الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
البلاد التي تجري فيها أحكام الكفر، وتكون السلطة، والمنعة، والأمن فيها للكفار، وبينها، وبين المسلمين حالة حرب فِعلية، أو متوقعة . ومن شواهده قول الإمام الشافعي :" ولا فرق بين دار الحرب، ودار الإسلام فيما أوجب اللَّه على خلقه من الحدود؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول : ﴿ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ﴾ المائدة :28.
كل بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة، ولا تكون السلطة فيها والقوة للمسلمين.
اختلف أهل العلم في تعريف دار الحرب على رأيين: أحدهما: أن دار الحرب هي الدار التي لا يكون فيها السلطان للحاكم المسلم، ولا تنفذ فيها أحكام الإسلام، وليس بين المسلمين وأهلها عهد، أو يقال: هي الأرض التي لا يهيمن فيها الإسلام، ولا تحكم فيها شريعته، وهذا رأي جمهور أهل العلم. الرأي الثاني: ويذهب إلى أن كون السلطان لغير المسلمين لا يجعل الدار دار حرب؛ بل لا بد من تحقيق ثلاثة شروط مجتمعة لتصير الدار دار حرب، وهي: 1- ظهور الأحكام غير الإسلامية. 2- أن يكون الإقليم مجاورا للديار الإسلامية بحيث يتوقع منه الاعتداء على دار الإسلام. 3- ألا يأمن المسلم ولا الذمي فيها بحكم الإسلام؛ بل يأمن فيها بعهد يعقده، وهذا رأي بعض أهل العلم. ولا فرق بين دار العهد ودار الحرب إلا من حيث إن الأولى بينها وبين المسلمين معاهدة سلام؛ بخلاف الثانية فلا توجد فيها هذه المعاهدة؛ إذ إن دار الحرب يتوقع منها الاعتداء في أي وقت، وهما عدا هذا دار واحدة تقابل دار الإسلام، إلا أن دار العهد أخص من دار الحرب؛ لوجود المواثيق بين المسلمين وبين أهلها. وأما الاختلاف بين دار الإسلام ودار الحرب فإنه يكون بظهور المنعة والسلطان، فأيما دولة ظهرت للإسلام فيها منعة وسلطان فهي دار الإسلام، وإن لم تظهر للإسلام قوة أو سلطان فهي دار الحرب.
البلاد التي تجري فيها أحكام الكفر، وتكون السلطة، والمنعة، والأمن فيها للكفار، وبينها وبين المسلمين حالة حرب فِعلية، أو متوقعة.
* المبسوط : (10/86)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (2/82)
* الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف : (4/121)
* الآداب الشرعية والمنح المرعية : (1/213)
* الولاء والبراء في الإسلام : (ص 270)
* تسهيل العقيدة الإسلامية : (ص 574)
* التعريفات الاعتقادية : (ص 170)
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (7/30)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (3/43)
* المبدع في شرح المقنع : (3/313)
* التعريفات الفقهية : (ص 288) -
التَّعْرِيفُ:
1 - دَارُ الْحَرْبِ: هِيَ كُل بُقْعَةٍ تَكُونُ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِيهَا ظَاهِرَةً (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ:
الْهِجْرَةُ:
2 - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّاسَ فِي شَأْنِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ:
أ - مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ، وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلاَ يُمْكِنُهُ إِظْهَارُ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى لاَ تَجِدُ مَحْرَمًا، إِنْ كَانَتْ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي الطَّرِيقِ، أَوْ كَانَ خَوْفُ الطَّرِيقِ أَقَل مِنْ خَوْفِ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (2) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَْرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (3) .
وَفِي الآْيَةِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ وَتَرْكِ الْوَاجِبِ.
وَلِحَدِيثِ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُل مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ لاَ تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا (4) وَحَدِيثِ: لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتِل (5) أَمَّا حَدِيثُ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ (6) فَمَعْنَاهُ لاَ هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا، لِصَيْرُورَةِ مَكَّةَ دَارَ إِسْلاَمٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ب - مَنْ لاَ هِجْرَةَ عَلَيْهِ: وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا، إِمَّا لِمَرَضٍ، أَوْ إِكْرَاهٍ عَلَى الإِْقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ، أَوْ ضَعْفٍ كَالنِّسَاءِ، وَالْوِلْدَانِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (7) .
ج - مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْجِهَادِ، وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ (8) .
د - وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ قِسْمًا رَابِعًا: وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَيَقْدِرُ عَلَى الاِعْتِزَال فِي مَكَانٍ خَاصٍّ، وَالاِمْتِنَاعِ مِنَ الْكُفَّارِ، فَهَذَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ، لأَِنَّ مَكَانَ اعْتِزَالِهِ صَارَ دَارَ إِسْلاَمٍ بِامْتِنَاعِهِ، فَيَعُودُ بِهِجْرَتِهِ إِلَى حَوْزَةِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ أَمْرٌ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّ كُل مَحَلٍّ قَدَرَ أَهْلُهُ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنَ الْكُفَّارِ صَارَ دَارَ إِسْلاَمٍ (9) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِخَبَرِ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ (10) .
أَمَّا حَدِيثُ: ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّل مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ (11) . فَمَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.
التَّزَوُّجُ فِي دَارِ الْحَرْبِ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَنْ دَخَل فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمَانٍ، لِتِجَارَةٍ، أَوْ لِغَيْرِهَا، وَلَوْ بِمُسْلِمَةٍ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ فِي الْحَرْبِيَّةِ لاِفْتِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ، وَتَنْزِيهِيَّةٌ فِي غَيْرِهَا، لأَِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلذُّرِّيَّةِ لِفَسَادٍ عَظِيمٍ، إِذْ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا نَشَأَ فِي دَارِهِمْ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَنْشَأَ عَلَى دِينِهِمْ، وَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مِنْهُمْ فَقَدْ تَغْلِبُ عَلَى وَلَدِهَا فَيَتْبَعُهَا عَلَى دِينِهَا (12) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ أَسِيرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلاَ يَحِل لَهُ التَّزَوُّجُ مَا دَامَ أَسِيرًا، لأَِنَّهُ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ كَانَ لَهُمْ رَقِيقًا (13)
الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ الرِّبَا حَرَامٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَحُرْمَتِهِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْل الْحَرْبِ، أَوْ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالُوا: إِنَّ النُّصُوصَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا عَامَّةٌ، وَلَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ، وَلاَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (14) . (رَاجِعْ مُصْطَلَحَ: رِبًا) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَحْرُمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَهْل الْحَرْبِ، وَلاَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (15) . لِحَدِيثِ: لاَ رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ (16) وَلأَِنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ فِي دَارِهِمْ، فَبِأَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذَ مَالاً مُبَاحًا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَدْرٌ، وَلأَِنَّ مَال أَهْل الْحَرْبِ مُبَاحٌ بِغَيْرِ عَقْدٍ، فَبِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَوْلَى.
وَلأَِنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ خَاطَرَ قُرَيْشًا قَبْل الْهِجْرَةِ حِينَ أَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَْرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (17) وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَتَرَوْنَ أَنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ؟ قَال: نَعَمْ. فَقَالُوا: هَل لَكَ أَنْ تُخَاطِرَنَا فِي ذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال ﵊: اذْهَبْ إِلَيْهِمْ فَزِدْ فِي الْخَطَرِ وَزِدْ فِي الأَْجَل فَفَعَل، وَغَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسًا فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ خَطَرَهُ، فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ الْقِمَارُ بِعَيْنِهِ (18) .
وَكَانَتْ مَكَّةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دَارَ حَرْبٍ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِ أَخْذَ مَال الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَا لَمْ يَكُنْ غَدْرًا (19) .
إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ سَرَقَ، أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ.
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، لأَِنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ فَرْضٌ كَالصَّلاَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَلاَ تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
إِذَا قَتَل مُسْلِمٌ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْقِصَاصَ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانُوا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ (20) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: { لاَ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ (21) . وَقَوْلِهِ: مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ (22) وَلأَِنَّ الإِْمَامَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ الْوِلاَيَةِ، وَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ الْفِعْل لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا أَصْلاً، وَكَذَلِكَ إِذَا قَتَل مُسْلِمًا فِيهَا لاَ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَإِنْ كَانَ الْقَتْل عَمْدًا لِتَعَذُّرِ الاِسْتِيفَاءِ، وَلأَِنَّ كَوْنَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْوُجُوبِ، وَالْقِصَاصُ لاَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ وَتَكُونُ فِي مَالِهِ لاَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لأَِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِل ابْتِدَاءً، ثُمَّ الْعَاقِلَةُ تَتَحَمَّل عَنْهُ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّنَاصُرِ، وَلاَ تَنَاصُرَ عِنْدَ اخْتِلاَفِ الدَّارِ (23) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا: تَجِبُ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ، وَلَكِنَّهَا لاَ تُقَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَتُقَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، أَنَّ عُمَرَ ﵁ كَتَبَ إِلَى النَّاسِ لاَ يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ جَيْشٍ وَلاَ سَرِيَّةٍ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا وَهُوَ غَازٍ حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلاً لِئَلاَّ يَلْحَقَهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ، فَيَلْحَقَ، بِالْكُفَّارِ (24) .
حَدُّ مَنْ أَصَابَ حَدًّا مِنْ أَفْرَادِ الْجَيْشِ:
6 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُ أَفْرَادِ الْجَيْشِ حَدًّا، أَوْ قَتَل مُسْلِمًا خَطَأً أَوْ عَمْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ خَارِجَ الْمُعَسْكَرِ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوِ الْقِصَاصُ، أَمَّا إِذَا زَنَى أَحَدُهُمْ فِي مُعَسْكَرِ الْجَيْشِ لَمْ يَأْخُذْهُ أَمِيرُ الْجَيْشِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الإِْمَامُ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ إِقَامَةَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ الْمَسْرُوقَ وَالدِّيَةَ فِي الْقَتْل، لأَِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ ضَمَانِ الْمَال.
أَمَّا إِذَا غَزَا مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، سَوَاءٌ غَزَا الْخَلِيفَةُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَمِيرُ مِصْرٍ مِنَ الأَْمْصَارِ، فَفَعَل رَجُلٌ مِنَ الْجَيْشِ ذَلِكَ فِي مُعَسْكَرِهِ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَاقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ، وَضَمَّنَهُ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ فِي مَالِهِ، لأَِنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ إِلَى الإِْمَامِ، وَبِمَا لَهُ مِنَ الشَّوْكَةِ، وَانْقِيَادِ الْجُيُوشِ لَهُ يَكُونُ لِعَسْكَرِهِ حُكْمُ دَارِ الإِْسْلاَمِ (25) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَصَابَ الرَّجُل حَدًّا وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَالُوا: وَلاَ يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنَ اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ. وَلَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ تَوَقِّيًا مِنْ أَنْ يَغْضَبَ مَا أَقَمْنَا الْحَدَّ أَبَدًا، لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّل حُكْمُ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ الرَّسُول ﷺ قَدْ أَقَامَ الْحُدُودَ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَفِيهَا مُشْرِكُونَ مُوَادَعُونَ.
وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ. وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا (26) .
حُصُول الْفُرْقَةِ بِاخْتِلاَفِ الدَّارِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:
7 - اخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِي انْقِطَاعِ عِصْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِاخْتِلاَفِ الدَّارَيْنِ.
فَقَال الْجُمْهُورُ: لاَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاخْتِلاَفِ الدَّارِ، فَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ كِتَابِيَّةٍ، وَهَاجَرَ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَبَقِيَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، لأَِنَّ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ فَالاِسْتِمْرَارُ أَوْلَى، سَوَاءٌ كَانَ قَبْل الدُّخُول، أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كِتَابِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرَ الْكِتَابِيِّينَ، قَبْل الدُّخُول حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (27) وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُول، وَقَفَ الأَْمْرُ عَلَى انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الآْخَرُ فِي الْعِدَّةِ بَقِيَ نِكَاحُهُمَا، وَإِلاَّ تَبَيَّنَّا فَسْخَهُ مُنْذُ أَسْلَمَ الأَْوَّل، لأَِنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ اخْتِلاَفُ الدِّينِ لاَ اخْتِلاَفُ الدَّارِ (28) . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ قَال: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ يُسْلِمُ الرَّجُل قَبْل الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ قَبْلَهُ، فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الأَْثَرِ دَارَ حَرْبٍ، وَلاَ دَارَ إِسْلاَمٍ، فَسَبَبُ الْفُرْقَةِ إِذًا اخْتِلاَفُ الدِّينِ.
فَكَوْنُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لاَ يُوجِبُ فُرْقَةً (29) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُل بِاخْتِلاَفِ الدَّارَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَتَرَكَ الآْخَرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، لأَِنَّهُ بِاخْتِلاَفِ الدَّارَيْنِ يَخْرُجُ الْمِلْكُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ، لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ عَادَةً، فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَائِهِ فَائِدَةٌ (30) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (اخْتِلاَفُ الدَّارِ) .
قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَتَبَايُعُهَا فِيهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ قَال: قُلْتُ لِلأَْوْزَاعِيِّ: هَل قَسَّمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ شَيْئًا مِنَ الْغَنَائِمِ بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَال: لاَ أَعْلَمُهُ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَتَّبِعُونَ غَنَائِمَهُمْ، وَيَقْسِمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ، وَلَمْ يَغْفُل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ أَصَابَ فِيهَا غُنَيْمَةً إِلاَّ خَمَّسَهَا وَقَسَّمَهَا مِنْ قَبْل أَنْ يَغْفُل، مِنْ ذَلِكَ غُزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهَوَازِنَ، وَخَيْبَرَ، وَلأَِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالاِسْتِيلاَءِ فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ، وَلأَِنَّ قِسْمَةَ أَمْوَالِهِمْ فِي دَارِهِمْ أَنْكَى لَهُمْ، وَأَطْيَبُ لِقُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ، وَأَحْفَظُ لِلْغَنِيمَةِ، وَأَرْفَقُ بِهِمْ فِي التَّصَرُّفِ (31) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْقِسْمَةُ نَوْعَانِ:
1 - قِسْمَةُ حَمْلٍ وَنَقْلٍ.
2 - وَقِسْمَةُ مِلْكٍ.
أَمَّا قِسْمَةُ الْحَمْل، فَهِيَ إِنْ عَزَّتِ الدَّوَابُّ، وَلَمْ يَجِدِ الإِْمَامُ حَمُولَةً يُفَرِّقُ الْغَنَائِمَ عَلَى الْغُزَاةِ فَيَحْمِل كُل رَجُلٍ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّهَا مِنْهُمْ، فَيَقْسِمُهَا قِسْمَةَ مِلْكٍ.
أَمَّا قِسْمَةُ الْمِلْكِ فَلاَ تَجُوزُ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجُوهَا إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَيُحْرِزُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الأَْخْذِ، وَيَتَأَكَّدُ بِالإِْحْرَازِ، وَيَتَمَكَّنُ بِالْقِسْمَةِ كَحَقِّ الشَّفِيعِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ، وَيَتَأَكَّدُ بِالطَّلَبِ، وَيَتِمُّ الْمِلْكُ بِالأَْخْذِ، وَمَا دَامَ الْحَقُّ ضَعِيفًا لاَ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ لأَِنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ الضَّعِيفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْل الْقَبْضِ، وَلأَِنَّ السَّبَبَ هُوَ الْقَهْرُ، وَقَبْل الإِْحْرَازِ هُمْ قَاهِرُونَ يَدًا مَقْهُورُونَ دَارًا، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ يَكُونُ ضَعِيفًا (32) .
9 - وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْجُمْهُورِ أَحْكَامٌ.
مِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لاَ يُورَثُ مِنَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يُورَثُ.
وَمِنْهَا: إِذَا لَحِقَ الْجَيْشَ أَحَدٌ بَعْدَ الْحِيَازَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لاَ يُشَارِكُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُشَارِكُهُمْ إِذَا لَحِقَ قَبْل الْحِيَازَةِ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ.
وَإِذَا أَتْلَفَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَضْمَنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلاَ يَضْمَنُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (33) . اسْتِيلاَءُ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ، وَأَثَرُ الدَّارِ فِي ذَلِكَ:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَمَلُّكِ أَهْل الْحَرْبِ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَهَا وَإِنْ أَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ، لأَِنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ طَرَأَتْ عَلَيْهِ يَدٌ عَادِيَةٌ، فَلَمْ يَمْلِكْ بِهَا كَالْغَصْبِ.
وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ لاَ يَمْلِكُ مَال الْمُسْلِمِ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ بِغَصْبٍ، فَالْمُشْرِكُ أَوْلَى أَلاَّ يَمْلِكَ (34) .
وَخَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الأَْنْصَارِيَّةِ الَّتِي أُسِرَتْ، ثُمَّ امْتَطَتْ نَاقَةَ رَسُول اللَّهِ ﷺ، وَأَعْجَزَتْ مَنْ طَلَبَهَا، فَنَذَرَتِ الأَْنْصَارِيَّةُ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ، فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ، نَاقَةُ رَسُول اللَّهِ ﷺ. فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَأَتَوْا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَال: سُبْحَانَ اللَّهِ، بِئْسَمَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ. (35)
وَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ لَمَلَكَتِ الأَْنْصَارِيَّةُ النَّاقَةَ. لأَِنَّهَا تَكُونُ أَخَذَتْ مَالاً غَيْرَ مَعْصُومٍ فِي دَارِ حَرْبٍ وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ، وَلَكِنَّ الرَّسُول ﷺ أَخْبَرَ أَنَّهَا نَذَرَتْ فِيمَا لاَ تَمْلِكُ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ، وَبِهِ قَال أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، قَال: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ (36) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ أَهْل دَارِ الْحَرْبِ إِذَا دَخَلُوا دَارَ الإِْسْلاَمِ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِهِمْ لاَ يَمْلِكُونَهَا، أَمَّا إِذَا أَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا. وَقَالُوا: لأَِنَّ مِلْكَ الْمُسْلِمِ يَزُول بِالإِْحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَتَزُول الْعِصْمَةُ، فَكَأَنَّهُمُ اسْتَوْلَوْا عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، لأَِنَّ الْمِلْكَ هُوَ: الاِخْتِصَاصُ بِالْمَحَل فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ، أَوْ شُرِعَ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَحَل، وَقَدْ زَال بِالإِْحْرَازِ بِالدَّارِ. فَإِذَا زَال مَعْنَى الْمِلْكِ أَوْ مَا شُرِعَ لَهُ الْمِلْكُ، يَزُول الْمِلْكُ ضَرُورَةً (37) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ: يَمْلِكُونَهَا بِالاِسْتِيلاَءِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. وَقَالُوا: لأَِنَّ الْقَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَال الْكَافِرِ، فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ مَال الْمُسْلِمِ كَالْبَيْعِ، وَلأَِنَّ الاِسْتِيلاَءَ سَبَبُ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ قَبْل الْحِيَازَةِ إِلَى الدَّارِ، كَاسْتِيلاَءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَال الْكُفَّارِ، وَلأَِنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ أَثْبَتَ الْمِلْكَ حَيْثُ وُجِدَ، كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ (38) .
وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ، اخْتِلاَفُهُمْ فِي حُكْمِ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَهْل دَارِ الْحَرْبِ مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمُسْلِمُونَ، فَمَنْ رَأَى أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ: يَرَى أَنَّهُ إِذَا وَجَدَهُ مَالِكُهُ الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ قَبْل الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِدُونِ رَدِّ قِيمَتِهِ، أَمَّا إِذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَهُ: يَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا وَجَدَ مَالَهُ فِي الْغَنِيمَةِ أَخَذَهُ قَبْل الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ بِلاَ رَدِّ شَيْءٍ (39) .
قَضَاءُ الْقَاضِي الْمُسْلِمِ فِي مُنَازَعَاتٍ حَدَثَتْ أَسْبَابُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ:
11 - إِذَا دَخَل مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، وَأَخَذَ مَالاً مِنْ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُضَارَبَةً، أَوْ وَدِيعَةً، أَوْ بِشِرَاءٍ أَوْ بِبَيْعٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ قَرْضٍ، فَالثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ، عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إِلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَإِذَا خَرَجَ الْحَرْبِيُّ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ مُسْتَأْمَنًا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُسْلِمِ بِمَالِهِ كَمَا يَقْضِي بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ الْحُكْمَ جَارٍ عَلَى الْمُسْلِمِ حَيْثُ كَانَ، لاَ نُزِيل الْحَقَّ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ. كَمَا لاَ تَزُول الصَّلاَةُ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ إِنِ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ مَالاً ثُمَّ دَخَل إِلَيْنَا فَأَسْلَمَ، فَعَلَيْهِ الْبَدَل وَيُقْضَى عَلَيْهِ لاِلْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ (40) .
أَمَّا إِنْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالَهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَدِمَا إِلَيْنَا بِإِسْلاَمٍ، أَوْ أَمَانٍ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا، وَالإِْتْلاَفُ لَيْسَ عَقْدًا يُسْتَدَامُ، وَلأَِنَّ مَال الْحَرْبِيِّ لاَ يَزِيدُ عَلَى مَال الْمُسْلِمِ، وَهُوَ لاَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَضْمَنَ (41) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي الْمُسْلِمِ الْقَضَاءُ مِنْ حَرْبِيَّيْنِ إِذَا خَرَجَا إِلَيْنَا مُسْتَأْمَنَيْنِ، لأَِنَّ الْمُدَايَنَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَعَتْ هَدَرًا لاِنْعِدَامِ وِلاَيَتِنَا عَلَيْهِمْ. أَمَّا لَوْ خَرَجَا إِلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا لِثُبُوتِ الْوِلاَيَةِ، أَمَّا فِي الْغَصْبِ وَالإِْتْلاَفِ فَلاَ يَقْضِي، وَإِنْ خَرَجَا إِلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ (42) .
عِصْمَةُ الأَْنْفُسِ وَالأَْمْوَال فِي دَارِ الْحَرْبِ:
12 - الأَْصْل أَنَّ أَمْوَال أَهْل الْحَرْبِ وَدِمَاءَهُمْ مُبَاحَةٌ لاَ عِصْمَةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلِلْمُسْلِمِينَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِشَتَّى الطُّرُقِ، لأَِنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنْ ذَكَرُوا حَالاَتٍ تُثْبِتُ لأَِنْفُسِهِمْ وَلأَِمْوَالِهِمُ الْعِصْمَةَ وَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، مِنْهَا:
13 - أ - إِذَا دَخَل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ أَوْ بِأَسْرٍ، وَائْتَمَنُوهُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يَحِل لَهُ خِيَانَتُهُمْ فِي شَيْءٍ، لأَِنَّهُمْ أَعْطَوْهُ الأَْمَانَ مَشْرُوطًا بِتَرْكِهِ خِيَانَتَهُمْ، وَأَمْنِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي اللَّفْظِ، فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى، فَلَمْ يَحِل لَهُ خِيَانَتُهُمْ، لأَِنَّهُ غَدْرٌ، وَلاَ يَصْلُحُ الْغَدْرُ فِي الإِْسْلاَمِ، فَإِنْ سَرَقَ مِنْهُمْ شَيْئًا أَوْ غَصَبَ، وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى أَرْبَابِهِ، فَإِنْ جَاءَ أَرْبَابُهُ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ بِأَمَانٍ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَإِلاَّ بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِمْ، لأَِنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ فَلَزِمَهُ رَدُّهُ، كَمَا لَوْ أَخَذَ مَال مُسْلِمٍ (43) .
وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ حُقِنَ دَمُهُ، وَأَحْرَزَ مَالَهُ وَأَوْلاَدَهُ الصِّغَارَ مِنَ السَّبْيِ، فَإِذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا اقْتُصَّ مِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ فِي عِصْمَةِ دَمِ الْمُسْلِمِ وَمَالِهِ أَيْنَمَا كَانَ وَحَيْثُ وُجِدَ (44) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ خَطَأً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَأِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (45) وَلَمْ يَذْكُرِ الدِّيَةَ. وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (قَتْل عَمْدٍ) .
أَمَّا أَوْلاَدُهُ الصِّغَارُ فَأَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ تَبَعًا لَهُ أَمَّا مَالُهُ فَمَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ مَنْقُولٍ فَهُوَ لَهُ.
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ بِيَدِ مُسْلِمٍ وَدِيعَةً، أَوْ بِيَدِ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لَهُ، لأَِنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ فَكَانَ مَعْصُومًا.
أَمَّا الْعَقَارُ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ غَنِيمَةٌ، لأَِنَّهَا بُقْعَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَجَازَ اغْتِنَامُهَا (46) .
14 - ب - وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، أَوْ خَرَجَ إِلَيْهَا، وَلَهُ أَوْلاَدٌ صِغَارٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَارُوا مُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَجُزْ سَبْيُهُمْ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَقَالُوا: إِنَّهُمْ أَوْلاَدُ مُسْلِمٍ، فَيَجِبُ أَنْ يَتْبَعُوهُ فِي الإِْسْلاَمِ كَمَا لَوْ كَانُوا مَعَهُ فِي الدَّارِ، وَلأَِنَّ مَالَهُ مَال مُسْلِمٍ فَلاَ يَجُوزُ اغْتِنَامُهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ (47) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهَاجَرَ إِلَيْنَا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ، فَأَمْوَالُهُ فَيْءٌ، إِلاَّ مَا كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَدِيعَةً.
وَإِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ أَمْوَالِهِ وَأَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ فَيْءٌ، لأَِنَّ اخْتِلاَفَ الدَّارِ يَمْنَعُ التَّبَعِيَّةَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا (48) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا دَخَل الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ فَأَصَابَ مَالاً، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْنَا (49) .
التِّجَارَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ:
15 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّاجِرِ أَنْ يَحْمِل إِلَى دَارِ الْحَرْبِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْل الْحَرْبِ عَلَى الْحَرْبِ، كَالسِّلاَحِ بِأَنْوَاعِهِ، وَالسُّرُوجِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ، وَكُل مَا مِنْ شَأْنِهِ تَقْوِيَتِهِمْ فِي الْحَرْبِ، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِمْدَادَهُمْ وَإِعَانَتَهُمْ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِلْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَل دَارَ الإِْسْلاَمِ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلاَحًا، وَإِذَا اشْتَرَى لاَ يُمَكَّنُ مِنْ إِدْخَالِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ (50) .
أَمَّا الاِتِّجَارُ بِغَيْرِ السِّلاَحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لاَ يُسْتَخْدَمُ فِي الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ، كَالثِّيَابِ، وَالطَّعَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لاِنْعِدَامِ عِلَّةِ الْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ. إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلْعَةِ فَلاَ يُحْمَل إِلَيْهِمْ، وَجَرَتِ الْعَادَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ التُّجَّارِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ الْمَنْعِ وَلاَ إِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ الأَْفْضَل أَنْ يَتْرُكُوا ذَلِكَ، لأَِنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْكَفُّ وَالإِْمْسَاكُ عَنِ الدُّخُول فِي دَارِهِمْ مِنْ بَابِ صِيَانَةِ النَّفْسِ عَنِ الْهَوَانِ، وَالدِّينِ عَنِ الزَّوَال (51) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ الْمُتَاجَرَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَلاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى بِلاَدِهِمْ حَيْثُ تَجْرِي أَحْكَامُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ (52) .
أَثَرُ اخْتِلاَفِ الدَّارِ فِي أَحْكَامِ الأُْسْرَةِ وَالتَّوَارُثِ:
16 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالآْخَرُ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَوَارُثِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الدَّارِ.
(ر: اخْتِلاَفُ الدَّارِ) .
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 30 - 31، كشاف القناع 3 / 43، الإنصاف 4 / 121، المدونة 2 / 22.
(2) نهاية المحتاج 8 / 82، كشاف القناع 3 / 43، أسنى المطالب 4 / 204، المغني 8 / 456، عمدة القاري 1 / 35، الإنصاف 4 / 121، فتح العلي المالك 1 / 313 مطبعة مصطفى محمد.
(3) سورة النساء / 97.
(4) حديث: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى ناراهما " أخرجه الترمذي (4 / 155 - ط الحلبي) من حديث جرير بن عبد الله، وإسناده صحيح.
(5) حديث: " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل ". أخرجه أحمد (1 / 192 - ط الميمنية) من حديث عبد الله بن السعدي، وقال الهيثمي في المجمع (5 / 251 - ط السعادة) : " رجاله ثقات ".
(6) حديث: " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 3 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1487 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس.
(7) سورة النساء / 98.
(8) المصادر الفقهية السابقة.
(9) روضة الطالبين 10 / 282، نهاية المحتاج 8 / 82.
(10) المبسوط م 5 ج 10 / 6، والحديث تقدم تخريجه.
(11) حديث: " ادعهم إلى التحول من دارهم. . . " أخرجه مسلم (3 / 1357 - ط الحلبي) من حديث بريدة بن الحصيب.
(12) المغني 8 / 455، أسنى المطالب / 161، الخرشي 3 / 226، المبسوط م 5 ج 10 / 96، ورد المحتار 2 / 289.
(13) المغني 8 / 455.
(14) المجموع شرح المهذب 9 / 191، المغني 4 / 45، 8 / 458، المدونة 4 / 271.
(15) شرح فتح القدير 6 / 177.
(16) حديث: " لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب " قال الزيلعي في نصب الراية (4 / 44 - ط المجلس العلمي) : " غريب " يعني أنه لا أصل له. ثم ذكر أن الشافعي قال عن رواية مرفوعة ذكرها مكحول بلفظ: " لا ربا بين أهل الحرب " قال الشافعي: هذا ليس بثابت، ولا حجة
(17) سورة الروم / 1.
(18) حديث أبي بكر في نزول سورة الروم. أورده الزمخشري في الكشاف (3 / 466 - 467 - ط دار الكتاب العربي) وقال ابن حجر في تخريجه: " قصة أبي بكر في المراهنة رواها الترمذي وغيره من حديث نيار بن مكرم الأسلمي وسياقها مخالف لسياق هذه القصة ".
(19) حاشية الطحطاوي 3 / 112، بدائع الصنائع 5 / 192.
(20) الخرشي 3 / 111، والأم 4 / 248.
(21) حديث: " لا تقام الحدود في دار الحرب ". قال الزيلعي في نصب الراية (3 / 343 - ط المجلس العلمي) : " غريب " يعني أنه لا أصله له. ثم ذكر أنه ورد من قول زيد بن ثابت: لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو.
(22) حديث: " من زنى أو سرق في دار الحرب. . . " لم نهتد إليه في المصادر الحديثية التي بين أيدينا.
(23) بدائع الصنائع 7 / 131، وابن عابدين 3 / 156، وفتح القدير 4 / 153، ونصب الراية 3 / 343.
(24) المغني 8 / 473 - 474.
(25) بدائع الصنائع 7 / 131 - 132، وابن عابدين 3 / 156، وفتح القدير 4 / 153.
(26) الأم للشافعي 4 / 248، الخرشي 3 / 117.
(27) سورة الممتحنة / 10.
(28) كشاف القناع 5 / 118 - 119، القوانين الفقهية ص 201، أسنى المطالب 3 / 163، شرح الزرقاني 3 / 225.
(29) المصادر السابقة.
(30) بدائع الصنائع 2 / 338 - 339، رد المحتار 2 / 537.
(31) المغني 8 / 422، كشاف القناع 3 / 82، الإنصاف 4 / 162، الخرشي 3 / 136، نهاية المحتاج 8 / 76، مغني المحتاج 4 / 234.
(32) بدائع الصنائع 7 / 121، المبسوط م 5 ج 10 / 33.
(33) نهاية المحتاج 8 / 74، بدائع الصنائع 7 / 121، والمغني 8 / 419 - 420، مغني المحتاج 4 / 232 - 234.
(34) الأم للشافعي 4 / 255.
(35) حديث عمران بن حصين: " في الأنصارية التي أسرت. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1263 - ط الحلبي) .
(36) المصدر السابق، المغني 8 / 434.
(37) بدائع الصنائع 7 / 227 - 228، المبسوط م 5 ج 10 / 52.
(38) المغني 8 / 434، الإنصاف 4 / 162، المدونة 2 / 12، الخرشي 3 / 138.
(39) المصادر السابقة، الأم للشافعي 4 / 283.
(40) الأم للشافعي 4 / 288، كشاف القناع 3 / 109، مغني المحتاج 4 / 230.
(41) مغني المحتاج 4 / 230، والمغني 8 / 483 ط الرياض.
(42) بدائع الصنائع 7 / 132 - 133.
(43) البدائع 7 / 133، والخرشي 2 / 116، والأم للشافعي 4 / 248 - 249، ومغني المحتاج 4 / 239، والمغني لابن قدامة 8 / 458.
(44) المغني 8 / 94، 428، كشاف القناع 3 / 58، ومغني المحتاج 4 / 226، الأم للشافعي 4 / 245، الخرشي 3 / 142.
(45) سورة النساء: الآية 92.
(46) بدائع الصنائع 7 / 105، رد المحتار 3 / 233.
(47) المصادر السابقة.
(48) المدونة 2 / 19، بدائع الصنائع 7 / 105 - 106.
(49) بدائع الصنائع 7 / 105 - 106.
(50) المدونة 4 / 270، ابن عابدين 3 / 226، قليوبي 2 / 156، الفتاوى الهندية 2 / 192، بدائع الصنائع 7 / 102، جواهر الإكليل 2 / 3.
(51) بدائع الصنائع 7 / 102.
(52) المدونة 4 / 270.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 206/ 20