لاَ يَكُونُ فِي الدَّعْوَةِ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ الْمَدْعُوُّ أَوْ عَدُوٌّ لَهُ:
10 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَنْ يَتَأَذَّى الْمَدْعُوُّ بِهِ أَوْ لاَ يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ. . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ التَّأَذِّي لأَِمْرٍ دِينِيٍّ.
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَاوَةِ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا، وَكَذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ كُلِّهِ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:
قَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَحْضُرَ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ الْمَدْعُوُّ لأَِمْرٍ دِينِيٍّ، كَمَنْ شَأْنُهُمْ الْوُقُوعُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، فَإِنْ حَضَرَ مَنْ ذُكِرَ لَمْ تَجِبِ الإِْجَابَةُ، أَمَّا لَوْ حَضَرَ مَنْ يَتَأَذَّى مِنْ رُؤْيَتِهِ أَوْ مِنْ مُخَاطَبَتِهِ لأَِجْل حَظِّ نَفْسٍ لاَ لِضَرَرٍ يَحْصُل لَهُ مِنْهُفَإِنَّهُ لاَ يُبَاحُ لَهُ التَّخَلُّفُ لِذَلِكَ. (37)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَكُونَ بِالْمَحَل الَّذِي يَحْضُرُ فِيهِ الْمَدْعُوِّ إِلَى الْوَلِيمَةِ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ، أَوْ لاَ يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّأَذِّي فِي الأَْوَّل وَالْغَضَاضَةِ فِي الثَّانِي.
وَمَثَّلُوا لِلْغَضَاضَةِ بِمَنْ لاَ يَلِيقُ بِالْمَدْعُوِّ مُجَالَسَتُهُ كَالأَْرْذَال لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَمَثَّلُوا لِلتَّأَذِّي بِحُضُورِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْعُوِّ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، كَمَا نَقَل الرَّمْلِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ وَقَال - الرَّمْلِيُّ وَوَافَقَهُ الْخَطِيبُ -: أَنَّهُ لاَ أَثَرَ لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمَدْعُوِّ وَالدَّاعِي، لَكِنَّ الرَّمْلِيَّ نَقَل عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَدْعُوِّ عَدُوٌّ أَوْ دَعَاهُ عَدْوُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إِسْقَاطِ الْوُجُوبِ، وَحَمَل ذَلِكَ كَمَا نَقَل عَنِ الأَْذْرُعِيِّ عَلَى مَا إِذَا كَانَ لاَ يَتَأَذَّى بِهِ. (38)
وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ، فَفِي التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ: أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ الْمَدْعُوُّ حُضُورَ الأَْرْذَال وَمَنْ مُجَالَسَتُهُمْ تُزْرِي بِمِثْلِهِ لَمْ تَجِبْ إِجَابَتُهُ.
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذَا الْقَوْل: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَال: وَقَدْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْوُجُوبَ، وَاشْتَرَطَ الْحِل وَعَدَمَ الْمُنْكَرِ، فَأَمَّا هَذَا الشَّرْطُ فَلاَ أَصْل لَهُ، كَمَا أَنَّ مُخَالَطَةَ هَؤُلاَءِ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ لاَ تُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ، وَفِي الْجِنَازَةِ لاَ تُسْقِطُ الْحُضُورَ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. (39)
ثَانِيًا: أَنْ لاَ يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ:
11 - الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ وَعَلِمَ قَبْل الْحُضُورِ بِوُجُودِ الْخُمُورِ أَوِ الْمَلاَهِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي فِيهَا، وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَإِزَالَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وُجُوبُ الإِْجَابَةِ فِي حَقِّهِ. (40)
12 - ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ حُضُورِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ ـ وَهُوَ الصَّحِيحُ ـ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يَجْلِسُ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ (41) ، وَلأَِنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ أَوْ سَمَاعِهِ بِلاَ حَاجَةٍ. (42)
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ عَلَيْهَا لَهْوٌ إِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْل الْحُضُورِ لاَ يُجِيبُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الإِْجَابَةِ. (43)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ جَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ: الأَْوْلَى أَنْ لاَ يَحْضُرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ وَلاَ يَسْتَمِعَ وَيُنْكِرَ بِقَلْبِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ يُضْرَبُ الْمُنْكَرُ فِي جِوَارِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ التَّحَوُّل وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ الْحُضُورِ بِأَنَّهُ رُبَّمَا أَحَشَمَهُمْ حُضُورُهُ فَكَفُّوا وَأَقْصَرُوا، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ دُعِيَا إِلَى وَلِيمَةٍ فَسَمِعَا مُنْكَرًا فَقَامَ مُحَمَّدُ لِيَنْصَرِفَ فَجَذَبَهُ الْحَسَنُ وَقَال: اجْلِسْ وَلاَ يَمْنَعُكَ مَعْصِيَتُهُمْ مِنْ طَاعَتِكَ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ وُجُودَ الْمُنْكَرِ قَبْل حُضُورِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ يَزُول بِحُضُورِهِ لِنَحْوِ عِلْمٍ أَوْ جَاهٍ فَلْيَحْضُرْ وُجُوبًا، إِجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، وَلاَ يَمْنَعُ الْوُجُوبُ وُجُودَ مَنْ يُزِيلُهُ غَيْرُهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لِلإِْزَالَةِ فَقَطْ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمُنْكَرِ يَمْنَعُ الإِْجَابَةَ مُطْلَقًا. (44)
13 - وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا فِي الْوَلِيمَةِ مِنَ الْمَعَاصِي فَعَلَيْهِ الإِْجَابَةُ وَلاَ يَكُونُ خَوْفُهُ مِنْهَا عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ عَنْهَا لِجَوَازِ أَنْ لاَ يَكُونَ.
وَإِنْ حَضَرَ وَكَانَتِ الْمَعَاصِي بِحَيْثُ لاَ يُشَاهِدُهَا وَلاَ يَسْمَعُهَا، قَال الْجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَقَامَ عَلَى حُضُورِهِ وَلَمْ يَنْصَرِفْ.
وَإِنْ سَمِعَهَا وَلَمْ يُشَاهِدْهَا قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ يَتَعَمَّدِ السَّمَاعَ وَأَقَامَ عَلَى الْحُضُورِ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لَوْ سَمِعَ فِي مَنْزِلِهِ مَعَاصٍ مِنْ دَارِ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الاِنْتِقَال عَنْ مَنْزِلِهِ، كَذَلِكَ هَذَا. (45)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمُنْكَرِ حَتَّى حَضَرَ فَشَاهَدَهُ نَهَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا وَجَبَ الْخُرُوجُ إِلاَّ إِنْ خَافَ كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ وَخَافَ مِنَ الْخُرُوجِ فَقَعَدَ كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَلاَ يَسْمَعُ لِمَا يَحْرُمُ اسْتِمَاعُهُ.
وَإِنْ اشْتَغَل بِالْحَدِيثِ أَوْ الأَْكْل جَازَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي جِوَارِ بَيْتِهِ، لاَ يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ، وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمُنْكَرِ حَتَّى حَضَرَ أَزَالَهُ وَجَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ إِجَابَةً لِلدَّعْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِزَالَتِهِ انْصَرَفَ لِئَلاَّ يَكُونَ قَاصِدًا لِرُؤْيَتِهِ أَوْ سَمَاعِهِ (46) ، وَرَوَى نَافِعٌ قَال: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ وَنَأَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَقَال لِي: يَا نَافِعُ هَل تَسْمَعُ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: لاَ، قَال: فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَقَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعَ مِثْل هَذَا فَصَنَعَ مِثْل هَذَا (47) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ فِي الْمَنْزِل فَإِنْ قَدِرَ الْمَدْعُوُّ عَلَى الْمَنْعِ فَعَل وَإِلاَّ صَبَرَ مَعَ الإِْنْكَارِ بِقَلْبِهِ، هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَنْعِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَلاَ يَقْعُدُ لأَِنَّ فِيهِ شَيْنُ الدِّينِ. (48)
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُنْكَرُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ، بَل يَخْرُجُ مُعْرِضًا. (49) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (50) } . ثَالِثًا: أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ الدَّعْوَةِ صُورَةً مُحَرَّمَةً: 14 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَكَانِ الدَّعْوَةِ صُوَرٌ مُجَسِّدَةٌ لإِِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ كَامِل الأَْعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَلَهَا ظِلٌّ يَدُومُ وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ، إِذْ تَصْوِيرُ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ إِذَا كَانَ كَامِل الأَْعْضَاءِ مُحَرَّمٌ فَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ (51) ، وَقَال: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ مِنْهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ (52) .
وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَجَاءَ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ مَا رَجَعَكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَال: إِنَّ فِي الْبَيْتِ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُل بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ (53) . وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَال هَذِهِ الصُّوَرِ فِي مَكَانٍ مُهَانٍ مُسْتَبْذَلٍ، وَفِيمَا إِذَا كَانَتِ الصُّورَةُ لِحَيَوَانٍ لَمْ يُشَاهِدْ مَثَلَهُ، أَوْ كَانَ نَاقِصَ الأَْعْضَاءِ أَوْ لاَ يَدُومُ ظِلُّهُ، وَفِي تَصْوِيرِ مَا لَيْسَ بِذِي رُوحٍ تَنْظُرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَصْوِير، ف 2، 10، 17)
رَابِعًا: أَنْ لاَ يُوجَدَ كَلْبٌ:
15 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يُوجَدَ كَلْبٌ لاَ يَحِل اقْتِنَاؤُهُ، أَوْ عَقُورٌ، وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الدَّاخِل أَعْمًى. (54)
خَامِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ هُنَاكَ كَثْرَةَ زِحَامٍ:
16 - اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ الدَّعْوَةِ كَثْرَةَ زِحَامٍ، فَإِنْ وُجِدَتْ جَازَ التَّخَلُّفُ عَنْ حُضُورِ الدَّعْوَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ تَكُونُ كَثْرَةُ الزَّحْمَةِ عُذْرًا إِنْ وَجَدَ سِعَةً لِمَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَأَمِنَ عَلَى نَحْوِ عِرْضِهِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ سِعَةً وَلَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَحْوِ عِرْضِهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الزَّحْمَةِ تَكُونُ عُذْرًا. (55) سَادِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ بَابُ مَكَانِ الْوَلِيمَةِ مُغْلَقًا:
17 - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ ضِمْنَ شُرُوطِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ عَدَمَ إِغْلاَقِ الْبَابِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَدْعُوِّ، فَلَوْ عَلِمَ الْمَدْعُوُّ أَنَّ الْبَابَ يُغْلَقُ عِنْدَ حُضُورِهِ وَلَوْ لِمُشَاوَرَةٍ جَازَ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْحُضُورِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِطَّةِ.
أَمَّا إِغْلاَقُ مَكَانِ الْوَلِيمَةِ لِخَوْفِ الطُّفَيْلِيَّةِ فَلاَ يُبِيحُ التَّخَلُّفَ؛ لأَِنَّ الإِْغْلاَقَ لِلضَّرُورَةِ. (56)
سَابِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ مَكَانُ الْوَلِيمَةِ بَعِيدًا:
18 - قَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَلاَّ يَبْعُدَ مَكَانُهَا بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَى الْمُجِيبِ الإِْتْيَانُ. (57)
ثَامِنًا: أَنْ لاَ تُوجَدَ نِسَاءٌ يُشْرِفْنَ عَلَى الْمَدْعُوِّينَ:
19 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُسْقِطُ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ لِلْوَلِيمَةِ أَنْ تُوجَدَ نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ إِلَى الْمَدْعُوِّينَ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْقِطُ الإِْجَابَةَ كَوْنُ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَيْتِ فِيهِ نِسَاءٌ وَاقِفَاتٌ يَتَفَرَّجْنَ عَلَى الدَّاخِل. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يُوجَدَ مُحْرَمٌ: كَنَظَرِ رَجُلٍ لاِمْرَأَةٍ أَوْ عَكْسِهِ، فَإِشْرَافُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَال عُذْرٌ فِي عَدَمِ الإِْجَابَةِ وَلَوْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزَ عَنْ رُؤْيَتِهِنَّ لَهُ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ بِحَيْثُ لاَ يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ. (58)
تَاسِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ الدَّعْوَةِ اخْتِلاَطُ النِّسَاءِ بِالرِّجَال:
20 - مِنْ شُرُوطِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَكَانِ الْوَلِيمَةِ اخْتِلاَطُ النِّسَاءِ بِالرِّجَال. (59)
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الدَّاعِي:
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الدَّاعِي لِوُجُوبِ الإِْجَابَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ هِيَ:
أَوَّلاً: كَوْنُ الدَّاعِي مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ:
21 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلاَ تُطْلَبُ إِجَابَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِبًا، أَوْ جُنُونٍ، أَوْ سَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ وَلَيُّهُ، لأَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ مَالِهِ لاَ بِإِتْلاَفِهِ، نَعَمْ إِنْ اتَّخَذَ الْوَلِيُّ الْوَلِيمَةَ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَال الأَْذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْحُضُورِ (60) ، وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ الآْخَرِينَ. وَانْظُرْ (أَهْلِيَّة ف 22، وَبُلُوغ ف 26، وَجُنُون ف 9) .
ثَانِيًا: كَوْنُ الدَّاعِي مُسْلِمًا:
22 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إِلَيْهَا مُسْلِمًا.
فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي كَافِرًا فَلاَ تَلْزَمُ إِجَابَتُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ لأَِنَّ الإِْجَابَةَ لِلْمُسْلِمِ لِلإِْكْرَامِ وَالْمُوَالاَةِ وَتَأْكِيدِ الْمَوَدَّةِ وَالإِْخَاءِ، فَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ، وَلأَِنَّهُ لاَ يَأْمَنُ اخْتِلاَطَ طَعَامِهِمْ بِالْحَرَامِ وَالنَّجَاسَةِ.
وَلَكِنْ تَجُوزُ إِجَابَةُ الْكَافِرِ. (61) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنْ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ ﷺ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَجَابَهُ (62) .
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: لاَ بَأْسَ بِالذَّهَابِ إِلَى ضِيَافَةِ أَهْل الذِّمَّةِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ: الْمَجُوسِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ إِذَا دَعَا رَجُلاً إِلَى طَعَامِهِ تُكْرَهُ الإِْجَابَةُ، وَإِنْ قَال: اشْتَرَيْتُ اللَّحْمَ مِنَ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي نَصْرَانِيًّا فَلاَ بَأْسَ بِهِ. (63)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ تَجِبُ إِجَابَةُ دَعْوَةِ الذِّمِّيِّ. (64)
ثَالِثًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي فَاسِقًا:
23 - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي فَاسِقًا، فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي فَاسِقًا فَلاَ تَلْزَمُ إِجَابَتُهُ، قَال الأَْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: كُل مَنْ جَازَ هَجْرُهُ لاَ تَجِبْ إِجَابَتُهُ.
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْفَاسِقِ مُعْلِنًا فِسْقَهُ (65) ، وَفِي الْخُلاَصَةِ: يَجُوزُ لِلْوَرِعِ أَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْفَاسِقِ، وَالأَْوْرَعُ أَنْ لاَ يُجِيبَ. (66)
رَابِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ غَالِبَ مَال الدَّاعِي مِنْ حَرَامٍ:
24 - الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبْ إِجَابَةُ دَعْوَةُ مَنْ كَانَ غَالِبَ مَالِهِ مِنْ حَرَامٍ مَا لَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ حَلاَلٌ، وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ إِجَابَتُهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي إِجَابَةِ وَلِيمَةُ مَنْ كَانَ فِي مَالِهِ حَرَامٌ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ إِجَابَةُ مَنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ. (67) لِحَدِيثِ مَنْ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ (68) .
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ تَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ. (69)
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَدْعُوَّ يُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ كَانَ غَالِبَ مَالِهِ حَلاَلٌ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ. (70)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ لاَ يَجُوزُ الْحُضُورُ وَلاَ الأَْكْل. (71)
وَيَرَى ذَلِكَ جَمْعٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ مِنْهُمْ الشِّيرَازِيُّ وَالأَْزَجِيُّ حَيْثُ قَالُوا بِتَحْرِيمِ الأَْكْل مُطْلَقًا وَلَوْ قَل الْحَرَامُ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ حَرَامًا. كَمَا اخْتَارَ جَمْعٌ مِنْهُمْ، الْخِرَقِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَرَامُ أَكْثَرَ حَرُمَ الأَْكْل وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ، إِقَامَةً لِلأَْكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ، وَاخْتَارَ جَمْعٌ آخَرُ - مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ - أَنَّهُ إِنْ زَادَ الْحَرَامُ عَلَى الثُّلْثِ حَرُمَ الأَْكْل وَإِلاَّ فَلاَ. (72)
خَامِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي طَالِبًا لِلْمُبَاهَاةِ:
25 - يُشْتَرَطُ لإِِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي إِلَيْهَا طَالِبًا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ.
وَبِهَذَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ. (73)
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَةَ الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا قَصْدًا مَذْمُومًا مِنَ التَّطَاوُل وَإِنْشَاءِ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلاَ يَنْبَغِي إِجَابَتُهَا لاَ سِيَّمَا أَهْل الْعِلْمِ؛ لأَِنَّ فِي الإِْجَابَةِ إِذْلاَل أَنْفُسِهِمْ.
كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْل طَعَامٍ اتُّخِذَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمَدْعُوِّ بِالْقَرَائِنِ وَالأَْمَارَاتِ. (74) سَادِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي امْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ:
26 - يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي إِلَيْهَا امْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الدَّاعِيَةِ مَحْرَمٌ لِلْمَدْعُوِّ أُنْثَى يَحْتَشِمُهَا، أَوْ يَكُونَ لِلْدَّاعِيَةِ مَحْرَمٌ.
وَبِهَذَا قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ. (75)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِنْ دَعَتِ امْرَأَةٌ رَجُلاً عَيَّنَتْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ إِلاَّ مَعَ خَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَتَحْرُمُ الإِْجَابَةُ لاِشْتِمَالِهَا عَلَى مُحَرَّمٍ. (76)
سَابِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الدَّاعِي قَدْ خَصَّ بِالدَّعْوَةِ الأَْغْنِيَاءَ:
27 - يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَظْهَرَ مِنَ الدَّاعِي قَصْدُ تَخْصِيصِ الأَْغْنِيَاءِ لأَِجْل غِنَاهُمْ، فَلَوْ خَصَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ لأَِجْل غِنَاهُمْ لَمْ تَجِبْ الإِْجَابَةُ عَلَيْهِمْ فَضْلاً عَنْ غَيْرِهِمْ (77) ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الأَْغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ (78) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي اخْتِصَاصِ الأَْغْنِيَاءِ بِالدَّعْوَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ فَعَل ذَلِكَ هَل تُجَابُ دَعْوَتُهُ أَمْ لاَ؟ فَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ لاَ تُجَابُ، وَنَحَا نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ وُجُوبُ الإِْجَابَةِ وَقَال فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي تَرْجَمَةِ حِكَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ فِي إِتْيَانِ الْوَلِيمَةِ " قَال مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ دُونٌ، فَأَتَى لِيَدْخُل فَمُنِعَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ: فَذَهَبَ فَلَبِسَ ثِيَابًا جِيَادًا ثُمَّ جَاءَ فَأُدْخِل، فَلَمَّا وُضِعَ الثَّرِيدُ وَضَعَ كُمَّيْهِ عَلَيْهِ فَقِيل لَهُ: مَا هَذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ! فَقَال: إِنَّمَا هِيَ الَّتِي أُدْخِلَتْ، وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَدْخُل قَدْ رَدَدْتُ إِذْ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ. ثُمَّ بَكَى وَقَال: ذَهَبَ حِبِّي وَلَمْ يَنَل مِنْ هَذَا شَيْئًا وَبَقِيتُمْ تُهَانُونَ بَعْدَهُ " (79) قَال ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْوَلِيمَةُ الَّتِي رَدَّ فِيهَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْهُ مِنْ حُجَّابِ بَابِ الْوَلِيمَةِ إِذْ ظَنَّهُ فَقِيرًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ الدُّونِ وَأَدْخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ رَآهُ مِنْ حُجَّابِهَا فِي صِفَةِ الأَْغْنِيَاءِ بِالثِّيَابِ الْحِسَانِ هِيَ الَّتِي قَال فِيهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الأَْغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُرْوَى بِئْسَ الطَّعَامُ يُرِيدُ أَنَّهُ بِئْسَ الطَّعَامُ لِمُطْعِمِهِ إِذْ رَغِبَ عُمَّالُهُ فِي الْحَظِّ مِنْ أَنْ لاَ يَخُصَّ بِطَعَامِهِ الأَْغْنِيَاءَ دُونَ الْفُقَرَاءِ فَالْبَأْسُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لاَ عَلَى مَنْ دَعَاهُ إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَبَكَى ﵁ شَفَقًا مِنْ تَغْيِيرِ الأَْحْوَال عَلَى قُرْبِ الْعَهْدِ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَرَغْبَةِ النَّاسِ عَمَّا نُدِبُوا إِلَيْهِ فِي وَلاَئِمِهِمْ مِنْ عَمِلَهَا وَتَرْكِ الرِّيَاءِ فِيهَا وَالسُّمْعَةِ. (80)
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَدْعُوِّ:
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ فِي الْمَدْعُوِّ مَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: الْعَقْل وَالْبُلُوغُ:
28 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً وَبَالِغًا لِيَكُونَ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْل مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمُ الاِلْتِزَامِ. (81) ثَانِيًا: الْحُرِّيَّةُ:
29 - يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا؛ لأَِنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ بِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لَزِمَتْهُ الإِْجَابَةُ حِينَئِذٍ. (82)
ثَالِثًا: الإِْسْلاَمُ:
30 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ لِلْوَلِيمَةِ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَلاَ يَلْزَمُ ذِمِّيًّا إِجَابَةُ دَعْوَةِ مُسْلِمٍ لأَِنَّهُ لاَ يَلْتَزِمُ أَحْكَامَ شَرْعِنَا إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ. (83)
رَابِعًا: أَنْ لاَ يُوجَدَ عُذْرٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا:
31 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَلاَّ يَقُومَ بِالْمَدْعُوِّ إِلَيْهَا عُذْرٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا يَمْنَعُهُ مِنْ حُضُورِهَا، كَتِلْكَ الأَْعْذَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي تَرْكِ الْجُمْعَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
قَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْقِطُ الإِْجَابَةَ عِلْمُ الْمَدْعُوِّ بِفَوَاتِ الْجُمْعَةِ إِذَا ذَهَبَ، وَبُعْدُ الْمَكَانِ جِدًّا، بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَى الْمَدْعُوِّ الذَّهَابُ إِلَيْهَا عَادَةً، وَمَرَضُ وَتَمْرِيضُ قَرِيبٍ، وَشِدَّةُ وَحْلٍّ أَوْ مَطَرٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى مَالٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ الْجُمْعَةِ. (84)
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِلإِْجَابَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَدْعُوِّ مَعْذُورًا بِمُرَخَّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَتَوَقَّفَ الأَْذْرَعِيُّ فِي إِطْلاَقِهِ، وَأَنْ لاَ يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمَدْعُوِّ حَقٌّ كَأَدَاءِ شَهَادَةٍ وَصَلاَةِ جِنَازَةٍ. (85)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ إِلَى الْوَلِيمَةِ مَرِيضًا، أَوْ مُمَرِّضًا لِغَيْرِهِ، أَوْ مَشْغُولاً بِحِفْظِ مَالٍ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ فِي مَطَرٍ يَبُل الثِّيَابَ، أَوْ وَحْلٍ. . . لَمْ تَجِبْ الإِْجَابَةُ لأَِنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ فَأَبَاحَ تَرْكَ الإِْجَابَةِ.
وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ أَجِيرًا خَاصًّا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ؛ لأَِنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، أَشْبَهَ الْعَبْدَ غَيْرَ الْمَأْذُونِ. (86)
خَامِسًا: أَنْ لاَ يَسْبِقَ الدَّاعِي غَيْرَهُ:
32 - اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ لاَ يَسْبِقَ الدَّاعِي غَيْرَهُ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الدَّاعِي كَأَنْ دَعَاهُ رَجُلاَنِ وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَسَبَقَ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ أَجَابَ السَّابِقَ؛ لأَِنَّ إِجَابَتَهُ وَجَبَتْ حِينَ دَعَاهُ، فَلَمْ يَزُل الْوُجُوبُ بِدُعَاءِ الثَّانِي، وَلَمْ تَجِبْ إِجَابَةُ الثَّانِي؛ لأَِنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ مَعَ إِجَابَةِ الأَْوَّل.
33 - ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يُقَدِّمُ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُ الدَّاعِيَيْنِ الآْخَرَ:
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الدَّاعِيَيْنِ إِنِ اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَةِ فَذُو الرَّحِمِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فَأَقْرَبُهُمَا رَحِمًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَقْرَبُهُمَا دَارًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَجَابَهُ. (87)
وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ: فَقَال ابْنُ قُدَامَةَ إِنْ وُجِّهَتِ الدَّعْوَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَةِ أَجَابَ الْمَدْعُوُّ أَقْرَبُهُمَا بَابًا، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبْ الَّذِي سَبَقَ (88) ، وَلأَِنَّ هَذَا مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ فَقُدِّمَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا رَحِمًا لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لأَِنَّ الْقُرْعَةَ تُعَيِّنُ الْمُسْتَحِقَّ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْحُقُوقِ. (89) وَقَال الْبُهُوتِيُّ: إِنْ اسْتَوَى الدَّاعِيَانِ فِي الدَّعْوَةِ أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا؛ لأَِنَّ كَثْرَةَ الدِّينِ لَهَا أَثَرٌ فِي التَّقْدِيمِ كَالإِْمَامَةِ، ثُمَّ إِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا لِمَا فِي تَقْدِيمِهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، ثُمَّ إِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا ثُمَّ إِنِ اسْتَوَيَا يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا، إِلاَّ أَنْ يَتَّسِعَ الْوَقْتُ لإِِجَابَتِهِمَا فَتَجِبُ الإِْجَابَةُ. (90)
سَادِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا:
34 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجَابَةِ الْقَاضِي الدَّعْوَةَ إِلَى الْوَلِيمَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:
الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ " الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ إِلَى جَوَازِ حُضُورِ الْقَاضِي؛ لأَِنَّهُ إِجَابَةٌ لِلسُّنَّةِ وَلاَ تُهْمَةَ فِيهِ كَمَا قَال الْحَنَفِيَّةُ مَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ فَلاَ يَحْضُرُهَا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِيذَاءِ الْخَصْمِ الآْخَرِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا كَثُرَتِ الْوَلاَئِمُ وَقَطَعَتْهُ عَنِ الْحُكْمِ تَرَكَهَا فِي حَقِّ الْجَمِيعِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ، وَرَأْيٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَحْضُرُهَا وَيَأْمُرُ بِحُضُورِهَا وَقَال: مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (91) ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إِنْ كَثُرَتْ وَازْدَحَمَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا وَلَمْ يُجِبْ أَحَدًا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُهُ عَنِ الْحُكْمِ الَّذِي قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ إِلَيْهَا. (92)
الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْوَلِيمَةِ نَفْسِهَا:
أَوَّلاً: كَوْنُ الْوَلِيمَةِ فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل:
35 - يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ إِلَيْهَا فِي الْيَوْمِ الأَْوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَمْ تَجِبْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، بِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْوَلِيمَةُ أَوَّل يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ (93) . وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ حُكْمِ الْكَرَاهَةِ مَا إِذَا كَانَ اتِّخَاذُ الْوَلِيمَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِضِيقِ مَنْزِلٍ أَوْ قَصْدِ جَمْعِ الْمُتَنَاسِبِينَ فِي وَقْتٍ كَالْعُلَمَاءِ وَالتُّجَّارِ وَنَحْوِهِمْ فَلاَ يُكْرَهُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا بَنَى الرَّجُل بِامْرَأَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ الْجِيرَانَ وَالأَْقْرِبَاءَ وَالأَْصْدِقَاءَ وَيَذْبَحَ لَهُمْ وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَإِذَا اتَّخَذَ وَلِيمَةً يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا، وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَدْعُوَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعُرْسُ وَالْوَلِيمَةُ. (94)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ تَكْرَارُالْوَلِيمَةِ، لأَِنَّهُ سَرَفٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ ثَانِيًا غَيْرَ الْمَدْعُوِّ قَبْل ذَلِكَ. (95)
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - اعْتَمَدَهُ الأَْذْرَعِيُّ - أَنَّهُ تَجِبُ الإِْجَابَةُ إِنْ لَمْ يُدْعَ فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل أَوْ دُعِيَ وَامْتَنَعَ لِعُذْرٍ وَدُعِيَ فِي الثَّانِيَةِ. (96) ثَانِيًا: وَقْتُ الْوَلِيمَةِ:
36 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ تَكُونُ بَعْدَ الدُّخُول. (97)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ وَقْتَ الْوَلِيمَةِ الأَْفْضَل بَعْدَ الدُّخُولِ، وَأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَدْخُل وَقْتُهَا بِهِ. (98)
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا الاِتِّجَاهِ مَا قَالَهُ الْمِرْدَاوِيُّ: الأَْوْلَى أَنْ يُقَال وَقْتُ الاِسْتِحْبَابِ مُوَسَّعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ إِلَى انْتِهَاءِ أَيَّامِ الْعُرْسِ لِصِحَّةِ الأَْخْبَارِ فِي هَذَا وَهَذَا، وَكَمَال السُّرُورِ بَعْدَ الدُّخُول. وَلَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهَا قَبْل الدُّخُول بِيَسِيرٍ. (99)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ تُسَنُّ الْوَلِيمَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ. (100)
وَيَرَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ تَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الدُّخُول. (101)
ثَالِثًا: تَعَدُّدُ الْوَلِيمَةِ:
37 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ تُجْزِيِهِ وَلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ قَصَدَ بِهَا الْجَمِيعَ لَتَدَاخُل أَسْبَابِهَا، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا بَقِيَ طَلَبُ غَيْرِهَا. (102)
وَالأَْصْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَلِيمَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ دُخُولٍ وَاحِدٍ. (103)
رَابِعًا: أَقَل مَا يُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ:
38 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ " الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِقَل الْوَلِيمَةِ وَتَحْصُل السُّنَّةُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَطَعَمَهُ، وَلَوْ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَوْلَمَ ﷺ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ (104) .
وَنَقَل عِيَاضٌ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِقَل الْوَلِيمَةِ وَأَنَّهُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ حَصَلَتِ السُّنَّةُ. (105)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَقَل الْوَلِيمَةِ لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ، وَلِغَيْرِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ ﷺ قَال لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا تَزَوَّجَ: " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (106) .
قَال النَّسَائِيُّ: وَالْمُرَادُ أَقَل الْكَمَال شَاةٌ، لِقَوْل التَّنْبِيهِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنَ الطَّعَامِ جَازَ، وَهُوَ يَشْمَل الْمَأْكُول وَالْمَشْرُوبَ الَّذِي يُعْمَل فِي حَال الْعَقْدِ مِنْ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ مُوسِرًا. (107)
وَصَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تَنْقُصَ الْوَلِيمَةُ عَنْ شَاةٍ. (108)
وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: وَلَوْ بِشَاةٍ الشَّاةُ هُنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ كَشَاةٍ.
قَال الْمِرْدَاوِيُّ: فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَلِيمَةُ بِدُونِ شَاةٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الأَْوْلَى الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّاةِ لأَِنَّهُ جَعَل ذَلِكَ قَلِيلاً. (1)
خَامِسًا: فَوَاتُ الْوَلِيمَةِ:
39 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْوَلِيمَةَ لاَ آخِرَ لِوَقْتِهَا فَلاَ تَفُوتُ بِطَلاَقٍ وَلاَ مَوْتٍ وَلاَ بِطُول الزَّمَنِ. (2)
وَظَاهِرُ عِبَارَاتِ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ تُفِيدُ أَنَّ الْوَلِيمَةَ تَقَعُ أَدَاءً أَبَدًا وَفِي الْبُجَيْرِمِيِّ مَا نَصَّهُ: قَال الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيمَةَ تَنْتَهِي بِمُدَّةِ الزِّفَافِ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلاَثًا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ قَضَاءً. (3)
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(2) مغني المحتاج 3 / 244، والمطلع على أبواب المقنع ص 327 - 328، وحاشية ابن عابدين 5 / 221، والدسوقي 2 / 321.
(3) مغني المحتاج 3 / 245، والمبدع 7 / 179.
(4) تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 216.
(5) فتح الباري 9 / 149 ط دار الريان للتراث - القاهرة.
(6) لسان العرب مادة (أدب) .
(7) البحر الرائق 7 / 302، وحاشية القليوبي 3 / 294، والمغني 7 / 1.
(8) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 337، والزرقاني 4 / 52، ومغني المحتاج 3 / 244، وروضة الطالبين 7 / 232، والمغني 7 / 1 - 2، والإنصاف للمرداوي 8 / 216، والفتاوى الهندية 5 / 343، وبريقه محمودية 4 / 176.
(9) حديث " ليس في المال حق سوى الزكاة. . " أخرجه ابن ماجه (1 / 570 ـ ط الحلبي) ، من حديث فاطمة بنت قيس، وذكر ابن حجر في التلخيص (2 / 160 ـ ط شركة الطباعة الفنية) أن في إسناده راويا ضعيفا.
(10) الحاوي للماوردي 12 / 192، وتحفة المحتاج 7 / 424 - 425.
(11) حديث أن النبي ﷺ رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة. . أخرجه البخاري (الفتح 7 / 112 ـ 113 ـ ط السلفية) .
(12) حديث " أعلنوا النكاح. . . " أخرجه أحمد (4 / 5 ـ ط الميمنة) من حديث عبد الله بن الزبير، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 289 ـ ط القدسي) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات.
(13) الحاوي للماوردي 12 / 191 - 192.
(14) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 321، 337، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 4 / 32، 52، وشرح منح الجليل على مختصر خليل 2 / 140، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 522، وجواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1 / 318، 322.
(15) التاج والإكليل لمختصر خليل بهامش مواهب الجليل 3 / 522 (دار الفكر - بيروت) وحاشية الدسوقي 2 / 337، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل 4 / 2.
(16) حديث: " أولم ولو. . . " تقدم تخريجه ف 4.
(17) حديث " ان النبي ﷺ مر هو وأصحابه ببني زريق. . أخرجه البيهقي في السنن (7 / 290 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) ، ثم ذكر أن في إسناده راوياً ضعيفا.
(18) تحفة المحتاج مع حاشيتي الشرواني والعبادي 7 / 425 (دار صادر) .
(19) الجفلى الدعوة العامة للوليمة.
(20) حاشية الدسوقي 2 / 337، وشرح الزرقاني 4 / 52، وكشاف القناع 5 / 166، والمغني 7 / 2 - 3 وحاشية ابن عابدين 5 / 211، والفتاوى الهندية 5 / 343، ونهاية المحتاج 6 / 364، وروضة الطالبين 7 / 333، وشرح المحلي على المنهاج 3 / 295، ومغني المحتاج 3 / 246.
(21) شرح الزرقاني 4 / 52.
(22) حديث " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة. . " أخرجه مسلم (2 / 1052) .
(23) حديث " أجيبوا هذه الدعوة. . " أخرجه مسلم (2 / 1053) .
(24) حديث " شر الطعام طعام الوليمة. . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 244 ـ ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(25) الحاوي للماوردي 12 / 193، والمغني 7 / 2.
(26) حاشية ابن عابدين 5 / 221، والفتاوى الهندية 5 / 343، وروضة الطالبين 7 / 333، والحاوي 12 / 192، ومغني المحتاج 3 / 245، والإنصاف 8 / 318.
(27) الإنصاف 8 / 318، والحاوي للماوردي 12 / 193.
(28) حديث " إذا دعي أحدكم فليجب. . أخرجه مسلم (2 / 1054 ـ ط الحلبي من حديث أبي هريرة.
(29) أثر عبد الله بن ابي يزيد قال: دعا أبي عبد الله بن عمر. . . أخرجه البيهقي السنن (7 / 263 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) .
(30) حديث " أن النبي ﷺ كان في دعوة. . أخرجه البيهقي (4 / 279 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) ، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (4 / 210) .
(31) أثر عثمان أنه أجاب عبد المغيرة، عزاه ابن قدامة في المغني (10 / 197 ـ ط دار هجر) .
(32) أثر عبد الله إذا عرض على أحدكم طعام أو شراب. . أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4 / 200 ـ ط المجلس العلي) .
(33) الفتاوى الهندية 5 / 343، ومواهب الجليل 4 / 5، وحاشية الدسوقي 2 / 338، والحاوي للماوردي 12 / 196، وإعانة الطالبين 3 / 365، والمغني 7 / 4، ومطالب أولي النهى 5 / 235، ومغني المحتاج 3 / 248.
(34) حديث " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب. . أخرجه مسلم (2 / 1504 ـ ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(35) حديث " إذا دعي أحدكم فليجب أخرجه مسلم (2 / 1504 ـ ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(36) الفتاوى الهندية 5 / 343، ومواهب الجليل 4 / 5، حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 2 / 338، والحاوي 12 / 197، وحاشية القليوبي 3 / 298، ومطالب أولي النهى 5 / 235، ومغني المحتاج 3 / 248، وحاشية ابن عابدين 5 / 221، والبناية 9 / 207، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175.
(37) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 337.
(38) نهاية المحتاج 6 / 367، ومغني المحتاج 3 / 246.
(39) الإنصاف 8 / 319، وكشاف القناع 5 / 167.
(40) حاشية الدسوقي 2 / 377، وشرح الزرقاني 4 / 53، والحاوي للماوردي 12 / 199، وروضة الطالبين 7 / 334، ومطالب أولي النهى 5 / 237، وانظر الفتاوى الهندية 5 / 343.
(41) حديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا. . . أخرجه الترمذي (5 / 113 ـ ط الحلبي) وقال: حديث حسن غريب.
(42) روضة الطالبين 7 / 334 ـ 335، والحاوي 12 / 199.
(43) الاختيار 4 / 176، وانظر الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية ابن عابدين 5 / 222.
(44) روضة الطالبين 7 / 334 ـ 335، ومطالب أولي النهى 5 / 237، والحاوي للماوردي 12 / 200، ونهاية المحتاج 6 / 367 ـ 368، والزرقاني 4 / 52، والخرشي 3 / 302.
(45) الحاوي 12 / 200، وشرح الزرقاني 4 / 53، ومطالب أولي النهى 5 / 237.
(46) مغني المحتاج 3 / 247، ومطالب أولي النهى 5 / 237.
(47) حديث نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً أخرجه أبو داود (5 / 222 ـ ط حمص) وقال أبو داود: هذا حديث منكر.
(48) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 221.
(49) الفتاوى الهندية 5 / 243، وحاشية ابن عابدين 5 / 221.
(50) سورة الأنعام / 68.
(51) حديث: " أن رسول الله ﷺ لعن المصور. . أخرجه البخاري (الفتح 10 / 393 ـ ط السلفية) من حديث أبي جحيفة.
(52) حديث: " من صور صورة في الدنيا. . . أخرجه البخاري (الفتح 10 / 393 ـ ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(53) حديث " علي أنه صنع طعام. . . " أخرجه أبو يعلى في المسند (1 / 343 ـ ط المأمون للتراث) .
(54) حاشية الدسوقي 2 / 338، وحاشية الصاوي 2 / 502، ونهاية المحتاج 6 / 368.
(55) الزرقاني 4 / 53، وحاشية الدسوقي 2 / 338، وتحفة المحتاج 7 / 430، ونهاية المحتاج 6 / 367.
(56) شرح الزرقاني 4 / 53، وحاشية الدسوقي 2 / 338.
(57) الزرقاني على خليل 4 / 54.
(58) حاشية الدسوقي 2 / 338، وحاشية الصاوي 2 / 502، وشرح الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملي 6 / 367، وحاشية الشرقاوي 2 / 276.
(59) شرح الزرقاني 4 / 54، والطرق الحكمية لابن قيم الجوزية 328 ـ 329 نشر المؤسسة العربية للطباعة والنشر 1961، ونهاية المحتاج 6 / 367.
(60) مغني المحتاج 3 / 246.
(61) شرح الزرقاني 4 / 53 ـ 54، والحاوي 12 / 194، والمغني 7 / 3.
(62) حديث " أنس أن يهودياً دعا النبي ﷺ. . . " أخرجه أحمد (3 / 270 ـ ط الميمنية) ، وأصله في البخاري (الفتح 4 / 302 ـ ط السلفية) .
(63) الفتاوى الهندية 5 / 347.
(64) الحاوي للماوردي 12 / 194.
(65) الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وشرح الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 366، ومطالب أولي النهى 5 / 232، وانظر شرح المغني 3 / 33.
(66) بريقة محمودية 4 / 103.
(67) الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وشرح الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 366، ومطالب أولي النهى 5 / 232، وانظر شرح المغني 3 / 23.
(68) حديث " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه. . أخرجه البخاري (الفتح 1 / 126 ـ ط السلفية) ومسلم (3 / 1220 ـ ط الحلبي) .
(69) الفروع لابن مفلح 2 / 658.
(70) الفتاوى الهندية 5 / 343، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175.
(71) القوانين الفقهية ص 428، ومواهب الجليل 4 / 4.
(72) مطالب أولي النهى 5 / 233، وشرح الزرقاني 4 / 54.
(73) الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 366، ومغني المحتاج 3 / 246.
(74) البناية 9 / 202، وحاشية الطحطاوي 4 / 175، وبريقة محمودية 4 / 103.
(75) الزرقاني 4 / 54، ونهاية المحتاج 6 / 365، ومغني المحتاج 3 / 246، وفتح الباري 1 / 490 ط السلفية، وشرح سنن أبي داود لبدر الدين العيني 3 / 128 ـ 130.
(76) مطالب أولي النهى 5 / 234، وانظر عمدة القاري 4 / 110 ـ 112 ط المنيرية.
(77) شرح الزرقاني 4 / 54، وإعانة الطالبين 3 / 358 ـ 358، ومطالب أولي النهى 5 / 236، ومغني المحتاج 3 / 246، ومواهب الجليل 4 / 4.
(78) حديث " شر الطعام طعام الوليمة. . " تقدم فقرة (7) .
(79) أثر أبي هريرة أنه دعي إلى وليمة، ذكره الخطاب في مواهب الجليل (4 / 4) ولم نهتد من أخرجه.
(80) مواهب الجليل4 / 4.
(81) الحاوي للماوردي 12 / 195.
(82) الحاوي للماوردي 12 / 195، وكشاف القناع 5 / 167.
(83) نهاية المحتاج 6 / 365، والحاوي 12 / 195.
(84) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 338، والزرقاني 4 / 54.
(85) مغني المحتاج 3 / 246، ونهاية المحتاج 6 / 366.
(86) كشاف القناع 5 / 167.
(87) شرح الزرقاني 4 / 54، وحاشية الشرقاوي على تحفة المحتاج 2 / 278، ومغني المحتاج 3 / 246.
(88) حديث " إذا اجتمع داعيان. . أخرجه أبو داود (3 / 134 ـ ط حمص) وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 415 ـ ط العلمية) .
(89) المغني 7 / 4.
(90) كشاف القناع 5 / 169، والإنصاف 8 / 334 ـ 335.
(91) حديث (من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. . " أخرجه ابن حجر في التلخيص (3 / 413 ـ ط العلمية) إلى أبي يعلى وقال: بإسناد صحيح.
(92) البدائع 7 / 10، وفتح القدير 7 / 273، والزرقاني 7 / 133، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 140، ومواهب الجليل 6 / 119 ـ 120، وروضة الطالبين 11 / 165 ـ 166، وتحفة المحتاج 7 / 482، والمغني 9 / 79 - 80، وكشاف القناع 5 / 169، ومطالب أولي النهى 6 / 481.
(93) حديث " الوليمة أول يوم حق. . . " أخرجه أبو داود (4 / 126 ـ 127 ـ ط حمص) من حديث زهير بن عثمان الثقفي، وقال البخاري في التاريخ الكبير (3 / 425 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) : لم يصح إسناده، ولا يعرف له صحبة. يعني راويه زهير بن عثمان الثقفي.
(94) شرح المحلي وحاشية القليوبي عليه 3 / 296، ونهاية المحتاج 6 / 367، ومطالب أولي النهى 5 / 233 ـ 235، والفتاوى الهندية 5 / 343.
(95) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه 2 / 337.
(96) نهاية المحتاج 6 / 367، وتحفة المحتاج 7 / 426.
(97) حاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 2 / 337، والإنصاف 8 / 317.
(98) إعانة الطالبين 3 / 357، ونهاية المحتاج 6 / 363 ـ 364.
(99) مطالب أولي النهى 5 / 232.
(100) مطالب أولي النهى 5 / 232، والإنصاف 8 / 317، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وحاشية الدسوقي 2 / 337.
(101) حاشية الطحطاوي على الدر 4 / 175، وبريقة محمودية 4 / 176.
(102) القليوبي 3 / 294، ومطالب أولي النهى 5 / 232.
(103) القليوبي 3 / 294.
(104) حديث " أولم النبي ﷺ على بعض نسائه بمدين من شعير. . أخرجه البخاري (الفتح 9 / 238 ـ ط السلفية) من حديث صفية بنت شبية.
(105) الزرقاني 4 / 52، وإعانة الطالبين 3 / 357، والوسيلة الأحمدية والذريعة السرمدية بهامش بريقة محمودية 4 / 176، ومطالب أولي النهى 5 / 232، والإنصاف 8 / 316.
(106) حديث " أولم ولو بشاة. . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 231 ـ ط السلفية) ومسلم (2 / 1042 ـ ط الحلبي) .
(107) نهاية المحتاج 6 / 363، وتحفة المحتاج 7 / 425.
(108) مطالب أولي النهى 5 / 232، والإنصاف 8 / 317.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 232/ 45
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".