السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
كلمة جامعة للخير . تشمل كل ما أمر به الشرع، واطمأن إليه القلب . جاء في قوله تعالى : ﱫﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ ﴿ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇﱪالبقرة :177. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : "البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس، وأفتوك ". أحمد : 18006، الطبراني في المعجم الكبير : 403.
البِرُّ: الطَّاعَةُ، يُقال: فُلانٌ يَبَرُّ خالِقَهُ، أيْ: يُطِيعُهُ. ويأْتي بِمعنى الإِحْسانِ، فيُقال: بَرَّ، يَبَرُّ، فهو بارٌّ، أيْ: مُحْسِنٌ، وضِدُّه: العُقُوقُ والإِساءَةُ. وأَصْلُه: الصِّدْقُ، يُقال: بَرَّ اللَّهُ قَسَمَهُ وأَبَرَّهُ، أيْ: صَدَّقَهُ، والبَرُّ: الصّادِقُ، وخِلافُهُ: الفاجِرُ الكاذِبُ. والبِّرُّ أيضاً: الخَيْرُ، ومِنْهُ سُمِّيَت الأَرْضُ بَرَّةً؛ لِكَثْرَةِ مَنافِعِها. ومِن مَعانِيه أيضاً: الوَفاءُ، والصَّلاحُ، والصِّلَةُ، والشَّفَقَةُ، والعِبادَةُ.
يَرِد مُصْطلَح (بِرّ) في العَقِيدَةِ في عِدَّة مواضِعَ، منها: باب: تَوْحِيد الأُلُوهِيَّةِ. ويَرِد أيضاً في الفِقْهِ في كتاب الصَّلاة، والنِّكاح، والبُيوع، وغَيْر ذلك. وقد يُطْلَقُ البِرُّ في العَقِيدَة، ويُراد بِه: الإيمانُ بِأَرْكانِهِ. ويُطْلَق أيضاً في باب: توحيد الأسْماءِ والصِّفاتِ مُضافاً إلى اللهِ تعالى، ويُراد بِه: اللُّطْفُ والرَّحْمَةُ بِالخَلْقِ، وإِيصالُ الخَيْرِ والإحْسانِ إلَيْهِم.
برر
العَمَلُ الذي يُقَرِّبُ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى.
البِرُّ: لَفْظَةٌ تَعُمُّ جَمِيعَ أَعْمالِ الإِحْسانِ، وتَشْمَلُ كُلَّ خِصالِ الخَيْرِ، كإِكْرامِ الوالِديَنِ وطاعَتِهِما، وغير ذلك. والبِرُّ نَوْعانِ: 1- الصِّلَةُ: وهي التَّبَرُّعُ بِبَذْلِ المالِ والجاهِ والوَقْتِ وغَيْر ذلك في جِهاتِ الخَيْرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مَطْلوبٍ، سَواءً كان لِقَرْيبٍ أم لِبَعِيدٍ. 2- المَعْروفُ: وهو القَوْلُ والعَمَلُ الصَّالِحُ، فأمَّا القَوْلُ: فهو طَيِّبُ الكَلامِ وحُسْنُ المَقالِ، كإِلْقاءِ السَّلامِ وغَيْرِ ذلك، وأمَّا العَمَلُ: فهو كُلُّ فِعْلٍ صالِحٍ أَمَرَ اللهُ به وحَثَّ عليه، كَسائِرِ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ وغَيْر ذلك.
البِرُّ: الطَّاعَةُ، ويأْتي بِمعنى الإِحْسانِ والخَيْرِ، وضِدُّه: العُقُوقُ والإِساءَةُ. وأَصْلُه: الصِّدْقُ.
فاعل البرِّ. والبِر هو الإحسان، والاتساع، والصلة، والخير. و"البَرّ" من أسماء الله الحسنى، ورد في القرآن مرّة واحدة، في قوله تعالى: ﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ الطور:٢٨.
* مقاييس اللغة : (1/177)
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (7/181)
* أدب الدنيا والدين : (ص 184)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 122)
* طريق الهجرتين وباب السعادتين : (ص 274)
* طريق الهجرتين وباب السعادتين : (ص 274)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (1/116)
* لسان العرب : (4/51)
* تاج العروس : (10/151) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْبُرُّ بِالضَّمِّ يُطْلَقُ لُغَةً: عَلَى الْقَمْحِ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْهُ (بُرَّةٌ) (1) ، وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - الْبُرُّ - مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ حَبًّا خَارِجًا مِنَ الأَْرْضِ - وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْخَارِجِ مُطْلَقًا، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَنِسْبَةُ الْوَاجِبِ إِذَا سُقِيَتِ الأَْرْضُ سَيْحًا أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ: الْعُشْرُ، وَإِذَا سُقِيَتْ بِآلَةٍ: نِصْفُ الْعُشْرِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. وَإِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ خَرَاجِيَّةً فَفِيهَا الْخَرَاجُ دُونَ الْعُشْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (2) وَالْبُرُّ مِنَ الأَْجْنَاسِ الْمُجْزِئَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْوَاجِبَةِ، وَالْقَدْرُ الْمُجْزِئُ مِنْهُ صَاعٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَنِصْفُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (3) . وَتَفْصِيلُهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
وَإِذَا قُصِدَ فِي الْبُرِّ التِّجَارَةُ قُوِّمَ كَالْعُرُوضِ، وَأُخْرِجَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ كَمَا تُخْرَجُ عَنْهَا. وَتَفْصِيلُهُ فِي الزَّكَاةِ.
وَيُعَدُّ الْبُرُّ مِنَ الْمَالِيَّاتِ الْمُتَقَوِّمَةِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَالسَّلَمُ فِيهَا، وَيَدْخُلُهُ الرِّبَا إِذَا بِيعَ بِمِثْلِهِ. فَيُشْتَرَطُ لَهُ: الْمُمَاثَلَةُ وَالْحُلُول وَالتَّقَابُضُ. لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ. . . . (4)
كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُحَاقَلَةً فِي الْجُمْلَةِ، وَهِيَ: بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِمِثْلِهَا مِنَ الْحِنْطَةِ وَلَوْ خَرْصًا، وَلاَ مُخَاضَرَةً، وَهِيَ: الْبَيْعُ قَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ وَالزَّرْعُ أَخْضَرُ، خِلاَفًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ. (5) وَالتَّفْصِيل فِي (الْبَيْعِ، وَالرِّبَا، وَالْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) .
__________
(1) لسان العرب، والصحاح، المصباح مادة " برر "
(2) الاختيار 1 / 113، 2 / 24، 123 ط المعرفة، وقليوبي 2 / 18 ط عيسى الحلبي، جواهر الإكليل 1 / 124، المغني 2 / / 6
(3) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 395، وابن عابدين 2 / 76، بداية المجتهد 1 / 286، والمغني 3 / 57 ط الرياض
(4) حديث: " الذهب بالذهب. . . " أخرجه مسلم (3 / 1211 ـ ط الحلبي)
(5) الاختيار 2 / 24، 30، 123، وبدائع الصنائع 7 / 3081، والشرح الصغير 3 / 33، 47، والدسوقي 3 / 17، وقليوبي 2 / 237، المغني 4 / 19، 20
الموسوعة الفقهية الكويتية: 58/ 8
التَّعْرِيفُ:
1 - تَدُورُ مَعَانِي لَفْظِ الْبِرِّ لُغَةً: عَلَى الصِّدْقِ وَالطَّاعَةِ وَالصِّلَةِ وَالإِْصْلاَحِ وَالاِتِّسَاعِ فِي الإِْحْسَانِ إِلَى النَّاسِ. يُقَال: بَرَّ يَبَرُّ: إِذَا صَلَحَ. وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ: إِذَا صَدَقَ، وَالْبَرُّ: الصَّادِقُ. وَأَبَرَّ اللَّهُ الْحَجَّ وَبَرَّهُ: أَيْ قَبِلَهُ. وَالْبِرُّ: ضِدُّ الْعُقُوقِ، وَالْمَبَرَّةُ مِثْلُهُ. وَبَرَرْتُ وَالِدَيَّ: أَيْ وَصَلْتُهُمَا.
وَمِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (الْبَرُّ) أَيِ الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ. (1) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ: اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرَاتِ كُلِّهَا، يُرَادُ بِهِ التَّخَلُّقُ بِالأَْخْلاَقِ الْحَسَنَةِ مَعَ النَّاسِ بِالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَصِلَتِهِمْ وَالصِّدْقِ مَعَهُمْ، وَمَعَ الْخَالِقِ بِالْتِزَامِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ.
كَمَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَمَل الدَّائِمُ الْخَالِصُ مِنَ الْمَأْثَمِ. وَيُقَابِلُهُ: الْفُجُورُ وَالإِْثْمُ؛ لأَِنَّ الْفُجُورَ خُرُوجٌ عَنِ الدِّينِ، وَمَيْلٌ إِلَى الْفَسَادِ، وَانْبِعَاثٌ فِي الْمَعَاصِي، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلشَّرِّ. (2)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الأَْمْرِ بِالْبِرِّ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ، فَهُوَ خُلُقٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، حَاضٌّ عَلَى الْتِزَامِ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابِ الْمَعْصِيَةِ.
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَل الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَال عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيل وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . (3)
جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ (4) : أَنَّ الْبِرَّ هُنَا اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَقَال: تَقْدِيرُ الْكَلاَمِ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ. أَوِ التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ مَنْ آمَنَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفُرِضَتِ الْفَرَائِضُ، وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَحُدَّتِ الْحُدُودُ، أَنْزَل اللَّهُ هَذِهِ الآْيَةَ. فَأَفَادَتْ أَنَّ الْبِرَّ لَيْسَ كُلُّهُ بِالصَّلاَةِ، وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِالإِْيمَانِ بِاللَّهِ إِلَى آخِرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْخَيْرِ الْجَامِعَةِ.
وَقَال تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (5) . قَال الْمَاوَرْدِيُّ: نَدَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى التَّعَاوُنِ بِالْبِرِّ، وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ؛ لأَِنَّ فِي التَّقْوَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْبِرِّ رِضَى النَّاسِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَى النَّاسِ فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَتُهُ وَعَمَّتْ نِعْمَتُهُ.
وَقَال ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى يَكُونُ بِوُجُوهٍ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُعِينَ النَّاسَ بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمَهُمْ، وَيُعِينُهُمُ الْغَنِيُّ بِمَالِهِ، وَالشُّجَاعُ بِشَجَاعَتِهِ فِي سَبِيل اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُتَظَاهِرِينَ كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ. (6)
وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْبِرِّ وَالإِْثْمِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِْثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. (7)
قَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ: قَال الْعُلَمَاءُ: الْبِرُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ، وَبِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالْمَبَرَّةِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ، وَبِمَعْنَى الطَّاعَةِ، وَهَذِهِ الأُْمُورُ هِيَ مَجَامِعُ حُسْنِ الْخُلُقِ. وَمَعْنَى حَاكَ فِي صَدْرِكَ: أَيْ تَحَرَّكَ فِيهِ وَتَرَدَّدَ، وَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ الصَّدْرُ، وَحَصَل فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الشَّكُّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا (8) .
وَيَتَعَلَّقُ بِالْبِرِّ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
بِرُّ الْوَالِدَيْنِ:
3 - بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِمَعْنَى: طَاعَتِهِمَا وَصِلَتِهِمَا وَعَدَمِ عُقُوقِهِمَا، وَالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمَا مَعَ إِرْضَائِهِمَا بِفِعْل مَا يُرِيدَانِهِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . (9)
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - ﵁ - قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْعَمَل أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَال: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ. (10) فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُل عَلَى وُجُوبِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْظِيمِ حَقِّهِمَا. وَلِلتَّفْصِيل فِي بَيَانِ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ وَبِرِّهِمَا انْظُرْ مُصْطَلَحَ (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) .
بِرُّ الأَْرْحَامِ:
4 - بِرُّ الأَْرْحَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى صِلَتِهِمْ وَالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَالْقِيَامِ عَلَى حَاجَاتِهِمْ وَمُوَاسَاتِهِمْ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيل وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (11)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - ﵁ - قَال: رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَال: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِل مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَال: فَذَلِكَ لَكِ. ثُمَّ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَل عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (12) .
فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُل عَلَى أَنَّ صِلَةَ الأَْرْحَامِ وَبِرَّهَا وَاجِبٌ، وَقَطِيعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهَا دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْهَجْرِ، وَالصِّلَةُ بِالْكَلاَمِ وَالسَّلاَمِ.
وَتَخْتَلِفُ هَذِهِ الدَّرَجَاتُ بِاخْتِلاَفِ الْقُدْرَةِ وَالْحَاجَةِ، فَمِنْهَا الْوَاجِبُ، وَمِنْهَا الْمُسْتَحَبُّ. إِلاَّ أَنَّهُ لَوْ وَصَل بَعْضَ الصِّلَةِ، وَلَمْ يَصِل غَايَتَهَا، لاَ يُسَمَّى قَاطِعًا، وَلَوْ قَصَّرَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي لَهُ لاَ يَكُونُ وَاصِلاً. (13)
أَمَّا حَدُّ الرَّحِمِ الَّتِي تَجِبُ صِلَتُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا: فَهُوَ الْقَرَابَاتُ مِنْ جِهَةِ أَصْل الإِْنْسَانِ، كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَإِنْ عَلاَ، وَفُرُوعِهِ كَأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ وَإِنْ نَزَلُوا. وَمَا يَتَّصِل بِهِمَا مِنْ حَوَاشٍ كَالإِْخْوَةِ وَالأَْخَوَاتِ وَالأَْعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالأَْخْوَال وَالْخَالاَتِ، وَمَا يَتَّصِل بِهِمْ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ بِرَحِمٍ جَامِعَةٍ. (14)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَرْحَام) .
بِرُّ الْيَتَامَى وَالضَّعَفَةِ وَالْمَسَاكِينِ:
5 - بِرُّ الْيَتَامَى وَالضَّعَفَةِ وَالْمَسَاكِينِ يَكُونُ بِالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَالْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ، وَعَدَمِ تَضْيِيعِهَا، فَفِي حَدِيثِ سَهْل بْنِ سَعْدٍ - ﵁ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَنَا وَكَافِل الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا. (15)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - ﵁ قَال: رَسُول اللَّهِ ﷺ: السَّاعِي عَلَى الأَْرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيل اللَّهِ. وَأَحْسَبُهُ قَال: وَكَالْقَائِمِ الَّذِي لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ الَّذِي لاَ يُفْطِرُ. (16)
الْحَجُّ الْمَبْرُورُ:
6 - الْحَجُّ الْمَبْرُورُ هُوَ: الْحَجُّ الْمَقْبُول الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُ إِثْمٌ وَلاَ رِيَاءٌ. (17)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - ﵁ - أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ (18) وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (حَجّ) .
الْبَيْعُ الْمَبْرُورُ:
7 - الْبَيْعُ الْمَبْرُورُ: هُوَ الَّذِي لاَ غِشَّ فِيهِ وَلاَ خِيَانَةَ. فَفِي حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: سُئِل رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْكَسْبِ أَفْضَل قَال: عَمَل الرَّجُل بِيَدِهِ، وَكُل بَيْعٍ مَبْرُورٍ (19) وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (بَيْع) .
بِرُّ الْيَمِينِ:
8 - بِرُّ الْيَمِينِ مَعْنَاهُ: أَنْ يَصْدُقَ فِي يَمِينِهِ، فَيَأْتِي بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْقُضُوا الأَْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} . (20)
وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى فِعْل الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكِ الْحَرَامِ، فَيَكُونُ يَمِينَ طَاعَةٍ يَجِبُ الْبِرُّ بِهِ بِالْتِزَامِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ فِيهِ.
أَمَّا إِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْل مُحَرَّمٍ فَهُوَ يَمِينُ مَعْصِيَةٍ، يَجِبُ الْحِنْثُ فِيهِ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل نَفْلٍ، كَصَلاَةِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ فَالْتِزَامُ الْيَمِينِ مَنْدُوبٌ، وَمُخَالَفَتُهُ مَكْرُوهَةٌ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ نَفْلٍ فَالْيَمِينُ مَكْرُوهَةٌ، وَالإِْقَامَةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهَا. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ فَالْحِنْثُ بِهَا مُبَاحٌ (21) قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ (22)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَيْمَان) .
__________
(1) لسان العرب مادة: " برر " وتهذيب الأسماء 3 / 23
(2) فتح الباري 10 / 508، الفتح الرباني 1 / 34، 35
(3) سورة البقرة / 177
(4) تفسير القرطبي 2 / 238
(5) سورة المائدة / 2
(6) تفسير القرطبي6 / 46
(7) حديث النواس بن سمعان قال: " سألت رسول الله ﷺ. . . . " أخرجه مسلم (4 / 1980 ـ ط الحلبي)
(8) النووي على مسلم 16 / 111
(9) سورة الإسراء / 23
(10) حديث عبد الله بن مسعود: " سألت رسول الله. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 9 ـ ط السلفية) ومسلم (1 / 90 ـ ط الحلبي)
(11) سورة النساء / 36
(12) سورة محمد / 22، 23
(13) دليل الفالحين 2 / 146
(14) النووي على مسلم 16 / 112
(15) حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: " أنا وكافل اليتيم. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 436ـ ط السلفية)
(16) حديث: " الساعي على الأرملة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 437 ـ ط السلفية) ومسلم (4 / 2286 ـ ط الحلبي)
(17) فتح الباري 1 / 78
(18) حديث: " العمرة إلى العمرة كفارة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 597 ـ ط السلفية) ومسلم (2 / 983 ـ ط الحلبي)
(19) حديث: أبي بردة بن نيار عن ابن عمر قال: سئل رسول الله ﷺ: " أي الكسب أفضل؟ . . . " رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات. (مجمع الزوائد للهيثمي 4 / 61 ـ ط القدسي)
(20) سورة النحل / 91
(21) روضة الطالبين 2 / 20، والمغني 9 / 493
(22) حديث: " إذا حلفت على يمين. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 11 / / 608 ـ ط السلفية) ومسلم (3 / 1274 ـ ط الحلبي) واللفظ للبخاري
الموسوعة الفقهية الكويتية: 59/ 8