البحث

عبارات مقترحة:

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنْكَر


من معجم المصطلحات الشرعية

الأمر بكل ما ارتضته الشريعة، ومدحته، ومدحت أهله، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وفي مقدمتها توحيد الله -عَزَّ وَجَلَّ - والإيمان به . والنهي عن كل ما نهت عنه الشريعة، وذمته، وذمت أهله، ويدخل في ذلك جميع المعاصي، والبدع، وفي مقدمتها الشرك بالله -عَزَّ وَجَلَّ - وإنكار، وحدانيته، أو ربوبيته، أو أسمائه، أو صفاته . ورد في قوله تعالى : ﱫﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﱪآل عمران :110


انظر : الجامع لابن أبي زيد القيرواني، ص :156، التعريفات للجرجاني، كتاب التعريفات، ص : 37

من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف

الأمر بكل ما ارتضته الشريعة، ومدحته، ومدحت أهله، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وفي مقدمتها توحيد الله -عَزَّ وَجَلَّ- والإيمان به. والنهي عن كل ما نهت عنه الشريعة، وذمته، وذمت أهله، ويدخل في ذلك جميع المعاصي، والبدع، وفي مقدمتها الشرك بالله -عَزَّ وَجَلَّ- وإنكار وحدانيته، أو ربوبيته، أو أسمائه، أو صفاته.

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ:
1 - الأَْمْرُ فِي اللُّغَةِ: كَلاَمٌ دَالٌّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْل، أَوْ قَوْل الْقَائِل لِمَنْ دُونَهُ: افْعَل.
وَأَمَرْتُ بِالْمَعْرُوفِ: أَيْ بِالْخَيْرِ وَالإِْحْسَانِ.
وَيَقُول ابْنُ الأَْثِيرِ: الْمَعْرُوفُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُل مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالإِْحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، وَكُل مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ مِنَ الْمُحَسَّنَاتِ، وَنَهَى عَنْهُ مِنَ الْمُقَبَّحَاتِ. وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ، إِذَا رَأَوْهُ لاَ يُنْكِرُونَهُ (1) .
وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ الأَْمْرُ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَدِينِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَصْل الْمَعْرُوفِ: كُل مَا كَانَ مَعْرُوفًا فِعْلُهُ جَمِيلاً غَيْرَ مُسْتَقْبَحٍ عِنْدَ أَهْل الإِْيمَانِ، وَلاَ يَسْتَنْكِرُونَ فِعْلَهُ.
أَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنَّ النَّهْيَ فِي اللُّغَةِ ضِدُّ الأَْمْرِ، وَهُوَ قَوْل الْقَائِل لِمَنْ دُونَهُ: لاَ تَفْعَل.
وَالْمُنْكَرُ لُغَةً: الأَْمْرُ الْقَبِيحُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمُنْكَرُ مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.
فَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي الاِصْطِلاَحِ: طَلَبُ الْكَفِّ عَنْ فِعْل مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى (2) .
هَذَا، وَقَدْ عَرَّفَ الزُّبَيْدِيُّ الأَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ بِقَوْلِهِ: هُوَ مَا قَبِلَهُ الْعَقْل، وَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ، وَوَافَقَ كَرَمَ الطَّبْعِ. وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ: هُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحِسْبَةُ:
2 - الاِحْتِسَابُ فِي اللُّغَةِ: الْعَدُّ وَالْحِسَابُ وَنَحْوُهُ، وَمِنْهُ احْتِسَابُ الأَْجْرِ عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ: طَلَبُهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَهُ (3) أَيِ: احْتَسَبَ الأَْجْرَ بِصَبْرِهِ عَلَى مُصِيبَتِهِ بِهِ، قَال صَاحِبُ اللِّسَانِ: مَعْنَاهُ عَدَّ مُصِيبَتَهُ بِهِ فِي جُمْلَةِ بَلاَيَا اللَّهِ الَّتِي يُثَابُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا.
وَفِي الشَّرِيعَةِ يَتَنَاوَل كُل مَشْرُوعٍ يُؤَدَّى لِلَّهِ تَعَالَى، كَالأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، إِلَخْ، وَلِهَذَا قِيل: الْقَضَاءُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْحِسْبَةِ.
قَال التَّهَانُوِيُّ: وَاخْتَصَّ فِي الْعُرْفِ بِأُمُورٍ، مِنْهَا: إِرَاقَةُ الْخَمْرِ وَكَسْرُ الْمَعَازِفِ وَإِصْلاَحُ الشَّوَارِعِ، وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا ظَهَرَ تَرْكُهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ إِذَا ظَهَرَ فِعْلُهُ. (4)
وَالْحِسْبَةُ مِنَ الْوِلاَيَاتِ الإِْسْلاَمِيَّةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ مِمَّا لَيْسَ مِنِ اخْتِصَاصِ الْوُلاَةِ وَالْقُضَاةِ وَأَهْل الدِّيوَانِ وَنَحْوِهِمْ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ الأَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ - النُّصْحُ وَالإِْرْشَادُ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمُقَارَنَةُ بَيْنَهُمَا فِي مُصْطَلَحِ (إِرْشَاد) .

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَحَكَى الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ الإِْجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِهِ، وَتَطَابَقَتْ آيَاتُ الْكِتَابِ وَأَحَادِيثُ الرَّسُول ﷺ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ النَّصِيحَةِ الَّتِي هِيَ الدِّينُ. (5)
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} . (6)
وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ. (7)
قَال الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ: الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ أَصْل الدِّينِ، وَأَسَاسُ رِسَالَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَلَوْ طُوِيَ بِسَاطُهُ، وَأُهْمِل عِلْمُهُ وَعَمَلُهُ، لَتَعَطَّلَتِ النُّبُوَّةُ وَاضْمَحَلَّتِ الدِّيَانَةُ، وَعَمَّتِ الْفَوْضَى، وَهَلَكَ الْعِبَادُ. (8)
إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي حُكْمِهِ، هَل هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، أَوْ نَافِلَةٌ؟ أَوْ يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ تَابِعًا لِقَاعِدَةِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ. عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
الْمَذْهَبُ الأَْوَّل: أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْل السُّنَّةِ، وَبِهِ قَال الضَّحَّاكُ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَالطَّبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي مَوَاضِعَ:
أ - إِذَا كَانَ الْمُنْكَرُ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَعْلَمُ بِهِ إِلاَّ هُوَ، وَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِزَالَتِهِ.
ب - مَنْ يَرَى الْمُنْكَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ يَرَى الإِْخْلاَل بِشَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ.
ج - وَالِي الْحِسْبَةِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، لاِخْتِصَاصِهِ بِهَذَا الْفَرْضِ. (9)
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: إِنَّ الأَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ نَافِلَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ.
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: التَّفْصِيل، وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ: الْقَوْل الأَْوَّل: إِنَّ الأَْمْرَ وَالنَّهْيَ يَكُونُ وَاجِبًا فِي الْوَاجِبِ فِعْلُهُ أَوْ فِي الْوَاجِبِ تَرْكُهُ، وَمَنْدُوبًا فِي الْمَنْدُوبِ فِعْلُهُ أَوْ فِي الْمَنْدُوبِ تَرْكُهُ هَكَذَا، وَهُوَ رَأْيُ جَلاَل الدِّينِ الْبُلْقِينِيِّ وَالأَْذْرَعِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. (10)
الْقَوْل الثَّانِي: فَرَّقَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ بَيْنَ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقَال: إِنَّ الأَْمْرَ بِالْوَاجِبِ وَاجِبٌ، وَبِالنَّافِلَةِ نَافِلَةٌ، وَأَمَّا الْمُنْكَرُ فَكُلُّهُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَيَجِبُ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِهِ. (11)
الْقَوْل الثَّالِثُ: لاِبْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ الْقَيِّمِ وَعِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالُوا: إِنَّ مَقْصُودَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَزُول وَيَخْلُفَهُ ضِدُّهُ، أَوْ يَقِل وَإِنْ لَمْ يَزُل بِجُمْلَتِهِ، أَوْ يَخْلُفَهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ يَخْلُفَهُ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَالأَْوَّلاَنِ مَشْرُوعَانِ، وَالثَّالِثُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ، وَالرَّابِعُ مُحَرَّمٌ. (12)
أَرْكَانُ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ:
4 - عَقَدَ الْغَزَالِيُّ فِي إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ مَبْحَثًا جَيِّدًا لأَِرْكَانِهِ، وَحَاصِلُهُ مَا يَلِي: الأَْرْكَانُ اللاَّزِمَةُ لِلأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ:
(13) الأَْمْرُ.
(14) مَا فِيهِ الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ (الْمَأْمُورُ فِيهِ) .
(15) نَفْسُ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ (الصِّيغَةُ) .
(16) الْمَأْمُورُ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ لِكُل رُكْنٍ مِنَ الأَْرْكَانِ شُرُوطُهُ الْخَاصَّةُ بِهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: أَوَّلاً: الآْمِرُ وَشُرُوطُهُ:
أ - التَّكْلِيفُ، وَلاَ يَخْفَى وَجْهُ اشْتِرَاطِهِ، فَإِنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لاَ يَلْزَمُهُ أَمْرٌ، وَمَا ذُكِرَ يُرَادُ بِهِ شَرْطُ الْوُجُوبِ، فَأَمَّا إِمْكَانُ الْفِعْل وَجَوَازُهُ فَلاَ يَسْتَدْعِي إِلاَّ الْعَقْل.
ب - الإِْيمَانُ، وَلاَ يَخْفَى وَجْهُ اشْتِرَاطِهِ، لأَِنَّ هَذَا نُصْرَةٌ لِلدِّينِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ هُوَ جَاحِدٌ لأَِصْلِهِ وَمِنْ أَعْدَائِهِ.
ج - الْعَدَالَةُ: وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّرْطِ، فَاعْتَبَرَهَا قَوْمٌ، وَقَالُوا: لَيْسَ لِلْفَاسِقِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} (17) . وقَوْله تَعَالَى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} (18) . وَقَال آخَرُونَ: لاَ تُشْتَرَطُ فِي الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعِصْمَةُ مِنَ الْمَعَاصِي كُلِّهَا، وَإِلاَّ كَانَ خَرْقًا لِلإِْجْمَاعِ، وَلِهَذَا قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ إِلاَّ مَنْ لاَ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ بِشَيْءٍ. وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ فَأَعْجَبَهُ.
وَاسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ بِأَنَّ لِشَارِبِ الْخَمْرِ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيل اللَّهِ، وَكَذَلِكَ ظَالِمُ الْيَتِيمِ، وَلَمْ يَمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ لاَ فِي عَهْدِ الرَّسُول ﷺ وَلاَ بَعْدَهُ.

ثَانِيًا: مَحَل الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَشُرُوطُهُ:
أ - كَوْنُ الْمَأْمُورِ بِهِ مَعْرُوفًا فِي الشَّرْعِ، وَكَوْنُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَحْظُورَ الْوُقُوعِ فِي الشَّرْعِ.
ب - أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْحَال، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا فُرِغَ مِنْهُ.
ج - أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ ظَاهِرًا بِغَيْرِ تَجَسُّسٍ، فَكُل مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ لاَ يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: {وَلاَ تَجَسَّسُوا} (19) وَقَال: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (20) وَقَال: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} . (21)
د - أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ مُعْتَبَرٍ، فَكُل مَا هُوَ مَحَل اجْتِهَادٍ فَلَيْسَ مَحَلًّا لِلإِْنْكَارِ، بَل يَكُونُ مَحَلًّا لِلإِْرْشَادِ، يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِرْشَاد) . (22)

ثَالِثًا: الشَّخْصُ الْمَأْمُورُ أَوِ الْمَنْهِيُّ:
وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ يَصِيرُ الْفِعْل الْمَمْنُوعُ مِنْهُ فِي حَقِّهِ مُنْكَرًا، وَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، إِذْ لَوْ شَرِبَ الصَّبِيُّ الْخَمْرَ مُنِعَ مِنْهُ وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْل الْبُلُوغِ. وَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُمَيِّزًا، فَالْمَجْنُونُ أَوِ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيَّزِ لَوْ وُجِدَا يَرْتَكِبَانِ مُنْكَرًا لَوَجَبَ مَنْعُهُمَا مِنْهُ. رَابِعًا: نَفْسُ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ:
وَلَهُ دَرَجَاتٌ وَآدَابٌ. أَمَّا الدَّرَجَاتُ فَأَوَّلُهَا التَّعْرِيفُ، ثُمَّ النَّهْيُ، ثُمَّ الْوَعْظُ وَالنُّصْحُ، ثُمَّ التَّعْنِيفُ، ثُمَّ التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ، ثُمَّ التَّهْدِيدُ بِالضَّرْبِ، ثُمَّ إِيقَاعُ الضَّرْبِ، ثُمَّ شَهْرُ السِّلاَحِ، ثُمَّ الاِسْتِظْهَارُ فِيهِ بِالأَْعْوَانِ وَالْجُنُودِ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ. (23)

مَرَاتِبُ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ:
5 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَرَاتِبَ الأَْسَاسِيَّةَ لِلأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ثَلاَثٌ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ (24)
فَمِنْ وَسَائِل الإِْنْكَارِ التَّعْرِيفُ بِاللُّطْفِ وَالرِّفْقِ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالنَّصِيحَةِ، وَخَاصَّةً لأَِصْحَابِ الْجَاهِ وَالْعِزَّةِ وَالسُّلْطَانِ وَلِلظَّالِمِ الْمَخُوفِ شَرُّهُ، فَهُوَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِهِ الْمَوْعِظَةَ. وَأَعْلَى الْمَرَاتِبُ الْيَدُ، فَيَكْسِرُ آلاَتِ الْبَاطِل وَيُرِيقُ الْمُسْكِرَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يَفْعَلُهُ، وَيَنْزِعُ الْمَغْصُوبَ، وَيَرُدُّهُ إِلَى أَصْحَابِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا انْتَهَى الأَْمْرُ بِذَلِكَ إِلَى شَهْرِ السِّلاَحِ رَبَطَ الأَْمْرَ بِالسُّلْطَانِ.
وَقَدْ فَصَّل الْغَزَالِيُّ فِي الإِْحْيَاءِ مَرَاتِبَ الأَْمْرِ وَالنَّهْيِ وَقَسَّمَهَا إِلَى سَبْعِ مَرَاتِبَ، تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (حِسْبَة) .
هَذَا وَيَجِبُ قِتَال الْمُقِيمِينَ عَلَى الْمَعَاصِي الْمُوبِقَاتِ، الْمُصِرِّينَ عَلَيْهَا الْمُجَاهِرِينَ بِهَا عَلَى كُل أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِذَا لَمْ يَرْتَدِعُوا - وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلإِْمَامِ - لأَِنَّنَا مَأْمُورُونَ بِوُجُوبِ التَّغْيِيرِ عَلَيْهِمْ، وَالنَّكِيرِ بِمَا أَمْكَنَ بِالْيَدِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُنْكِرْ بِلِسَانِهِ، وَذَلِكَ إِذَا رَجَا أَنَّهُ إِنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ بِالْقَوْل أَنْ يَزُولُوا عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ. فَلَوْ قَدَرَ وَاحِدٌ بِالْيَدِ وَآخَرُونَ بِاللِّسَانِ تَعَيَّنَ عَلَى الأَْوَّل، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ التَّأْثِيرُ بِاللِّسَانِ أَقْرَب، أَوْ أَنَّهُ يَتَأَثَّرُ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي حِينِ لاَ يَتَأَثَّرُ بِذِي الْيَدِ إِلاَّ ظَاهِرًا فَقَطْ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى ذِي اللِّسَانِ حِينَئِذٍ.
6 - وَلاَ يَسْقُطُ الإِْنْكَارُ بِالْقَلْبِ عَنِ الْمُكَلَّفِ بِالْيَدِ أَوِ اللِّسَانِ أَصْلاً، إِذْ هُوَ كَرَاهَةُ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَلَّفُ عَنِ الإِْنْكَارِ بِاللِّسَانِ وَقَدَرَ عَلَى التَّعْبِيسِ وَالْهَجْرِ وَالنَّظَرِ شَزْرًا لَزِمَهُ، وَلاَ يَكْفِيهِ إِنْكَارُ الْقَلْبِ، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْكَرَ بِالْقَلْبِ وَاجْتَنَبَ صَاحِبَ الْمَعْصِيَةِ. قَال ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁: جَاهِدُوا الْكُفَّارَ بِأَيْدِيكُمْ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا إِلاَّ أَنْ تَكْفَهِرُّوا فِي وُجُوهِهِمْ فَافْعَلُوا (25) .

أَخْذُ الأَْجْرِ عَلَى الْقِيَامِ بِالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ:
7 - الأَْصْل أَنَّ كُل طَاعَةٍ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، كَالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالأَْذَانِ وَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْجِهَادِ. وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ (26) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَال: إِنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ أَنِ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لاَ يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا (27) وَمَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَال: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْل الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، قُلْتُ:
قَوْسٌ وَلَيْسَ بِمَالٍ، أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَال: إِنْ كُنْت تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا (28)
وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَمُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ ذَلِكَ (29) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَال بِهِ أَبُو قِلاَبَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، " لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ زَوَّجَ رَجُلاً بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ (30) وَجَعَل ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَهْرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ (1)
عَلَى أَنَّ الْمُحْتَسِبَ الْمُعَيَّنَ يُفْرَضُ لَهُ كِفَايَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، مَا يُفْرَضُ لِلْقُضَاةِ وَأَصْحَابِ الْوِلاَيَاتِ، بِخِلاَفِ الْمُتَطَوِّعِ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَفَرِّغٍ لِذَلِكَ (2) . (ر: إِجَارَة) .
__________
(1) النهاية لابن الأثير مادة: " عرف "
(2) التعريفات للجرجاني، والمصباح المنير مادة (عرف) و (أمر) وشرح الإحياء 7 / 3
(3) حديث: " من مات له ولد فاحتسبه. . . " أخرجه مسلم (4 / 2028 ط الحلبي) بلفظ " لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة "
(4) التهانوي من مادة احتساب 2 / 278 ط خياط بيروت. والحسبة في الإسلام لابن تيمية ص 8، 9
(5) شرح النووي على مسلم 2 / 22
(6) سورة آل عمران / 104
(7) حديث: " من رأى منكم منكرا. . . " أخرجه مسلم 1 / 69 ط الحلبي
(8) إحياء علوم الدين 2 / 391
(9) شرح النووي على مسلم 2 / 23
(10) الزواجر لابن حجر الهيثمي 2 / 168
(11) شرح الأصول الخمسة ص 146
(12) الزواجر 2 / 168، 169، والحسبة ص 67 - 69
(13)
(14)
(15)
(16)
(17) سورة البقرة / 44
(18) سورة الصف / 3. وانظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لزين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الدمشقي الحنبلي المتوفى 865 هـ رقم 53 مخطوطة دار الكتب
(19) سورة الحجرات / 12
(20) سورة البقرة / 189
(21) سورة النور / 27
(22)
(23) الأشباه والنظائر للسيوطي 141ط التجارية، واستثنى منه: أ - ما لو كان الخلاف شاذا. ب - أو جرى في الترافع لحاكم يعتقد الحرمة ومثله السلطان، واختلف في والي الحسبة. (الأحكام السلطانية للماوردي 241) ج - أن يكون للقائم بالإنكار حق فيه، ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ من بعض ما فيه خلاف/514 إحياء علوم الدين 2 / 312، والآداب الشرعة 1 / 183، 186، والزواجر 2 / 161، والفتاوى الهندية 5 / 353، وجواهر الإكليل 1 / 251، والحطاب 3 / 348، والأحكام السلطانية للماوردى ص 241
(24) حديث: " من رأى منكم منكرا. . . . " أخرجه مسلم 1 / 69 ط الحلبي
(25) الزواجر 2 / 161، وإحياء علوم الدين 2 / 319، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 32، والفتاوى الهندية 5 / 353، وجواهر الإكليل 1 / 251
(26) ابن عابدين 5 / 34، والبدائع 4 / 184، 191، والمغني 6 / 134، 136، 138
(27) حديث: " عثمان بن أبي العاص. . . " أخرجه الترمذي (1 / 409 - 410 ط الحلبي) . وأخرجه أحمد (4 / 21 ط الميمنية) وإسناده صحيح
(28) حديث عبادة بن الصامت " إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها ". أخرجه أبو داود (3 / 702 ط عزت عبيد دعاس) وهو ثابت لكثرة طرقه. (التخليص لابن حجر 4 / 7، 8 ط شركة الطباعة الفنية المتحدة بمصر)
(29) الشرح الصغير، وحاشية الصاوي عليه 4 / 10، 34، ونهاية المحتاج 5 / 289، 290، والمغني 6 / 39، 140، وكشف الحقائق 2 / 157، والمهذب 1 / 405
(30) حديث " زوج رسول الله ﷺ رجلا بما معه من القرآن. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 9 / 205 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1041 ط الحلبي)

الموسوعة الفقهية الكويتية: 247/ 6