الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
وصف للراوي يدل على عدالته، وخفة ضبطه . وهو من ألفاظ المرتبة الخامسة من مراتب التعديل . ومثاله قول الإمام أحمد : "سليمان بن أبي المغيرة أبو عبدالله : ثقة خِيَار "
الخِيارُ: طَلَبُ خَيْرِ الأُمورِ، وأَصْلُه: المَيْلُ إلى الشَّيْءِ، يُقَالُ: خارَ، يَخِيرُ، خِياراً، أيْ: مالَ إلى الشَّيْءِ ورَغِبَ فيه، والاِخْتِيارُ: الانْتِقاءُ والاصْطِفاءُ، يُقالُ: اخْتارَ الشَّيْءَ، يَخْتارُهُ، اخْتِياراً، أيْ: انْتَقاهُ، وأَنْتَ بِالخِيارِ، أيْ: اخْتَرْ ما شِئْتَ، وسُمِّي الاِنْتِقاءُ خِياراً واخْتِياراً؛ لأنّ المُخْتارَ يَمِيلُ إلى أَحَدِ الأشْياءِ.
يَرِد مُصْطلَح (خِيار) في مَواطِنَ مِنْ كُتُبِ الفقهِ، مِنْها: كِتابُ البَيْعِ، باب: الخِيار في البَيْعِ. ويُطْلَقُ في كِتابِ النِّكاحِ، ومعناه: تَخْيِيرُ المَرْأَةِ التي زَوَّجَها وَلِيُّها وهيَ صَغيرَةٌ بين البَقَاءِ على النِّكاحِ، أو فَسْخُهُ عند بُلوغِها. ويُطْلَقُ في كِتابِ الزَّكاةِ، باب: زَكاة الثِّمارِ، وكتاب الأَيْمانِ، ويُراد به : نَوْعٌ مِن الفاكِهَةِ مِن الفَصِيلَةِ القَرْعِيَّةِ التي تَضُمُّ القَرْعَ وجَمِيعَ أنواعِ البِطِّيخِ.
خير
حَقُّ العاقِدِ في فَسْخِ العَقْدِ أو إِمْضائِهِ؛ لِوُجودِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ أو اتِّفاقٍ.
الخِيَارُ: هو حَقُّ العاقِدِ في فَسْخِ العَقْدِ أو إِمْضائِهِ؛ لِوُجودِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ أو اتِّفاقٍ؛ وقد جاءت مَشروعِيَّته رِفْقاً بِالمُتَعاقِدَيْنِ، إمّا لِدَفْعِ ضَرَرٍ، كَنَقْصٍ أو عَيْبٍ، وإمّا لِلتَمَهُّلِ وعَدَمِ التَعَجُّلِ في الشِّراء. والمقصودُ بِإمْضاءِ العَقْدِ: إثْباتُهُ وإِنْفاذُهُ بِكُلِّ ما يَتَرَتَّبُ عليه مِنْ آثارٍ، وأمّا فَسْخُه: فهو إلغاؤُهُ وإزالَةُ كُلِّ ما قد يَتَرَتَّبُ عليه مِن آثارٍ، فكأَنّهُ لم يَكُنْ.
الخِيارُ: طَلَبُ خَيْرِ الأُمورِ، وأَصْلُه: الـمَيْلُ إلى الشَّيْءِ، والاِخْتِيارُ: الانْتِقاءُ والاصْطِفاءُ.
اختيار أحد المتعاقدين إمضاء العقد، أو فسخه؛ لمسوغ شرعي، أو بمقتضى اتفاق عقدي.
* معجم مقاييس اللغة : (2/232)
* المحكم والمحيط الأعظم : (5/254)
* مختار الصحاح : (ص 99)
* شرح مختصر خليل للخرشي : 235/3 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : 3/4 - كشاف القناع عن متن الإقناع : 198/3 - تاج العروس : (11/243)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/64)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 201) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْخِيَارُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ (الاِخْتِيَارِ) وَهُوَ الاِصْطِفَاءُ وَالاِنْتِقَاءُ، وَالْفِعْل مِنْهُمَا (اخْتَارَ) . وَقَوْل الْقَائِل: أَنْتَ بِالْخِيَارِ، مَعْنَاهُ: اخْتَرْ مَا شِئْتَ. وَخَيَّرَهُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعْنَاهُ: فَوَّضَ إِلَيْهِ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا. (1)
وَالْخِيَارُ فِي الاِصْطِلاَحِ لَهُ تَعَارِيفُ كَثِيرَةٌ إِلاَّ أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَنَاوَلَتْ هَذَا اللَّفْظَ مَقْرُونًا بِلَفْظٍ آخَرَ لأَِنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ دُونَ أَنْ يُقْصَدَ بِالتَّعْرِيفِ (الْخِيَارُ) عُمُومًا، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِخْلاَصُ تَعْرِيفٍ لِلْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ خِلاَل تَعَارِيفِ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ بِأَنْ يُقَال: هُوَ حَقُّ الْعَاقِدِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ إِمْضَائِهِ، لِظُهُورِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِمُقْتَضَى اتِّفَاقٍ عَقَدِيٍّ. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - عَدَمُ اللُّزُومِ:
2 - اللُّزُومُ: مَعْنَاهُ عَدَمُ إِمْكَانِ رُجُوعِ الْعَاقِدِ عَنِ الْعَقْدِ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَيُسَمَّى الْعَقْدُ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ (الْعَقْدَ اللاَّزِمَ) بِمَعْنَى أَنَّ الْعَاقِدَ لاَ يَحِقُّ لَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ إِلاَّ بِرِضَا الْعَاقِدِ الآْخَرِ، فَكَمَا لاَ يُعْقَدُ الْعَقْدُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي لاَ يُفْسَخُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي (وَذَلِكَ بِالإِْقَالَةِ) وَمِنْ هَذَا يَتَّضِحُ تَعْرِيفُ عَدَمِ اللُّزُومِ فَهُوَ: إِمْكَانُ رُجُوعِ الْعَاقِدِ عَنِ الْعَقْدِ وَنَقْضِهِ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى التَّرَاضِي عَلَى ذَلِكَ النَّقْضِ.
فَهَذَا اللُّزُومُ قَدْ يَتَخَلَّفُ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ فَيَسْتَطِيعُ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَحَلَّل مِنْ رَابِطَةِ الْعَقْدِ وَيَفْسَخَهُ بِمُجَرَّدِ إِرَادَتِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الآْخَرِ. وَتَخَلُّفُ اللُّزُومِ هُنَا مَبْعَثُهُ أَنَّ طَبِيعَةَ الْعَقْدِ وَغَايَتَهُ تَقْتَضِي عَدَمَ اللُّزُومِ، وَالْعَقْدُ عِنْدَئِذٍ (عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ) إِذْ يَكُونُ عَدَمُ اللُّزُومِ صِفَةً مَلْحُوظَةً فِي نَوْعِ الْعَقْدِ.
وَمِنَ السَّهْل تَبَيُّنُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَبَيْنَ طَبِيعَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، فَالتَّخْيِيرُ حَالَةٌ طَارِئَةٌ عَلَى الْعَقْدِ حَيْثُ إِنَّ الأَْصْل فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ، فَالْعَقْدُ الْمُقْتَرِنُ بِخِيَارٍ هُوَ قَيْدٌ أَوِ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَبْدَأِ، ثُمَّ هُوَ فِي جَمِيعِ الْخِيَارَاتِ لَيْسَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ طَبِيعَةُ الْعُقُودِ، بَل هُوَ مِمَّا اعْتُبِرَ قَيْدًا عَلَى تِلْكَ الطَّبِيعَةِ لأَِصَالَةِاللُّزُومِ. أَمَّا فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ طَبِيعَتِهَا تَقْتَضِيهِ غَايَاتُهَا وَلاَ يَنْفَصِل عَنْهَا إِلاَّ لِسَبَبٍ خَاصٍّ فِيمَا لُزُومُهُ لَيْسَ أَصْلاً.
وَالْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ تَحْتَمِل الْفَسْخَ فَقَطْ أَمَّا الإِْجَازَةُ فَلاَ مَجَال لَهَا، لأَِنَّ الإِْقْدَامَ عَلَى الْعَقْدِ وَالاِسْتِمْرَارَ فِيهِ يُغْنِي عَنْهَا، فِي حِينِ أَنَّ الْخِيَارَاتِ تَحْتَمِل الأَْمْرَيْنِ.
وَهُنَاكَ فَارِقٌ آخَرُ بَيْنَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ وَبَيْنَ الْخِيَارَاتِ يَقُومُ عَلَى مُلاَحَظَةِ نَتِيجَةِ (الْفَسْخِ) الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ، فَحُكْمُ الْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مُخْتَلِفٌ عَنْهُ فِي الْخِيَارَاتِ، حَيْثُ يَكُونُ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى مُقْتَصِرًا (لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ رَجْعِيٌّ) لاَ يَمَسُّ التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةَ. أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (الْخِيَارَاتُ) فَالْفَسْخُ مُسْتَنَدٌ (لَهُ انْعِطَافٌ وَتَأْثِيرٌ رَجْعِيٌّ) يَنْسَحِبُ فِيهِ الاِنْفِسَاخُ عَلَى الْمَاضِي فَيَجْعَل الْعَقْدَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ مِنْ أَصْلِهِ.
ب - الْفَسْخُ لِلْفَسَادِ:
3 - الْعَقْدُ الْفَاسِدُ. يُشْبِهُ الْخِيَارَ فِي فِكْرَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ وَفِي احْتِمَالِهِ الْفَسْخَ، يَقُول الْكَاسَانِيُّ: " حُكْمُ الْبَيْعِ نَوْعَانِ، نَوْعٌ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِرَفْعِهِ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ حُكْمُ كُل بَيْعٍ لاَزِمٍ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ الأَْرْبَعَةِ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ " (2) كَمَا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ أَثَرُهُ فَلاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، لَكِنَّهُ مُفْتَرِقٌ عَنْ حَالَةِ التَّخْيِيرِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَقْدِ، فَالْفَاسِدُ مِنْ بَابِ الصِّحَّةِ، أَمَّا التَّخْيِيرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ اللُّزُومِ، ثُمَّ لِهَذَا أَثَرُهُ فِي افْتِرَاقِ الأَْحْكَامِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخِيَارَ (عَدَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ) يَسْقُطُ بِصَرِيحِ الإِْسْقَاطِ، أَمَّا حَقُّ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلاَ يَبْطُل بِصَرِيحِ الإِْبْطَال وَالإِْسْقَاطِ.
وَهُنَاكَ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ الْفِقْهِيَّةِ تُوَضِّحُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْخِيَارِ وَالْفَسْخِ مِنْهَا تَصْرِيحُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لأَِحَدٍ مُعَيَّنٍ (3) . وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْفَسْخَ لِلْفَسَادِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الشَّرْعِ.
ج - الْفَسْخُ لِلتَّوَقُّفِ:
4 - التَّفْرِقَةُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّوَقُّفِ تَكُونُ فِي الْمَنْشَأِ وَالأَْحْكَامِ وَالاِنْتِهَاءِ. (4)
فَالْخِيَارُ يَنْشَأُ لِتَعَيُّبِ الإِْرَادَةِ (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ غَالِبًا) أَوْ لاِتِّجَاهِ إِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِمَنْعِ لُزُومِ الْعَقْدِ (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارَاتِ الإِْرَادِيَّةِ) وَكِلاَهُمَا مَرْحَلَةٌ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَصُلُوحِهِ لِسَرَيَانِ آثَارِهِ (النَّفَاذُ) . أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَهُوَ يَنْشَأُ لِنَقْصِ الأَْهْلِيَّةِ فِي الْعَاقِدِ، أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ. فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَجَالٌ مُغَايِرٌ لِلآْخَرِ، لَيْسَ مُغَايَرَةَ اخْتِلاَفٍ فِي السَّبَبِ فَقَطْ، بَل مَعَ التَّدَاعِي وَالتَّجَانُسِ بَيْنَ أَسْبَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُنَافَرَتِهَا مَا لِلآْخَرِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الطَّبِيعَةُ وَالأَْحْكَامُ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ تَكُونُ آثَارُهُ مُعَلَّقَةً بِسَبَبِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ نَفَاذِهَا، وَهَذَا بِالرَّغْمِ مِنِ انْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ لأَِنَّ ذَلِكَ الْمَانِعَ مَنَعَ تَمَامَ الْعِلَّةِ.
أَمَّا الْخِيَارُ فَإِنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ قَدْ نَفَذَ وَتَرَتَّبَتْ آثَارُهُ وَلَكِنِ امْتَنَعَ ثُبُوتُهَا بِسَبَبِ الْخِيَارِ، فَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ تَمَامُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ لُزُومُ الْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ سَرَتْ آثَارُهُ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ (5) .
وَفِي الاِنْقِضَاءِ نَجِدُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ تَامِّ الْعِلَّةِ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ، فَيَكْفِي فِي نَقْضِهِ مَحْضُ إِرَادَةِ مَنْ لَهُ النَّقْضُ، وَهُوَ لِهَذَا الضَّعْفِ فِيهِ لاَ يَرِدُ فِيهِ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ، وَلاَ يَنْتَقِل بِالْمِيرَاثِ، بَل يَبْطُل الْعَقْدُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ حَقُّ إِجَازَتِهِ، فِي حِينِ يَجُوزُ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ - فِي الْجُمْلَةِ - وَيَنْتَقِل بِالْمِيرَاثِ وَخَاصَّةً مَا كَانَ مِنْهُ مُتَّصِلاً بِالْعَيْنِ عَلَى اخْتِلاَفٍ فِي الْمَذَاهِبِ، وَيَنْقَضِي الْخِيَارُ بِإِرَادَةِ مَنْ هُوَ لَهُ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى التَّرَاضِي أَوِ التَّقَاضِي إِلاَّ حَيْثُ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ بِحُصُول الْقَبْضِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. د - الْفَسْخُ فِي الإِْقَالَةِ:
5 - تُشْبِهُ الإِْقَالَةُ الْخِيَارَ مِنْ حَيْثُ تَأْدِيَتُهُمَا - فِي حَالٍ مَا - إِلَى فَسْخِ الْعَقْدِ، وَتُشْبِهُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لاَ يَدْخُلاَنِ إِلاَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ اللاَّزِمَةِ الْقَابِلَةِ لِلْفَسْخِ.
وَلَكِنَّ الإِْقَالَةَ تُخَالِفُ الْخِيَارَ فِي أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُمْكِنُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا صَاحِبِهِ، بِخِلاَفِ الإِْقَالَةِ فَلاَ بُدَّ مِنِ الْتِقَاءِ الإِْرَادَتَيْنِ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ فَرْقًا آخَرَ هُوَ أَنَّ الْخِيَارَ يَجْعَل الْعَقْدَ غَيْرَ لاَزِمٍ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ لَهُ. وَأَمَّا الإِْقَالَةُ فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ حَيْثُ يَكُونُ الْعَقْدُ لاَزِمًا لِلطَّرَفَيْنِ (6) .
تَقْسِيمَاتُ الْخِيَارِ
أَوَّلاً - التَّقْسِيمُ بِحَسَبِ طَبِيعَةِ الْخِيَارِ:
6 - يَنْقَسِمُ الْخِيَارُ بِحَسَبِ طَبِيعَتِهِ إِلَى حُكْمِيٍّ وَإِرَادِيٍّ.
فَالْحُكْمِيُّ مَا ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ حُكْمِ الشَّارِعِ فَيَنْشَأُ الْخِيَارُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ وَتَحَقُّقِ الشَّرَائِطِ الْمَطْلُوبَةِ، فَهَذِهِ الْخِيَارَاتُ لاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى اتِّفَاقٍ أَوِ اشْتِرَاطٍ لِقِيَامِهَا، بَل تَنْشَأُ لِمُجَرَّدِ وُقُوعِ سَبَبِهَا الَّذِي رُبِطَ قِيَامُهَا بِهِ.
وَمِثَالُهُ: خِيَارُ الْعَيْبِ. أَمَّا الإِْرَادِيُّ فَهُوَ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ إِرَادَةِ الْعَاقِدِ. (7)
وَالْخِيَارَاتُ الْحُكْمِيَّةُ تَسْتَغْرِقُ مُعْظَمَ الْخِيَارَاتِ، بَل هِيَ كُلُّهَا مَا عَدَا الْخِيَارَاتِ الإِْرَادِيَّةَ الثَّلاَثَةَ: خِيَارَ الشَّرْطِ، خِيَارَ النَّقْدِ، خِيَارَ التَّعْيِينِ.
فَمَا وَرَاءَ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ فَإِنَّهُ حُكْمِيُّ الْمَنْشَأِ أَثْبَتَهُ الشَّارِعُ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْعَاقِدِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ دُونَ أَنْ يَسْعَى الإِْنْسَانُ لِلْحُصُول عَلَيْهِ.
ثَانِيًا - التَّقْسِيمُ بِحَسَبِ غَايَةِ الْخِيَارِ:
7 - يَقُومُ هَذَا التَّقْسِيمُ لِلْخِيَارَاتِ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْغَايَةُ، هَل هِيَ التَّرَوِّي وَجَلْبُ الْمَصْلَحَةِ لِلْعَاقِدِ، أَوْ تَكْمِلَةُ النَّقْصِ وَدَرْءُ الضَّرَرِ عَنْهُ؟ .
يَقُول الْغَزَالِيُّ: يَنْقَسِمُ الْخِيَارُ إِلَى خِيَارِ التَّرَوِّي. وَإِلَى خِيَارِ النَّقِيصَةِ.
وَخِيَارُ التَّرَوِّي: مَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَوَاتِ وَصْفٍ، وَلَهُ سَبَبَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَجْلِسُ. وَالثَّانِي: الشَّرْطُ.
وَأَمَّا خِيَارُ النَّقِيصَةِ، وَهُوَ: مَا يَثْبُتُ بِفَوَاتِ أَمْرٍ مَظْنُونٍ نَشَأَ الظَّنُّ فِيهِ مِنِ الْتِزَامٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ، أَوْ تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ (8) . ثُمَّ فَرَّعَ الْغَزَالِيُّ مِنْ خِيَارِ النَّقِيصَةِ عِدَّةَ خِيَارَاتٍ. وَنَحْوُهُ لِلْمَالِكِيَّةِ (9) فَقَدْ جَرَى خَلِيلٌ عَلَى الْبَدْءِ بِخِيَارِ التَّرَوِّي ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِخِيَارِ النَّقِيصَةِ. (10)
ثَالِثًا - التَّقْسِيمُ بِحَسَبِ مَوْضُوعِ الْخِيَارِ:
8 - أ - خِيَارَاتُ التَّرَوِّي.
1 - خِيَارُ الْمَجْلِسِ.
2 - خِيَارُ الرُّجُوعِ.
3 - خِيَارُ الْقَبُول.
4 - خِيَارُ الشَّرْطِ.
9 - ب - خِيَارَاتُ النَّقِيصَةِ:
1 - خِيَارُ الْعَيْبِ.
2 - خِيَارُ الاِسْتِحْقَاقِ.
3 - خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.
4 - خِيَارُ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ.
10 - ج - خِيَارَاتُ الْجَهَالَةِ:
1 - خِيَارُ الرُّؤْيَةِ:
2 - خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ.
3 - خِيَارُ كَشْفِ الْحَال.
4 - خِيَارُ التَّعْيِينِ. 11 - د - خِيَارَاتُ التَّغْرِيرِ:
1 - خِيَارُ التَّدْلِيسِ الْفِعْلِيِّ (بِالتَّصْرِيَةِ وَنَحْوِهَا) وَالتَّغْرِيرِ الْقَوْلِيِّ.
2 - خِيَارُ النَّجْشِ.
3 - خِيَارُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ.
12 - هـ خِيَارَاتُ الْغَبْنِ:
1 - خِيَارُ الْمُسْتَرْسِل.
2 - خِيَارُ غَبْنِ الْقَاصِرِ وَشِبْهِهِ.
13 - و - خِيَارَاتُ الأَْمَانَةِ:
1 - خِيَارُ الْمُرَابَحَةِ.
2 - خِيَارُ التَّوْلِيَةِ.
3 - خِيَارُ التَّشْرِيكِ.
4 - خِيَارُ الْمُوَاضَعَةِ.
14 - ز - خِيَارَاتُ الْخُلْفِ:
1 - خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ.
2 - خِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ.
3 - خِيَارُ اخْتِلاَفِ الْمِقْدَارِ.
15 - ح - خِيَارَاتُ اخْتِلاَل التَّنْفِيذِ:
1 - خِيَارُ التَّأْخِيرِ.
16 - ك - خِيَارَاتُ امْتِنَاعِ التَّسْلِيمِ:
1 - خِيَارُ النَّقْدِ.
2 - خِيَارُ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ.3 - خِيَارُ تَسَارُعِ الْفَسَادِ.
4 - خِيَارُ التَّفْلِيسِ.
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْخِيَارِ:
17 - الْغَرَضُ فِي الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ: بِالرَّغْمِ مِنْ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهَا هُوَ تَلاَفِي النَّقْصِ الْحَاصِل بَعْدَ تَخَلُّفٍ شَرِيطَةَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَتْ شَرَائِطُ الاِنْعِقَادِ وَالصِّحَّةِ وَالنَّفَاذِ، أَيْ أَنَّ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةَ لِتَخْفِيفِ مَغَبَّةِ الإِْخْلاَل بِالْعَقْدِ فِي الْبِدَايَةِ لِعَدَمِ الْمَعْلُومِيَّةِ التَّامَّةِ، أَوْ لِدُخُول اللَّبْسِ وَالْغَبْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الإِْضْرَارِ بِالْعَاقِدِ، أَوْ فِي النِّهَايَةِ كَاخْتِلاَل التَّنْفِيذِ.
فَالْغَايَةُ مِنَ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ تَمْحِيصُ الإِْرَادَتَيْنِ وَتَنْقِيَةُ عُنْصُرِ التَّرَاضِي مِنَ الشَّوَائِبِ تَوَصُّلاً إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْعَاقِدِ. وَمِنْ هُنَا قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْخِيَارَاتِ إِلَى شَطْرَيْنِ: خِيَارَاتِ التَّرَوِّي، وَخِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ، وَمُرَادُهُمْ بِخِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ الْخِيَارَاتُ الَّتِي تَهْدِفُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْعَاقِدِ فِي حِينِ تَهْدِفُ خِيَارَاتُ التَّرَوِّي إِلَى جَلْبِ النَّفْعِ لَهُ.
أَمَّا الْغَرَضُ مِنَ الْخِيَارَاتِ الإِْرَادِيَّةِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ عَنِ الْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ فِي صَعِيدِ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ. فَفِي الْخِيَارَاتِ الإِْرَادِيَّةِ يَكَادُ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا هُوَ مَا دَعَاهُ الْفُقَهَاءُ بِالتَّرَوِّي، أَيِ التَّأَمُّل فِي صُلُوحِ الشَّيْءِ لَهُ وَسَدِّحَاجَتِهِ فِي الشِّرَاءِ، وَذَلِكَ لِلتَّرْفِيهِ عَنِ الْمُتَعَاقِدِ لِتَحْصِيل مَصْلَحَةٍ يَحْرِصُ عَلَيْهَا. وَالتَّرَوِّي سَبِيلُهُ أَمْرَانِ: (الْمَشُورَةُ) لِلْوُصُول إِلَى الرَّأْيِ الْحَمِيدِ، أَوِ الاِخْتِبَارُ وَهُوَ تَبَيُّنُ خَبَرِ الشَّيْءِ بِالتَّجْرِبَةِ أَوِ الاِطِّلاَعِ التَّامِّ عَلَى كُنْهِهِ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: " وَالْخِيَارُ يَكُونُ لِوَجْهَيْنِ: لِمَشُورَةٍ وَاخْتِبَارِ الْمَبِيعِ، أَوْ لأَِحَدِ الْوَجْهَيْنِ (11) . وَيَقُول بَعْدَئِذٍ: الْعِلَّةُ فِي إِجَازَةِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى الْمَشُورَةِ فِيهِ، أَوِ الاِخْتِيَارِ (12) ".
عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْغَرَضِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَقْصِدَ الْمَشُورَةَ وَالاِخْتِبَارَ مَعًا " وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشْتَرِي، أَمَّا الْبَائِعُ فَلاَ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ إِلاَّ كَوْنُ الْغَرَضِ الْمَشُورَةَ، لأَِنَّ الْمُبَادَلَةَ مِنْهُ تَهْدِفُ إِلَى الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ لاَ مَجَال لاِخْتِبَارِهِ غَالِبًا، إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَاجِعَ الْبَائِعُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي كَوْنِ الثَّمَنِ مُتَكَافِئًا مَعَ الْمَبِيعِ فَلاَ غَبْنَ وَلاَ وَكْسَ.
وَالتَّرَوِّي - كَمَا يَقُول الْحَطَّابُ - لاَ يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ فَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي أَصْل الْعَقْدِ. (13)
وَثَمَرَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْخِيَارِ الاِخْتِبَارَ، فَإِذَا بَيَّنَ الْغَرَضَ مِنَ الْخِيَارِ عُومِل حَسْبَ بَيَانِهِ، أَمَّا إِنْ سَكَتَ عَنِ الْبَيَانِ، فَقَدْ قَرَّرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذِكْرِ الْغَرَضِ يُحْمَل عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْمَشُورَةُ فَهِيَ مُفْتَرَضَةٌ دَائِمًا، إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِأَنَّ غَرَضَهُ الاِخْتِبَارُ وَاشْتَرَطَ قَبْضَ السِّلْعَةِ. وَنَصُّ كَلاَمِ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا: (14) " اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ. وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ إِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِلاِخْتِبَارِ، وَأَرَادَ قَبْضَ السِّلْعَةِ لِيَخْتَبِرَهَا، وَأَبَى الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ وَقَال: إِنَّمَا لَكَ الْمَشُورَةُ إِذَا لَمْ تَشْتَرِطْ قَبْضَ السِّلْعَةِ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ لِلاِخْتِبَارِ، فَالْقَوْل قَوْل الْبَائِعِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ". بَل ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَتْ مِنَ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ فِي الْمُشْتَرِي طُول مُدَّةِ الْخِيَارِ إِذْ يُحْتَمَل أَنَّهُ فَسْخٌ فِي الأَْجَل لِلْمَشُورَةِ الدَّقِيقَةِ.
وَهُنَاكَ ثَمَرَةٌ عَمَلِيَّةٌ أُخْرَى لِتَحْدِيدِ الْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ (دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَشُورَةِ أَوِ الاِخْتِبَارِ، أَوِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) تِلْكَ هِيَ أَنَّ أَمَدَ الْخِيَارِ - وَهُوَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ مَلْحُوظٌ فِيهِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ - شَدِيدُ الاِرْتِبَاطِ بِالْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ فَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي إِجَازَةِ الْمَبِيعِ عَلَى الْخِيَارِ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَى الْمَشُورَةِ فِيهِ، أَوِ الاِخْتِبَارِ، فَحَدُّهُ قَدْرُ مَا يُخْتَبَرُ فِيهِ الْمَبِيعُ، وَيُرْتَأَى فِيهِ وَيُسْتَشَارُ، عَلَى اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهِ وَإِسْرَاعِ التَّغَيُّرِ إِلَيْهِ وَإِبْطَائِهِ عَنْهُ. . فَأَمَدُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ إِنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الاِخْتِبَارِ وَالاِرْتِيَاءِ مَعَ مُرَاعَاةِ إِسْرَاعِ التَّغَيُّرِ إِلَى الْمَبِيعِ وَإِبْطَائِهِ عَنْهُ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِمَا: إِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَْشْيَاءِ فَوْقَ ثَلاَثٍ. (15)
الْخِيَارُ سَالِبٌ لِلُّزُومِ:
18 - إِنَّ سَلْبَ الْخِيَارَاتِ لُزُومُ الْعَقْدِ مِنْ بَدَائِهِ الْفِقْهَ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنِّفِينَ الَّذِينَ قَسَّمُوا الْعَقْدَ إِلَى لاَزِمٍ وَجَائِزٍ عَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لاَزِمٌ، وَمُخَيَّرٌ، أَوْ لاَزِمٌ وَفِيهِ خِيَارٌ (16) .
وَمُفَادُ سَلْبِ الْخِيَارِ لُزُومُ الْعَقْدِ أَنْ يُجْعَل الْعَقْدُ الْمُشْتَمِل عَلَى خِيَارٍ مُسْتَوِيًا فِي الصِّفَةِ مَعَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَمَعَ هَذَا لاَ يَعْسُرُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، لأَِنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ نَاشِئٌ عَنْ طَبِيعَتِهَا الْخَاصَّةِ، أَمَّا فِي الْخِيَارَاتِ فَعَدَمُ اللُّزُومِ طَارِئٌ بِسَبَبِهَا.
وَهُنَاكَ عِبَارَاتٌ فِقْهِيَّةٌ تَدُل عَلَى التَّفَاوُتِ فِي مَنْزِلَةِ الْخِيَارَاتِ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ اللُّزُومِ نَظَرًا إِلَى أَثَرِ الْخِيَارِ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ هُنَا الْعَقْدُ الَّذِي لاَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْحُكْمُ فِي الأَْصْل، كَالْبَيْعِ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمِهِ مِنْ لُزُومِ تَعَاكُسِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْبَدَلَيْنِ، وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْعِلَّةِ (أَيِ الْبَيْعُ) مُقْتَضَاهَا الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ.
وَبِمَا أَنَّ الْمَوَانِعَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي قُوَّةِ الْمَنْعِ، فَمِنْهَا مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ مِنَ الْبِدَايَةِ فَلاَ يَدَعُهَا تَمْضِي لإِِحْدَاثِ الأَْثَرِ، وَمِنْهَا مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ، أَيْ نَفَاذَ الْعَقْدِ، بِتَخَلُّفِ إِحْدَى شَرِيطَتَيِ النَّفَاذِ (الْمِلْكِ أَوِ الْوِلاَيَةِ، وَانْتِفَاءِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) ثُمَّ يَأْتِي دَوْرُ الْخِيَارَاتِ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ مَنْعٌ مُسَلَّطٌ عَلَى (الْحُكْمِ) لاَ (الْعِلَّةِ) فَهِيَ قَدْ كُتِبَ لَهَا الاِنْعِقَادُ وَالنَّفَاذُ كَسَهْمٍ تَوَفَّرَتْ وَسَائِل تَسْدِيدِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ دُونَ أَنْ يَحْجِزَهُ شَيْءٌ عَنْ بُلُوغِ الْهَدَفِ " فَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ (وَنَفَاذِ) الْعِلَّةِ " إِذْ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَشَبَّهَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِاسْتِتَارِ الْمَرْمِيِّ إِلَيْهِ بِتُرْسٍ يَمْنَعُ مِنْ إِصَابَةِ الْغَرَضِ مِنْهُ. (17) وَيَلِيهِ فِي قُوَّةِ الْمَنْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، لأَِنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (وَهُوَ غَيْرُ تَمَامِ الْعِلَّةِ) وَأَخِيرًا خِيَارُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ.
وَفَضْلاً عَنِ التَّفَاوُتِ فِي أَثَرِ الْخِيَارِ عَلَى الْعَقْدِ اللاَّزِمِ لِسَلْبِ لُزُومِهِ يُلْحَظُ فَارِقٌ، فِي نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ، بَيْنَ خِيَارِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ خِيَارَيِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ فِي وَضْعِهِمَا الشَّرْعِيِّ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ اللُّزُومِ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِفَ بِالأَْصَالَةِ أَوِ الْخُلْفِيَّةِ، لِهَذَا الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْكُل أَوْ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَحَسْبُ.
فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، لَمَّا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ فِيهِمَا " ثَبَتَ أَصْلاً لأَِنَّهُمَا يَسْلُبَانِ اللُّزُومَ فِي أَصْل الْعَقْدِ، فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا لَهُ، وَوِلاَيَةُ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيل الْعُمُومِ، وَلِذَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ " (1)
أَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ لِمَا أَنَّ " حَقَّ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَا ثَبَتَ (بِاعْتِبَارِهِ) أَصْلاً. لأَِنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ بَل (ثَبَتَ) بِغَيْرِهِ، وَهُوَ اسْتِدْرَاكُ حَقِّهِ فِي صِفَةِ السَّلاَمَةِ " (2)
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس مادة: " خير " (وموقعها في ترتيبه الخاص ص2 / 232) ، وأساس البلاغة للزمخشري، والنهاية لابن الأثير، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي، والمصباح المنير، والقاموس، وتاج العروس، ولسان العرب، ومعجم متن اللغة، والمعجم الوسيط (كلهن مادة خير) ، والكليات لأبي البقاء ص214.
(2) البدائع 5 / 306، ونحوه في 5 / 300 - 301.
(3) اللباب للقفصي ص13 - 137.
(4) البحر الرائق لابن نجيم 6 / 70.
(5) فتح القدير 5 / 110.
(6) در الصكوك: ص268.
(7) البدائع 5 / 292 - 297.
(8) الوجيز 1 / 141 - 142.
(9) الدردير وحاشية الدسوقي 1 / 118.
(10) وسماها بعض المصنفين: خيار نقص، وخيار شهوة، فخيار النقص يراد به خيارات توقي النقيصة، أما خيار الشهوة فالمراد به خيارات التروي (مغني المحتاج 2 / 40) .
(11) المقدمات 2 / 557.
(12) المقدمات 2 / 559.
(13) الحطاب على خليل 4 / 414.
(14) المقدمات لابن رشد 5 / 558.
(15) ابن رشد: المقدمات 2 / 559 - 560.
(16) البدائع 5 / 228.
(17) فتح القدير 5 / 110.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 41/ 20