الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
الإباقُ: هُروبُ العَبْدِ مِن سَيِّدِهِ، يُقال: أَبَقَ العَبْدُ يَأْبِقُ أَبْقًا وأَبَقًا: إذا هَرَبَ مِن سَيِّدِهِ، والآبِقُ: الـهارِبُ. ويأْتي الإِباقُ بِـمعنى الهُروبِ، سَواءً كان مِن عَبْدٍ أو حُرٍّ. وَأَصْلُه مِنَ التَّأَبُّقِ، وهو: الاخْتِفاءُ والاسْتِتارُ، تَقول: أَتاهُ الـمَوَتُ لا يَتَأَبَّقُ، أيْ: لا يَسْتَتِرُ ولا يَتَوارَى، ويُسْتَعْمل أيضًا بِـمعنى الإِنْكارِ والـجُحودِ، يُقال لِلرَّجُلِ: إِنّ فِيكَ كذا، فَيَقول: واللهِ ما أتَأَبَّقُ، أيْ: ما أُنْكِرُ. ومِنْ مَعانِيه: الابْتِعادُ والعِصْيانُ.
يَرِد مُصْطلَح (إِباق) في الفقه في مَواطِنَ، منها: كتاب الصَّلاةِ، باب شُروط الإِمامَةِ، وكتاب الزَّكاةِ، باب: زَكاة الفِطْرِ، وكتاب النِّكاحِ، باب: العُيوب في النِّكاحِ، وكتاب البُيوع، باب: خِيار العَيْبِ، وكتاب الـحَجْرِ، باب: أَسْباب الـحَجْرِ، وكتاب اللُّقَطَةِ، باب: أَحْكام اللُّقَطَةِ، وكتاب الـجِناياتِ، باب: الدِّياتِ، وكتاب الـحُدودِ، باب: التَّعْزِيرِ، وغَيْرها من المَواطِنِ.
أَبَقَ
فِرارُ العَبْدِ مِن سَيِّدِهِ إلى خارِجِ بَلَدِهِ؛ قَصْدًا وتَـمَرُّدًا.
الإِباقُ: صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ وخُلُقٌّ سَيِّءٌ وعَيْبٌ قَبِيحٌ، وهو هُروبُ الرَّقِيقِ الـمَمْلوكِ -سَواءً كان ذَكَرًا أو أُنْثَى- مِن سَيِّدِهِ ومالِكِهِ، بِحيث يكون فِرارُه عن تَـمَرُّدٍ وعِصْيانٍ وخُرُوجٍ عن العُبُودِيَّةِ والـمُلْكِ.
الإباقُ: هُروبُ العَبْدِ مِن سَيِّدِهِ، والآبِقُ: الـهارِبُ. ويأْتي بِـمعنى الهُروبِ، سَواءً كان مِن عَبْدٍ أو حُرٍّ. وَأَصْلُه مِنَ التَّأَبُّقِ، وهو: الاخْتِفاءُ والاسْتِتارُ، ومِنْ مَعانِيه: الابْتِعادُ والعِصْيانُ.
* معجم مقاييس اللغة : (1/38)
* تهذيب اللغة للأزهري : (9/265)
* الصحاح للجوهري : (4/1445)
* تاج العروس : (5/25)
* التعريفات للجرجاني : (ص 7)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 68)
* الكليات : (ص 32)
* الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : (4/286)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (3/399)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (2/429)
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : (4/127)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (2/420)
* الزواجر عن اقتراف الكبائر : (2/83) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْبَاقُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَبَقَ الْعَبْدُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - يَأْبِقُ وَيَأْبُقُ، بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا، أَبْقًا وَإِبَاقًا، بِمَعْنَى الْهَرَبِ (1) . وَالإِْبَاقُ خَاصٌّ بِالإِْنْسَانِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدًا أَمْ حُرًّا.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: انْطِلاَقُ الْعَبْدِ تَمَرُّدًا مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ كَدٍّ فِي الْعَمَل. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ إِمَّا هَارِبٌ، وَإِمَّا ضَالٌّ وَإِمَّا فَارٌّ (2) . لَكِنْ قَدْ يُطْلِقُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لَفْظَ الآْبِقِ عَلَى مَنْ ذَهَبَ مُخْتَفِيًا مُطْلَقًا لِسَبَبٍ أَوْ غَيْرِهِ (3) .
صِفَةُ الإِْبَاقِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
2 - الإِْبَاقُ مُحَرَّمٌ شَرْعًا بِالاِتِّفَاقِ، وَهُوَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ، وَقَدْ عَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ وَالذَّهَبِيُّ مِنَ الْكَبَائِرِ (4) ، وَوَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنْهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا رَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: أَيُّمَا عَبْدٌ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّمَا عَبْدٌ أَبَقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. (5)
بِمَ يَتَحَقَّقُ الإِْبَاقُ:
3 - الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ وَالْعَقْل فِي الْعَبْدِ إِذَا هَرَبَ لِيُمْكِنَ اعْتِبَارُهُ آبِقًا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ (6) ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْقِل مَعْنَى الإِْبَاقِ - وَهُوَ غَيْرُ الْعَاقِل الْبَالِغِ - فَلاَ يَكُونُ آبِقًا، وَيُسَمَّى ضَالًّا، أَوْ لُقَطَةً. (7) أَخْذُ الآْبِقِ:
4 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ أَخْذُ الآْبِقِ إِنْ خُشِيَ ضَيَاعُهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى مَوْلاَهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ. وَيَحْرُمُ عِنْدَهُمْ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ. (8)
أَمَّا إِذَا لَمْ يَخْشَ ضَيَاعَهُ وَقَوِيَ عَلَى أَخْذِهِ فَذَلِكَ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: يُنْدَبُ لِمَنْ وَجَدَ آبِقًا وَعَرَفَ رَبَّهُ، أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ حِفْظِ الأَْمْوَال، إِذَا لَمْ يَخْشَ ضَيَاعَهُ. أَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ رَبَّهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهُ لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى الإِْنْشَادِ وَالتَّعْرِيفِ. (9)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَخْذُ الآْبِقِ - بِدُونِ رِضَا الْمَالِكِ - غَيْرُ جَائِزٍ، وَيَجُوزُ بِإِذْنِهِ. (10)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَخْذُ الآْبِقِ جَائِزٌ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ لَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَارْتِدَادُهُ وَاشْتِغَالُهُ بِالْفَسَادِ، بِخِلاَفِ الضَّوَال الَّتِي تَحْتَفِظُ بِنَفْسِهَا. (11)
صِفَةُ يَدِ الآْخِذِ لِلآْبِقِ:
5 - الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الآْبِقَ يُعْتَبَرُ أَمَانَةً بِيَدِ آخِذِهِ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلاَ يَضْمَنَهُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّفْرِيطِ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ سَيِّدَهُ دَفَعَهُ إِلَى الإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. (12) الإِْنْفَاقُ عَلَى الآْبِقِ أَثْنَاءَ إِبَاقِهِ:
6 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ آخِذَ الآْبِقِ إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِدُونِ إِذْنِ الْحَاكِمِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَنْفَقَ (13) فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الإِْذْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقُول: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ. (14)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَجِدِ الْحَاكِمَ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ. (15)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ نَفَقَةَ الآْبِقِ فِي رَقَبَتِهِ، لاَ فِي ذَمِّهِ سَيِّدِهِ. (16)
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ آخِذُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تَكُونُ عَلَى سَيِّدِهِ يَأْخُذُهَا مِنْهُ عِنْدَ رَدِّهِ. (17)
ضَمَانُ مَا يُتْلِفُهُ الآْبِقُ:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الآْبِقِ عَلَى شَيْءٍ كَجِنَايَتِهِ قَبْل الإِْبَاقِ؛ لأَِنَّهُ فِي حَال الإِْبَاقِ لاَ يَزَال فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ.
وَجِنَايَتُهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ إِتْلاَفًا لِنَفْسٍ، أَوْ لِجُزْءٍ مِنْ آدَمِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِتْلاَفًا لِمَالٍ.
فَإِنْ قَتَل نَفْسًا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، إِلاَّ إِذَا رَضِيَ وَلِيُّ الدَّمِ بِالْعَفْوِ عَنِ الْعَبْدِ وَتَصَالَحَ عَلَى مَالٍ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ الْمَال الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الدَّمِ أَوْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ. (18)
أَمَّا إِذَا أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ أَتْلَفَ مَالاً، فَلِكُل مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ رَأْيُهُ فِي بَيَانِ هَذَا الْحُكْمِ، يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي بَابِ الضَّمَانِ.
دِيَةُ الآْبِقِ لِمَنْ تَكُونُ؟
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الآْبِقَ لاَ يَزَال مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ، فَإِذَا قُتِل عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْجِبُ الدِّيَةَ، أَوْ أُتْلِفَ مِنْ بَدَنِهِ مَا يَسْتَوْجِبُ الأَْرْشَ، فَدِيَتُهُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ. (19)
بَيْعُ الآْبِقِ وَمَتَى يَجُوزُ؟
9 - يَجُوزُ - اتِّفَاقًا - لِلْمَالِكِ بَيْعُ عَبْدِهِ الآْبِقِ إِذَا قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِلْمُشْتَرِي، كَمَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي بَيْعُ الآْبِقِ إِذَا دُفِعَ إِلَيْهِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْبِسَهُ، عَلَى خِلاَفٍ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ (20) . وَلَيْسَ لآِخِذِ الآْبِقِ أَنْ يَبِيعَهُ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِمَنْعِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَلأَِنَّ الْمَالِكَ مَجْهُولٌ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِصِحَّةِ بَيْعِهِ.
اعْتِبَارُ الإِْبَاقِ عَيْبًا فِي الْعَبْدِ:
10 - الإِْبَاقُ فِي الْعَبْدِ وَالأَْمَةِ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ.
إِبَاقُ الْعَبْدِ مِنْ آخِذِهِ:
11 - تَقَدَّمَ الْقَوْل (ف 5) أَنَّ يَدَ آخِذِ الآْبِقِ يَدُ أَمَانَةٍ. وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِذَا هَرَبَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.
عِتْقُ الآْبِقِ قَبْل رَدِّهِ:
12 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَوْلَى الْعَبْدِ الآْبِقِ لَوْ أَعْتَقَهُ حَال إِبَاقِهِ وَقَبْل تَسَلُّمِهِ مِنْ آخِذِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ. (21)
رَدُّ الآْبِقِ وَالْجُعْل فِيهِ:
13 - يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِ الْجُعْل عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ مِقْدَارٌ مِنَ الْمَال يَسْتَحِقُّهُ مَنْ رَدَّ آبِقًا أَوْ ضَالَّةً نَظِيرَ قِيَامِهِ بِهَذَا الْعَمَل.
وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْجُعْل: فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مِقْدَارَ الْجُعْل الْمُسْتَحَقِّ لِرَادِّ الآْبِقِ هُوَ مَا سَمَّاهُ الْجَاعِل، أَوْ مَا تَمَّ الاِتِّفَاقُ عَلَيْهِ بَيْنَ الآْذِنِ بِالْعَمَل وَالْعَامِل. (22)
غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا: إِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَل مِمَّا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ وَهُوَ دِينَارٌ أَوِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، فَلِرَادِّ الآْبِقِ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، (23) عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَالْقَوْل الآْخَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ أَصْبَحَ مِمَّا لاَ حَاجَةَ إِلَيْهِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ أَقْصَى مِقْدَارِ الْجُعْل هُوَ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ وَهُوَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، إِذَا كَانَ مِنْ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، لِوُرُودِ أَثَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ التَّقْدِيرِ. (24)
تَصَرُّفَاتُ الآْبِقِ:
14 - تَصَرُّفَاتُ الآْبِقِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا تَنْفُذُ عَلَيْهِ فِي الْحَال، كَالطَّلاَقِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا اتِّصَالٌ بِالْمَال وَحُقُوقِ الْغَيْرِ، كَالزَّوَاجِ وَالإِْقْرَارِ وَالْهِبَةِ.
فَالَّتِي تَنْفُذُ عَلَيْهِ فِي الْحَال صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ. وَأَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْتِزَامَاتٌ مَالِيَّةٌ، كَالنِّكَاحِ وَالإِْقْرَارِ وَالْهِبَةِ. . إِلَخْ، فَإِنَّهَا تَقَعُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِذْنِ السَّيِّدِ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَوْلِيَّةً أَمْ فِعْلِيَّةً (25) .
إِبَاقُ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِهِ وَآخِذِهِ:
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّفْرِيطِ؛ لأَِنَّ يَدَ كُل وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ يَدُ أَمَانَةٍ. (26)
وَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ غَاصِبِهِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَكُونُ ضَامِنًا، لِتَعَدِّيهِ، فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ غَصَبَهُ.
أَمَّا إِنْ أَبَقَ مِنْ مُرْتَهِنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ، فَهُوَ مَضْمُونٌ عِنْدَهُمْ بِالأَْقَل مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنَ الدَّيْنِ (27) .
نِكَاحُ زَوْجَةِ الآْبِقِ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْعَبْدِ الآْبِقِ لاَ يَصِحُّ زَوَاجُهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ أَوْ طَلاَقُهُ أَوْ يُحْكَمَ بِتَطْلِيقِهَا مِنْهُ لِلْغَيْبَةِ أَوْ لِعَدَمِ الإِْنْفَاقِ. وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَوْطِنُهُ أَحْكَامُ الْمَفْقُودِ وَالطَّلاَقِ (28) .
إِبَاقُ الْعَبْدِ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ:
17 - مِنَ الأُْصُول الْعَامَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْغَنِيمَةَ قَبْل الْقِسْمَةِ أَمْوَالٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تَدْخُل فِي مِلْكِيَّةِ الْغَانِمِينَ إِلاَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَبَقَ عَبْدٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ فِي مَظَانِّهِ وَيُبْحَثُ عَنْهُ، وَيُعْلَنُ عَنْ جُعْلٍ لِمَنْ يَرُدُّهُ يُصْرَفُ مِنْ بَيْتِ الْمَال أَوْ مِنَ الْغَنِيمَةِ نَفْسِهَا. فَإِذَا عَادَ الآْبِقُ تُجْرَى عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ كَبَاقِي الأَْمْوَال (29) .
ادِّعَاءُ مِلْكِيَّةِ الآْبِقِ وَمَتَى تَثْبُتُ.
18 - إِذَا جَاءَ مَنْ يَدَّعِي مِلْكِيَّةَ الآْبِقِ فَلاَ يَخْلُو الْحَال: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الآْبِقُ تَحْتَ يَدِ الْقَاضِي أَوْ تَحْتَ يَدِ مُلْتَقِطِهِ وَآخِذِهِ.
فَإِنْ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْقَاضِي، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَرَوْنَ أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يُسَلِّمُهُ لِمُدَّعِيهِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ قَاطِعَةٍ تَصِفُ الْعَبْدَ وَتُقَرِّرُ أَنَّهُ عَبْدٌ لِمُدَّعِيهِ وَلَمْ يَهَبْهُ وَلَمْ يَبِعْهُ، أَوْ لاَ يُعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ. فَإِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ سَلَّمَهُ الْقَاضِي لِمُدَّعِيهِ (30) . وَزَادَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ اسْتِحْلاَفَهُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الآْبِقُ فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَدْفَعُهُ إِلَى مُدَّعِيهِ إِلاَّ بِأَمْرِ الْقَاضِي (31)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (32) . وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ جَوَازَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى مُدَّعِيهِ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي، أَوِ اعْتِرَافِ الْعَبْدِ أَنَّهُ سَيِّدُهُ، لَكِنَّ الأَْحْوَطَ أَلاَّ يَدْفَعَهُ إِلاَّ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ (33) .
زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنِ الْعَبْدِ الآْبِقِ:
19 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ الآْبِقِ (34) . وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ (35) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الآْبِقِ، عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، مَوْطِنُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ (36) . وَأَوْجَبَهَا كَذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالزُّهْرِيُّ إِذَا عَلِمَ مَكَانَهُ، وَالأَْوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. (37)
عُقُوبَةُ الإِْبَاقِ:
20 - تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ فِي أَنَّ الإِْبَاقَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا، وَعَدَّهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْكَبَائِرِ (ر: ف 2) ، وَبِمَا أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِيهِ، يُعَزَّرُ فَاعِلُهُ، وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ هُنَا مِنَ الْحَاكِمِ أَوِ السَّيِّدِ.
__________
(1) لسان العرب (أبق)
(2) رد المحتار 3 / 325 ط الأولى، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 127، ومغني المحتاج 2 / 13 ط الحلبي.
(3) المراجع السابقة.
(4) الكبائر للذهبي (الكبيرة 57) والزواجر لابن حجر 2 / 83 ط دار المعرفة.
(5) حديث: " أيما عبد أبق. . . " رواه مسلم بروايتيه عن جرير (صحيح مسلم 1 / 83 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي)
(6) الفتاوى الأنقروية 1 / 204 ط الأميرية، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 127 ط الحلبي، ومغني المحتاج شرح المنهاج 2 / 429 ط الحلبي، وكشاف القناع 2 / 420 ط الشرفية.
(7) المراجع السابقة
(8) فتح القدير 4 / 434 ط الأميرية، ورد المحتار 3 / 325، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 127
(9) فتح القدير 4 / 434 ط الأميرية، ورد المحتار 3 / 325، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 127
(10) مغني المحتاج شرح المنهاج 2 / 410
(11) كشاف القناع 2 / 421
(12) الفتاوى الأنقروية 1 / 203، وجواهر الإكليل 2 / 220 ط الحلبي، ومغني المحتاج 2 / 410، ومنتهى الإرادات 1 / 552 ط دار العروبة.
(13) مجمع الأنهر 1 / 434 ط الحاج محرم، ومغني المحتاج 2 / 434
(14) مجمع الأنهر 1 / 434
(15) شرح روض الطالبين 2 / 444 ط الميمنية.
(16) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 127
(17) المغني مع الشرح الكبير 9 / 317 ط المنار الأولى.
(18) تبيين الحقائق 6 / 154 ط الأميرية، والشرح الكبير للدردير 4 / 241 ط عيسى الحلبي، والمحرر 2 / 125 ط السنة المحمدية، وشرح الروض 4 / 13، 45، والقليوبي 4 / 157، 158 ط الحلبي.
(19) المبسوط للسرخسي 11 / 23 ط الأولى، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 128، وحاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 7 / 328 ط مصطفى الحلبي، والمغني لابن قدامة 9 / 352
(20) الفتاوى الهندية 2 / 299 ط المكتبة الإسلامية، وحاشية الدسوقي 3 / 11، والمجموع 9 / 273 ط الإرشاد بجدة، ونيل المآرب 1 / 99 ط بولاق.
(21) فتح القدير 4 / 438 ط بولاق، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 127 ط الحلبي، ومغني المحتاج 2 / 13 ط الحلبي، والمغني لابن قدامة 12 / 238
(22) الشرح الصغير 4 / 83، 84 ط دار المعارف بمصر، والأم 4 / 69 المطبعة الفنية، وكشف المخدرات ص 305 ط السلفية.
(23) الإقناع لأبي النجا المقدسي 2 / 394 ط دار المعرفة ببيروت.
(24) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 3 / 326 بولاق. ويشيرون بالتقدير المذكور إلى قول ابن سعود " أقصى جعل الآبق أربعون درهما من كل رأس " أخرجه عبد الرزاق والطبراني والبيهقي (نصب الراية 3 / 470)
(25) الفتاوى الهندية 1 / 353، والشرح الصغير 2 / 543، ومغني المحتاج 3 / 279، والمغني لابن قدامة 6 / 133.
(26) جامع الفصولين 2 / 156 ط الأولى، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 128، والمنهاج وشرح المغني 2 / 351
(27) جامع الفصولين 2 / 162، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 128، والاختيار 2 / 64 ط مصطفى الحلبي، والمغني شرح المنهاج 2 / 276، والإقناع 2 / 345
(28) الجوهرة النيرة 1 / 465 ط الأولى، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 479، وحاشية الجمل على شرح المنهج 4 / 457 ط الميمنية، والمغني 9 / 130
(29) المغني لابن قدامة 10 / 6
(30) فتح القدير 4 / 434، 435، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 127، والأم 4 / 67، المغني 6 / 357.
(31) الأنقروية 1 / 203
(32) الدسوقي 4 / 128
(33) الأم 4 / 67، والمغني 6 / 357
(34) حاشية ابن عابدين 2 / 75
(35) المغني 2 / 672
(36) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 507، والمجموع 6 / 113، والمغني 2 / 672
(37) المغني 2 / 672
الموسوعة الفقهية الكويتية: 135/ 1