البحث

عبارات مقترحة:

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

رُكْنٌ


من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف اللغوي

الرُّكْنُ: الأَساسُ والجانِبُ، وأَرْكانُ كُلِّ شَيْءٍ: جَوانِبُهُ وأُسُسُهُ التي يَسْتَنِدُ إِليها ويَقُومُ بِها. ويأْتي بِمعنى: عِماد الشَّيْءِ ورَكِيزَتِهِ، وأَصْلُ الكَلِمَةِ مِن الرَّكْنِ، وهو: القُوَّةُ والثُّبُوتُ، ورُكْنُ الشَّيْءِ: جانِبُهُ الْأَقْوَى. والرُّكونُ أيضاً: المَيْلُ، تَقول: رَكَنْتُ إِلَيْهِ، أيْ مِلْتُ؛ لِأنّه سَكَنَ إِلَيْهِ وثَبَتَ عِنْدَه. ويُطْلَق الرُّكْنُ على الجُزْءِ الذي يَتَكَوَّنُ مِنْهُ الشَّيْءُ. ومِن مَعانِيهِ أيضاً: الأَمْرُ العَظِيم، والعِزُّ، والـمَنَعَةُ. وجَمعُه: أَرْكانٌ.

إطلاقات المصطلح

يُطلَق مُصطلَح (رُكْن) في الفقه في مَواطِنَ، منها: كتاب الصِّيامِ، باب: أركان الصَّومِ، ويُراد به: الإمْساكُ عن الـمُفَطِّراتِ. ويُطلَق في كتابِ الحَجِّ، باب: أَرْكان الحَجِّ، ويُراد به: الوُقُوفُ بِعَرفَةَ، وطَوافُ الإفاضَةِ، وغيرُ ذلك. ويُطلَق في كتاب البُيوعِ، باب: أركان البَيْعِ، ويُراد به: الإيجابُ والقَبولُ، والبائِعُ، والمشْتَرِي، وغيرُ ذلك. ويُطْلَق في كتاب الحَجِّ، ويُراد به: كُلُّ جِدارَيْنِ في الكَعبَةِ، ومِن ذلك: رُكْنُ الحَجَرِ الأسْوَدِ، والرُّكْنُ اليَمانِي. ويُطْلَق في العقيدةِ، باب: الإِيمان وأَرْكانه، ويُراد به: ما يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَّةُ الاِعْتِقادِ.

جذر الكلمة

ركن

المعنى الاصطلاحي

ما لا تَصِحُّ الصَّلاةُ إلا بِهِ مِـمّا هو داخِلٌ في حَقِيقَتِها، كالقِيام، والرُّكوعِ، والسُّجودِ، ونحو ذلك.

الشرح المختصر

الرُّكْنُ: هوَ ما يَتَوَقَّفُ عليْهِ وُجودُ الشَّيْءِ، وهو داخِلٌ فِيهِ، ومن ذلك: أركانُ الصَّلاةِ، وهي: أقوالٌ وأفعالٌ لا تصِحُّ الصَّلاةُ إلا بها، وتَبْطُلُ إذا ما تُرِكَتْ عَمداً، وأمّا إن تَرَكَها الـمُصلِّي سَهواً أو جَهلاً فلا تَصِحُّ إلّا إن أمكَنَهُ تَدارُكها.

التعريف اللغوي المختصر

الرُّكْنُ: الأَساسُ والجانِبُ، وأَرْكانُ كُلِّ شَيْءٍ: جَوانِبُهُ وأُسُسُهُ التي يَسْتَنِدُ إِليها ويَقُومُ بِها. ويأْتي بِمعنى: عِماد الشَّيْءِ ورَكِيزَتِهِ، وأَصْلُ الكَلِمَةِ مِن الرَّكْنِ، وهو: القُوَّةُ والثُّبُوتُ.

المراجع

* المفردات في غريب القرآن : (ص 365)
* الصحاح : (5/2126)
* لسان العرب : (13/185)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 230)
* الكليات : (ص 761)
* الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة : (ص 71)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 226)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (23/109) -

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفِ:
1 - الرُّكْنُ فِي اللُّغَةِ: الْجَانِبُ الأَْقْوَى وَالأَْمْرُ الْعَظِيمُ، وَمَا يُقْوَّى بِهِ مِنْ مَلِكٍ وَجُنْدٍ وَغَيْرِهِمَا، وَالْعِزُّ، وَالْمَنَعَةُ.
وَالأَْرْكَانُ: الْجَوَارِحُ، وَفِي حَدِيثِ الْحِسَابِ: يُقَال لأَِرْكَانِهِ: انْطِقِي (1) أَيْ جَوَارِحِهِ، وَأَرْكَانُ كُل شَيْءٍ جَوَانِبُهُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا وَيَقُومُ بِهَا (2) .
وَرُكْنُ الشَّيْءِ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا لاَ وُجُودَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إِلاَّ بِهِ.
وَهُوَ " الْجُزْءُ الذَّاتِيُّ الَّذِي تَتَرَكَّبُ الْمَاهِيَّةُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَتَوَقَّفُ تَقَوُّمُهَا عَلَيْهِ (3) ". الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ
أ - الشَّرْطُ:
2 - الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ إِلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ، وَكَذَلِكَ الشَّرِيطَةُ، وَالْجَمْعُ شُرُوطٌ وَشَرَائِطُ وَبِالتَّحْرِيكِ الْعَلاَمَةُ، وَجَمْعُهُ أَشْرَاطٌ (4) .
وَاصْطِلاَحًا عَرَّفَهُ ابْنُ السُّبْكِيِّ بِقَوْلِهِ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ ".
وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الشَّرْطَ " مَا اسْتَلْزَمَ نَفْيُهُ نَفْيَ أَمْرٍ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ ".
وَهُوَ اخْتِيَارُ شَارِحِ التَّحْرِيرِ الْعَلاَّمَةِ أَمِيرِ بَادْ شَاهْ (5) .
قَال الإِْمَامُ الْكَاسَانِيُّ مُفَرِّقًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ: وَالأَْصْل أَنَّ كُل مُتَرَكِّبٍ مِنْ مَعَانٍ مُتَغَايِرَةٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمُرَكَّبِ عَلَيْهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا، كَانَ كُل مَعْنًى مِنْهَا رُكْنًا لِلْمُرَكَّبِ، كَأَرْكَانِ الْبَيْتِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، وَالإِْيجَابِ وَالْقَبُول فِي بَابِ الْبَيْعِ فِي الْمَشْرُوعَاتِ، وَكُل مَا يَتَغَيَّرُ الشَّيْءُ بِهِ وَلاَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَانَ شَرْطًا، كَالشُّهُودِ فِي بَابِ النِّكَاحِ (6) .
وَعَلَى هَذَا فَكُلٌّ مِنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّى شَرْعًا، غَيْرَ أَنَّ الرُّكْنَ يَكُونُ دَاخِلاً فِي حَقِيقَةِ الْمُسَمَّى، فَهُوَ جُزْؤُهُ، بِخِلاَفِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَارِجًا عَنِ الْمُسَمَّى.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ مُحِبُّ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الشَّكُورِ بِأَنَّ الأَْرْكَانَ تَوْقِيفِيَّةٌ، قَال: وَإِنَّ جَعْل بَعْضِ الأُْمُورِ رُكْنًا وَبَعْضِهَا شَرْطًا تَوْقِيفِيٌّ لاَ يُدْرَكُ بِالْعَقْل (7) .

ب - الْفَرْضُ:
3 - الْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ وَالتَّوْقِيتُ، وَالْحَزُّ فِي الشَّيْءِ، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالسُّنَّةُ، يُقَال: فَرَضَ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَيْ: سَنَّ (8) .
وَاصْطِلاَحًا: خِطَابُ اللَّهِ الْمُقْتَضِي لِلْفِعْل اقْتِضَاءً جَازِمًا. وَهُوَ تَعْرِيفُ الْوَاجِبِ أَيْضًا، حَيْثُ إِنَّ الْجُمْهُورَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، فَهُمَا مِنَ التَّرَادُفِ عِنْدَهُمْ.
وَقَال الْعَضُدُ فِي تَعْرِيفِ الإِْيجَابِ: هُوَ خِطَابٌ بِطَلَبِ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ. وَالْوَاجِبُ هُوَ الْفِعْل الْمُتَعَلِّقُ بِالإِْيجَابِ، فَهُوَ فِعْلٌ غَيْرُ كَفٍّ تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابٌ بِطَلَبٍ بِحَيْثُ يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَفْتَرِقُ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ بِالظَّنِّ وَالْقَطْعِ، فَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ فَفَرْضٌ، وَإِنْ ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ فَهُوَ الْوَاجِبُ (9) .
ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُطْلِقُونَ الْفَرْضَ عَلَى الرُّكْنِ، كَمَا صَنَعَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي تَنْوِيرِ الأَْبْصَارِ، فَقَال فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلاَةِ: مِنْ فَرَائِضِهَا التَّحْرِيمَةُ. وَقَال خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ: فَرَائِضُ الْوُضُوءِ. . وَقَال فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ: فَرَائِضُ الصَّلاَةِ. . قَال الدَّرْدِيرُ: أَيْ: أَرْكَانُهَا وَأَجْزَاؤُهَا الْمُتَرَكِّبَةُ هِيَ مِنْهَا. وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ. فَقَال فِي بَابِ الْوُضُوءِ: فَرْضُهُ سِتَّةٌ.
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرُّكْنُ لاَ الْمَحْدُودُ فِي كُتُبِ أُصُول الْفِقْهِ.
وَالشَّيْخُ أَبُو النَّجَا الْحَجَّاوِيُّ فِي الإِْقْنَاعِ، فَقَال فِي بَابِ الْوُضُوءِ: فَرْضُهُ سِتَّةٌ (10) . . لَكِنَّ الْفَرْضَ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنَ الرُّكْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَصْكَفِيُّ فَقَال: ثُمَّ الرُّكْنُ مَا يَكُونُ فَرْضًا دَاخِل الْمَاهِيَّةِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فَمَا يَكُونُ خَارِجَهَا، فَالْفَرْضُ أَعَمُّ مِنْهَا وَهُوَ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهُ (11) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - الرُّكْنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جُزْءَ مَاهِيَّةِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ وَالإِْمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ، وَفِي الْعُقُودِ كَالإِْيجَابِ وَالْقَبُول فِي عَقْدِ الْبَيْعِ. أَوْ جُزْءَ مَاهِيَّةِ الأَْشْيَاءِ الْمَحْسُوسَةِ كَأَرْكَانِ الْبَيْتِ.

الرُّكْنُ وَالْوَاجِبُ:
5 - يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ فِي بَابَيِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالصَّلاَةِ، أَمَّا بَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَبِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ فَيَنُصُّونَ أَنَّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَرْكَانًا، وَوَاجِبَاتٍ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي التَّرْكِ، فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلاَّ بِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الإِْتْيَانُ أَتَى بِهِ، وَذَلِكَ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الإِْتْيَانُ بِهِ كَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِأَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ فَإِنَّهُ يَفُوتُهُ الْحَجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَيَتَحَلَّل بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمَاهِيَّةَ لاَ تَحْصُل إِلاَّ بِجَمِيعِ الأَْرْكَانِ. وَانْظُرْ (حَجّ: ف 123)
وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَيَكُونُ حَجُّهُ تَامًّا صَحِيحًا، فَالْوَاجِبُ يُمْكِنُ جَبْرُهُ بِالدَّمِ بِخِلاَفِ الرُّكْنِ (12) .
وَأَمَّا بَابُ الصَّلاَةِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِلصَّلاَةِ أَرْكَانًا وَوَاجِبَاتٍ.
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي التَّرْكِ أَيْضًا.
فَتَرْكُ الرُّكْنِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بُطْلاَنُ الصَّلاَةِ إِنْ كَانَ تَرْكُهُ عَمْدًا. أَمَّا إِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا أَوْ جَهْلاً فَلاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ إِلاَّ إِنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ، وَفِي كَيْفِيَّتِهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (سُجُودِ السَّهْوِ) . وَأَمَّا تَرْكُ الْوَاجِبِ فَإِنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَبْطُل بِتَرْكِهِ سَهْوًا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ جَبْرًا لَهُ، وَتَرْكُهُ عَمْدًا يُبْطِل الصَّلاَةَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: عَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلاَةِ وُجُوبًا إِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا جَبْرًا لِنُقْصَانِهِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ (13) .

الرُّكْنُ فِي الْعِبَادَاتِ:
تَخْتَلِفُ أَرْكَانُ الْعِبَادَاتِ بِاخْتِلاَفِهَا:

أ - أَرْكَانُ الْوُضُوءِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَرْكَانِ الْوُضُوءِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ، غَسْل الْوَجْهِ، وَغَسْل الْيَدَيْنِ، وَمَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ وَغَسْل الرِّجْلَيْنِ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْهَا النِّيَّةَ وَالتَّرْتِيبَ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ الْمُوَالاَةَ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا النِّيَّةَ شَرْطًا لاَ رُكْنًا. وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ الدَّلْكَ (14) .

ب - أَرْكَانُ التَّيَمُّمِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ.
7 - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلتَّيَمُّمِ رُكْنَيْنِ، الضَّرْبَتَانِ، وَالْمَسْحُ، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: أَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: النِّيَّةُ، وَضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَعْمِيمُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ بِالْمَسْحِ، وَالصَّعِيدُ الطَّاهِرُ، وَالْمُوَالاَةُ.
كَمَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَهُ خَمْسَةٌ وَهِيَ: نَقْل التُّرَابِ، وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلاَةِ، وَمَسْحُ الْوَجْهِ، وَمَسْحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: مَسْحُ جَمِيعِ الْوَجْهِ، وَمَسْحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ، وَالتَّرْتِيبُ، وَالْمُوَالاَةُ فِي غَيْرِ الْحَدَثِ الأَْكْبَرِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ (15) .

ج - أَرْكَانُ الصَّلاَةِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَرْكَانِ الصَّلاَةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلاَةِ هِيَ: النِّيَّةُ، وَاعْتَبَرَهَا الْحَنَابِلَةُ شَرْطًا، وَتَكْبِيرَةُ الإِْحْرَامِ، وَالْقِيَامُ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُل رَكْعَةٍ، وَالرُّكُوعُ، وَالاِعْتِدَال بَعْدَهُ، وَالسُّجُودُ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ، وَالتَّشَهُّدُ الأَْخِيرُ. (وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: التَّشَهُّدُ الأَْخِيرُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَأَمَّا الْجُلُوسُ فَإِنَّهُ رُكْنٌ لَكِنَّهُ لِلسَّلاَمِ) وَالسَّلاَمُ، وَالتَّرْتِيبُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ. وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ الرَّفْعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالرَّفْعَ مِنَ السُّجُودِ، قَال الدَّرْدِيرُ: الصَّلاَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ فَجَمِيعُ أَقْوَالِهَا لَيْسَتْ بِفَرَائِضَ إِلاَّ ثَلاَثَةً: تَكْبِيرَةَ الإِْحْرَامِ، وَالْفَاتِحَةَ، وَالسَّلاَمَ، وَجَمِيعُ أَفْعَالِهَا فَرَائِضُ إِلاَّ ثَلاَثَةً رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، وَالْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ، وَالتَّيَامُنَ بِالسَّلاَمِ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ، كَمَا قَال الْحَنَابِلَةُ بِرُكْنِيَّةِ التَّسْلِيمَتَيْنِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلاَةِ هِيَ: الْقِيَامُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالْقَعْدَةُ الأَْخِيرَةُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، وَتَرْتِيبُ الأَْرْكَانِ، وَإِتْمَامُ الصَّلاَةِ، وَالاِنْتِقَال مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ. وَالنِّيَّةُ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَكَذَا التَّحْرِيمَةُ (16) .

د - أَرْكَانُ الصِّيَامِ:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلصَّوْمِ رُكْنًا وَاحِدًا وَهُوَ الإِْمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ. وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ النِّيَّةَ رُكْنًا، فَلِلصَّوْمِ رُكْنَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُمَا النِّيَّةُ وَالإِْمْسَاكُ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ ثَالِثًا وَهُوَ الصَّائِمُ (17) .

هـ - أَرْكَانُ الاِعْتِكَافِ:
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلاِعْتِكَافِ رُكْنًا وَاحِدًا وَهُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: النِّيَّةُ، وَالْمُعْتَكِفُ، وَاللُّبْثُ، وَالْمَسْجِدُ (18) .

و أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ:
11 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْحَجِّ رُكْنَيْنِ، الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَمُعْظَمُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ) . وَأَمَّا الإِْحْرَامُ فَهُوَ شَرْطٌ ابْتِدَاءً، رُكْنٌ انْتِهَاءً.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ: الإِْحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالطَّوَافُ اتِّفَاقًا وَالسَّعْيُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلاَفًا لاِبْنِ الْقَصَّارِ. وَزَادَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الأَْرْكَانِ: الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلاً بِرُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ. قَال الدُّسُوقِيُّ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ غَيْرُ رُكْنَيْنِ، بَل الأَْوَّل مُسْتَحَبٌّ، وَالثَّانِي وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ. وَأَمَّا الْقَوْل بِرُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بَل الْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَرْكَانُ الْحَجِّ سِتَّةٌ: الإِْحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَالْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الأَْرْكَانِ.
كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ. فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَهَا رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الطَّوَافُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَرْكَانُهَا ثَلاَثَةٌ: الإِْحْرَامُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ، وَالتَّرْتِيبَ (19) .

الرُّكْنُ فِي الْعُقُودِ:
12 - هُنَاكَ اتِّجَاهَانِ فِي تَحْدِيدِ الرُّكْنِ فِي الْعُقُودِ:
الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ لِكُل عَقْدٍ ثَلاَثَةَ أَرْكَانٍ هِيَ: الصِّيغَةُ، وَالْعَاقِدَانِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الثَّلاَثَةُ تَئُول فِي الْحَقِيقَةِ إِلَى سِتَّةٍ، فَمَثَلاً فِي الْبَيْعِ: الصِّيغَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول. وَالْعَاقِدَانِ هُمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي. وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ.
الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِكُل عَقْدٍ رُكْنًا وَاحِدًا فَقَطْ وَهُوَ الصِّيغَةُ (الإِْيجَابُ وَالْقَبُول (1)) .

أَقْسَامُ الرُّكْنِ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَقْسِيمِ الرُّكْنِ فِي الصَّلاَةِ إِلَى فِعْلِيٍّ وَقَوْلِيٍّ (20) . وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي التَّكْرَارِ.
وَانْفَرَدَ الْحَنَفِيَّةُ بِتَقْسِيمِ الرُّكْنِ فِي الصَّلاَةِ إِلَى رُكْنٍ أَصْلِيٍّ وَرُكْنٍ زَائِدٍ، فَالْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ أَرْكَانٌ أَصْلِيَّةٌ، وَالْقِرَاءَةُ وَالْقُعُودُ الأَْخِيرُ رُكْنَانِ زَائِدَانِ.
وَالرُّكْنُ الزَّائِدُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ بِلاَ خَلَفٍ، كَسُقُوطِ الْقِرَاءَةِ بِالاِقْتِدَاءِ. وَالرُّكْنُ الأَْصْلِيُّ مَا لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ.
وَمَعْنَى كَوْنِ الرُّكْنِ زَائِدًا أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِهِ فِي حَالَةٍ، وَانْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَائِهِ، وَزَائِدٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِدُونِهِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى، فَالصَّلاَةُ مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا الشَّارِعُ تَارَةً بِأَرْكَانٍ وَأُخْرَى بِأَقَل مِنْهَا. ثُمَّ إِنَّ اعْتِبَارَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقُعُودِ الأَْخِيرِ رُكْنَيْنِ زَائِدَيْنِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحَل خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ. أَمَّا الْقِرَاءَةُ فَالأَْكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ.
كَمَا انْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ بِتَقْسِيمِ الرُّكْنِ فِي الصَّلاَةِ إِلَى رُكْنٍ طَوِيلٍ وَرُكْنٍ قَصِيرٍ، فَالْقَصِيرُ عِنْدَهُمْ رُكْنَانِ: الاِعْتِدَال بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَمَا عَدَاهُمَا طَوِيلٌ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ عِنْدَهُمْ أَنَّ تَطْوِيل الرُّكْنِ الْقَصِيرِ عَمْدًا بِسُكُوتٍ أَوْ ذِكْرٍ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ يُبْطِل الصَّلاَةَ؛ لأَِنَّ تَطْوِيلَهُ تَغْيِيرٌ لِوَضْعِهِ، وَيُخِل بِالْمُوَالاَةِ؛ وَلأَِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ بَل لِلْفَصْل بَيْنَ الأَْرْكَانِ، وَأَمَّا تَطْوِيلُهُ سَهْوًا فَلاَ يُبْطِل الصَّلاَةَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
وَمِقْدَارُ التَّطْوِيل عِنْدَهُمْ أَنْ يُلْحَقَ الاِعْتِدَال بَعْدَ الرُّكُوعِ بِالْقِيَامِ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَالْمُرَادُ قِرَاءَةُ الْوَاجِبِ فَقَطْ لاَ قِرَاءَتُهُ مَعَ الْمَنْدُوبِ أَيِ الْفَاتِحَةِ وَأَقَل التَّشَهُّدِ (21) . أَقَل الرُّكْنِ وَأَكْمَلُهُ:
14 - قَدْ يَكُونُ لِلرُّكْنِ كَيْفِيَّتَانِ يَتَحَقَّقُ بِهِمَا، إِحْدَاهُمَا: كَيْفِيَّةُ الإِْجْزَاءِ وَيُطْلِقُ عَلَيْهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَالشَّافِعِيَّةِ أَقَل الرُّكْنِ، وَالثَّانِيَةُ: كَيْفِيَّةُ الْكَمَال، وَهِيَ الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي تُوَافِقُ السُّنَّةَ.
وَمِنْ تِلْكَ الأَْرْكَانِ فِي بَابِ الصَّلاَةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَيَنُصُّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لَهُمَا كَيْفِيَّتَيْنِ فَأَقَل الرُّكُوعِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُجْزِئُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يَنْحَنِيَ حَتَّى تَقْتَرِبَ فِيهِ رَاحَتَا كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ خَفْضُ الرَّأْسِ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ مَوْضُوعِ اللُّغَةِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا} ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الاِقْتِصَارِ عَلَى الأَْقَل. وَأَكْمَل الرُّكُوعِ أَنْ يُسَوِّيَ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ، وَيُمَكِّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُ وَنَاصِبًا لِرُكْبَتَيْهِ. وَأَقَل السُّجُودِ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلاَّهُ، وَهُنَاكَ خِلاَفٌ فِي بَقِيَّةِ الأَْعْضَاءِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا: (رُكُوع، سُجُود) .
وَأَكْمَل السُّجُودِ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، وَيَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، وَيُفَرِّقَ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَهَذَا فِي الرَّجُل. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَضُمُّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ (22) .
وَفِي بَابِ الْحَجِّ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَأَقَلُّهُ أَنْ يَحْصُل بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ وَلَوْ لَحْظَةً، وَلَوْ مَارًّا بِهَا، أَوْ نَائِمًا أَوْ جَاهِلاً بِهَا، فَمَنْ حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ اللَّحْظَةُ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ صَارَ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ الْفَسَادُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ زَوَال يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَمِنَ الْغُرُوبِ إِلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ مَالِكٍ، فَالرُّكْنُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الاِسْتِقْرَارُ لَحْظَةً فِي عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَمَّا الْوُقُوفُ نَهَارًا بَعْدَ الزَّوَال فَوَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ.
وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَجْمَعَ فِي الْوُقُوفِ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ لِفِعْلِهِ ﷺ مَعَ قَوْلِهِ ﷺ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ (23) .
وَقَدْ عَدَّ الْحَنَابِلَةُ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ وَاجِبًا يَجِبُ فِي تَرْكِهِ دَمٌ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَكُونُ الْجَمْعُ وَاجِبًا فِيمَا إِذَا وَقَفَ نَهَارًا، أَمَّا إِذَا وَقَفَ لَيْلاً فَلاَ وَاجِبَ عَلَيْهِ.
وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ إِرَاقَةَ الدَّمِ حِينَئِذٍ خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَهُ (24) .

تَرْكُ الرُّكْنِ وَتَكْرَارُهُ:
15 - لِتَرْكِ الرُّكْنِ آثَارٌ وَصُوَرٌ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَيْفِيَّةِ التَّرْكِ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلاً، وَفِي كُل حَالَةٍ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مَظَانِّهِ مِنَ الْمَوْسُوعَةِ. كَمَا أَنَّ تَكْرَارَ الرُّكْنِ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا يَجْرِي عَلَى التَّرْكِ مَعَ ضَوَابِطَ وَتَفْصِيلاَتٍ تُنْظَرُ فِي مَظَانِّهَا.

تَرْكُ الرُّكْنِ فِي الْعُقُودِ:
16 - تَرْكُ الرُّكْنِ فِي الْعُقُودِ يُوجِبُ بُطْلاَنَهَا، وَذَلِكَ لاِنْعِدَامِ الأُْمُورِ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا لِيَتَحَقَّقَ الْعَقْدُ فِي الْخَارِجِ.
فَمَنْ تَرَكَ الإِْيجَابَ أَوِ الْقَبُول فِي جَمِيعِ صُوَرِهِمَا فِي أَيِّ عَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ فَعَقْدُهُ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ كَمَنْ بَاعَ أَوِ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ أَوْ قَبُولٍ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى سَبِيل التَّعَاطِي فَيَكُونُ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ بَاطِلاً (25) .
ثُمَّ إِنْ تَخَلَّفَ الرُّكْنُ فِي الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَدْخُل فِي حَالَةِ الْبُطْلاَنِ، وَاَلَّتِي يُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَالَةِ الْفَسَادِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بُطْلاَن (2)) .
وَأَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بُطْلاَنِ الْعُقُودِ فَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (بُطْلاَن (3)) .

الرُّكْنُ بِمَعْنَى جُزْءِ الْمَاهِيَّةِ الْمَحْسُوسَةِ:

اسْتِلاَمُ الأَْرْكَانِ فِي الطَّوَافِ:
17 - اسْتَحَبَّ الْفُقَهَاءُ اسْتِلاَمَ رُكْنَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ.
الأَْوَّل: الْحَجَرُ الأَْسْوَدُ، وَيُسَنُّ تَقْبِيلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ اسْتَقْبَل النَّبِيُّ ﷺ الْحَجَرَ، ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلاً، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَال: يَا عُمَرُ، هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ (26) . وَعَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، وَقَال: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ (27) .
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنْ تَكُونَ الْقُبْلَةُ بِلاَ صَوْتٍ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الصَّوْتِ بِالتَّقْبِيل قَوْلاَنِ: الْكَرَاهَةُ وَالإِْبَاحَةُ. قَال الشَّيْخُ الْحَطَّابُ نَقْلاً عَنِ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ فِي شَرْحِ الإِْرْشَادِ: وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْجَوَازَ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ دُسُوقِيٌّ عَنِ الْحَطَّابِ. وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ.
قَال الْحَنَابِلَةُ: فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنْكَرَ الإِْمَامُ مَالِكٌ وَضْعَ الْخَدَّيْنِ عَلَى الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ، قَال فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ بِدْعَةٌ، قَال الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّجُودَ وَتَمْرِيغَ الْوَجْهِ عَلَيْهِ، قَال الْحَطَّابُ: قَال بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَكَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُهُ إِذَا خَلاَ بِهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْبِيل وَالسُّجُودُ ثَلاَثًا. فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَقْبِيلِهِ اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ وَقَبَّل يَدَهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّل يَدَهُ (28) . وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ قَال: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّل يَدَهُ. وَقَال: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُهُ (29) وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُقَبِّل يَدَهُ بَل يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، وَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَبِّل يَدَهُ كَمَا يُقَبِّل الْحَجَرَ، وَالأَْوَّل هُوَ الْمَشْهُورُ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ التَّقْبِيل فِي الْحَجَرِ تَعَبُّدٌ وَلَيْسَتِ الْيَدُ بِالْحَجَرِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ يَدَهُ الْيُمْنَى، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا أَوْ يَضَعُ إِحْدَاهُمَا، وَالأَْوْلَى أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى لأَِنَّهَا الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ.
فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنِ اسْتِلاَمِهِ بِيَدِهِ اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ كَعَصًا، ثُمَّ يُقَبِّل مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (30) وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَضَعُ الْعَصَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ.
18 - فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كُل ذَلِكَ لِشِدَّةِ الزِّحَامِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ شَيْءٍ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ وَلاَ يُزَاحِمُ النَّاسَ فَيُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ ﷺ قَال لِعُمَرَ: يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لاَ تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّل وَكَبِّرْ (31) . وَلأَِنَّ الاِسْتِلاَمَ سُنَّةٌ، وَإِيذَاءُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، وَتَرْكُ الْحَرَامِ أَوْلَى مِنَ الإِْتْيَانِ بِالسُّنَّةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: طَافَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ (32) . قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُشِيرُ إِلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعُهَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَيَجْعَل بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إِلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ، وَصَرَّحُوا بِتَقْبِيل كَفَّيْهِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّقْبِيل كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ إِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِتَقْبِيل مَا أَشَارَ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الإِْشَارَةُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا. وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يُقَبِّل الْمُشَارَ بِهِ قَالُوا: لِعَدَمِ وُرُودِهِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ تَعَذَّرَ اسْتِلاَمُهُ يُكَبِّرُ فَقَطْ إِذَا حَاذَاهُ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ بِيَدِهِ وَلاَ رَفْعٍ، وَصِفَةُ الاِسْتِلاَمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَلْمِسَهُ بِيَدِهِ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَمْسَحُهُ بِيَدِهِ.
الثَّانِي: الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ، فَيُسَنُّ اسْتِلاَمُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فِي الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ ﷺ كَانَ لاَ يَسْتَلِمُ إِلاَّ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ (33) .
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ تَقْبِيلُهُ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُقَبِّل مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ.
وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنِ اسْتِلاَمِهِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: لأَِنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ فِي الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ فَكَذَا هُنَا، وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنَّهُ يُقَبِّل مَا أَشَارَ بِهِ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهُوَ كَذَلِكَ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشِيرُ عِنْدَ الزِّحَامِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ إِذَا حَاذَاهُ.
19 - وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِ اسْتِلاَمِ الرُّكْنَيْنِ يُرَاعَى فِي كُل طَوْفَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ ﷺ كَانَ لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الأَْسْوَدَ فِي كُل طَوْفَةٍ (34) . وَهَذَا مِمَّا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا اسْتِلاَمُ الرُّكْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ - الشَّامِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ - فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي الْجُمْلَةِ. قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلاَ يَسْتَلِمُ وَلاَ يُقَبِّل الرُّكْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ، لِقَوْل ابْنِ عُمَرَ ﵄: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ ﷺ يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ (35) .
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِكَرَاهَةِ اسْتِلاَمِ الرُّكْنَيْنِ الْعِرَاقِيِّ وَالشَّامِيِّ - وَهِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - قَالُوا: لأَِنَّهُمَا لَيْسَا رُكْنَيْنِ حَقِيقَةً بَل مِنْ وَسَطِ الْبَيْتِ؛ لأَِنَّ بَعْضَ الْحَطِيمِ مِنَ الْبَيْتِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُسَنُّ اسْتِلاَمُ الرُّكْنَيْنِ وَلاَ تَقْبِيلُهُمَا. قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ تَقْبِيل الأَْرْكَانِ الثَّلاَثَةِ إِنَّمَا هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ سُنَّةً، فَلَوْ قَبَّلَهُنَّ أَوْ غَيْرَهُنَّ مِنَ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا وَلاَ خِلاَفَ الأَْوْلَى، بَل يَكُونُ حَسَنًا، كَمَا نَقَلَهُ فِي الاِسْتِقْصَاءِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَال: وَأَيُّ الْبَيْتِ قَبَّل فَحَسَنٌ غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالاِتِّبَاعِ. قَال الإِْسْنَوِيُّ: فَتَفَطَّنْ لَهُ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ.
20 - وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلاَفِ الأَْرْكَانِ فِي هَذِهِ الأَْحْكَامِ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الأَْسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ: كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنَ الْفَضِيلَتَيْنِ (36) . قَال ابْنُ عُمَرَ ﵄: مَا أَرَاهُ - يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ - تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَلاَ طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ إِلاَّ لِذَلِكَ (37) .
__________
(1) حديث: " الحساب: يقال. . . " أخرجه مسلم (4 / 2280 - 2281 ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(2) القاموس المحيط ولسان العرب مادة: (ركن) .
(3) التعريفات 99 - ط مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الكليات 2 / 395 منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق الطبعة الثانية، حاشية ابن عابدين 1 / 61 - 64، دار إحياء التراث العربي، الكفاية على الهداية بذيل شرح فتح القدير 1 / 239 دار إحياء التراث العربي، حاشية الجمل 1 / 328 دار إحياء التراث العربي، شرح روض الطالب 1 / 140 المكتبة الإسلامية.
(4) لسان العرب والقاموس المحيط والمصباح المنير مادة: (شرط) .
(5) حاشية البناني على جمع الجوامع 2 / 20 ط مصطفى البابي الحلبي، الفروق 1 / 62 مطبعة دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى 1344 هـ، فتح الغفار شرح المنار 3 / 73 مصطفى البابي الحلبي، التلويح على التوضيح 1 / 120، 145 ط محمد علي صبيح وأولاده، حاشية التفتازاني على شرح مختصر المنتهى 2 / 12 الناشر جامعة السيد محمد بن علي السنوسي الإسلامية، ليبيا 1968م، تيسير التحرير 2 / 120، 148، مصطفى البابي الحلبي 1350 هـ، وحاشية الحموي على الأشباه 2 / 224، والمنثور في القواعد 1 / 370.
(6) بدائع الصنائع 1 / 105 دار الكتاب العربي.
(7) التلويح على التوضيح 2 / 130 ط محمد علي صبيح وأولاده، فتح الغفار بشرح المنار 3 / 73 مصطفى البابي الحلبي، شرح المنار لابن ملك ص 921 المطبعة العثمانية 1315 هـ، فواتح الرحموت بذيل المستصفى 1 / 400، 402 دار صادر.
(8) لسان العرب والقاموس المحيط مادة: (فرض) .
(9) حاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 86 مصطفى البابي الحلبي، شرح العضد على مختصر المنتهى بهامش حاشية التفتازاني 1 / 232، جامعة السنوسي الإسلامية، ليبيا 1968م، التلويح على التوضيح 2 / 123 محمد علي صبيح وأولاده، فتح الغفار شرح المنار 2 / 62، مصطفى البابي الحلبي 1936م، المستصفى 1 / 28 دار صادر.
(10) حاشية ابن عابدين 1 / 297، دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي 1 / 85، 231 دار الفكر، مغني المحتاج 1 / 47 دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع 1 / 83 عالم الكتب.
(11) حاشية ابن عابدين 1 / 64، 297، دار إحياء التراث العربي.
(12) الفتاوى الهندية 1 / 219، 237 المطبعة الأميرية الطبعة الثانية، الفتاوى الخانية بهامش الفتاوى الهندية 1 / 298، المطبعة الأميرية الطبعة الثانية، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 398 المطبعة العثمانية، حاشية الدسوقي 2 / 21 دار الفكر، مغني المحتاج 1 / 513 دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع 2 / 521 عالم الكتب.
(13) حاشية ابن عابدين 1 / 297، 306 دار إحياء التراث العربي، الفتاوى الهندية 1 / 126 المطبعة الأميرية، الطبعة الثانية، كشاف القناع 1 / 385، 389 عالم الكتب.
(14) بدائع الصنائع 1 / 3 وما بعدها، حاشية الدسوقي 1 / 85 وما بعدها، مغني المحتاج 1 / 47، وما بعدها، كشاف القناع 1 / 83.
(15) حاشية ابن عابدين 1 / 153، 154 - الشرح الصغير 1 / 193 ط دار المعارف بمصر، مغني المحتاج 1 / 97 وما بعدها، كشاف القناع 1 / 174.
(16) حاشية ابن عابدين 1 / 277، 297، بدائع الصنائع 1 / 105، حاشية الدسوقي 1 / 231، مغني المحتاج 1 / 148، كشاف القناع 1 / 313، 385.
(17) حاشية ابن عابدين 2 / 80، 81، حاشية الدسوقي 1 / 509، مغني المحتاج 1 / 420، 423، نيل المآرب 1 / 273، 274، مكتبة الفلاح 1983م.
(18) ابن عابدين 2 / 129، مغني المحتاج 1 / 450.
(19) حاشية ابن عابدين 1 / 147، بدائع الصنائع 2 / 125، 227، حاشية الدسوقي 2 / 21، مغني المحتاج 1 / 513، كشاف القناع 2 / 521.
(20) بدائع الصنائع 1 / 167 دار الكتاب العربي، حاشية الدسوقي 1 / 231 دار الفكر، شرح روض الطالب 1 / 187 المكتبة الإسلامية، كشاف القناع 1 / 332 عالم الكتب.
(21) بدائع الصنائع 1 / 113 دار الكتاب العربي، حاشية ابن عابدين 1 / 300 دار إحياء التراث العربي، تيسير التحرير 2 / 129، مصطفى البابي الحلبي 1350 هـ، ونهاية المحتاج 2 / 71 ط مصطفى البابي الحلبي 1967م - 1386 هـ، ومغني المحتاج 1 / 206 دار إحياء التراث العربي.
(22) حاشية ابن عابدين 1 / 300 دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي 1 / 239 دار الفكر، مواهب الجليل 1 / 519، 520 دار الفكر، مغني المحتاج 1 / 164، 168، 170 دار إحياء التراث العربي، شرح روض الطالب 1 / 156، 160 وما بعدها المكتبة الإسلامية، كشاف القناع 1 / 347، 350 عالم الكتب.
(23) حديث: " لتأخذوا مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943 - الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(24) فتح القدير 2 / 373 دار إحياء التراث العربي، الفتاوى الهندية 1 / 229 المطبعة الأميرية ببولاق الطبعة الثانية، حاشية الدسوقي 2 / 36 دار الفكر، مغني المحتاج 1 / 498 دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع 2 / 494 عالم الكتب.
(25) حاشية ابن عابدين 4 / 5، 99، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 3 ط مصطفى الحلبي، شرح المحلي بهامش قليوبي وعميرة 2 / 152 ط عيسى البابي الحلبي، حاشية الجمل 3 / 5 ط دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع 3 / 146 ط عالم الكتب.
(26) حديث: " يا عمر، هاهنا تسكب العبرات ". أخرجه ابن ماجه (2 / 982 - ط الحلبي) ، وضعف إسناده البوصيري كما في مصباح الزجاجة (2 / 134 - ط دار الجنان) .
(27) حديث عابس بن ربيعة: " في تقبيل عمر للحجر ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 462 - ط السلفية) .
(28) حديث ابن عمر: " أن النبي ﷺ استلم الحجر الأسود وقبل يده. . . " أخرجه مسلم (2 / 924 - ط الحلبي) .
(29) حديث نافع قال: " رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ". أخرجه مسلم (2 / 924 - ط الحلبي) .
(30) حديث: " إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 251 - ط السلفية) ومسلم (2 / 975 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(31) حديث: " يا عمر إنك رجل قوي ". أخرجه أحمد (1 / 28 - ط الميمنية) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 241 - ط القدسي) وقال: " رواه أحمد وفيه راو لم يسم " وبين الشافعي في روايته لهذا الحديث أن المبهم هو عبد الرحمن بن نافع بن الحارث، وهذا لم يسمع من عمر بن الخطاب ففيه انقطاع، لكن رواه البيهقي بإسناد آخر عن سعيد بن المسيب مرسلاً، فهو مما يقوي هذا الطريق، يراجع سنن البيهقي (5 / 80 - ط دائرة المعارف العثمانية) .
(32) حديث ابن عباس: " طاف النبي ﷺ بالبيت على بعير كلما أتى. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 476 - ط السلفية) .
(33) حديث ابن عمر: " أنه ﷺ كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني ". أخرجه مسلم (2 / 924 - ط الحلبي) .
(34) حديث ابن عمر: " أنه ﷺ كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني في كل طوفة ". أخرجه أبو داود (2 / 440 - 441 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .
(35) حديث ابن عمر: " لم أر النبي ﷺ يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 473 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 924 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(36) حاشية ابن عابدين 2 / 166، 169 دار إحياء التراث العربي، بدائع الصنائع 2 / 146 دار الكتاب العربي، حاشية الدسوقي 2 / 40، 42 دار الفكر، مواهب الجليل 3 / 107 دار الفكر، حاشية العدوي على الرسالة 1 / 465، 469 دار المعرفة، مغني المحتاج 1 / 487 دار إحياء التراث العربي، شرح روض الطالب 1 / 480 المكتبة الإسلامية، كشاف القناع 2 / 478، 479، 485 عالم الكتب.
(37) أثر ابن عمر: " ما أراه ﷺ ترك استلام الركنين اللذين. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 407 - ط السلفية) دون قوله: " ولا طاف الناس. . . " الخ. فقد أخرجه أبو داود (2 / 440 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .

الموسوعة الفقهية الكويتية: 109/ 23