المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
القِيمِيَّاتُ: جَمْعُ قِيمِيٍّ نِسْبَةً إِلى القِيمَةِ عَلَى لَفْظِهَا، وهي -أَيْ: القِيمَةُ- الثَّمَنُ الحَقِيقِيُّ العَادِلُ للسِّلْعَةِ، فَـالقِيمِيُّ: هِيَ السِلْعَةُ التي تُقَدَّرُ بثَمَنٍ عَادِلٍ لَهَا، إِذْ لَيْسَ لَهَا وَصْفٌ تَنْضَبِطُ بِهِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ حَتَّى تُنْسَبَ إلَيْهِ أَوْ لا مِثْلَ لَهَا تُبَادَلُ بِه، وَأَصْلُ العِبَارَةِ: الأَمْوَالُ القِيمِيَّاتُ.
قوم
مَا لا يُوْجَدُ لَهُ مِثلٌ في السُوْقِ مِنْ السِّلَعِ، أَوْ يُوْجَدُ وَلَكِنْ مَعَ التَّفَاوَتِ الـمُعْتَدِّ بِهِ في القِيْمَةِ لِتَفَاوَتِ أَفْرَادِهِ كَالحَيَوَانِ وَالعَقَارِ وَنَحْوِهِمَا.
يُقَسِّمُ الفُقَهَاءُ الأَمْوَالَ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمِنْ هَذِهِ الاعْتِبَارَاتِ: أَنْ يَكُوْنَ لِلمَالِ نَظَائِرُ مُمَاثِلَةٌ لَهُ بِحَسَبِ أَوْصَافٍ مُنْضَبِطَةٍ، كَقِطَعِ قُمَاشٍ مِنْ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ سَيَّارَاتٍ مِنْ مَصْنَعٍ مُعَيَّنٍ بِأَوْصَافٍ مُوَحَّدَةٍ، فَهَذِهِ أَمْوَالٌ تُسَمَّى مِثْلِيَاتٌ لِأَنَّ لَهَا نَظَائِرَ في أَوْصَافِهَا الـمُنْضَبِطَةِ مَوْجُوْدَةٌ بِالأَسْوَاقِ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ أَثْمَانَهَا لا تَتَفَاوَتُ. وَقَدْ يَكُوْنُ الـمَالُ لَيْسَ لَهُ نَظَائِرُ بِأَوْصَافٍ مُنْضَبِطَةٍ، بَلْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ يَخْتَلِفُ عَنْ الفَرْدِ الآخَرِ، وَمِنْ ثَمَّ تَتَفَاوَتُ قِيَمُ هَذِهِ الأَفْرَادِ تَفَاوُتَاً مَلْحُوْظَاً، كَالحَيَوَانِ مِنْ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ، كَالغَنَمِ مَثَلاً؛ فَكُلُّ فَرْدٍ مِنْهَا يَخْتَلِفُ عَنْ الآخَرِ، فَلا يَتَمَاثَلانِ وَزْنًا وَلا صُوْرَةً وَلا طِيْبَ لَحْمٍ، وَلِذَا فِهِيَ أَمْوَالٌ (قِيْمِيَّاتٌ)؛ أَيْ: لا بُدَّ في بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا مِنْ تَحْدِيْدِ قِيْمَةٍ لَهَا بِالنَّقْدِ الـمُتَدَاوَلِ. وَبَعْضُ الـمَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ كَالـمَالِكِيَّةِ يُعَبِّرُوْنَ عَنْهَا بِلَفْظِ: (الـمُقَوَّمَاتِ)، وَيُعَبِّرُ عَنْهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِلَفْظِ: (الـمُتَقَوِّمَاتِ).
القِيمِيَّاتُ: جَمْعُ قِيْمِيٍّ وهِيَ السِلْعَةُ التي تُقَدَّرُ بثَمَنٍ عَادِلٍ لَهَا، إِذْ لَيْسَ لَهَا وَصْفٌ تَنْضَبِطُ بِهِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ حَتَّى تُنْسَبَ إلَيْهِ أَيْ: لا مِثْلَ لَهَا تُبَادَلُ بِه.
* الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : (5/ 16)
* التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب : (6/ 515)
* عمدة السالك وعدة الناسك : (ص: 171)
* الشرح الممتع على زاد المستقنع : (10/ 120)
* التعريفات الفقهية : (ص: 179)
* مجلة الأحكام العدلية : (ص: 33)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/ 520)
* معجم اللغة العربية المعاصرة : (3/ 1878). -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقِيَمِيَّاتُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعٌ مُفْرَدُهُ قِيَمِيٌّ، يُقَال: شَيْءٌ قِيَمِيٌّ نِسْبَةً إِلَى الْقِيمَةِ عَلَى لَفْظِهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ وَصْفَ لَهُ يَنْضَبِطُ بِهِ فِي أَصْل الْخِلْقَةِ حَتَّى يُنْسَبَ إِلَيْهِ.
وَالْقِيمَةُ: ثَمَنُ الشَّيْءِ بِالتَّقْوِيمِ (1) .
وَالْقِيَمِيُّ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا لاَ يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي السُّوقِ، أَوْ يُوجَدُ لَكِنْ مَعَ التَّفَاوُتِ الْمُعْتَدِّ بِهِ فِي الْقِيمَةِ كَالْمِثْلِيِّ الْمَخْلُوطِ بِغَيْرِهِ، وَكَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ الَّتِي يَكُونُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَآحَادِهَا تَفَاوُتٌ فِي الْقِيمَةِ كَالأَْنْعَامِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمِثْلِيَّاتُ:
2 - الْمِثْلِيَّاتُ جَمْعُ مِثْلِيٍّ، وَالْمِثْل فِي اللُّغَةِ: الشَّبَهُ يُقَال: هَذَا مِثْلُهُ وَمَثَلُهُ، كَمَا يُقَال شَبِيهُهُ وَشَبَهُهُ (3) .
وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ الْمِثْلِيَّ عَلَى مَا تَمَاثَلَتْ آحَادُهُ وَأَجْزَاؤُهُ مِنَ الأَْمْوَال بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ دُونَ فَرْقٍ يُعْتَدُّ بِهِ.
وَفِي الْمَجَلَّةِ: الْمِثْلِيُّ مَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي السُّوقِ بِدُونِ تَفَاوُتٍ يُعْتَدُّ بِهِ كَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ (4) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَالْمِثْلِيُّ قَسِيمُ الْقِيَمِيِّ مِنَ الأَْمْوَال.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَوَّلاً - مِنَ الْعُقُودِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهَا مِنَ الأَْمْوَال الْقِيَمِيَّةِ بِاتِّفَاقٍ:
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا يَلِي:
أ - الْبَيْعُ:
3 - يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الأَْمْوَال الْقِيَمِيَّةُ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، مَعَ مُرَاعَاةِ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الأَْمْوَال مَمْلُوكَةً لِلْعَاقِدِ طَاهِرَةً مُنْتَفَعًا بِهَا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا مَعْلُومَةً لِكُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ ف 28 وَمَا بَعْدَهَا) . ب - الإِْجَارَةُ:
4 - يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْفَعَةُ الأَْمْوَال الْقِيَمِيَّةِ مَحَلًّا لِعَقْدِ الإِْجَارَةِ كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، وَحَيَوَانٍ لِلرُّكُوبِ أَوْ لِنَقْل مَتَاعٍ، مَعَ مُرَاعَاةِ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً وَمَقْدُورًا عَلَى اسْتِيفَائِهَا. . .
وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَةٌ ف 29 وَمَا بَعْدَهَا) .
ثَانِيًا - مِنَ الْعُقُودِ مَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الأَْمْوَال الْقِيَمِيَّةِ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ فِيهَا:
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا يَلِي:
أ - السَّلَمُ:
5 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُضْبَطَ قَدْرُهُ وَصِفَتُهُ بِالْوَصْفِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَبْقَى بَعْدَ الْوَصْفِ إِلاَّ تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ كَالْمَكِيلاَتِ وَالْمَوْزُونَاتِ؛ لأَِنَّهَا مُمْكِنَةُ الضَّبْطِ قَدْرًا وَصِفَةً، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْقِيَمِيَّاتِ الَّتِي تَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ إِلاَّ أَنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا بَعْضَهَا اسْتِحْسَانًا.
قَال الْكَاسَانِيُّ: أَمَّا الذَّرْعِيَّاتُ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْحُصْرِ وَالْبَوَارِي وَنَحْوِهَا فَالْقِيَاسُ أَنْلاَ يَجُوزَ السَّلَمُ فِيهَا؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الأَْمْثَال لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَ ثَوْبٍ وَثَوْبٍ، وَلِهَذَا لَمْ تُضْمَنْ بِالْمِثْل فِي ضَمَانِ الْعَدَدِيَّاتِ بَل بِالْقِيمَةِ فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِي اللآَّلِئِ وَالْجَوَاهِرِ إِلاَّ أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ لِقَوْل اللَّهِ ﷿ فِي آيَةِ الدَّيْنِ: {وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} ، وَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونُ لاَ يُقَال فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِكَ فِي الذَّرْعِيَّاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ؛ وَلأَِنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا السَّلَمَ فِي الثِّيَابِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى الْجَوَازِ فَيُتْرَكُ الْقِيَاسُ بِمُقَابَلَتِهِ؛ وَلأَِنَّهُ إِذَا بُيِّنَ جِنْسُهُ وَصِفَتُهُ وَنَوْعُهُ وَطُولُهُ وَعَرْضُهُ يَتَقَارَبُ التَّفَاوُتُ فَيُلْحَقُ بِالْمِثْل فِي بَابِ السَّلَمِ لِحَاجَةِ النَّاسِ (5) .
(ر: سَلَمٌ ف 21)
6 - وَاخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَمَا لاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ فَلاَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُل الْقِيَمِيَّاتِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا؛ لأَِنَّهَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِالصِّفَاتِ، وَلِذَلِكَ أَجَازُوا السَّلَمَ فِي الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ الْكَبِيرَةِ؛ لأَِنَّ كُل ذَلِكَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا فِي اللُّؤْلُؤِ: يُمْكِنُ حَصْرُ صِفَتِهِ بِذِكْرِ جِنْسِهِ وَعَدَدِهِ وَوَزْنِ كُل حَبَّةٍ وَبَيَانِ صِفَتِهَا وَهَكَذَا (6) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ وَالأَْصْوَافِ وَالأَْخْشَابِ وَالأَْحْجَارِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ عِنْدَهُمْ ضَبْطُهُ بِالْوَصْفِ كَمَا أَجَازُوا السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ، قَالُوا:؛ لأَِنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا بِحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِل الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُل بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَال: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاَّ خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَال: أَعْطِهِ إِيَّاهُ. إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً (7) فَقِيسَ السَّلَمُ عَلَى الْقَرْضِ، وَلَمْ يُجِيزُوا السَّلَمَ فِي الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْعَقِيقِ وَالْيَاقُوتِ وَلاَ فِي الْجُلُودِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْوَصْفِ (8) .
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي السَّلَمِ فِي الأَْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْجُوزَجَانِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَال: إِنَّ مِنَ الرِّبَا أَبْوَابًا لاَ تَخْفَى وَإِنَّ مِنْهَا السَّلَمَ فِي السِّنِّ؛ وَلأَِنَّ الْحَيَوَانَ يَخْتَلِفُ اخْتِلاَفًا مُتَبَايِنًا فَلاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ السَّلَمِ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمِمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ؛ وَلأَِنَّ أَبَا رَافِعٍ قَال: اسْتَسْلَفَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا؛ وَلأَِنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا فَثَبَتَ فِي السَّلَمِ كَالثِّيَابِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي السَّلَمِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ مِمَّا لاَ يُكَال وَلاَ يُوزَنُ وَلاَ يُذْرَعُ فَنَقَل إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: لاَ أَرَى السَّلَمَ إِلاَّ فِيمَا يُكَال أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُوقَفُ عَلَيْهِ، قَال أَبُو الْخَطَّابِ: مَعْنَاهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِحَدٍّ مَعْلُومٍ لاَ يَخْتَلِفُ كَالذَّرْعِ، فَأَمَّا الرُّمَّانُ وَالْبَيْضُ فَلاَ أَرَى السَّلَمَ فِيهِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَعَنْ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَل وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُكَال وَلاَ يُوزَنُ وَمِنْهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي كُل مَعْدُودٍ مُخْتَلِفٍ كَالْبُقُول؛ لأَِنَّهُ يَخْتَلِفُ وَلاَ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْبَقْل بِالْحُزَمِ؛ لأَِنَّالْحُزَمَ يُمْكِنُ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَلَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ كَالْجَوَاهِرِ، وَنَقَل إِسْمَاعِيل بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ جَوَازَ السَّلَمِ فِي الْفَوَاكِهِ وَالسَّفَرْجَل وَالرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لأَِنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَارَبُ وَيَنْضَبِطُ بِالصِّغَرِ وَالْكُبْرِ، وَمَا لاَ يَتَقَارَبُ يَنْضَبِطُ بِالْوَزْنِ (9) .
ب - الْقَرْضُ:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَرْضِ الأَْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَصِحُّ قَرْضُ الْقِيَمِيَّاتِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ وَكُل شَيْءٍ مُتَفَاوِتٍ؛ لأَِنَّ الْقَرْضَ إِعَارَةٌ ابْتِدَاءً حَتَّى صَحَّ بِلَفْظِهَا، مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بِاسْتِهْلاَكِ عَيْنِهِ فَيَسْتَلْزِمُ إِيجَابَ الْمِثْل فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا لاَ يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، قَال فِي الْبَحْرِ: وَلاَ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجِبُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَيَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْقَبْضِ الصَّحِيحِ، وَالْمَقْبُوضُ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ يَتَعَيَّنُ لِرَدٍّ، وَفِي الْقَرْضِ الْجَائِزِ لاَ يَتَعَيَّنُ بَل يُرَدُّ الْمِثْل وَإِنْ كَانَ قَائِمًا.
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ قَرْضَ مَا لاَ يَجُوزُ قَرْضُهُ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ يُعْتَبَرُ عَارِيَّةً مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ (10) . وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ الْقِيَمِيَّاتِ الَّتِي لاَ تَنْضَبِطُ أَوْ يَنْدُرُ وُجُودُهَا لاَ يَجُوزُ قَرْضُهَا؛ لأَِنَّهُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ رَدُّ الْمِثْل، وَرَدُّ الْمِثْل هُوَ الْوَاجِبُ فِي الأَْظْهَرِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ الْقِيَمِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ مِثْل الْمُتَقَوِّمِ صُورَةً؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَسْلَفَ بَكْرًا وَرَدَّ رَبَاعِيًا (11) ؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ وَجَبَتِ الْقِيمَةُ لاَفْتَقَرَ إِلَى الْعِلْمِ بِهَا (12) .
قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَرْضُ كُل شَيْءٍ وَاسْتِقْرَاضُهُ جَائِزٌ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْعَيْنِ وَالْحَيَوَانِ (13) .
ج - الشَّرِكَةُ:
8 - لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَال الشَّرِكَةِ مِنَ الأَْمْوَال الْقِيَمِيَّةِ؛ لِتَعَذُّرِ الْخَلْطِ فِي الْمُتَقَوَّمَاتِ؛ لأَِنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ، حِينَئِذٍ تَتَعَذَّرُ الشَّرِكَةُ؛ لأَِنَّ بَعْضَهَا قَدْ يَتْلَفُ فَيَذْهَبُ عَلَى صَاحِبِهِ وَحْدَهُ؛ وَلأَِنَّهَا تَقْتَضِي الرُّجُوعَ عِنْدَ فَسْخِهَا بِرَأْسِ الْمَال أَوْ مِثْلِهِ، وَلاَ مِثْل لَهَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَقِيمَتُهَا لاَ يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهَا قَدْ تَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا قَبْل بَيْعِهِ فَيُشَارِكُهُ الآْخَرُ فِي الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَثَمَنُهَا مَعْدُومٌ حَال الْعَقْدِ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمَا (14) .
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ فِي الْمُتَقَوِّمِ كَالْعُرُوضِ وَالأَْعْيَانِ، وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شَرِكَةٌ ف 44) .
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب.
(2) درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1 / 105 وما بعدها المادة (146، 148) وحاشية ابن عابدين 5 / 116 - 118، وحاشية الدسوقي 3 / 215، ونهاية المحتاج 5 / 159، ومنتهى الإرادات 2 / 419، والمغني 5 / 239 - 240.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير مادة (قوم) و (مثل) .
(4) مجلة الأحكام العدلية مادة (145) ، وابن عابدين 4 / 171، وبدائع الصنائع 7 / 150 - 151، وأشباه السيوطي / 389، ومغني المحتاج 2 / 281.
(5) بدائع الصنائع 5 / 208 - 209.
(6) جواهر الإكليل 2 / 72 - 73، حاشية الدسوقي 3 / 215.
(7) حديث: " أن النبي ﷺ استسلف من رجل بكرًا. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1224) .
(8) المهذب 1 / 304، ومغني المحتاج 2 / 107 - 110.
(9) المغني 4 / 307 - 309.
(10) حاشية ابن عابدين 4 / 171 - 172.
(11) حديث: " أن النبي ﷺ استسلف بكرًا. . . ". سبق تخريجه ف6.
(12) مغني المحتاج 2 / 119، والمغني 4 / 350، وكشاف القناع 3 / 314 - 315.
(13) الكافي لابن عبد البر 2 / 728.
(14) بدائع الصنائع 6 / 59، وجواهر الإكليل 2 / 116، ونهاية المحتاج 5 / 6، ومنتهى الإرادات 2 / 320.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 138/ 34