الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
طَلَبُ الحِرْفَةِ ، تَقُولُ: احْتَرَفَ الرَّجُلُ طَلَبَ حِرْفَةً لِلتَّكَسُّبِ ، وَالحِرْفَةُ كُل مَا اشْتَغَل بِهِ الإِنْسَانُ وَاشْتُهِرَ بِهِ ، فَيَقُولُونَ حِرْفَةُ فُلاَنٍ كَذَا أَيْ عَمَلُهُ وَمِهْنَتُهُ ، وَيَأْتِي الاحْتِرافُ بِمَعْنَى: الاكْتِسَابُ ، تَقُولُ: فُلَانٌ يَحْرُفُ لِعِيَالِهِ وَيَحْتَرِفُ أَيْ يَكْسِبُ وَيَكْتَسِبُ ، وَأَصْلُ الاحْتِرافِ مِنَ الحَرْفِ وَهُوَ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ ، وَالمِحْرَافُ: حَدِيدَةٌ يُقَدَّرُ بِهَا الجِرَاحَاتُ ، وَسُمِّيَ الاكْتِسَابُ احْتِرافًا ؛ كَأَنَّ المُكْتَسِبَ قُدِّرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَقِيلَ أَصْلُهُ مِنَ الإِحْرافِ وَهُوَ النَّمَاءُ وَالصَّلاَحُ ، يُقَالُ: أَحْرَفَ فُلَانٌ إِحْرَافًا إِذَا نَمَا مَالُهُ وَصَلُحَ ، وَفُلَانٌ حَرِيفُ فُلَانٍ أَيْ مُعَامِلُهُ ، وَالجَمْعُ: حُرَفَاءٌ.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ المُصْطَلَحَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي بَابِ أَعْذَار الفِطْرِ ، وَكِتَابِ البُيوعِ فِي بَابِ فَضْلِ التَّكَسُّبِ ، وَكِتَابِ الرَّهْنِ فِي بَابِ أَحْكَامِ الرَّهْنِ ، وَكِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ الكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ ، وَكِتَابِ العِتْقِ فِي بَابِ المُكَاتَبَةِ ، وَكِتابِ الضَّمَانِ فِي بَابِ ضَمانِ التَّلَفِ ، وَغَيْرِهَا. وَجَاءَ مُصْطَلَحُ (حَرِيفٍ) فِي كُتُبِ الحَنَفِيَّةِ وَيُرادُ بِهِ: العَامِلُ الذِي يَعْمَلُ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ
حرف
مُمَارَسَةُ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ بِصِفَةٍ دَائِمَةٍ بِقَصْدِ العَيْشِ مِنْهُ.
طَلَبُ الحِرْفَةِ ، وَالحِرْفَةُ كُل مَا اشْتَغَل بِهِ الإِنْسَانُ وَاشْتُهِرَ بِهِ ، وَيَأْتِي الاحْتِرافُ بِمَعْنَى: الاكْتِسَابُ ، وَأَصْلُ الاحْتِرافِ مِنَ الحَرْفِ وَهُوَ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ ، وَقِيلَ أَصْلُهُ مِنَ الإِحْرافِ وَهُوَ النَّمَاءُ وَالصَّلاَحُ.
* معجم مقاييس اللغة : 2 /43 - المحكم والمحيط الأعظم : 3 /307 - لسان العرب : 9 /43 - معجم مقاييس اللغة : 2 /43 - لسان العرب : 9 /43 - المغرب في ترتيب المعرب : 1 /112 - المبسوط : 3 /244 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِحْتِرَافُ فِي اللُّغَةِ: الاِكْتِسَابُ، أَوْ طَلَبُ حِرْفَةٍ لِلْكَسْبِ (1) . وَالْحِرْفَةُ كُل مَا اشْتَغَل بِهِ الإِْنْسَانُ وَاشْتُهِرَ بِهِ، فَيَقُولُونَ حِرْفَةُ فُلاَنٍ كَذَا، يُرِيدُونَ دَأْبَهُ وَدَيْدَنَهُ (2) . وَهِيَ بِهَذَا تُرَادِفُ كَلِمَتَيْ صَنْعَةَ، وَعَمَلٍ (3) . أَمَّا الاِمْتِهَانُ فَإِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ احْتِرَافٍ؛ لأَِنَّ مَعْنَى الْمِهْنَةِ يُرَادِفُ مَعْنَى الْحِرْفَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُرَادُ بِهِ حِذْقُ الْعَمَل (4) . وَيُوَافِقُ الْفُقَهَاءُ اللُّغَوِيِّينَ فِي هَذَا، فَيُطْلِقُونَ الاِحْتِرَافَ عَلَى مُزَاوَلَةِ الْحِرْفَةِ وَعَلَى الاِكْتِسَابِ نَفْسِهِ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الصِّنَاعَةُ:
2 - الاِحْتِرَافُ يَفْتَرِقُ عَنِ " الصِّنَاعَةِ " لأَِنَّهَا عِنْدَ أَهْل اللُّغَةِ تَرْتِيبُ الْعَمَل عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِلْمٌ بِهِ، وَبِمَا يُوَصِّل إِلَى الْمُرَادِ مِنْهُ (6) ، وَلِذَا قِيل لِلنَّجَّارِ صَانِعٌ وَلاَ يُقَال لِلتَّاجِرِ صَانِعٌ. فَلاَ يَشْتَرِطُونَ فِي الصِّنَاعَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا الشَّخْصُ دَأْبَهُ وَدَيْدَنَهُ، وَيَخُصُّ الْفُقَهَاءُ، كَلِمَةَ " صِنَاعَةٍ " بِالْحِرَفِ الَّتِي تُسْتَعْمَل فِيهَا الآْلَةُ، فَقَالُوا: الصِّنَاعَةُ مَا كَانَ بِآلَةٍ (7) .
ب - الْعَمَل.
3 - يَفْتَرِقُ الاِحْتِرَافُ عَنِ الْعَمَل، بِأَنَّ الْعَمَل يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْل سَوَاءٌ حَذَقَهُ الإِْنْسَانُ أَوْ لَمْ يَحْذِقْهُ، اتَّخَذَهُ دَيْدَنًا لَهُ أَوْ لَمْ يَتَّخِذْهُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: الْعَمَل الْمِهْنَةُ وَالْفِعْل (8) . وَغَالِبُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ إِطْلاَقُ الْعَمَل عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الاِحْتِرَافِ وَالصَّنْعَةِ، كَمَا أَنَّ الاِحْتِرَافَ أَعَمُّ مِنَ الصَّنْعَةِ.
ج - الاِكْتِسَابُ أَوِ الْكَسْبُ:
4 - يَفْتَرِقُ مَعْنَى الاِحْتِرَافِ عَنْ مَعْنَى الاِكْتِسَابِ أَوِ الْكَسْبِ، بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الاِحْتِرَافِ، لأَِنَّهُمَا عِنْدَ أَهْل اللُّغَةِ مَا يَتَحَرَّاهُ الإِْنْسَانُ مِمَّا فِيهِ اجْتِلاَبُ نَفْعٍ وَتَحْصِيل حَظٍّ (9) ، فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَهُ الشَّخْصُ دَأْبَهُ وَدَيْدَنَهُ كَمَا هُوَ الْحَال فِي الاِحْتِرَافِ، وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ الاِكْتِسَابَ أَوِ الْكَسْبَ عَلَى تَحْصِيل الْمَال بِمَا حَل أَوْ حَرُمَ مِنَ الأَْسْبَابِ (10) سَوَاءٌ أَكَانَ بِاحْتِرَافٍ أَوْ بِغَيْرِ احْتِرَافٍ، كَمَا يُطْلِقُونَ الْكَسْبَ عَلَى الْحَاصِل بِالاِكْتِسَابِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ إِجْمَالاً:
5 - الاِحْتِرَافُ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْعُمُومِ لاِحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهُ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
تَصْنِيفُ الْحِرَفِ:
6 - تُصَنَّفُ الْحِرَفُ إِلَى صِنْفَيْنِ: الصِّنْفُ الأَْوَّل: حِرَفٌ شَرِيفَةٌ، وَالصِّنْفُ الثَّانِي حِرَفٌ دَنِيئَةٌ. وَالأَْصْل فِي هَذَا التَّصْنِيفِ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: إِنِّي وَهَبْتُ لِخَالَتِي غُلاَمًا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَارَكَ لَهَا فِيهِ. فَقُلْتُ لَهَا: لاَ تُسَلِّمِيهِ حَجَّامًا، وَلاَ صَائِغًا، وَلاَ قَصَّابًا.
(11) قَال ابْنُ الأَْثِيرِ: الصَّائِغُ رُبَّمَا كَانَ مِنْ صُنْعِهِ شَيْءٌ لِلرِّجَال وَهُوَ حَرَامٌ، أَوْ كَانَ مِنْ آنِيَةٍ وَهِيَ حَرَامٌ، أَمَّا الْقَصَّابُ فَلأَِجْل النَّجَاسَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ مَعَ تَعَذُّرِ الاِحْتِرَازِ (12) .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْعَرَبُ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِلاَّ حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا (13) . قِيل لِلإِْمَامِ أَحْمَدَ: وَكَيْفَ تَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ؟ قَال: الْعَمَل عَلَيْهِ. (14)
تَفَاوُتُ الْحِرَفِ الشَّرِيفَةِ فِيمَا بَيْنَهَا:
7 - فَاضَل الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْحِرَفِ الشَّرِيفَةِ لاِعْتِبَارَاتٍ ذَكَرُوهَا، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَشْرَفَ الْحِرَفِ الْعِلْمُ (15) وَمَا آل إِلَيْهِ، كَالْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ كُفْءٌ لِبِنْتِ الأَْمِيرِ (16) . وَذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَشْرَفَ الْكَسْبِ الْغَنَائِمُ إِذَا سَلِمَ مِنَ الْغُلُول (17) . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَتْلُوهُ فِي الْفَضْل.
هَذَا وَإِنَّ لِلْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ (18) كَلاَمًا فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْحِرَفِ الشَّرِيفَةِ، مِنْ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ زِرَاعَةٍ. . إِلَخْ وَلَهُمْ فِي اتِّجَاهَاتِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ فِيمَا هُوَ أَشْرَفُ اسْتِدْلاَلٌ بِأَحَادِيثَ وَوُجُوهٌ مِنَ الْمَعْقُول ظَنِّيَّةُ الْوُرُودِ أَوِ الدَّلاَلَةِ، وَلَعَل فِي آرَائِهِمْ تِلْكَ مُرَاعَاةً لِبَعْضِ الأَْعْرَافِ وَالْمُلاَبَسَاتِ الَّتِي كَانَتْ سَائِدَةً فِي زَمَانِهِمْ، وَنَجْتَزِئُ بِهَذِهِ الإِْشَارَةِ عَنْ إِيرَادِ الاِتِّجَاهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
الْحِرَفُ الدَّنِيئَةُ:
8 - لَقَدْ حَرَصَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْدِيدِ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ لِيَبْقَى مَا وَرَاءَهَا مِنَ الْحِرَفِ شَرِيفًا. فَقَالُوا: الْحِرَفُ الدَّنِيئَةُ هِيَ كُل حِرْفَةٍ دَلَّتْ مُلاَبَسَتُهَا عَلَى انْحِطَاطِ الْمُرُوءَةِ وَسُقُوطِ النَّفْسِ (19) . وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِهِمُ الْحِرَفَ الْمُحَرَّمَةَ، كَاحْتِرَافِ الزِّنَا وَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، حِرَفًا دَنِيئَةً كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ سَلَكَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ - فِيمَا عَدَا الْمُحَرَّمَةِ مِنْهَا - مَسْلَكَيْنِ:
الأَْوَّل: تَحْدِيدُهَا بِالضَّابِطِ، وَمِنْهُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّ كُل حِرْفَةٍ فِيهَا مُبَاشَرَةُ نَجَاسَةٍ هِيَ حِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ. (20) الثَّانِيَ: تَحْدِيدَهَا بِالْعُرْفِ، وَهُوَ مَسْلَكُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ (21) أَيْضًا، وَاجْتَهَدُوا اسْتِنَادًا إِلَى الأَْعْرَافِ السَّائِدَةِ فِي عُصُورِهِمْ فِي تَحْدِيدِ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ (22) .
هَذَا، وَإِنَّ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ وَصْفِ بَعْضِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْحِرَفِ بِالدَّنَاءَةِ - تَبَعًا لأَِوْضَاعٍ زَمَنِيَّةٍ - فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ تَزُول كَرَاهَةُ الاِحْتِرَافِ بِحِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ إِذَا كَانَ احْتِرَافُهَا لِلْقِيَامِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، إِذْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي كُل بَلَدٍ جَمِيعُ الصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا (23) .
التَّحَوُّل مِنْ حِرْفَةٍ إِلَى حِرْفَةٍ:
9 - قَال ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ: قَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يُسْتَحَبُّ إِذَا وَجَدَ الْخَيْرَ فِي نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَإِنْ قَصَدَ إِلَى جِهَةٍ مِنَ التِّجَارَةِ فَلَمْ يُقْسَمْ لَهُ فِيهَا رِزْقُهُ، عَدَل إِلَى غَيْرِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا: إِذَا رُزِقَ أَحَدُكُمْ فِي الْوَجْهِ مِنَ التِّجَارَةِ فَلْيَلْزَمْهُ (24) .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَال: مَنِ اتَّجَرَ فِي شَيْءٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُصِبْ فِيهِ فَلْيَتَحَوَّل إِلَى غَيْرِهِ (25) . وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَنِ اتَّجَرَ فِي شَيْءٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يُصِبْ فِيهِ، فَلْيَتَحَوَّل إِلَى غَيْرِهِ (26) . وَلَكِنْ هَل لِهَذَا التَّحَوُّل أَثَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْحِرْفَةِ؟ (ر: كَفَاءَةٌ. نِكَاحٌ)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلاِحْتِرَافِ تَفْصِيلاً:
10 - أ - يُنْدَبُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَخْتَارَ حِرْفَةً لِكَسْبِ رِزْقِهِ، قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنِّي لأََرَى الرَّجُل فَيُعْجِبُنِي، فَأَقُول: لَهُ حِرْفَةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: لاَ، سَقَطَ مِنْ عَيْنِي (27) .
ب - وَيَجِبُ - عَلَى الْكِفَايَةِ - أَنْ يَتَوَفَّرَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ أُصُول الْحِرَفِ جَمِيعِهَا، احْتِيجَ إِلَيْهَا أَوْ لاَ. قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: قَال غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرُهُمْ كَالْغَزَالِيِّ، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنَّهُ لاَ تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إِلاَّ بِهَا. (28)
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ احْتِرَافَ بَعْضِ الْحِرَفِ يُصْبِحُ فَرْضَ كِفَايَةٍ إِذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا، فَإِنِ اسْتَغْنَوْا عَنْهَا بِمَا يَجْلِبُونَهُ أَوْ يُجْلَبُ إِلَيْهِمْ فَقَدْ سَقَطَ وُجُوبُ احْتِرَافِهَا (29) . فَإِذَا امْتَنَعَ الْمُحْتَرِفُونَ عَنِ الْقِيَامِ بِهَذَا الْفَرْضِ أَجْبَرَهُمُ الإِْمَامُ عَلَيْهِ بِعِوَضِ الْمِثْل. قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ هَذِهِ الأَْعْمَال الَّتِي هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ مَتَى لَمْ يَقُمْ بِهَا إِلاَّ إِنْسَانٌ بِعَيْنِهِ صَارَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ غَيْرُهُ عَاجِزًا عَنْهَا، فَإِذَا كَانَ النَّاسُ مُحْتَاجِينَ إِلَى فِلاَحَةِ قَوْمٍ أَوْ نِسَاجَتِهِمْ أَوْ بِنَائِهِمْ صَارَ هَذَا الْعَمَل وَاجِبًا يُجْبِرُهُمْ وَلِيُّ الأَْمْرِ عَلَيْهِ إِذَا امْتَنَعُوا عَنْهُ بِعِوَضِ الْمِثْل، وَلاَ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ مُطَالَبَةِ النَّاسِ بِزِيَادَةٍ عَنْ عِوَضِ الْمِثْل (30) .
11 - ج - وَلَمَّا كَانَ إِقَامَةُ الصِّنَاعَاتِ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَانَ تَوْفِيرُ الْمُحْتَرِفِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ فَرْضًا، لأَِنَّ مَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، قَال الْقَلْيُوبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ مَا مُفَادُهُ: يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَلِيُّ الصَّغِيرَ لِذِي حِرْفَةٍ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ الْحِرْفَةَ (31) . وَرَغْمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى وُجُوبِ دَفْعِ الْوَلِيِّ الصَّغِيرَ إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ الْحِرْفَةَ إِلاَّ أَنَّ كَلاَمَهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ. (32)
حُكْمُ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ:
12 - د - وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَكَاسِبَ غَيْرَ الْمُحَرَّمَةِ كُلُّهَا فِي الإِْبَاحَةِ سَوَاءٌ (33) . وَلَكِنَّ هَذِهِ الإِْبَاحَةَ تَكْتَنِفُهَا الْكَرَاهَةُ إِذَا اخْتَارَ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ حِرْفَةً دَنِيئَةً إِنْ وَسِعَهُ احْتِرَافُ مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهَا (34) . وَمَعَ هَذَا فَقَدْ قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: مَكْسَبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الدَّنَاءَةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ (35) . وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ تَعَلُّمُ الصَّنَائِعِ الرَّدِيئَةِ مَعَ إِمْكَانِ مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهَا (36) . وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى زَوَال هَذِهِ الْكَرَاهَةِ إِذَا كَانَتِ الْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ هِيَ حِرْفَةُ أَبِيهِ (37) . وَنَصَّ ابْنُ مُفْلِحٍ الْحَنْبَلِيُّ عَلَى زَوَال هَذِهِ الْكَرَاهَةِ إِذَا احْتَرَفَ الْمَرْءُ حِرْفَةً دَنِيئَةً لِلْقِيَامِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ (38) .
وَقَال بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا يَرْجِعُ إِلَى الدَّنَاءَةِ مِنَ الْمَكَاسِبِ فِي عُرْفِ النَّاسِ لاَ يَسَعُ الإِْقْدَامُ عَلَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ: لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِل نَفْسَهُ (39) . وَقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُْمُورِ وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا (40) وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الأَْوَّل (41) .
الْحِرَفُ الْمَحْظُورَةُ:
13 - أ - الأَْصْل أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ احْتِرَافُ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ بِذَاتِهِ، وَمِنْ هُنَا مُنِعَ الاِتِّجَارُ بِالْخَمْرِ وَاحْتِرَافُ الْكِهَانَةِ.
ب - كَمَا لاَ يَجُوزُ احْتِرَافُ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرَامِ أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ إِعَانَةٌ عَلَيْهِ، كَالْوَشْمِ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَكَكِتَابَةِ الرِّبَا: لِمَا فِيهِ مِنَ الإِْعَانَةِ عَلَى أَكْل أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَتَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اتِّخَاذِ حِرَفٍ يَتَكَسَّبُ مِنْهَا الْمُحْتَرِفُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْذُل فِيهَا جَهْدًا، أَوْ يَزِيدَ زِيَادَةً، كَالْخَيَّاطِ يَتَسَلَّمُ الثَّوْبَ لِيَخِيطَهُ بِدِينَارَيْنِ فَيُعْطِيَهُ لِمَنْ يَخِيطَهُ بِدِينَارٍ وَيَأْخُذَ الْفَرْقَ.
فَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ مِثْل هَذِهِ الإِْجَارَةِ كَالْبَيْعِ، وَبَيْعُ الْمَبِيعِ يَجُوزُ بِرَأْسِ الْمَال وَبِأَقَل مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ، فَكَذَلِكَ الإِْجَارَةُ إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الأُْجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الأُْجْرَةِ الأُْولَى فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لاَ تَطِيبُ لَهُ إِلاَّ إِذَا بَذَل جَهْدًا أَوْ زَادَ زِيَادَةً، فَإِنَّهَا تَطِيبُ وَلَوِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ (42) .
آثَارُ الاِحْتِرَافِ:
14 - أ - يُعْطَى الْفَقِيرُ الْمُحْتَرِفُ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ آلاَتِ حِرْفَتِهِ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَشْتَرِي بِهِ آلَةَ حِرْفَتِهِ (43) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (زَكَاةٌ) .
ب - إِذَا فَعَل الْمُحْتَرِفُ فِعْلاً فِي حُدُودِ حِرْفَتِهِ، فَأَخْطَأَ فِيهِ خَطَأً يُحْتَمَل أَنْ يُخْطِئَ فِيهِ الْمُحْتَرِفُونَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَالطَّبِيبِ. أَمَّا مَنْ عَدَاهُ فَيَضْمَنُ (44) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي بَابِ الضَّمَانِ.
ج - يَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ إِفْطَارِ رَمَضَانَ لِمَنْ يَحْتَرِفُ حِرْفَةً شَاقَّةً يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهَا، وَلَيْسَ بِإِمْكَانِهِ تَرْكُهَا فِي رَمَضَانَ (45) .
د - لِلْمُعْتَدَّةِ - وَلاَ سِيَّمَا الْمُحْتَرِفَةِ - الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا نَهَارًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا وَلَيْسَ لَهَا الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا وَلاَ الْخُرُوجُ لَيْلاً إِلاَّ لِضَرُورَةٍ (1) . وَتَفْصِيلُهُ فِي (عِدَّةٌ) (وَإِحْدَادٌ) .
هـ - لِلاِحْتِرَافِ أَثَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَتَفْصِيلُهُ فِي (نِكَاحٌ) ،
و لِلاِحْتِرَافِ أَثَرٌ فِي تَخْفِيفِ بَعْضِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، كَالتَّرْخِيصِ لِلْقَصَّابِ بِالصَّلاَةِ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهِ مَعَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الدَّمِ، مَا لَمْ يَفْحُشْ. وَتَفْصِيلُهُ فِي (نَجَاسَةٌ - مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ) .
__________
(1) مفردات الراغب الأصبهاني.
(2) تاج العروس مادة (حرف)
(3) تاج العروس، ومفردات الراغب الأصبهاني، مادة (حرف، عمل) ، والفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ط دار الآفاق الجديدة بيروت ص 127
(4) لسان العرب.
(5) حاشية القليوبي 4 / 215 ط عيسى الحلبي، والبحر الرائق 3 / 143
(6) الفروق في اللغة ص 128 بتصرف
(7) حاشية القليوبي 4 / 215
(8) لسان العرب مادة (عمل)
(9) مفردات الراغب الأصبهاني
(10) المبسوط للسرخسي 3 / 244، وحاشية القليوبي 3 / 195، 196 و 197
(11) رواه أبو داود بسند ضعيف. (جامع الأصول 10 / 597)
(12) جامع الأصول رقم 8181
(13) رواه الحاكم بسند منقطع. تلخيص الحبير 3 / 164
(14) المغني لابن قدامة 7 / 377
(15) نهاية المحتاج 6 / 254، وروضة الطالبين 7 / 82، ومنهاج اليقين للأرزنجاني، شرح أدب الدنيا والدين للماوردي ط، استانبول ص 368، وحاشية ابن عابدين 2 / 322 و 5 / 297، وحاشية القليوبي 3 / 236
(16) حاشية ابن عابدين 2 / 322
(17) الآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 303، ومنهاج اليقين ص 368، وحاشية ابن عابدين 5 / 297، والفتاوى الهندية 5 / 349 ط بولاق.
(18) المبسوط 30 / 259، وحاشية ابن عابدين 2 / 322 و5 / 297، والفتاوى الهندية 5 / 349 ط. بولاق، وحاشية محمد بن المدني على كنون بهامش الرهوني 5 / 6، والإتحاف شرح إحياء علوم الدين 5 / 418، وحاشية القليوبي 2 / 152، ومجمع الأنهر 1 / 330 - مطبعة الحاج محمد أفندي سنة 1292 هـ، ونهاية المحتاج 6 / 254، وروضة الطالبين 7 / 82، ومنهاج اليقين ص 366 و 368، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 303، 307.
(19) نهاية المحتاج 6 / 253، وحاشية القليوبي 3 / 235
(20) نهاية المحتاج 6 / 254، ومغني المحتاج 3 / 166، 167
(21) نهاية المحتاج 6 / 253، 254، والبهجة شرح التحفة 1 / 262، والمغني 6 / 377.
(22) انظر: حاشية الدسوقي 2 / 25، والبهجة شرح التحفة 1 / 261، والمغني 7 / 377، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 302، 303، والقليوبي 3 / 235، ونهاية المحتاج 6 / 254، وروضة الطالبين 7 / 82، ومغني المحتاج 3 / 167، والبحر الرائق 3 / 143، وابن عابدين 2 / 321، والجوهرة شرح القدوري 2 / 12
(23) الآداب الشرعية 3 / 305
(24) الآداب الشرعية 3 / 305
(25) كنز العمال 9865 ط دمشق
(26) الآداب الشرعية 2 / 305
(27) كنز العمال برقم 9859
(28) فتاوى ابن تيمية 28 / 79، 29 / 194 ط مطابع الرياض 1383 هـ
(29) فتاوى ابن تيمية 28 / 82، 86 و 29 / 194 والآداب الشرعية 3 / 305
(30) فتاوى ابن تيميه 28 / 82، 86
(31) حاشية القليوبي 4 / 91
(32) حاشية ابن عابدين 2 / 642 و 671، والمغني 9 / 304، والخرشي 3 / 348
(33) المبسوط 30 / 258، وحاشية ابن عابدين 5 / 297
(34) انظر: الآداب الشرعية 3 / 305، والقليوبي 4 / 91، والمبسوط 30 / 258
(35) كنز العمال برقم 9854
(36) الآداب الشرعية 3 / 305
(37) (القليوبي 4 / 91)
(38) الآداب الشرعية 3 / 305
(39) " ليس لمؤمن. . . " رواه الترمذي بلفظ " لا ينبغي لمؤمن. . . " وقال: حسن غريب. وضعفه غير الترمذي. ورواه أحمد وابن ماجه. انظر تحفة الأحوذي 6 / 531
(40) رواه البيهقي بسند رجاله ثقات. (فيض القدير 2 / 296)
(41) (انظر المبسوط 30 / 258)
(42) المهذب 1 / 410 ط دار المعرفة، والحطاب 6 / 417، والمواق 6 / 407، والقواعد لابن رجب 197، والمغني 5 / 479، والفتاوى الهندية 4 / 425
(43) الغرر البهية شرح البهجة 4 / 72، ومغني المحتاج 3 / 115، وإعانة الطالبين 2 / 189، وحاشية ابن عابدين 2 / 22
(44) معين الحكام 237، 238، وحاشية القليوبي 4 / 209، وأسنى المطالب 4 / 166، والمغني 8 / 328
(45) حاشية ابن عابدين 2 / 114
الموسوعة الفقهية الكويتية: 69/ 2