الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْنْزَال لُغَةً: مَصْدَرُ أَنْزَل، وَهُوَ مِنَ النُّزُول، وَمِنْ مَعْنَاهُ الاِنْحِدَارُ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ، وَمِنْهُ إِنْزَال الرَّجُل مَاءَهُ إِذَا أَمْنَى بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: يُطْلَقُ الإِْنْزَال عَلَى خُرُوجِ مَاءِ الرَّجُل أَوِ الْمَرْأَةِ بِجِمَاعٍ أَوِ احْتِلاَمٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (1) . .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الاِسْتِمْنَاءُ:
2 - الاِسْتِمْنَاءُ لُغَةً: طَلَبُ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَاصْطِلاَحًا: إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ (2) .
فَالاِسْتِمْنَاءُ عَلَى هَذَا أَخَصُّ مِنَ الإِْنْزَال؛ لأَِنَّ الإِْنْزَال خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِالْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِهِ.
أَسْبَابُ الإِْنْزَال:
3 - يَكُونُ الإِْنْزَال بِالْجِمَاعِ، أَوْ بِالْيَدِ، أَوْ بِالْمُدَاعَبَةِ، أَوِ النَّظَرِ، أَوِ الْفِكْرِ، أَوِ الاِحْتِلاَمِ (3) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الإِْنْزَال بِاخْتِلاَفِ مَوَاطِنِهِ، فَيَكُونُ حَلاَلاً لِلرَّجُل وَالْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ. وَيَكُونُ حَرَامًا إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وَكِلاَ الإِْنْزَالَيْنِ يَكُونُ حَرَامًا فِي الْجُمْلَةِ إِذَا كَانَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. وَيَكُونُ حَرَامًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ (4) .
وَيَحْرُمُ فِي الاِعْتِكَافِ الْوَاجِبِ - الإِْنْزَال، أَوْ فِعْل مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ (5) .
الإِْنْزَال بِالاِسْتِمْنَاءِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإِْنْزَال بِالاِسْتِمْنَاءِ عَلَى أَقْوَالٍ مَا بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَالْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ فِي حَال الضَّرُورَةِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِمْنَاء ج 4 99)
وَالإِْنْزَال بِالاِسْتِمْنَاءِ يُبْطِل الصَّوْمَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الإِْسْكَافِ وَأَبُو الْقَاسِمِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَالاَ بِعَدَمِ إِبْطَال الصَّوْمِ (6) .
وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (صَوْم) .
وَيُبْطِل الإِْنْزَال بِالْيَدِ الاِعْتِكَافَ، وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِمْنَاء) .
وَالإِْنْزَال بِالاِسْتِمْنَاءِ لاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لَكِنْ يَجِبُ فِيهِ دَمٌ، لأَِنَّهُ كَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّعْزِيرِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْجَزَاءِ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا بِفَسَادِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِهِ، وَأَوْجَبُوا الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا، لأَِنَّهُ أَنْزَل بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (الاِسْتِمْنَاء) أَيْضًا.
وَفِي الإِْنْزَال بِالنَّظَرِ أَوِ الْفِكْرِ وَأَثَرِهِ عَلَى الصَّوْمِ أَوِ الاِعْتِكَافِ أَوِ الْحَجِّ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مَبْحَثِ (الاِسْتِمْنَاءِ) .
وَالإِْنْزَال بِالتَّفَكُّرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الإِْنْزَال بِالنَّظَرِ عَلَى الْخِلاَفِ السَّابِقِ.
الإِْنْزَال بِالاِحْتِلاَمِ:
6 - الإِْنْزَال بِالاِحْتِلاَمِ لاَ يُبْطِل الصَّوْمَ، وَلاَ يُوجِبُ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً (7) ، وَلاَ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَلاَ يَلْزَمُ بِهِ فِدْيَةٌ، وَلاَ يُبْطِل الاِعْتِكَافَ (8) . وَيُعْرَفُ الإِْنْزَال فِي الاِحْتِلاَمِ بِعَلاَمَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، بِوُجُودِ مَنِيٍّ فِي ثَوْبِ نَوْمِهِ أَوْ فِرَاشِهِ، أَوْ بَلَلٍ مِنْ أَثَرِهِ.
فَإِذَا احْتَلَمَ وَلَمْ يُنْزِل فَلاَ غُسْل عَلَيْهِ، أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، وَإِذَا أَنْزَل فَعَلَيْهِ الْغُسْل. وَإِنْ وَجَدَ مَنِيًّا وَلَمْ يَذْكُرِ احْتِلاَمًا فَعَلَيْهِ الْغُسْل (9) ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (احْتِلاَمٌ) . حُكْمُ الاِغْتِسَال مِنَ الإِْنْزَال:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا نَزَل عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْل، أَمَّا إِذَا نَزَل لاَ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ فَلاَ يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْل عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الْغُسْل بِذَلِكَ، فَإِذَا سَكَنَتِ الشَّهْوَةُ قَبْل خُرُوجِ الْمَنِيِّ إِلَى الظَّاهِرِ ثُمَّ نَزَل فَفِيهِ خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (غُسْل) .
إِنْزَال الْمَرْأَةِ:
8 - الْمَرْأَةُ كَالرَّجُل فِي الأَْحْكَامِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى إِنْزَال الْمَنِيِّ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلْتِ النَّبِيَّ ﷺ: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُل؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِل.
وَفِي لَفْظٍ أَنَّهَا قَالَتْ: هَل عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (10) . فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ فِي يَقَظَةٍ أَوْ نَوْمٍ يُوجِبُ الْغُسْل عَلَى الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَمِثْل ذَلِكَ سَائِرُ الأَْحْكَامِ فِي الصِّيَامِ وَالاِعْتِكَافِ وَالْحَجِّ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ. إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ نُزُول الْمَنِيِّ مِنَ الْمَرْأَةِ لِتَرَتُّبِ الأَْحْكَامِ عَلَيْهِ.
وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِوُصُول الْمَنِيِّ إِلَى الْمَحَل الَّذِي تَغْسِلُهُ فِي الاِسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِهَا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِهَذَا قَال الْمَالِكِيَّةُ عَدَا سَنَدٍ، وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ. وَقَال سَنَدٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ بُرُوزَ الْمَنِيِّ مِنَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ شَرْطًا، بَل مُجَرَّدُ الاِنْفِصَال عَنْ مَحَلِّهِ يُوجِبُ الْغُسْل؛ لأَِنَّ عَادَةَ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ يَنْعَكِسُ إِلَى الرَّحِمِ لِيَتَخَلَّقَ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَهَذَا مَا يُقَابِل ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْبِكْرِ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْل حَتَّى يَخْرُجَ الْمَنِيُّ مِنْ فَرْجِهَا؛ لأَِنَّ دَاخِل فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ (11) ر: (انْظُرْ: احْتِلاَم) .
إِنْزَال الْمَنِيِّ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ:
9 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لِغَيْرِ لَذَّةٍ وَشَهْوَةٍ، بِأَنْ كَانَ بِسَبَبِ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ ضَرْبَةٍ عَلَى الظَّهْرِ، أَوْ سُقُوطٍ مِنْ عُلْوٍ، أَوْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ، أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ، لاَ يُوجِبُ الْغُسْل، وَلَكِنْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغُسْل عِنْدَهُمْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِشَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ، أَمْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَبَقَ، وَهَذَا إِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنَ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ الْمُعْتَادِ وَكَانَ مُسْتَحْكَمًا، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْكَمًا مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ فَلاَ يَجِبُ الْغُسْل (12) .
__________
(1) لسان العرب مادة: (نزل) .
(2) القاموس المحيط مادة: (مني) ، ابن عابدين 2 / 100، 3 / 156، والشرواني 3 / 410.
(3) مراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي ص 52.
(4) قليوبي 2 / 120، 135، 136.
(5) قليوبي 2 / 77، المغني / 196، الثالثة، كشاف القناع 2 / 361، بدائع 2 / 115، الكافي 1 / 354.
(6) ابن عابدين 2 / 100، والزيلعي 2 / 323، والدسوقي 2 / 60، 68، والمهذب 2 / 270، والبيجوري 1 / 303، كشاف القناع 6 / 102، الإنصاف 4 / 251، 252، الجمل 1 / 241، والشبراملسي 1 / 312.
(7) المغني مع الشرح الكبير 3 / 50، والدسوقي1 / 523، ومغني المحتاج 1 / 430 ط الحلبي.
(8) ابن عابدين 2 / 132، والهندية 1 / 244، والحطاب 2 / 423، والشرح الصغير 1 / 728، جواهر الإكليل 1 / 159، الجمل 2 / 517، 363، ونهاية المحتاج 3 / 219، والمغني مع الشرح الكبير 3 / 330.
(9) الفتاوى الخانية 1 / 244، وابن عابدين 1 / 111، والحطاب 1 / 306، 307، والمجموع 2 / 142، وشرح الروض وحاشية الرملي عليه 1 / 65، 66 ط الميمنية، والمغني لابن قدامة 1 / 202.
(10) حديث: " إذا رأت ذلك المرأة فلتغسل، أخرجه مسلم (1 / 250 ط الحلبي) .
(11) ابن عابدين 1 / 108، والفتاوى الهندية 1 / 14، 15 والدسوقي 1 / 126، 127، والخرشي 1 / 162، والمجموع 2 / 140، ونهاية المحتاج 1 / 199، والمغني 1 / 199 وكشاف القناع 1 / 142.
(12) ابن عابدين 1 / 108، والاختيار 1 / 12، وحاشية الدسوقي 1 / 127، 128، والشرح الصغير 1 / 61 ط الحلبي، والخرشي 1 / 163، ومغني المحتاج 1 / 70، والقليوبي 1 / 63، والمجموع 2 / 140، 141، وكشاف القناع 1 / 139، 142.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 331/ 6