الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
ما يعزى من أوجه القراءات إلى قارئ واحد من الأئمة، أو أحد رواتهم، أو أحد طرقهم، ويدخل في ذلك الشاذ والمتواتر . ومن أمثلته انفرد نافع بقراءة ﱫيُغْفَرْ ﭡﱪبالياء مضمومة، وفتح الفاء، في قوله تَعَالَى:ﱫﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﱪالبقرة :58.
رواية الراوي أحاديث لا يُشاركه في روايتها غيره من الرواة.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِنْفِرَادُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ انْفَرَدَ وَهُوَ بِمَعْنَى تَفَرَّدَ. (1) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ (2) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِبْدَادُ:
2 - الاِسْتِبْدَادُ: مَصْدَرُ اسْتَبَدَّ، يُقَال: اسْتَبَدَّ بِالأَْمْرِ إِذَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ لَهُ فِيهِ (3) .
ب: الاِسْتِقْلاَل:
3 - مِنْ مَعَانِي الاِسْتِقْلاَل: الاِعْتِمَادُ عَلَى النَّفْسِ، وَالاِسْتِبْدَادُ بِالأَْمْرِ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُرَادِفُ الاِنْفِرَادَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إِطْلاَقَاتِهِ اللُّغَوِيَّةِ، فَيَكُونُ مِنَ الْقِلَّةِ وَمِنَ الاِرْتِفَاعِ. (4)
ج - الاِشْتِرَاكُ:
4 - الاِشْتِرَاكُ ضِدُّ الاِنْفِرَادِ.
أَحْكَامُ الاِنْفِرَادِ:
الاِنْفِرَادُ فِي الصَّلاَةِ:
5 - صَلاَةُ الْمُنْفَرِدِ جَائِزَةٌ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (إِلاَّ فِي الْجُمُعَةِ بِالاِتِّفَاقِ، وَالْعِيدَيْنِ عَلَى خِلاَفٍ) ، وَفِي صَلاَةِ الْمُنْفَرِدِ أَجْرٌ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَال: قَال النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُل صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً (5) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً (6) لأَِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا - بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ - ثُبُوتُ الأَْجْرِ فِيهِمَا، وَإِلاَّ فَلاَ نِسْبَةَ وَلاَ تَقْدِيرَ، وَلاَ يَنْقُصُ أَجْرُ الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا مَعَ الْعُذْرِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَل صَحِيحًا مُقِيمًا (7) وَلاَ تَجِبُ الإِْعَادَةُ لِفَرْضٍ عَلَى مَنْ صَلاَّهُ وَحْدَهُ.
أَمَّا صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ فَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلرِّجَال عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيل: هِيَ وَاجِبَةٌ إِلاَّ فِي جُمُعَةٍ فَشَرْطٌ، وَكَذَا الْعِيدُ عَلَى الْقَوْل بِوُجُوبِ الْعِيدِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ وَاجِبًا. (8) (ر: صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ) .
الاِنْفِرَادُ فِي التَّصَرُّفَاتِ:
أ - انْفِرَادُ أَحَدِ الأَْوْلِيَاءِ بِالتَّزْوِيجِ:
6 - إِنِ اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ فِي جِهَةِ الْقَرَابَةِ وَالدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ كَالإِْخْوَةِ الأَْشِقَّاءِ، أَوِ الأَْبِ، وَالأَْعْمَامُ كَذَلِكَ، وَتَشَاحَّوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَلِتَسَاوِيهِمْ فِي الْحَقِّ، وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ زَوَّجَ. فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَزَوَّجَ، وَقَالَتْ أَذِنْتُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَحَّ التَّزْوِيجُ؛ لأَِنَّهُ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ كَامِل الْوِلاَيَةِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ فَصَحَّ مِنْهُ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ بِالْوِلاَيَةِ؛ وَلأَِنَّ الْقُرْعَةَ شُرِعَتْ لإِِزَالَةِ الْمُشَاحَّةِ لاَ لِسَلْبِ الْوِلاَيَةِ. (9)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: عِنْدَ تَسَاوِيهِمْ دَرَجَةً وَقَرَابَةً يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِيمَنْ يَرَاهُ أَحْسَنَهُمْ رَأْيًا لِيَتَوَلَّى الْعَقْدَ. (10)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكُونُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ وَيُزَوِّجَ، رَضِيَ الآْخَرُ أَوْ سَخِطَ، إِذَا كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ كُفْءٍ وَبِمَهْرٍ وَافِرٍ. (11) وَهَذَا إِذَا اتَّحَدَ الْخَاطِبُ.
7 - أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ الْخَاطِبُ، فَالتَّزْوِيجُ لِمَنْ تَرْضَاهُ الْمَرْأَةُ؛ لأَِنَّ لَهَا الْحَقَّ عِنْدَهُمْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ إِذَا كَانَتْ بَالِغَةً رَشِيدَةً، وَلاَ يُزَوِّجُهَا إِلاَّ الْوَلِيُّ الَّذِي تَرْضَاهُ بِوَكَالَةٍ، فَإِنْ لَمْ تُعَيِّنِ الْمَرْأَةُ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْتَوِينَ دَرَجَةً وَقَرَابَةً، وَأَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ قَالَتْ: أَذِنْتُ فِي فُلاَنٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُزَوِّجْنِي مِنْهُ، صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلاَيَةِ فِي كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، فَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ فَزَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُمَيِّزُ أَحَدَهُمْ عَنْ غَيْرِهِ.
وَلَوْ أَذِنَتْ لَهُمْ فِي التَّزْوِيجِ، فَزَوَّجَهَا أَحَدُ الأَْوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ، وَزَوَّجَهَا الآْخَرُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَالآْخَرُ بَاطِلٌ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، أَوْ جُهِل السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَبَاطِلاَنِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. (12)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَيْ " نِكَاحٌ، وَوِلاَيَةٌ ".
ب - انْفِرَادُ أَحَدِ الأَْوْلِيَاءِ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَال الصَّغِيرِ:
8 - قَال فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ مَاتَ الرَّجُل عَنْ أَوْلاَدٍ صِغَارٍ، وَلَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ عَلَيْهِمْ، فَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَحَدُ أَعْمَامِهِمْ، أَوْ إِخْوَتُهُمُ الْكِبَارُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ يَقُومُ مَقَامَ الأَْبِ، (13)
وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى تَعَدُّدِ الأَْوْلِيَاءِ وَانْفِرَادِ أَحَدِهِمْ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَال سِوَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ.
وَإِذَا تَعَدَّدَ الأَْوْلِيَاءُ أَوِ الأَْوْصِيَاءُ فَإِنِ اتَّفَقُوا فِي التَّصَرُّفِ فَالأَْمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا يُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحَيْ (إِيصَاءٍ) (وَوِلاَيَةٍ) .
ج - انْفِرَادُ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
9 - لِكُلٍّ مِنَ الْوَكِيلَيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إِنْ جَعَل الْمُوَكِّل الاِنْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ؛ لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَل لَهُ الاِنْفِرَادَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِهِ. (14)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ لأَِحَدِ الْوَكِيلَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى اجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا كَتَوْكِيل الْمُوَكِّل لَهَا فِي الْخُصُومَةِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا؛ لأَِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهَا مُتَعَذَّرٌ لِلإِْفْضَاءِ إِلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهِ عَنِ الشَّغَبِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ إِظْهَارُ الْحَقِّ، وَلِهَذَا لَوْ خَاصَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الآْخَرِ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرِ الآْخَرُ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال بَعْضُهُمْ: يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ أَثْنَاءَ مُخَاصَمَةِ الأَْوَّل، وَكَتَوْكِيلِهِ لَهُمَا بِطَلاَقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ، أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوَكِّل؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ أَدَاءُ الْوَكَالَةِ فِيهَا تَعْبِيرٌ مَحْضٌ لِكَلاَمِ الْمُوَكِّل، وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى وَالْوَاحِدِ سَوَاءٌ؛ لِعَدَمِ اخْتِلاَفِ الْمَعْنَى.
أَمَّا مَا يَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ فَلاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِهِمَا (15) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لأَِحَدِ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى مَالٍ وَنَحْوِهِ الاِنْفِرَادُ بِمَا يَفْعَلُهُ عَنْ مُوَكِّلِهِ، دُونَ إِطْلاَعِ الْوَكِيل الآْخَرِ، إِلاَّ لِشَرْطٍ مِنَ الْمُوَكِّل أَلاَّ يَسْتَبِدَّ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أَلاَّ يَسْتَبِدَّ فُلاَنٌ، فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِسْتِبْدَادُ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ إِنْ كَانَتْ وَكَالَتُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ، عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ أَمْ لاَ، أَوْ وَكَّلاَ جَمِيعًا.
وَالْوَكِيل عَلَى مَالٍ كَأَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُمَا عَلَى بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ، وَنَحْوُ الْمَال: كَطَلاَقٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (16) وَالتَّفْصِيل يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ) .
د - انْفِرَادُ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشُّفْعَةِ بِطَلَبِهَا:
10 - إِنْ كَانَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشُّفْعَةِ حَاضِرًا أَوْ قَدِمَ مِنَ السَّفَرِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا وَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَخْذُ الْكُل أَوْ تَرْكُهُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَعْلَمِ الآْنَ مُطَالِبَ سِوَاهُ؛ وَلأَِنَّ فِي أَخْذِهِ الْبَعْضَ تَبْعِيضًا لِصَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إِلَى أَنْ يَقْدُمَ شُرَكَاؤُهُ لأَِنَّ فِي التَّأْخِيرِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَ الشُّفَعَاءُ كُلُّهُمْ غَائِبِينَ لَمْ تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ. فَإِذَا أَخَذَ مَنْ حَضَرَ جَمِيعَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، ثُمَّ حَضَرَ شَرِيكٌ آخَرُ قَاسَمَهُ إِنْ شَاءَ؛ لأَِنَّ الْمُطَالَبَةَ إِنَّمَا وُجِدَتْ مِنْهُمَا، وَإِنْ عَفَا بَقِيَ الشِّقْصُ لِلأَْوَّل. فَإِنْ قَاسَمَهُ ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ قَاسَمَهُمَا إِنْ أَحَبَّ الأَْخْذَ بِالشُّفْعَةِ، وَبَطَلَتِ الْقِسْمَةُ الأُْولَى؛ لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمَا شَرِيكًا لَمْ يُقَاسِمْ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ عَفَا الثَّالِثُ عَنْ شُفْعَتِهِ بَقِيَ الشِّقْصُ لِلأَْوَّلَيْنِ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُشَارِكَ لَهُمَا وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. (17)
وَالتَّفْصِيل يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (شُفْعَةٌ) . هـ - انْفِرَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
11 - إِذَا كَانَتِ الشَّرِكَةُ شَرِكَةَ مِلْكٍ، كَمَنْ وَرِثُوا دَارًا وَلَمْ يَقْسِمُوهَا، فَلَيْسَ لأَِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الدَّارِ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، أَوْ بِالْمُهَايَأَةِ أَيِ اسْتِقْلاَل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالاِنْتِفَاعِ بِجَمِيعِهَا زَمَنًا مُحَدَّدًا وَهَكَذَا.
أَمَّا فِي شَرِكَاتِ الْعَقْدِ، فَفِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ (18) يَجُوزُ لأَِحَدِ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالأَْمَانَةِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَفْعِ الْمَال إِلَى صَاحِبِهِ أَمِنَهُ، وَبِإِذْنِهِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَكَّلَهُ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَأْذَنَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ تَصَرَّفَ فِيهَا، وَيَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مُسَاوَمَةً، وَمُرَابَحَةً، وَتَوْلِيَةً، وَمُوَاضَعَةً، وَكَيْفَمَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ؛ لأَِنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَأَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَالثَّمَنَ، وَيَقْبِضَهُمَا، وَيُخَاصِمَ فِي الدَّيْنِ وَيُطَالِبَ بِهِ، وَيُحِيل وَيَقْبَل الْحَوَالَةَ، وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا وَلِيَهُ هُوَ، وَفِيمَا وَلِيَ صَاحِبُهُ، وَأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَال الشَّرِكَةِ وَيُؤَجِّرَ، وَأَنْ يَفْعَل كُل مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ مِنَ التُّجَّارِ، إِذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً؛ لِتَنَاوُل الإِْذْنِ لِذَلِكَ دُونَ التَّبَرُّعِ، وَالْحَطِيطَةِ، وَالْقَرْضِ، وَتَزْوِيجِهِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ إِلَيْهِ الْعَمَل بِرَأْيِهِ فِي التِّجَارَةِ. وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلآْخَرِ جِنْسًا، أَوْ نَوْعًا، أَوْ بَلَدًا، تَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالإِْذْنِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ. (19)
وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنِ الآْخَرُ تَصَرَّفَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْجَمِيعِ، وَلاَ يَتَصَرَّفُ الآْخَرُ إِلاَّ فِي نَصِيبِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (20) وَالتَّفْصِيل يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ (شَرِكَةٌ)
وَ - انْفِرَادُ أَحَدِ الْوَصِيِّينَ أَوِ النَّاظِرَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا أَوْصَى لاِثْنَيْنِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَأَطْلَقَ أَوْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدِهِمَا الاِنْفِرَادُ. أَمَّا إِذَا نَصَّ عَلَى جَوَازِ الاِنْفِرَادِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ، عَمَلاً بِقَوْل الْمُوصِي. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِنْفِرَادُ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى الاِجْتِمَاعِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ قَبِيل الْخِلاَفَةِ، وَالْخَلِيفَةُ يَنُوبُ عَنِ الْمُسْتَخْلِفِ فِي كُل مَا يَمْلِكُهُ، وَفِي الْمَسَائِل الَّتِي لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَبَادُل الرَّأْيِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَشِرَاءِ حَاجَاتِ الطِّفْل، وَشِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا.
هَذَا، وَإِنَّ أَحْكَامَ الْوَقْفِ مُسْتَقَاةٌ غَالِبًا مِنْ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ، وَمَا يَجْرِي عَلَى الْوَصِيِّينَ هُنَا يَجْرِي كَذَلِكَ عَلَى نُظَّارِ الْوَقْفِ. (21)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (وَصِيَّةٌ، وَوَكَالَةٌ، وَالْوَقْفُ) .
ز - انْفِرَادُ الزَّوْجَةِ بِمَسْكَنٍ:
13 - لِلزَّوْجَةِ حَقُّ الاِنْفِرَادِ بِمَسْكَنٍ خَاصٍّ بِهَا لَهُ غَلْقٌ وَمَرَافِقُ، (22) وَلَوْ كَانَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَتَسْكُنُ ضَرَّتُهَا فِي جُزْءٍ مُسْتَقِلٍّ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ أَهْل زَوْجِهَا، وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَمْنَعَ طِفْل زَوْجِهَا غَيْرَ الْمُمَيِّزِ مِنَ السُّكْنَى مَعَهُمَا. وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. (23)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا سُكْنَاهَا مَعَ أَقَارِبِ الزَّوْجِ أَوْ مَعَ ضَرَّتِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِسَكَنٍ مُنْفَرِدٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُسْتَوَاهَا الاِجْتِمَاعِيُّ يَسْمَحُ بِذَلِكَ. (24)
وَالشُّرُوطُ الْوَاجِبُ تَوَافُرُهَا فِي مَسْكَنِ الزَّوْجَةِ وَتَقْدِيرِ مُسْتَوَاهُ يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْتُ الطَّاعَةِ) (وَنَفَقَةٌ) .
__________
(1) لسان العرب، المحيط، ومختار الصحاح، والمصباح المنير مادة: (فرد)
(2) شرح فتح القدير 6 / 89، وما بعدها، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 392، والمهذب 1 / 353، وكشاف القناع 5 / 500، وما بعدها
(3) لسان العرب مادة: (بدد) وكشاف القناع 5 / 500، وحاشية الدسوقي 3 / 352، والمهذب 1 / 353
(4) لسان العرب، والصحاح، وتاج العروس مادة: (قلل) بتصرف
(5) حديث: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 131 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 450 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر
(6) الرواية الأخرى من حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري (الفتح 2 / 131) ومسلم (1 / 450)
(7) حديث: " إذا مرض العبد أو سافر. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 136 - ط السلفية)
(8) رد المحتار 1 / 368، 371 - 373 وما بعدها، وشرح فتح القدير 1 / 222، 229، 300، وحاشية 1 / 200، 255، 319، 373، والشرح الصغير 1 / 424، 425، 490، 496، ونهاية المحتاج 2 / 2، 128 - 136، 145 وما بعدها، والمجموع شرح المهذب 4 / 182 - 185، 189، والمغني لابن قدامة 2 / 176، 177، وكشاف القناع 6 / 453 - 455
(9) الولي: هو البالغ العاقل الوارث، انظر ابن عابدين 2 / 295، ونهاية المحتاج 6 / 342 - 344، وروضة الطالبين 7 / 87، 88، والمغني لابن قدامة 6 / 510، 511، ومطالب أولي النهى 5 / 72، 73
(10) حاشية الدسوقي 2 / 233، وجواهر الإكليل 1 / 283
(11) البدائع 2 / 251، وشرح فتح القدير 3 / 172، 183 - 185
(12) المراجع السابقة
(13) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 256، 4 / 452 ط عيسى الحلبي بمصر، وجواهر الإكليل 2 / 99
(14) المهذب 1 / 358، وحواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج 5 / 342، وكشاف القناع 5 / 473، والمغني 5 / 96
(15) شرح فتح القدير 6 / 89 - 91، والهداية 3 / 148
(16) حاشية الدسوقي 3 / 392، وجواهر الإكليل 2 / 130
(17) رد المحتار على الدر المختار 5 / 141 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 3 / 490، والمهذب 1 / 388، ونهاية المحتاج 5 / 212 - 213، والمغني لابن قدامة 5 / 367، وكشاف القناع 4 / 148
(18) هي أن يشترك اثنان فأكثر بماليهما ليعملا فيه بينهما وربحه بينهما على حسب ما اشترطاه، أو يشترك اثنان فأكثر بماليهما على أن يعمل فيه أحدهما بشرط أن يكون للعامل من الربح أكثر من ربح ماله، ليكون الجزء الزائد في نظير عمله غي مال الشركة. حاشية الدسوقي 3 / 359 ونهاية المحتاج 5 / 4، وكشاف القناع 5 / 497، ورد المحتار 3 / 344
(19) شرح فتح القدير 5 / 402 - 404، ورد المحتار، 3 / 344، وحاشية الدسوقي 3 / 352، ونهاية المحتاج 5 / 4، والمغني لابن قدامة 5 / 21، 22، وكشاف القناع 5 / 947، 500، وما بعدها
(20) نهاية المحتاج 5 / 4، والمهذب 1 / 353، واللجنة ترى أن قواعد المذاهب الأخرى لا تأبى هذا البيان، لأن التصرف مبني على الإذن وليس هناك إذن
(21) الدر المختار ورد المحتار 5 / 449، 450، والاختيار شرح المختار 5 / 67، وشرح الدردير وحاشية الدسوقي 4 / 88، 453، وجواهر الإكليل 2 / 208، والحطاب 6 / 33، 37، ونهاية المحتاج 6 / 107، وروضة الطالبين 5 / 348، والمغني 6 / 136، 142، وكشاف القناع 4 / 273
(22) مسكن الزوجة في اصطلاح الفقهاء: محل منفرد معين مختص بالزوجة ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار له غلق يخصه ومرافق. انظر: رد المحتار 2 / 662، 663، والشرح الصغير 2 / 507 وما بعدها
(23) رد المحتار 2 / 662، 663، وشرح فتح القدير 4 / 207، ونهاية المحتاج 1 / 375، وشرح المنهاج 3 / 300 وما بعدها، وكشاف القناع 5 / 196 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 7 / 26، 27
(24) الشرح الكبير حاشية الدسوقي 2 / 512، 513 بشيء من التصرف
الموسوعة الفقهية الكويتية: 19/ 7