الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
القطع، والحسم، والتأكيد، والعزم على الشيء بحيث لا يرجع فيه صاحبه . ومثاله عند الفقهاء الجزم في النية، والجزم في البيع، والجزم بطهارة الثوب، أو نجاسته، والجزم بتكبيرة الإحرام . ومثاله عند المحدثين الجزم في صيغة الرواية،، بمعنى التأكيد، كقول الراوي : قال فلان، وذَكَر فلان، ونحو ذلك
الجَزْمُ: مصدر الفعل "جَزَمَ"، ومعناه: القَطْعُ، يُقال: جَزَمْتُ الأمْرَ، أَجْزِمُهُ، جَزْمًا، أي: قَطَعْتُهُ قَطْعًا لا عَوْدَةَ فيه، وكُلُّ شَيْءٍ قَطَعْتَهُ فقد جَزَمْتَهُ، ومنه: جَزَمْتُ الحَرْفَ في الإعْرابِ: قَطَعْتُهُ عن الحَرَكَةِ وأَسْكَنْتُهُ، والجَزْمُ: الحَتْمُ، تقول: أفْعَلُ ذلك جَزْمًا، أي: حَتْمًا لا رُخْصَةً فيه، وحُكْمٌ جَزْمٌ وقَضاءٌ حَتْمٌ، أيْ: لا يُنْقَضُ ولا يُرَدُّ.
يَرِدُ مُصطَلَح (جَزْم) في عِدَّة مواطِن من الفقه، منها: كتاب الطَّهارة، باب: صِفة الوُضوء والغُسْل، وفي كتاب الصَّلاة، وكِتاب الصَّوْمِ، والاعتِكافِ، وكتاب الحجّ، باب: صِفة الحَجّ والعُمْرَة. ويُطلق في كتاب البيوع، باب: الإجارة، والمساقاة، وغيرها من العقود المؤقَّتَة، ويُراد به: الجَزْمُ بالصِيغَةِ في العُقود بإمضائِها. ويُطلَق في كتاب الأيمان والنُّذور، ويُراد به: إمضاءُ اليَمِينِ قَطْعًا، وعَدَمُ الرُّجوعِ فيها. ويُطلَق في كتاب الصلاة، باب: صِفة الأذان، ويُراد به: تَسْكِينُ حَرَكاتِ أواخِرِ كَلِماتِ الأذانِ عند الوَقْفِ عليها. ويُطلق في علم أصول الفقه، ويُراد به: الاقْتِضاءُ المُلْزِمُ في خِطابِ اللَّهِ تعالى المُتَعَلِّقُ بِأَفْعالِ المُكَلَّفِينَ؛ إيجابًا أو تَحْرِيمًا.
جزم
القطع، والحسم، والتأكيد، والعزم على الشيء بحيث لا يرجع فيه صاحبه.
* الكليات : 1/355 - كتاب العين : 6/73 - شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : 2/1086 - لسان العرب : 12/97 - تاج العروس : 31/401 - معجم اللغة العربية المعاصرة : 1/372 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/ 100)
* حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير : (1/290)
* الـمغني لابن قدامة : (1/337)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 125)
* الكليات : (ص 355)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (15/145)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 164)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (15/145) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْجَزْمُ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ، يُقَال جَزَمْتُ الشَّيْءَ جَزْمًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: قَطَعْتُهُ، وَجَزَمْتُ الْحَرْفَ فِي الإِْعْرَابِ قَطَعْتُهُ عَنِ الْحَرَكَةِ وَأَسْكَنْتُهُ، وَأَفْعَل ذَلِكَ جَزْمًا أَيْ حَتْمًا لاَ رُخْصَةَ فِيهِ، وَهُوَ كَمَا يُقَال قَوْلاً وَاحِدًا، وَحُكْمٌ جَزْمٌ، وَقَضَاءٌ حَتْمٌ أَيْ لاَ يُنْقَضُ وَلاَ يُرَدُّ، وَجَزَمْتُ النَّخْل صَرَمْتُهُ، وَجَزَمَ الْيَمِينَ أَمْضَاهَا قَاطِعَةً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَعِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ هُوَ: الاِقْتِضَاءُ الْمُلْزِمُ فِي خِطَابِ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَال الْمُكَلَّفِينَ، فَقَدْ عَرَّفُوا الْحُكْمَ بِأَنَّهُ: خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَال الْمُكَلَّفِينَ بِالاِقْتِضَاءِ. وَالاِقْتِضَاءُ الطَّلَبُ، فَيَتَنَاوَل اقْتِضَاءَ الْوُجُودِ، وَاقْتِضَاءَ الْعَدَمِ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ الطَّلَبُ جَازِمًا: فَإِنْ كَانَ طَلَبَ الْفِعْل فَهُوَ الإِْيجَابُ. أَوْ طَلَبَ التَّرْكِ فَهُوَ التَّحْرِيمُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَازِمٍ، فَإِنْ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ فَهُوَ النَّدْبُ، وَإِنْ تَرَجَّحَ جَانِبُ التَّرْكِ فَهُوَ الْكَرَاهَةُ.
وَيُقَابِلُهُ: التَّخْيِيرُ.
وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ جَانِبَيِ الْفِعْل وَالتَّرْكِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لأَِحَدِهِمَا. وَالثَّابِتُ بِهِ الإِْبَاحَةُ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ وَالنِّيَّةُ:
2 - الْعَزْمُ هُوَ الْقَصْدُ الْمُؤَكَّدُ يُقَال: عَزَمْتُ عَلَى كَذَا عَزْمًا وَعُزَمًا وَعَزِيمَةً إِذَا أَرَدْتُ فِعْلَهُ، وَصَمَّمْتُ عَلَيْهِ (3) . وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْعَزْمُ اسْمٌ لِلإِْرَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفِعْل، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْفِعْل فَهُوَ الْقَصْدُ. وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْمَنْوِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ النِّيَّةُ (4) .
ب - الْهَمُّ:
3 - الْهَمُّ هُوَ أَوَّل الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْل إِذَا أَرَدْتَهُ وَلَمْ تَفْعَلْهُ
وَهُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى فِعْل شَيْءٍ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ قَبْل أَنْ يُفْعَل (5) . ج - التَّعْلِيقُ:
4 - التَّعْلِيقُ مَصْدَرُ عَلَّقَ بِالتَّشْدِيدِ تَعْلِيقًا يُقَال: عَلَّقْتُ الشَّيْءَ عَلَى غَيْرِهِ أَيْ: جَعَلْتُهُ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ، يُوجَدُ بِوُجُودِهِ، وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِهِ، وَهُوَ مُقَابِل الْجَزْمِ؛ لأَِنَّ الْجَزْمَ قَطْعٌ فِي الْحَال، وَالتَّعْلِيقُ مُؤَخَّرٌ إِلَى وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَوْ عَدَمِ وُجُودِهِ.
د - التَّرَدُّدُ:
5 - التَّرَدُّدُ هُوَ: مَصْدَرُ تَرَدَّدَ فِي الأَْمْرِ تَرَدُّدًا أَيْ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَلَمْ يَقْطَعْ (6) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجَزْمِ بِاخْتِلاَفِ مَوَاضِعِهِ عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ؛ لأَِنَّهَا شَرْطٌ لاِنْعِقَادِ الْعِبَادَاتِ لِقَوْلِهِ ﵊: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (7) وَالنِّيَّةُ هِيَ: الإِْرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ. وَلَيْسَتْ مُطْلَقُ إِرَادَةٍ، فَيُخِل بِهَا كُل مَا يُنَافِي الْجَزْمَ، مِنْ تَرَدُّدٍ أَوْ تَعْلِيقٍ، فَإِذَا عَلَّقَ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ بِالْمَشِيئَةِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ بَطَلَتْ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِجَزْمِ النِّيَّةِ. أَمَّا إِذَا قَصَدَ تَبَرُّكًا، فَلاَ تَبْطُل. وَيَضُرُّ التَّعْلِيقُ بِغَيْرِ الْمَشِيئَةِ مُطْلَقًا كَحُصُول شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَقَّعًا، وَكَذَا التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ، فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ: صَوْمَ غَدٍ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، لِتَرَدُّدِ النِّيَّةِ (8) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نِيَّةٌ) .
أَمَّا إِذَا حَدَثَ التَّرَدُّدُ فِي نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنَ الْعِبَادَةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ: فَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْعِبَادَةَ إِلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ:
أ - الإِْسْلاَمُ، وَالصَّلاَةُ:
7 - لَوْ نَوَى فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلاَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بِشَيْءٍ يُوجَدُ فِي الصَّلاَةِ قَطْعًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ فِي الْحَال، لأَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِجَزْمِ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ صَلاَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِجَازِمٍ. وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ عَنَ الإِْسْلاَمِ بِشَيْءٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ (9) .
وَالْمُرَادُ بِالتَّرَدُّدِ: أَنْ يَطْرَأَ شَكٌّ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ يُنَاقِضُ جَزْمَ النِّيَّةِ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا عِبَادَتَهُ. أَمَّا مَا يَجْرِي فِي الْفِكْرِ فَلاَ تَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ، وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ فِي الإِْيمَانِ بِاللَّهِ، فَلاَ تَأْثِيرَ لَهُ، لِحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَل بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ (10) .
ب - الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ:
8 - إِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، أَوْ نَوَى قَطْعَهُمَا لَمْ يَنْقَطِعَا بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالإِْفْسَادِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
وَالتَّفْصِيل فِي: (إِحْرَامٌ ف 128) .
ج - الصَّوْمُ، وَالاِعْتِكَافُ:
9 - إِذَا جَزَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا فَفِي بُطْلاَنِهِمَا وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ مِنْهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَبْطُلاَنِ، لأَِنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيل رَفْعُهُ. وَالتَّفْصِيل فِي الْمَوْطِنِ الأَْصْلِيِّ لَهُمَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ وَالاِعْتِكَافَ إِنْ كَانَ رَفْضُ النِّيَّةِ فِي الأَْثْنَاءِ بَطَلَتِ الْعِبَادَةُ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ. وَإِنْ كَانَ الرَّفْضُ بَعْدَ تَمَامِ الْعِبَادَةِ فَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ الْمُرَجَّحَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا أَنَّ الْعِبَادَةَ لاَ تُرْفَضُ لأَِنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيل رَفْعُهُ.
د - الْوُضُوءُ:
10 - إِنْ نَوَى قَطْعَهُ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَبْطُل مَا مَضَى مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَعَلَيْهِ الاِسْتِئْنَافُ إِذْ لَمْ يَصِحَّ مَا فَعَلَهُ. لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ لِمَا بَقِيَ، وَإِنْ نَوَى قَطْعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُل عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلاَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالاِعْتِكَافِ وَالْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ رَفْضَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل إِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا فَلاَ يَضُرُّ الرَّفْضُ وَلاَ يُعْتَبَرُ مِنَ النَّوَاقِضِ.
وَإِنْ كَانَ رَفْضُ النِّيَّةِ فِي أَثْنَائِهِمَا فَالرَّاجِحُ الْبُطْلاَنُ وَتَجِبُ الإِْعَادَةُ.
وَالتَّيَمُّمُ يَبْطُل بِالرَّفْضِ فِي الأَْثْنَاءِ وَبَعْدَهُ لأَِنَّهُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَالْوُضُوءِ (11) .
وَالتَّفْصِيل فِي مَبْحَثِ: (الْوُضُوءُ) .
صُوَرٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنِ اشْتِرَاطِ الْجَزْمِ فِي النِّيَّةِ لاِنْعِقَادِ الْعِبَادَةِ:
11 - الأَْصْل فِي الْعِبَادَةِ: اشْتِرَاطُ جَزْمِ النِّيَّةِ وَعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِيهَا، أَوِ التَّعْلِيقِ فِي شَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَدِ اسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ صُوَرًا تَنْعَقِدُ الْعِبَادَةُ فِيهَا مَعَ التَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ، أَوْ تَعْلِيقِهَا، وَأَوْرَدَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ صُوَرِ التَّرَدُّدِ:
1 - إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءٌ وَمَاءُ وَرْدٍ فَتَوَضَّأَ بِكُلٍّ مَرَّةً صَحَّ وُضُوءُهُ، وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ. 2 - إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلاَةً مِنَ الْخَمْسِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا صَلَّى الْخَمْسَ وَصَحَّتْ صَلاَتُهُ (12) .
12 - وَمِنْ صُوَرِ التَّعْلِيقِ فِي الْعِبَادَاتِ:
فِي الطَّهَارَةِ: إِنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَنَوَى الْوُضُوءَ إِنْ كَانَ مُحْدِثًا وَإِلاَّ فَتَجْدِيدٌ صَحَّ (13) .
وَفِي الصَّلاَةِ: شَكَّ فِي قَصْرِ إِمَامِهِ فَقَال: إِنْ قَصَرَ قَصَرْتُ، وَإِلاَّ أَتْمَمْتُ، فَبَانَ قَاصِرًا قَصَرَ.
وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ، وَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَقَال: أُصَلِّي عَنْهَا إِنْ كَانَتْ وَإِلاَّ فَنَافِلَةٌ، فَبَانَتْ أَنَّهَا عَلَيْهِ أَجْزَأَتْهُ.
وَإِذَا اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ أَوْ شُهَدَاءُ بِغَيْرِهِمْ صَلَّى عَلَى كُل وَاحِدٍ بِنِيَّةِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ شَهِيدٍ.
وَفِي الزَّكَاةِ: إِذَا نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِبِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلاَّ فَفِي الْحَاضِرِ، فَبَانَ بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ، أَوْ تَالِفًا أَجْزَأَهُ عَنِ الْحَاضِرِ. وَالتَّفْصِيل فِي مَوَاطِنِهَا الأَْصْلِيَّةِ.
وَفِي الْحَجِّ، كَأَنْ يَقُول مُرِيدُ الإِْحْرَامِ: إِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْتُ، فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ.
وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ الثَّلاَثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ شَاكٌّ فَقَال: إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِحْرَامِي: عُمْرَةٌ، أَوْ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ، فَكَانَ شَوَّالاً كَانَ إِحْرَامُهُ صَحِيحًا (1) .
الْجَزْمُ بِالصِّيغَةِ فِي الْعُقُودِ:
13 - يَخْتَلِفُ الْجَزْمُ بِالصِّيغَةِ فِي الْعُقُودِ بِاخْتِلاَفِ الْعَقْدِ، وَقَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْعُقُودَ إِلَى مَا يَلِي:
أ - مَا كَانَ التَّأْقِيتِ رُكْنًا فِيهِ كَالإِْجَارَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْهُدْنَةِ، فَلاَ يَكُونُ إِلاَّ مُؤَقَّتًا.
ب - مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلاَ يُنَافِيهِ التَّأْقِيتِ، كَالْقِرَاضِ، يُذْكَرُ فِيهِ مُدَّةٌ يُمْنَعُ بَعْدَهَا مِنَ الشِّرَاءِ، وَكَالإِْذْنِ الْمُقَيَّدِ بِزَمَانٍ، كَالْوَكَالَةِ، وَنَحْوِهَا فَلاَ يَضُرُّهُ التَّأْقِيتِ.
ج - مَا لاَ يَقْبَل التَّأْقِيتَ بِحَالٍ: كَالنِّكَاحِ، وَالْبَيْعِ، وَالْوَقْفِ، فَيَجِبُ فِيهِ الْجَزْمُ بِالصِّيغَةِ وَعَدَمُ تَأْقِيتِهَا (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مَوَاطِنِهَا.
وَفِي تَعْلِيقِ صِيَغِ الْعُقُودِ بِشَرْطٍ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ:
(تَعْلِيقٌ، وَعَقْدٌ) .
__________
(1) الوسيط في اللغة ولسان العرب، وتاج العروس والمصباح المنير مادة: (جزم) .
(2) إرشاد الفحول ص 6، وشرح البدخشي 1 / 32.
(3) مختار الصحاح والتعريفات للجرجاني مادة: (عزم) .
(4) التعريفات للجرجاني ص 194، وحاشية ابن عابدين 1 / 72.
(5) تعريفات الجرجاني ص 320، والمصباح المنير مادة: (همم) .
(6) لسان العرب، ومختار الصحاح مواد: (علق، وردد) .
(7) حديث: " إنما الأعمال بالنيات. . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب.
(8) ابن عابدين 1 / 277، وحاشية الدسوقي 1 / 94 - 514، ونهاية المحتاج 1 / 437، والمغني 1 / 466، وقليوبي 1 / 141، والجمل على شرح المنهج 1 / 333، والمنثور في القواعد 292.
(9) المجموع 3 / 282 - 283، والمغني 1 / 466، والأشباه والنظائر ص 40، وكشاف القناع 1 / 316.
(10) حديث: " إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 549 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 116 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(11) المجموع 3 / 284، والمغني 1 / 113، والدسوقي 1 / 95 - 96، والشرح الصغير 1 / 45 - ط الحلبي، ومنح الجليل 1 / 51.
(12) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 42، والمنثور في القواعد 3 / 292.
(13) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 42، قليوبي 1 / 45.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 145/ 15