الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
تمكين الإنسان من حيازة الشيء، والقدرة على التصرف فيه . ومن أمثلته تمليك الحاكم أرضاً لفرد من الرعية . ومن شواهده قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لرجل خطب امرأة، وليس عنده مهر : " اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ." البخاري :5030
جَعْلُ الشَّيْءِ مِلْكًا لِغَيْرِه ، يُقالُ: مَلَّكَهُ الشَّيْءَ تَمْلِيكًا إِذَا جَعَلَهُ مِلْكًا لَهُ ، وَالتَّمَلُّكُ: الاسْتِحْقَاقُ وَالحِيَازَةُ وَالتَّفَرُّدُ بِالتَّصَرُّفِ ، وَمَلَكَ الشَّيْءَ: اسْتَحَقَّهُ وَاحْتَوَاهُ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصرُّفِ فيهِ ، وَمِلَاكُ الشَّيْءِ: قِوَامُهُ وَأَسَاسُهُ ، وَالمُلْكُ: مَا يُتَمَّلَّكُ مِنْ مضالٍ وَنَحْوِهِ ، وَأَصْلُهُ: قُوَّةٌ فِي الشَّيْءِ وَصِحَّةٍ ، يُقَالُ: أَمْلَكَ عَجِينَهُ أَيْ قَوَّى عَجْنَهُ وَشَدَّهُ ، وَمَلَّكْتُ الشَّيْءَ: قَوَّيْتُهُ ، مَلَكَ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ يَمْلِكُهُ مَلْكًا أَيْ قَوِيَ ، وَسُمِّيَ الاسْتِحْقَاقُ تَمَلُّكًا ؛ لِأَنَّ يَدَ مَالِكِهِ فِيهِ قَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَمِنْ مَعَاني التَّمْلِيكِ: التَّزْوِيجُ ، يُقالُ: أَمْلَكْنَا فُلَانًا فُلَانَةَ وَمَلَّكْنَاهُ أَيْ: زَوَّجْنَاهُ إِيَّاهَا ، وَكُنَّا فِي إمْلَاكِهِ أَيْ فِي نِكَاحِهِ.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ لَفْظَ (التَّمْلِيكِ) فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى كَكِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الفِطْرِ ، وَكِتَابِ الهِبَةِ فِي بَابِ أَحْكَامِ الهِبَةِ ، وَكِتَابِ اللُّقَطَةِ فِي بَابِ أَحْكَامِ اللُّقَطَةِ ، وَكِتَابِ إِحْيَاءِ المَوَاتِ ، وَالوَقْفِ ، وَالوَصِيَّةِ ، وَكِتَابِ الأَيْمَانِ فِي بَابِ كَفَّارَةِ اليَمِينِ ، وَغَيْرِهَا. وَيَرِدُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَيُرادُ بِهِ: التَّزْوِيجُ. وَيُطْلَقُ فِي بَابِ أَلْفَاظِ الطَّلاَقِ وَيُرادُ بِهِ: قَوْلُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ : أَمْرُكِ بِيَدِكِ.
ملك
نَقْلُ الشَّيْءِ إِلَى غَيْرِه لِيَحُوزَهُ وَيَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ.
التَّمْلِيكُ هُوَ جَعْلُ غَيْرِه قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي المملوكِ مِنْ مَالٍ وَنَحْوِهِ تَصَرُّفًا مُطْلَقًا، وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِالعَيْنِ المَمْلوكَةِ وَغَلَّتِهَا وَثِمَارِهَا وَنَتَاجِهَا بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الجَائِزَةِ ، وَيَنْقَسِمُ التَّمْلِيكُ إِلَى قِسْمَيْنِ: الأَوَّلُ: تَمْلِيكٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحَلٍّ مُحَقَّقٍ كَتَمْلِيكِ الأَعْيَانِ كَالدُّورِ وَالأَرَضِينَ ، وَقَدْ يَكُونُ بِعِوَضٍ كَالبَيْعِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِلاَ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. الثَّانِي: تَمْلِيكٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحَلٍّ مُقَدَّرٍ كَتَمْلِيكِ مَنْفَعَةِ البَيْتِ دُونَ عَيْنِهِ وَأَصْلِهِ ، فَإِنَّ مَنَافِعَهُ مُقَدَّرَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا تَمْلِيكٌ مُقَدَّرٌ ، وَتَمْليكُ المَنَافِعِ قَدْ يَكُونُ بِعِوَضٍ كَالإِجَارَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِلاَ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ. فَإذَا ثَبَتَ المِلْكُ الشَّرْعِي فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَثْبُتَ مُؤَبَّداً مَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ انتِقَالٌ عَنْ طَرِيقِ أَسْبَابِ النَّقْلِ الشَّرْعِي كَالعُقُودِ ، وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ مُؤَقَّتًا كَمِلْكِ المَنَافِعِ فِي الإِجَارَةِ.
جَعْلُ الشَّيْءِ مِلْكًا لِغَيْرِه ، وَمِنْ مَعَاني التَّمْلِيكِ: التَّزْوِيجُ.
تمكين الإنسان من حيازة الشيء، والقدرة على التصرف فيه.
* المهذب : 1 /449 - منح الجليل شرح مختصر خليل : 3 /426 - معجم مقاييس اللغة : 5 /352 - لسان العرب : 10 /491 - مختار الصحاح : ص642 - لسان العرب : 10 /491 - دستور العلماء : 1 /237 - الذخيرة للقرافـي : ص151 - الاختيار لتعليل المختار : 2 /3 -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّمْلِيكُ مَصْدَرُ مَلَّكَهُ الشَّيْءَ إِذَا جَعَلَهُ مِلْكًا لَهُ، وَفِعْلُهُ الثُّلاَثِيُّ (مَلَكَ) . وَمَلَكَ الشَّيْءَ:
احْتَوَاهُ، قَادِرًا عَلَى الاِسْتِبْدَادِ بِهِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) . وَيُنْظَرُ مَا سَبَقَ فِي (تَمَلُّكٌ)
وَالإِْمْلاَكُ وَالتَّمْلِيكُ: التَّزْوِيجُ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْبْرَاءُ:
2 - الإِْبْرَاءُ لُغَةً التَّنْزِيهُ وَالتَّخْلِيصُ وَالْمُبَاعَدَةُ عَنِ الشَّيْءِ.
وَاصْطِلاَحًا إِسْقَاطُ الشَّخْصِ حَقًّا لَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ أَوْ قِبَلَهُ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الإِْبْرَاءَ مِنَ الدَّيْنِ إِسْقَاطًا مَحْضًا، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَعْتَبِرُ الإِْبْرَاءَ تَمْلِيكًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الإِْبْرَاءَ يَشْتَمِل عَلَى الإِْسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ مَعًا، لَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْغَلَبَةُ لأَِحَدِهِمَا فِي مَسْأَلَةٍ دُونَ أُخْرَى فَالإِْبْرَاءُ أَعَمُّ مِنَ التَّمْلِيكِ (3) .
ب - الإِْسْقَاطُ:
3 - الإِْسْقَاطُ لُغَةً: الإِْيقَاعُ وَالإِْلْقَاءُ.
وَاصْطِلاَحًا هُوَ إِزَالَةُ الْمِلْكِ أَوِ الْحَقِّ لاَ إِلَى مَالِكٍ وَلاَ إِلَى مُسْتَحِقٍّ وَتَسْقُطُ بِذَلِكَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ؛ لأَِنَّ السَّاقِطَ يَنْتَهِي وَيَتَلاَشَى وَلاَ يَنْتَقِل.
وَذَلِكَ كَالطَّلاَقِ وَالْعِتْقِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ.
وَيَخْتَلِفُ التَّمْلِيكُ عَنِ الإِْسْقَاطِ فِي أَنَّ التَّمْلِيكَ إِزَالَةٌ وَنَقْلٌ إِلَى مَالِكٍ فِي حِينِ أَنَّ الإِْسْقَاطَ إِزَالَةٌ وَلَيْسَ نَقْلاً كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ إِلَى مَالِكٍ (4) .
فَالإِْسْقَاطُ أَعَمُّ مِنَ التَّمْلِيكِ.
مَحَل التَّمْلِيكِ:
4 - قَدْ يَتَعَلَّقُ التَّمْلِيكُ بِمَحَلٍّ مُحَقَّقٍ كَتَمْلِيكِ الأَْعْيَانِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِمَحَلٍّ مُقَدَّرٍ كَتَمْلِيكِ مَنَافِعِ الأَْبْضَاعِ، أَوْ مَنَافِعِ الأَْعْيَانِ فِي الإِْجَارَةِ أَوِ الإِْعَارَةِ فَإِنَّ مَنَافِعَهَا مُقَدَّرَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا تَمْلِيكٌ مُقَدَّرٌ (5) .
وَتَمْلِيكُ الأَْعْيَانِ قَدْ يَكُونُ بِعِوَضٍ وَقَدْ يَكُونُ بِلاَ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، كَمَا أَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ قَدْ يَكُونُ بِعِوَضٍ كَالإِْجَارَةِ وَقَدْ يَكُونُ بِلاَ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ (6) .
وَيُرْجَعُ فِي التَّفْصِيل فِي كُلٍّ مِنْهَا إِلَى مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ فَقَدْ قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَإِنْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ بَاعَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَصِحَّ، وَبِهِ قَال فِي الْبَيْعِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ. قَال أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ قَرْضًا فَبِعْهُ مِنَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بِنَقْدٍ وَلاَ تَبِعْهُ مِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ وَلاَ نَسِيئَةٍ، وَإِذَا أَقْرَضْت رَجُلاً دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَلاَ تَأْخُذْ مِنْ غَيْرِهِ عَرَضًا بِمَا لَك عَلَيْهِ، وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ مُمَاطِلٍ أَوْ جَاحِدٍ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لأَِنَّهُ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ بَاذِلٍ لَهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ (7) .
وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِشُرُوطٍ مُعَيَّنَةٍ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ وَالْخِلاَفُ فِيهِ فِي مُصْطَلَحِ: (دَيْنٌ) .
تَمْلِيكُ الأَْعْيَانِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْل الْقَبْضِ:
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ بِالتَّمْلِيكِ فِي الْمَمْلُوكَاتِ بَعْدَ قَبْضِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالتَّمْلِيكِ قَبْل قَبْضِهَا.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي: تَمْلِيكُ الأَْعْيَانِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْل الْقَبْضِ بِالْبَيْعِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ - وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِ الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ قَبْل قَبْضِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ طَعَامًا أَمْ غَيْرَهُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْل قَبْضِهِ (8) . وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ إِلَى مَكَّةَ قَال: انْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوهُ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوهُ (9) . وَلأَِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَغَيْرِ الْمُتَعَيَّنِ (10) .
وَالْحَنَفِيَّةُ يَسْتَثْنُونَ الْعَقَارَ الْمَبِيعَ وَيُجِيزُونَ تَمْلِيكَهُ قَبْل الْقَبْضِ لاِنْتِفَاءِ غَرَرِ الاِنْفِسَاخِ (11) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ تَمْلِيكِ الْمَبِيعِ قَبْل قَبْضِهِ بِالْبَيْعِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْعُومًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْل الْقَبْضِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ (12) ".
وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ تَعَبُّدِيٌّ فَلاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُ الطَّعَامِ عِنْدَهُمْ.
وَقِيل: إِنَّهُ مَعْقُول الْمَعْنَى؛ لأَِنَّ الشَّارِعَ لَهُ غَرَضٌ فِي ظُهُورِهِ، فَلَوْ أُجِيزَ بَيْعُهُ قَبْل قَبْضِهِ لَبَاعَ أَهْل الأَْمْوَال بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ بِخِلاَفِ مَا إِذَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ الْكَيَّال وَالْحَمَّال، وَيَظْهَرُ لِلْفُقَرَاءِ فَتَقْوَى بِهِ قُلُوبُ النَّاسِ لاَ سِيَّمَا فِي زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ وَالشِّدَّةِ (13) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ تَحْتَ عُنْوَانِ (بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ) .
تَمْلِيكُ الأَْعْيَانِ الْمُشْتَرَاةِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ:
6 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ - أَنَّ الأَْعْيَانَ الْمُشْتَرَاةَ يَجُوزُ تَمْلِيكُهَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ قَبْل قَبْضِهَا، وَالْحَنَفِيَّةُ يَسْتَثْنُونَ مِنْ ذَلِكَ تَمْلِيكَ مَنَافِعِ الْمَبِيعِ قَبْل قَبْضِهِ بِالإِْجَارَةِ؛ لأَِنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُول فَيُمْنَعُ جَوَازُ تَمْلِيكِهَا قَبْل الْقَبْضِ (14) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِ الْمَبِيعِ قَبْل قَبْضِهِ بِالْهِبَةِ وَالإِْجَارَةِ (15) . وَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ الْقَوْل فِيمَا يَصِحُّ مِنْ تَصَرُّفَاتٍ فِي الْبَيْعِ قَبْل الْقَبْضِ. يُنْظَرُ فِي مَوَاطِنِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحِ: (قَبْضٌ) .
تَمْلِيكُ الاِنْتِفَاعِ:
7 - تَمْلِيكُ الاِنْتِفَاعِ عِبَارَةٌ عَنِ الإِْذْنِ لِلشَّخْصِ فِي أَنْ يُبَاشِرَ الاِنْتِفَاعَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ كَالإِْذْنِ فِي سُكْنَى الْمَدَارِسِ، وَالرُّبُطِ، وَالْمَجَالِسِ، وَالْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، وَالأَْسْوَاقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَلِمَنْ أُذِنَ لَهُ ذَلِكَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَيَمْتَنِعَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُؤَاجِرَ أَوْ يَمْلِكَ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُعَاوَضَاتِ أَوْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ الْبَيْتَ الْمَوْقُوفَ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ (16) .
وَلِلتَّفْصِيل ر: انْتِفَاعٌ.
تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ:
8 - تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الإِْذْنِ لِلشَّخْصِ فِي أَنْ يُبَاشِرَ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ كَالإِْجَارَةِ. فَمَنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يَسْكُنَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ فِي أَمْلاَكِهِمْ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَهُ، فَهُوَ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ حَسْبَمَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الإِْجَارَةِ. فَمَنِ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا مُدَّةً مُعَيَّنَةً، كَانَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ فِي تَمَلُّكِ الْمُدَّةِ مِلْكًا عَلَى الإِْطْلاَقِ يَتَصَرَّفُ كَمَا يَشَاءُ بِجَمِيعِ الأَْنْوَاعِ السَّائِغَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مَا دَامَتِ الْعَيْنُ لاَ تَتَأَثَّرُ بِاخْتِلاَفِ الْمُسْتَعْمِل، وَيَكُونُ تَمْلِيكُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ كَتَمْلِيكِ الأَْعْيَانِ (17) .
وَلِلتَّوَسُّعِ فِي ذَلِكَ (ر: مَنْفَعَةٌ) .
انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَبِكُل لَفْظٍ وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَال لِقَوْلِهِ ﷺ: مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ (18) حَيْثُ وَرَدَ فِي النِّكَاحِ؛ وَلأَِنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الاِسْتِمْتَاعِ فَأُطْلِقَ عَلَى النِّكَاحِ، وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ (19) . وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ عَدَمَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ (20) قَالُوا: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ التَّزْوِيجُ أَوِ الإِْنْكَاحُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ سِوَاهُمَا فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُمَا تَعَبُّدًا وَاحْتِيَاطًا، لأَِنَّ النِّكَاحَ يَنْزِعُ إِلَى الْعِبَادَاتِ لِوُرُودِ النَّدْبِ فِيهِ، وَالأَْذْكَارُ فِي الْعِبَادَاتِ تُتَلَقَّى مِنَ الشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظَيِ التَّزْوِيجِ وَالإِْنْكَاحِ (21) .
__________
(1) لسان العرب، والمعجم الوسيط مادة: " ملك ".
(2) دستور العلماء 1 / 349 نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، والموسوعة الفقهية 4 / 227.
(3) الموسوعة الفقهية 1 / 142، 148، 149، و4 / 226، 227. / 50
(4) الموسوعة الفقهية 4 / 226، 227.
(5) المنثور في القواعد للزركشي 3 / 228.
(6) دستور العلماء 1 / 349، والذخيرة للقرافي ص151، والاختيار 2 / 3.
(7) المغني لابن قدامة 5 / 659.
(8) حديث: " نهى عن بيع الطعام قبل قبضه " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 349 - ط السلفية) . من حديث ابن عباس ﵁ بلفظ " أما الذي نهى عنه النبي ﷺ فهو الطعام أن يباع حتى يقبض ".
(9) حديث بعث عتاب بن أسيد إلى مكة أخرجه البيهقي (5 / 313 ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث يعلى بن أمية بلفظ " استعمل النبي ﷺ عتاب بن أسيد على مكة، فقال: إني قد أمرتك على أهل الله ﷿ بتقوى الله ﷿، ولا يأكل أحد منهم من ربح ما لم
(10) المغني لابن قدامة 4 / 127 ط الرياض، وروضة الطالبين 3 / 506، ودرر الحكام 1 / 201، 202.
(11) درر الحكام 1 / 201.
(12) حديث: " من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله " أخرجه مسلم (3 / 1160 - ط الحلبي) من حديث ابن عباس.
(13) القوانين الفقهية ص171 ط دار القلم، وحاشية الدسوقي 3 / 151 ط الحلبي.
(14) شرح المجلة للأتاسي 2 / 173، 174، وبدائع الصنائع 5 / 180 ط الجمالية، والفروق للقرافي 3 / 279، والقوانين الفقهية ص170، ومغني المحتاج 2 / 69.
(15) الأشباه والنظائر ص456 ط دار الكتب العلمية، ومغني المحتاج 692 وكشاف القناع 3 / 241، وشرح منتهى الإرادات 2 / 187 ط عالم الكتب.
(16) تهذيب الفروق 1 / 193، وانظر: الفروق: للقرافي 1 / 187.
(17) الفروق للقرافي 1 / 187، وتهذيب الفروق بهامش الفروق 1 / 193، والموسوعة الفقهية 6 / 299.
(18) حديث: " ملكتكها بما معك من القرآن " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 175 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1041 - ط الحلبي) من حديث سهل بن سعد الساعدي. واللفظ لمسلم.
(19) البناية شرح الهداية 4 / 19 - 21، والزيلعي 2 / 96، 97، وفتح القدير 2 / 346، 347 ط الأميرية، وجواهر الإكليل 1 / 277.
(20) حديث: " اتقوا الله في النساء. . . " أخرجه مسلم (2 / 889 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(21) مغني المحتاج 3 / 140 ط الحلبي، ونهاية المحتاج 6 / 207، والإنصاف 8 / 45 ط دار إحياء التراث العربي.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 24/ 14