المولى
كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...
اشتراط أحد المتعاقدين في مجلس العقد إمضاء العقد، أو فسخه بعد رؤية المبيع .
يَرِد مُصْطلَح (خِيار الرُّؤْيَةِ) في الفِقْهِ في كِتابِ البُيوعِ، باب: الشُّروط في البَيْعِ.
اشتراط أحد المتعاقدين في مجلس العقد إمضاء العقد، أو فسخه بعد رؤية المبيع.
* تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ : (4/24)
* حاشية ابن عابدين : (4/593)
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : (3/27)
* التعريفات للجرجاني : (ص 102)
* معجم الـمصطلحات الـمالية والاقتصادية في لغة الفقهاء : (ص 203)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (1/766)
* القاموس الفقهي : (ص 126)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/64)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (20/64) -
التَّعْرِيفُ:
1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ لُغَةً فِي مُصْطَلَحِ: " خِيَارٌ " بِوَجْهٍ عَامٍّ.
أَمَّا لَفْظُ (الرُّؤْيَةِ) مِنَ الْمُرَكَّبِ الإِْضَافِيِّ (خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) فَهُوَ مَصْدَرٌ لِفِعْل رَأَى يَرَى وَمَعْنَاهُ لُغَةً: النَّظَرُ بِالْعَيْنِ وَبِالْقَلْبِ. (1)
أَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ اصْطِلاَحًا: فَهُوَ حَقٌّ يَثْبُتُ بِهِ لِلْمُتَمَلِّكِ الْفَسْخُ، أَوِ الإِْمْضَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَحَل الْعَقْدِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهُ، وَالإِْضَافَةُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ إِضَافَةِ السَّبَبِ إِلَى الْمُسَبَّبِ أَيْ خِيَارٌ سَبَبُهُ الرُّؤْيَةُ (2) .
وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ نَظَرًا لِلْعَاقِدِ الَّذِي أَقْدَمَ عَلَى شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ، فَرُبَّمَا لاَ يَكُونُ مُوَافِقًا لَهُ، فَقَدْ أَبَاحَ لَهُ الشَّارِعُ مُمَارَسَةَ حَقِّ الْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِهِ أَوِ الاِسْتِمْرَارِ فِيهِ، وَهَكَذَا لاَ يَحْتَاجُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إِلَى اشْتِرَاطٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِهِ، إِلاَّ الْمَالِكِيَّةَ فَهُوَ عِنْدَهُمْ خِيَارٌ إِرَادِيٌّ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ أَحْيَانًا تَصْحِيحًا لَهُ.
وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ - بِالرَّغْمِ مِنْ سَلْكِهِ فِي عِدَادِ خِيَارَاتِ الْجَهَالَةِ - هُوَ مِنَ الْخِيَارَاتِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا إِتَاحَةُ الْمَجَال لِلْعَاقِدِ لِيَتَرَوَّى وَيَنْظُرَ هَل الْمَبِيعُ صَالِحٌ لِحَاجَتِهِ أَمْ لاَ؟
خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْمَذَاهِبُ فِيهِ:
2 - الْقَوْل بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ إِيجَابًا أَوْ نَفْيًا مُرْتَبِطٌ كُل الاِرْتِبَاطِ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ صِحَّةً وَفَسَادًا.
وَمِنَ الضَّرُورِيِّ التَّعْجِيل بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِمُ (الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ) فَالْمُرَادُ خُصُوصُ غَيْبَتِهَا عَنِ الْبَصَرِ بِحَيْثُ لَمْ تَجْرِ رُؤْيَتُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ. سَوَاءٌ أَكَانَتْ غَائِبَةً أَيْضًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ حَاضِرَةً فِيهِ لَكِنَّهَا مَسْتُورَةٌ عَنْ عَيْنِ الْعَاقِدِ، فَهِيَ تُسَمَّى غَائِبَةً فِي كِلْتَا الْحَالَيْنِ، وَيَسْتَوِي فِي غِيَابِهَا عَنِ الْمَجْلِسِ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَلَدِ نَفْسِهِ أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومُ الْغَيْبَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ أَحْيَانًا.
فَالْغَائِبُ هُنَا هُوَ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ، إِمَّا لِعَدَمِ حُضُورِهِ، وَإِمَّا لاِنْتِفَاءِ رُؤْيَتِهِ بِالرَّغْمِ مِنْ حُضُورِهِ، فَلَيْسَ كُل حَاضِرٍ مَرْئِيًّا، فَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا غَيْرَ مَرْئِيٍّ (3) . مَشْرُوعِيَّةُ بَيْعِ الْغَائِبِ:
3 - بَيْعُ الْغَائِبِ مَعَ الْوَصْفِ صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْجُمْلَةِ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ) ف 43 وَ 44 (ج 9 23)
مَشْرُوعِيَّةُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
1 - إِثْبَاتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، بِحُكْمِ الشَّرْعِ - دُونَ حَاجَةٍ إِلَى اتِّفَاقِ الإِْرَادَتَيْنِ عَلَيْهِ - وَتَمْكِينُ الْعَاقِدِ بِمُوجَبِهِ مِنَ الْفَسْخِ أَوِ الإِْمْضَاءِ عَلَى سَبِيل التَّرَوِّي، وَلَوْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ مُوَافِقًا لِمَا وُصِفَ لَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ.
2 - الْقَوْل بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ يَشْتَرِطُهُ الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ لِيَصِحَّ عَقْدُهُ، وَهُوَ لاَ يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بَل هُوَ إِرَادِيٌّ مَحْضٌ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِدِ اشْتِرَاطُهُ فِي بَعْضِ صُوَرِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَبِدُونِهِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَهَذَا تَحْقِيقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ.
3 - نَفْيُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْقَوْل الْجَدِيدُ الْمُعْتَبَرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
أَدِلَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ:
5 - احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (4) . وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ، فَيَشْمَل بَيْعَ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنْهُ إِلاَّ بَيْعٌ مَنَعَهُ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إِجْمَاعٌ.
وَبِقَوْلِهِ ﷺ: مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ. (5)
وَقَدْ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ مُرْسَلاً بِلَفْظِهِ وَزِيَادَةِ: إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ. (6)
وَمِنَ الآْثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ الصَّحَابَةِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ اشْتَرَى مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَالاً، فَقِيل لِعُثْمَانَ: إِنَّكَ قَدْ غُبِنْتَ - وَكَانَ الْمَال بِالْكُوفَةِ لَمْ يَرَهُ عُثْمَانُ حِينَ مَلَكَهُ - فَقَال عُثْمَانُ: لِي الْخِيَارُ لأَِنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَ. فَقَال طَلْحَةُ: لِي الْخِيَارُ، لأَِنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَ، فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى أَنَّ الْخِيَارَ لِطَلْحَةَ وَلاَ خِيَارَ لِعُثْمَانَ (7) . وَاسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ الْمَعْقُول:
بِالْقِيَاسِ عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الزَّوْجَيْنِ بِالإِْجْمَاعِ، وَالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ مَا لَهُ صَوَانِي كَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ (8) .
دَلِيل الْمَانِعِينَ:
6 - وَدَلِيل مَنْ لَمْ يَقُل بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ أَصْلاً لاَ يَصِحُّ كَمَا سَبَقَ. وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ أَشْبَهُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، لأَِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِدِ اشْتِرَاطُهُ لِيَصِحَّ بَيْعُ الْغَائِبِ.
سَبَبُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ:
7 - إِنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ هُوَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ، كَمَا يَدُل عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ، وَاسْمُهُ، وَتَعْرِيفُهُ، وَقَال آخَرُونَ: إِنَّ سَبَبَهُ هُوَ الرُّؤْيَةُ نَفْسُهَا، فَالإِْضَافَةُ إِلَى الرُّؤْيَةِ هِيَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى سَبَبِهِ (وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى شَرْطِهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ) . (9) وَلاَ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الاِخْتِلاَفِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ.
الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ:
8 - الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ فِي هَذَا الْمَجَال: الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ الأَْصْلِيِّ مِنْ مَحَل الْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْصُل بِالرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ أَوْ بِأَيِّ حَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِّ، كَاللَّمْسِ، وَالْجَسِّ، أَوِ الذَّوْقِ، أَوِ الشَّمِّ، أَوِ السَّمْعِ. فَهُوَ فِي كُل شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. (10)
وَفِي رُؤْيَةِ مَا سَبِيل الْعِلْمِ بِهِ الرُّؤْيَةُ لاَ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهِ، بَل يَكْفِي رُؤْيَةُ مَا يَدُل عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحَل شَيْئًا وَاحِدًا، أَوْ أَشْيَاءَ لاَ تَتَفَاوَتُ آحَادُهَا كَالْمِثْلِيَّاتِ.
فَفِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ مَا يَدُل عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (11) .
الرُّؤْيَةُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ:
9 - الْمَحَل الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إِمَّا مِثْلِيٌّ وَإِمَّا قِيَمِيٌّ، وَتَخْتَلِفُ الرُّؤْيَةُ الْمُعْتَبَرَةُ - أَوِ الاِطِّلاَعُ وَالْعِلْمُ - فِي أَحَدِهِمَا عَنِ الآْخَرِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ هُنَا مَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الأَْعْيَانِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ دَيْنٌ وَلاَ يَجْرِي فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لأَِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالأَْعْيَانِ (12) . الرُّؤْيَةُ فِي الْقِيَمِيَّاتِ:
10 - الْقِيَمِيَّاتُ أَوِ الأَْشْيَاءُ غَيْرُ الْمِثْلِيَّةِ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا: الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ، كَالدَّوَابِّ، وَالأَْرَاضِي، وَالثِّيَابِ الْمُتَفَاوِتَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ رُؤْيَةِ مَا يَدُل عَلَى الْمَقْصُودِ مِنَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، أَوْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الأَْشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ، كَعِدَّةِ دَوَابٍّ مَثَلاً، لأَِنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لاَ تُعَرِّفُ الْبَاقِيَ لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ (13) .
صُوَرٌ خَاصَّةٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ:
أ - الرُّؤْيَةُ مِنْ خَلْفِ زُجَاجٍ: لاَ تَكْفِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُرَى مَا فِيهِ أَوْ مَا خَلْفَهُ دُونَ حَائِلٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَكْفِي، لأَِنَّ الزُّجَاجَ لاَ يُخْفِي صُورَةَ الْمَرْئِيِّ، وَرَوَى هِشَامٌ أَنَّ قَوْل مُحَمَّدٍ مُوَافِقٌ لِقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ (14) .
ب - الرُّؤْيَةُ لِمَا هُوَ فِي الْمَاءِ: كَسَمَكٍ (يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ) قَال بَعْضُهُمْ: يَسْقُطُ خِيَارُهُ، لأَِنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَسْقُطُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لأَِنَّ الْمَبِيعَ لاَ يُرَى فِي الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ بَل يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لاَ تُعَرِّفُ الْمَبِيعَ (15) . ج - الرُّؤْيَةُ بِوَسَاطَةِ الْمِرْآةِ: قَالُوا: لاَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ، لأَِنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ بَل مِثَالَهُ (16) .
د - الرُّؤْيَةُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ: تُعْتَبَرُ رُؤْيَةً، عَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (17) .
هـ - الرُّؤْيَةُ فِي ضَوْءٍ يَسْتُرُ لَوْنَ الشَّيْءِ: كَرُؤْيَةِ وَرَقٍ أَبْيَضَ أَوْ قُمَاشٍ، فِي ضَوْءٍ يَسْتُرُ مَعْرِفَةَ بَيَاضِهِ كَضَوْءِ النَّارِ، لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، لاَ تُعْتَبَرُ رُؤْيَةً مُسْقِطَةً لِقِيَامِ الْخِيَارِ (18) .
و الرُّؤْيَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْعْمَى: لاَ يَثُورُ التَّسَاؤُل فِيهِ إِلاَّ فِيمَا سَبِيل مَعْرِفَتِهِ الرُّؤْيَةُ بِالْبَصَرِ، أَمَّا مَا يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ، أَوِ الشَّمِّ، أَوِ الْجَسِّ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالْبَصِيرِ، أَمَّا مَا لاَ بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا وَالنَّمُوذَجِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ فَيُغْنِي عَنِ الرُّؤْيَةِ الْوَصْفُ بِأَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ، فَإِذَا قَال: قَدْ رَضِيتُ، سَقَطَ خِيَارُهُ، لأَِنَّ الْوَصْفَ يُقَامُ مُقَامَ الرُّؤْيَةِ أَحْيَانًا، كَالسَّلَمِ، وَالْمَقْصُودُ رَفْعُ الْغَبْنِ عَنْهُ، وَذَلِكَ يَحْصُل بِالْوَصْفِ وَإِنْ كَانَ بِالرُّؤْيَةِ أَتَمَّ (19) . دُورُ الْعُرْفِ فِي تَحْدِيدِ الرُّؤْيَةِ الْجُزْئِيَّةِ الْكَافِيَةِ:
11 - تَنَاوَل الْفُقَهَاءُ بِالْبَيَانِ الْمُسْهَبِ بَعْضَ تِلْكَ الأَْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ (الْمُتَفَاوِتَةِ الآْحَادِ) وَخَاصَّةً مَا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إِلَى تَدَاوُلِهِ، فَذَكَرُوا مَا تَكْفِي رُؤْيَتُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا لاِعْتِبَارِ الْخِيَارِ حَاصِلاً عَقِبَ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ الْمُقْتَضِبَةِ، فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ الرِّضَا وَالْفَسْخُ بَعْدَهَا. وَالْخِلاَفُ فِي الرُّؤْيَةِ الْكَافِيَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ قَدْ نَشَأَ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ الْمَكَانِيِّ أَوِ الزَّمَانِيِّ، وَذَلِكَ يُتِيحُ الْمَجَال لِوَسْمِ جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ بِهَذَا الْمِيسَمِ، أَيْ أَنَّهُ تَصْوِيرٌ لِلْعُرْفِ فِي مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ لاَ ضَيْرَ فِي الاِنْعِتَاقِ عَنْ تِلْكَ الْقُيُودِ إِذَا كَانَ الْعُرْفُ قَدْ تَغَيَّرَ، أَمَّا فِيمَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي الاِجْتِزَاءِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ مُسْتَمَدَّةً مِنَ الْعَقْل أَوِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، فَذَلِكَ بَاقٍ لِبَقَاءِ عَوَامِل اعْتِبَارِهِ (20) .
شَرَائِطُ قِيَامِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:
أ - كَوْنُ الْمَحَل الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْنًا:
12 - الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ مَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهِ، لاَ عَلَى مِثْلِهِ، وَهُوَ مُقَابِل الدَّيْنِ (بِمَعْنَى مَا يُعَيَّنُ بِالْوَصْفِ وَيَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) . قَال ابْنُ الْهُمَامِ: لاَ يُتَصَوَّرُ فِي النَّقْدِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ، لأَِنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى مِثْلِهَا لاَ عَلَى عَيْنِهَا. حَتَّى لَوْ بَاعَهُ هَذَا الدِّينَارُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، لِصَاحِبِ الدِّينَارِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُ، وَكَذَا لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ. بِخِلاَفِ الأَْوَانِي وَالْحُلِيِّ.
وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْعَقْدِ لاَ يَتَعَيَّنُ لِلْفَسْخِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ، وَقِيَامُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِمِثْلِهِ، فَإِذَا قَبَضَ يَرُدُّهُ هَكَذَا إِلَى مَا لاَ نِهَايَةَ لَهُ، فَلَمْ يَكُنِ الرَّدُّ مُفِيدًا، لأَِنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِالْعَقْدِ، وَمَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لاَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ. (21)
وَكَذَلِكَ لاَ حَاجَةَ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي غَيْرِ الأَْعْيَانِ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ تَحْقِيقُ الرِّضَا، وَرِضَاهُ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ مَوْكُولٌ بِالْوَصْفِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْوَصْفُ حَصَل الرِّضَا وَانْتَفَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ. (22)
فَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَكُونَ مَحَل الْعَقْدِ (الْمَبِيعُ مَثَلاً) مِنَ الأَْعْيَانِ (أَيِ الأَْمْوَال الْعَيْنِيَّةِ) وَهِيَ مَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلاَ يَحِقُّ لِدَافِعِهَا تَبْدِيلُهَا. (23) وَمِثَال الأَْعْيَانِ: الأَْرَاضِي وَالدَّوَابُّ وَكُل مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ.
أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ فَبَعْضُهَا أَعْيَانٌ وَبَعْضُهَا دُيُونٌ، بِحَسَبِ تَعْيِينِ الْعَاقِدِ لَهَا، فَإِذَا عَقَدَ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مُعَيَّنٍ بِالإِْشَارَةِ أَوْ أَيَّةِ وَسِيلَةٍ تَجْعَل الْعَقْدَ يَنْصَبُّ عَلَيْهَا دُونَ أَمْثَالِهَا فَهِيَ حِينَئِذٍ عَيْنٌ، وَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، أَمَّا إِذَا قَال: بِعْتُكَ كَذَا مِنَ الْحِنْطَةِ، وَبَيَّنَ أَوْصَافَهَا، فَهِيَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ تَقَعْ عَلَى مُعَيَّنٍ، بِالرَّغْمِ مِنْ كَوْنِهَا عِنْدَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهَا لِلْعَقْدِ. وَعَلَى هَذَا قَال قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ: " الْمَكِيل وَالْمَوْزُونُ إِذَا كَانَ عَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الأَْعْيَانِ، وَكَذَا التِّبْرُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالأَْوَانِي، وَلاَ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا مُلِكَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ (أَيِ الْمُسْلَمِ فِيهِ) ، وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، وَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ". (24)
قَال ابْنُ الْهُمَامِ: وَمِنْهُ - أَيِ الأَْعْيَانِ - بَيْعُ إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأَْثْمَانِ الْخَالِصَةِ. وَكَذَا رَأْسُ مَال السَّلَمِ إِذَا كَانَ عَيْنًا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، أَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَقَدْ تَمَحَّضَتْ دُيُونًا فَهِيَ لاَ تَقْبَل التَّعْيِينَ. (25) ب - كَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي عَقْدٍ يَقْبَل الْفَسْخَ: أَيْ يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ:
13 - وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ، فَإِذَا رَدَّ الْمَبِيعَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَكَالإِْجَارَةِ - إِذَا رَدَّ الْعَيْنَ الْمَأْجُورَةَ - وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَال بِرَدِّ الْمَال الْمُصَالَحِ عَنْهُ، وَالْقِسْمَةِ بِرَدِّ النَّصِيبِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَنْفَسِخُ بِرَدِّ مَحَلِّهَا فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، أَمَّا مِثْل الْمَهْرِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، أَوِ الْبَدَل فِي الْخُلْعِ، وَبَدَل الصُّلْحِ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَيْهَا لاَ تَنْفَسِخُ بِرَدِّ هَذِهِ الأَْمْوَال بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا أَعْيَانٌ.
ذَلِكَ أَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبِ الاِنْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا، وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لاَ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الْقِيمَةِ. فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا. إِذْ كُلَّمَا آلَتْ إِلَيْهِ عَيْنٌ بَدِيلَةٌ ثَبَتَ فِيهَا خِيَارُ رُؤْيَةٍ وَرَدٍّ وَهَكَذَا، فَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مِمَّا يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ لِيَكُونَ لِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ جَدْوَى. (26)
ج - عَدَمُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ، أَوْ قَبْلَهُ، مَعَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ:
14 - سَبَبُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ إِذَا تَوَفَّرَ فِيهَا أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا: عَدَمُ التَّغَيُّرِ، فَبِالتَّغَيُّرِ يَصِيرُ شَيْئًا آخَرَ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا شَيْئًا لَمْ يَرَهُ. وَالأَْمْرُ الثَّانِي: لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّ مَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ هُوَ مَرْئِيُّهُ السَّابِقُ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَأَنْ رَأَى ثَوْبًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَلْفُوفًا بِسَاتِرٍ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ الَّذِي رَآهُ فَلَهُ الْخِيَارُ. لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا.
وَسَوَاءٌ فِي الرُّؤْيَةِ أَنْ تَكُونَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كُلِّهِ، أَوْ لِنَمُوذَجٍ مِنْهُ، أَوِ الْجُزْءِ الدَّال عَلَى الْكُل.
وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ أَنْ تَحْصُل مَعَ قَصْدِ الشِّرَاءِ حِينَئِذٍ، فَلَوْ رَآهُ لاَ لِقَصْدِ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ.
وَهَذَا الْقَيْدُ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُصَدَّرًا بِلَفْظِ " قِيل " - وَهِيَ صِيغَةُ تَمْرِيضٍ - لَكِنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ قَال عَقِبَهُ: " وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، لأَِنَّهُ لاَ يُتَأَمَّل التَّأَمُّل الْمُفِيدَ " ثُمَّ قَال الْحَصْكَفِيُّ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: " وَلِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ " غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرُقْ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَالْمَقْدِسِيِّ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ، بِحُجَّةِ أَنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّهُ مُنَافٍ لإِِطْلاَقَاتِهِمْ (27) .
وَاعْتِبَارُ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطًا لِقِيَامِ الْخِيَارِ، هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْكَاسَانِيُّ - وَهُوَ شَدِيدُ الْوُضُوحِ فِي ظَاهِرِهِ - لَكِنْ لِلْكَمَال بْنِ الْهُمَامِ عِبَارَةٌ تُوهِمُ خِلاَفَهُ وَهِيَ قَوْلُهُ فِي تَحْلِيل لَفْظِ: (خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) : الإِْضَافَةُ مِنْ قَبِيل إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى شَرْطِهِ، لأَِنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَعَدَمَ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ. فَهُوَ قَدِ اعْتَبَرَ الرُّؤْيَةَ شَرْطًا، وَعِنْدَ الْكَاسَانِيِّ الشَّرْطُ عَكْسُهُ: عَدَمُ الرُّؤْيَةِ. (28)
د - رُؤْيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ:
15 - أَشَارَ ابْنُ الْهُمَامِ إِلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ كَمَا رَأَيْنَا، وَمَنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي عِدَادِ الشُّرُوطِ اكْتَفَى بِالْبَيَانِ الصَّرِيحِ بِأَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِهِ هُوَ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ. (29) قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الرُّؤْيَةُ بَعْدَ الشِّرَاءِ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ (30) .
مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ:
16 - هُنَاكَ اتِّجَاهَاتٌ لِلْفُقَهَاءِ فِيمَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.
الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا بَاعَهُ وَلَمْ يَرَهُ، كَمَنْ وَرِثَ شَيْئًا مِنَ الأَْعْيَانِ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ فَبَاعَهُ قَبْل رُؤْيَتِهِ، وَهُوَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا آخِرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَدْ كَانَ يَقُول أَوَّلاً بِثُبُوتِهِ لِلْبَائِعِ أَيْضًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَال: الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لاَزِمٌ، وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ. وَاسْتَدَلُّوا بِنَصِّ الْحَدِيثِ الْمُثْبِتِ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ عَدَمَ الْخِيَارِ وَلُزُومَ الْعَقْدِ هُوَ الأَْصْل.
وَفِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلطَّرَفَيْنِ، لأَِنَّ كِلَيْهِمَا يُعْتَبَرُ مُشْتَرِيًا. (31)
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِلْبَائِعِ أَيْضًا، وَهُوَ الْقَوْل الْمَرْجُوعُ عَنْهُ لأَِبِي حَنِيفَةَ، وَالْقَوْل الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ عَلَى افْتِرَاضِ الأَْخْذِ بِالْخِيَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ صَحَّحُوا عَدَمَ الأَْخْذِ بِهِ (32) .
الْعُقُودُ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ:
17 - يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشِّرَاءُ، لأَِنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ دُونَ الْبَائِعِ وَالْعَقْدُ مِنْ وِجْهَتِهِ شِرَاءٌ.
أَمَّا فِي (عَقْدِ السَّلَمِ) فَإِذَا كَانَ رَأْسُ مَال السَّلَمِ عَيْنًا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ.
وَلاَ يَثْبُتُ فِي رَأْسِ مَال السَّلَمِ إِنْ كَانَ دَيْنًا كَمَا لاَ يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ بَتَاتًا، لأَِنَّ شَرْطَهُ الأَْسَاسِيَّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الدُّيُونِ.
وَلاَ مَدْخَل لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأَِنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. (33)
وَيَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الاِسْتِصْنَاعِ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَتَى بِهِ الصَّانِعُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ، لأَِنَّهُ غَيْرُ لاَزِمٍ فِي حَقِّهِ وَلاَ يَثْبُتُ لِلصَّانِعِ إِذَا أَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعَ وَرَضِيَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْخِيَارُ لَهُمَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لُزُومُهُ فِي حَقِّهِمَا. (34)
أَمَّا الصَّانِعُ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَكَذَلِكَ فِي عَقْدِ الإِْجَارَةِ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ فِي إِجَارَةِ الأَْعْيَانِ، كَإِجَارَةِ دَارٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ سَيَّارَةٍ بِذَاتِهَا، إِذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ عَقَدَ الإِْجَارَةَ دُونَ أَنْ يَرَى الْمَأْجُورَ.
وَفِي عَقْدِ الْقِسْمَةِ يَثْبُتُ فِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ، أَيْ فِي نَوْعَيْنِ فَقَطْ مِنَ الأَْنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ لِلْمَال الْمَقْسُومِ، هُمَا قِسْمَةُ الأَْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ جَزْمًا، وَقِسْمَةُ الْقِيَمِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، أَوِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ كَالْمَكِيلاَتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، فَلاَ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهَا، لأَِنَّهَا مِمَّا لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
وَهَذَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُقْتَسِمِينَ لَمْ يَرَ نَصِيبَهُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ.
وَفِي عَقْدِ الصُّلْحِ عَلَى مَا سَبَقَ.
وَقْتُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ:
18 - وَقْتُ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ هُوَ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ، لاَ قَبْلَهَا. وَلِذَا لَوْ أَمْضَى الْعَقْدَ قَبْل رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ صَرِيحًا بِأَنْ قَال: أَجَزْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ مَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، ثُمَّ رَآهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ. لأَِنَّ النَّصَّ أَثْبَتَ الْخِيَارَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَوْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الإِْجَازَةِ قَبْلَهَا وَأَجَازَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَهَا، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ، وَلأَِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْل الرُّؤْيَةِ مَجْهُول الْوَصْفِ.
وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْل الْعِلْمِ بِهِ وَبِوُجُودِ سَبَبِهِ مُحَالٌ، فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ. (35)
وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ قَبْل الرُّؤْيَةِ أَوِ التَّنَازُل عَنْهُ بِقَوْلِهِ: رَضِيتُ الْمَبِيعَ أَوْ أَمْضَيْتُ الْعَقْدَ، لأَِنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ قَبْل ثُبُوتِهِ بِالرُّؤْيَةِ، وَإِسْقَاطُ الشَّيْءِ فَرْعٌ لِثُبُوتِهِ، فَلاَ يُمْكِنُ الإِْسْقَاطُ قَبْل الثُّبُوتِ. فَلَوْ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ قَبْل الرُّؤْيَةِ لَمْ يَسْقُطْ، وَظَل لَهُ حَقُّ مُمَارَسَتِهِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ. قَال السَّرَخْسِيُّ: إِنَّ فِي الرِّضَا قَبْل الرُّؤْيَةِ هُنَا إِبْطَال حُكْمٍ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَهُوَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الرُّؤْيَةِ (36) .
إِمْكَانُ الْفَسْخِ قَبْل الرُّؤْيَةِ:
19 - قَوْل الْحَنَفِيَّةِ بِإِمْكَانِ الْفَسْخِ قَبْل الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى الْخِيَارِ - لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ قَبْل الرُّؤْيَةِ - بَل لِمَا فِي الْعَقْدِ مِنْ صِفَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ لِلْجَهَالَةِ الْمُصَاحِبَةِ لَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، حَيْثُ اشْتَرَاهُ دُونَ أَنْ يَرَاهُ، فَهُوَ كَالْعُقُودِ الأُْخْرَى غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، فَفَسْخُهُ مُمْكِنٌ لِهَذَا السَّبَبِ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، فَكَانَ سَبَبًا آخَرَ لِلْفَسْخِ وَلاَ مَانِعَ مِنِ اجْتِمَاعِ الأَْسْبَابِ عَلَى مُسَبَّبٍ وَاحِدٍ.
أَمَدُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:
20 - لِلْفُقَهَاءِ فِي بَيَانِ مَدَى الزَّمَنِ الصَّالِحِ لِلرِّضَا أَوِ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ اتِّجَاهَانِ:
الأَْوَّل: عَلَى التَّرَاخِي، فَلَيْسَ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ مَدًى مَحْدُودٌ، بَل هُوَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِمُدَّةٍ.
فَهُوَ يَبْدَأُ بِالرُّؤْيَةِ وَيَبْقَى إِلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ - وَلَوْ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ - وَلاَ يَتَوَقَّتُ بِإِمْكَانِ الْفَسْخِ.
وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ وَالْمُخْتَارُ كَمَا قَال ابْنُ الْهُمَامِ وَابْنُ نُجَيْمٍ وَغَيْرُهُمَا.
وَذَلِكَ لأَِنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ، وَلأَِنَّ سَبَبَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ اخْتِلاَل الرِّضَا، وَالْحُكْمُ يَبْقَى مَا بَقِيَ سَبَبُهُ.
الثَّانِي: عَلَى الْفَوْرِ، فَهُوَ مُؤَقَّتٌ بِإِمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ رَآهُ وَتَمَكَّنَ مِنَ الْفَسْخِ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ بِذَلِكَ وَلَزِمَ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِالرِّضَا أَوْ مُسْقِطٍ آخَرَ لِلْخِيَارِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ دَلاَلَةً عَلَى الرِّضَا. وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (37) .
أَثَرُ الْخِيَارِ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ قَبْل الرُّؤْيَةِ:
21 - حُكْمُ الْعَقْدِ قَبْل الرُّؤْيَةِ حُكْمُ الْعَقْدِ الَّذِي لاَ خِيَارَ فِيهِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْحِل لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ لِلْحَال، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ لِلْحَال، لأَِنَّ رُكْنَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ، أَوِ الإِْجَارَةِ، أَوِ الْقِسْمَةِ، أَوِ الصُّلْحِ صَدَرَ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِهِ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الْعَقْدُ لَوْلاَ أَنَّهُ ثَبَتَ الْخِيَارُ (شَرْعًا) احْتِيَاطًا لِلْمُشْتَرِي، بِخِلاَفِ خِيَارِ الشَّرْطِ، لأَِنَّ الْخِيَارَ ثَمَّةَ ثَبَتَ بِإِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ فَأَثَّرَ فِي رُكْنِ الْعَقْدِ بِالْمَنْعِ مِنَ الاِنْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ تَحْقِيقًا لِرَغْبَةِ الْعَاقِدِ فِي تَعْلِيقِ الْعَقْدِ. (38) هَذَا عَلَى الْقَوْل بِصِحَّةِ الْفَسْخِ قَبْل الرُّؤْيَةِ، فَالْعَقْدُ غَيْرُ لاَزِمٍ عِنْدَ هَؤُلاَءِ، أَمَّا مَنْ مَنَعَ الْفَسْخَ فَهُوَ يَرَى أَنَّ الْعَقْدَ بَاتٌّ، فَلاَ يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَلاَ إِجَازَةٌ إِلَى أَنْ تَحْصُل الرُّؤْيَةُ، وَقَدْ مَال ابْنُ الْهُمَامِ إِلَى هَذَا (39) .
أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ:
22 - مُنْذُ قِيَامِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (بِتَحَقُّقِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الرُّؤْيَةُ) يَغْدُو الْعَقْدُ غَيْرَ لاَزِمٍ بِالاِتِّفَاقِ، وَلَكِنْ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيُّ أَثَرٍ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ، فَلاَ يَمْنَعُ انْتِقَال الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ، لأَِنَّ سَبَبَ الْعَقْدِ قَدْ وُجِدَ خَالِيًا مِنْ تَعْلِيقٍ حُكْمِ الْعَقْدِ، فَيَظَل أَثَرُهُ كَامِلاً كَانْتِقَال الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا الْمَالِكِيَّةُ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمِلْكَ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لاَ يَنْتَقِل لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ بِاحْتِمَال الْفَسْخِ، وَالْمِلْكُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الْمُسْتَقَرِّ. وَلاَ يَخْفَى أَنَّ اسْتِقْرَارَ الْعَقْدِ لاَ يَعُوقُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَنْشَأُ عَنْهُ تَمَكُّنُ صَاحِبِ الْخِيَارِ مِنْ رَفْعِ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ (40) .
سُقُوطُ الْخِيَارِ:
23 - يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِالأُْمُورِ التَّالِيَةِ، سَوَاءٌ حَصَلَتْ قَبْل الرُّؤْيَةِ أَوْ بَعْدَهَا:
أ - التَّصَرُّفَاتُ فِي الْمَبِيعِ بِمَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ، كَمَا لَوْ بَاعَ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ بَيْعًا لاَ خِيَارَ فِيهِ، أَوْ رَهَنَهُ، أَوْ آجَرَهُ، أَوْ وَهَبَهُ مَعَ التَّسْلِيمِ، لأَِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ مَعَ الْمِلْكِ، وَمِلْكُ صَاحِبِ الْخِيَارِ ثَابِتٌ فِيهَا، فَصَادَفَتِ الْمَحَل وَنَفَذَتْ، وَبَعْدَ نُفُوذِهَا لاَ تَقْبَل الْفَسْخَ وَالرَّفْعَ، فَبَطَل الْخِيَارُ ضَرُورَةً، كَمَا أَنَّ إِبْطَالَهَا فِيهِ ضَيَاعٌ لِحُقُوقِ الْغَيْرِ الَّتِي تَرَتَّبَتْ لَهُمْ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَفَسْخُ الْبَيْعِ أَوْلَى مِنْ إِبْطَال حُقُوقِهِمْ. (41)
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، أَوِ الْمُسَاوِمَةِ بِقَصْدِ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ، أَوِ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ، لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا، وَهُوَ لاَ يُبْطِلُهُ قَبْل الرُّؤْيَةِ. ثُمَّ إِنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي تَعَلَّقَ فِيهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَوْ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ بِرَدٍّ قَضَائِيٍّ، أَوْ بِفَكِّ الرَّهْنِ، أَوْ فَسْخِ الإِْجَارَةِ قَبْل الرُّؤْيَةِ ثُمَّ رَآهُ فَلَهُ الْخِيَارُ. (42)
ب - تَغَيُّرُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ:
حُصُول التَّغَيُّرِ إِمَّا بِطُرُوءِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (الْمُنْفَصِلَةِ أَوِ الْمُتَّصِلَةِ، الْمُتَوَلِّدَةِ أَوْ غَيْرِهَا) عَلَى أَنْ تَكُونَ مَانِعَةً لِلرَّدِّ، وَإِمَّا بِالنَّقْصِ وَالتَّعَيُّبِ - فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ - وَالنَّقْصُ الْمُرَادُ هُنَا هُوَ مَا يَحْصُل بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِفِعْل الْبَائِعِ عَلَى التَّفْصِيل الْمَذْكُورِ فِي خِيَارَيِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ، كَمَا ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ (43) .
ج - تَعَيُّبُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي:
لأَِنَّهُ بِالتَّعَيُّبِ لاَ يُمْكِنُ إِرْجَاعُ الْمَبِيعِ إِلَى الْبَائِعِ كَمَا اسْتَلَمَهُ الْمُشْتَرِي، وَالْفَسْخُ يَكُونُ بِالْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا الْمَبِيعُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَقَدِ اسْتَلَمَهُ سَلِيمًا فَلاَ يَرُدُّهُ مَعِيبًا، وَلِذَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ.
د - إِجَازَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَا اشْتَرَيَاهُ وَلَمْ يَرَيَاهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، حَذَرًا مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا مَرَّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ.
هـ - الْمَوْتُ: وَاعْتِبَارُهُ مُسْقِطًا مَوْضِعُ خِلاَفٍ.
وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (44) .
حُكْمُ صَرِيحِ الإِْسْقَاطِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:
ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّ الأَْصْل أَنَّ كُل مَا يُبْطِل خِيَارَ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ يُبْطِل خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، إِلاَّ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ يَسْقُطُ بِصَرِيحِ الإِْسْقَاطِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ لاَ يَسْقُطُ بِصَرِيحِ الإِْسْقَاطِ لاَ قَبْل الرُّؤْيَةِ وَلاَ بَعْدَهَا، لأَِنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ثَبَتَ شَرْعًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ فَقَدْ ثَبَتَا بِالاِشْتِرَاطِ حَقِيقَةً، أَوْ دَلاَلَةً، وَمَا ثَبَتَ حَقًّا لِلْعَبْدِ يَحْتَمِل السُّقُوطَ بِإِسْقَاطِهِ مَقْصُودًا، لأَِنَّ الإِْنْسَانَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَقْصُودًا، اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا، فَأَمَّا مَا ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ فَالْعَبْدُ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِسْقَاطًا مَقْصُودًا، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَقْصُودًا، لَكِنَّهُ يَحْتَمِل السُّقُوطَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّ الشَّرْعِ، فَيَسْقُطُ حَقُّ الشَّرْعِ فِي ضِمْنِ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (45) .
انْتِهَاءُ الْخِيَارِ:
24 - يَنْتَهِي الْخِيَارُ بِإِجَازَةِ الْعَقْدِ إِجَازَةً قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً، وَالإِْجَازَةُ الْقَوْلِيَّةُ هِيَ الرِّضَا بِالْعَقْدِ، صَرَاحَةً أَوْ بِمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا. أَمَّا الإِْجَازَةُ الْفِعْلِيَّةُ فَتَكُونُ بِطَرِيقِ الدَّلاَلَةِ، بِأَنْ يُوجَدَ مِنَ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفٌ يَدُل عَلَى الرِّضَا. أَمَّا الْفَسْخُ فَمِنْهُ اخْتِيَارِيٌّ، وَمِنْهُ ضَرُورِيٌّ دُونَ إِرَادَةِ الْعَاقِدِ.
انْتِهَاؤُهُ بِالإِْجَازَةِ:
الإِْجَازَةُ الصَّرِيحَةُ أَوْ بِمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا:
25 - تَتِمُّ الإِْجَازَةُ الصَّرِيحَةُ بِالتَّعْبِيرِ عَنِ الرِّضَا، وَهُوَ بِكُل عِبَارَةٍ تُفِيدُ إِمْضَاءَ الْعَقْدِ، أَوِ اخْتِيَارَهُ، مِثْل: أَجَزْتُهُ، أَوْ رَضِيتُهُ، أَوِ اخْتَرْتُهُ. وَفِي مَعْنَى الرِّضَا الصَّرِيحِ مَا شَابَهَهُ وَجَرَى مَجْرَاهُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْبَائِعُ بِالإِْجَازَةِ أَمْ لاَ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ اللُّزُومُ. (46)
الإِْجَازَةُ بِطَرِيقِ الدَّلاَلَةِ:
26 - هِيَ أَنْ يُوجَدَ مِنَ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يَدُل عَلَى الرِّضَا، وَمِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَبْضُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ.
وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ بِأَنْ كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ، أَوْ أَرْضًا فَبَنَى عَلَيْهَا، لأَِنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ دَلِيل الرِّضَا، وَلَوْلاَ هَذَا التَّقْدِيرُ لَكَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ حَرَامٌ، فَجَعَل ذَلِكَ إِجَازَةً، صِيَانَةً لَهُ عَنِ ارْتِكَابِهِ. (47)
انْتِهَاءُ الْخِيَارِ بِالْفَسْخِ:
27 - الْفَسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا، أَوْ ضَرُورِيًّا، كَمَا ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ، وَصُورَةُ الْفَسْخِ الاِخْتِيَارِيِّ (الَّذِي يَنْتَهِي بِهِ الْخِيَارُ تَبَعًا) هِيَ أَنْ يَقُول: فَسَخْتُ الْعَقْدَ، أَوْ نَقَضْتُهُ، أَوْ رَدَدْتُهُ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى.
وَأَمَّا الْفَسْخُ الضَّرُورِيُّ فَلَهُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا الْكَاسَانِيُّ، وَهِيَ أَنْ يَهْلَكَ الْمَبِيعُ قَبْل الْقَبْضِ، فَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ ضَرُورَةً، وَيَنْتَهِيَ مَعَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِذَهَابِ الْمَحَل (48) .
شَرَائِطُ الْفَسْخِ:
28 - يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ مَا يَأْتِي:
أ - قِيَامُ الْخِيَارِ، لأَِنَّ الْخِيَارَ إِذَا سَقَطَ بِأَحَدِ الْمُسْقِطَاتِ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَالْعَقْدُ اللاَّزِمُ لاَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ.
ب - أَنْ لاَ يَتَضَمَّنَ الْفَسْخُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ رَدَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ بَعْضِهِ لَمْ يَصِحَّ.
وَكَذَا إِذَا رَدَّ الْبَعْضَ وَأَجَازَ الْبَيْعَ فِي الْبَعْضِ لَمْ يَجُزْ. سَوَاءٌ كَانَ قَبْل قَبْضِهِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ، لأَِنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ، فَفِي بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي الْبَعْضِ تَفْرِيقٌ لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْل تَمَامِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ. (49)
ج - عِلْمُ الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَدْ تَوَسَّعَ الْكَاسَانِيُّ فِي دَلاَئِل هَذَا الْخِلاَفِ.
انْتِقَال خِيَارِ الرُّؤْيَةِ:
29 - خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَنْتَقِل بِالْمَوْتِ، وَذَلِكَ مُنْسَجِمٌ مَعَ كَوْنِهِ عِنْدَهُمْ لِمُطْلَقِ التَّرَوِّي، لاَ لِتَحَاشِي الضَّرَرِ أَوِ الْخُلْفِ فِي الْوَصْفِ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَنْظُرَ الْمُشْتَرِي أَيَصْلُحُ لَهُ أَمْ لاَ، وَمَعَ اعْتِبَارِهِمْ إِيَّاهُ خِيَارًا حُكْمِيًّا مِنْ جِهَةِ الثُّبُوتِ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِالإِْرَادَةِ مِنْ حَيْثُ الاِسْتِعْمَال (1) .
__________
(1) المصباح المنير، والمغرب، والقاموس المحيط مادة: " رأى ".
(2) رد المحتار 4 / 22، فتح القدير 5 / 137، البحر الرائق 6 / 18.
(3) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 27، وتفريعات غير المالكية واستعمالاتهم تدل عليه أيضًا، والمحلى 8 / 341.
(4) سورة البقرة / 275.
(5) حديث: " من اشترى شيئًا لم يره فهو بالخيار إذا رآه. . . " أخرجه الدارقطني (3 / 5 - ط دار المحاسن) من حديث أبي هريرة، قال الدارقطني: " هذا باطل لا يصح "، وذلك لراوٍ متهم بالوضع في سنده، وأعله ابن القطان بعلة أخرى، وهي جهالة الراوي عن ذاك المتهم، كذا في نصب الراية للزيلعي (4 / 9 - ط المجلس العلمي بالهند) .
(6) رواية مكحول، أخرجها الدارقطني (3 / 4 - ط دار المحاسن) وقال: " هذا مرسل، وأبو بكر بن أبي مريم (الراوي عن مكحول) ضعيف ".
(7) معاني الآثار، للطحاوي 4 / 10، وقد أورده استطرادًا في (تلقي الجلب) ولم يبوب لخيار الرؤية.، ونصب الراية 4 / 10، وقال: أخرجه الطحاوي، ثم البيهقي، وكذلك في فتح الباري 5 / 524، والمجموع 9 / 316.
(8) المجموع 9 / 331.
(9) فتح القدير 5 / 137.
(10) رد المحتار 4 / 68 وإنما مثلوا له بالدفوف التي تنقر في الغزو حثا على الإقدام، ليكون المثل مما لا خلاف في إباحة التبايع فيه.
(11) الفتاوى الهندية 3 / 62 الفصل الثاني فيما تكون رؤية بعضه كرؤية الكل في إبطال الخيار، وفتح القدير، والعناية شرح الهداية 5 / 142.
(12) المبسوط 13 / 72، والهداية، وفتح القدير، والعناية 5 / 142، والهندية 3 / 64، والبدائع للكاساني 5 / 294.
(13) فتح القدير والعناية 5 / 142 - 143.
(14) فتح القدير 5 / 144، والفتاوى الهندية 3 / 63 نقلاً عن الخلاصة.
(15) فتح القدير 5 / 144، والفتاوى الهندية 3 / 63 نقلاً عنه وعن السراج الوهاج.
(16) فتح القدير 5 / 144، ورد المحتار 4 / 68 كلاهما عن التحفة:، وهو في الهندية 3 / 63 نقلاً عن السراج. وعلى هذا يجري الحكم في رؤية صورة الشيء الفوتوغرافية، لأنه أشبه شيء بالمرآة فضلاً عن احتمال التغير ما بين رؤية الصورة ورؤية الحقيقة.
(17) الهندية 3 / 63.
(18) نهاية المحتاج 3 / 416.
(19) فتح القدير 5 / 147، والمبسوط 13 / 77، والبدائع 5 / 298، والكلام عن الرؤية بالنسبة للأعمى شامل الرؤية التي توجد قبل الشراء، أو قبل القبض فتمنع قيام الخيار وهو في ذلك كالبصير، ومثل الأعمى فاقد شيء من الحواس الأخرى (البدائع 5 / 292) .
(20) انظر الهداية، وشرحها العناية 5 / 143، وفتح القدير 5 / 143، والفتاوى الهندية 3 / 62.
(21) فتح القدير 5 / 367، 139، ورد المحتار 4 / 63، والعناية 5 / 140.
(22) فتح القدير 5 / 367.
(23) فتح القدير 5 / 367، البدائع 5 / 392.
(24) فتاوى قاضيخان، بهامش الهندية 2 / 187.
(25) فتح القدير 5 / 83، 139، ورد المحتار 4 / 22، 63. .
(26) فتح القدير 5 / 140، وعنه رد المحتار 4 / 63.
(27) فتح القدير 4 / 544، ورد المحتار 4 / 69، البدائع 5 / 292.
(28) فتح القدير 5 / 137، ورد المحتار 4 / 63، والبدائع 5 / 292.
(29) كالكاساني فقد قصر الشرائط على اثنتين: هما الأولى والثانية، ثم استغنى عن الثالثة بالتبويب لها بعنوان (بيان وقت ثبوت الخيار) البدائع 5 / 295.
(30) رد المحتار 4 / 63 و66، وفتح القدير 5 / 137.
(31) البدائع 5 / 292، المبسوط 13 / 71، الفتاوى الهندية 3 / 58، وفتح القدير 5 / 140.
(32) فتح القدير 5 / 140، والمجموع 9 / 322، والمغني 3 / 496 م2773.
(33) البدائع 5 / 209 - 210، والبحر الرائق 6 / 26 - 28، جامع الفصولين 1 / 334.
(34) فتح القدير 5 / 139 و 533، البدائع 5 / 210، 292، ورد المحتار 4 / 63، 93.
(35) فتح القدير 5 / 139، البدائع 5 / 296، المعاملات الشرعية للشيخ أحمد إبراهيم ص110، ومختصر المعاملات الشرعية للشيخ علي الخفيف ص152.
(36) فتح القدير والعناية 5 / 139، والمبسوط 13 / 71، والبدائع 5 / 297. ويلحظ أن ابن الهمام حقق وجود الخلاف في صحة الفسخ قبل الرؤية، وأنه لا رواية فيه عن الإمام، والخلاف عن مشايخ الحنفية.
(37) البدائع 5 / 295، والفتح 5 / 139، ورد المحتار 4 / 65، والهندية 3 / 58 منقولا عن البحر.
(38) البدائع 5 / 292.
(39) فتح القدير 5 / 139.
(40) فتح القدير 5 / 139، البدائع 5 / 292، المجموع 9 / 299، الخرشي 5 / 34.
(41) البدائع 5 / 295، فتح القدير 5 / 141، 149، رد المحتار 4 / 72.
(42) فتح القدير 5 / 242.
(43) البدائع 5 / 296.
(44) فتح القدير 5 / 159، والعناية شرح الهداية 5 / 159، 160، والبدائع 5 / 296.
(45) البدائع 5 / 282 و 297 لخيار العيب، و267 لخيار الشرط.
(46) البدائع 5 / 295، 296، والهداية وفتح القدير 5 / 145.
(47) فتح القدير 5 / 141، العناية 5 / 141، البدائع 5 / 296.
(48) البدائع 5 / 298، فتح القدير 5 / 141.
(49) البدائع 5 / 298، 299، فتح القدير 5 / 140، الفتاوى الهندية 3 / 60 نقلا عن البحر، المبسوط 13 / 74.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 64/ 20
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".