الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
غَلَّةُ الأرض من زروعها، وثمارها، وأجرتها . كرَيْعِ الأرض الموقوفة . وهو كذلك الزيادة، والربح في تجارة، وأجرة الدار، ونحوها . ومن شواهده قول الشربيني : "ولو شرط الواقف للناظر شيئاً من الريع جاز، وإن زاد على أجرة مثله ".
غَلَّةُ الأرض من زروعها، وثمارها، وأجرتها. كرَيْعِ الأرض الموقوفة.
التَّعْرِيفُ:
1 - الرِّيعُ لُغَةً: النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ، وَرَيَّعَ: زَكَا وَزَادَ وَيُقَال: أَرَاعَتِ الشَّجَرَةُ: كَثُرَ حَمْلُهَا.
وَيُقَال: أَخْرَجَتِ الأَْرْضُ الْمَرْهُونَةُ رِيعًا، أَيْ غَلَّةً لأَِنَّهَا زِيَادَةٌ (1) .
وَالْفُقَهَاءُ يُفَسِّرُونَ الرِّيعَ بِالْغَلَّةِ وَيُفَسِّرُونَ الْغَلَّةَ بِالرِّيعِ، وَيَسْتَعْمِلُونَ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَيُعَبِّرُونَ تَارَةً بِالرِّيعِ وَتَارَةً بِالْغَلَّةِ، وَالْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالْفَائِدَةُ وَالدَّخْل الَّذِي يَحْصُل كَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَكِرَاءِ الأَْرْضِ وَأُجْرَةِ الدَّابَّةِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرِّبْحُ:
2 - الرِّبْحُ نَمَاءُ الْمَال نَتِيجَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَالْمُرَابَحَةُ بَيْعُ السِّلْعَةِ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل مَعَ زِيَادَةٍ (3) . أَمَّا الرِّيعُ فَهُوَ مَا يَكُونُ مِمَّا تُخْرِجُهُ الأَْرْضُ مِنْ زَرْعٍ، أَوِ الشَّجَرُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ مَا يَكُونُ مِنْ كِرَاءِ الْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّيعِ مِنْ أَحْكَامٍ:
3 - يَتَعَلَّقُ بِالرِّيعِ بَعْضُ الأَْحْكَامِ وَمِنْ ذَلِكَ:
أَوَّلاً: إِيرَادُ بَعْضِ الْعُقُودِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْجُودًا أَمْ مَعْدُومًا وَذَلِكَ كَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ - الْوَقْفُ:
4 - الْوَقْفُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْبِيسِ الأَْصْل وَالتَّصَدُّقِ بِالرِّيعِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. قَال: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى لِلنَّبِيِّ ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَال: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَال: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ يُبْتَاعُ، وَلاَ يُورَثُ، وَلاَ يُوهَبُ. قَال: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيل اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيل، وَالضَّيْفِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ (4) . وَإِذَا لَزِمَ الْوَقْفُ أَصْبَحَ رِيعُهُ - إِنْ كَانَ لَهُ رِيعٌ - مِنْ حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَمِلْكًا لَهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مُعَيَّنِينَ، أَمْ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (5) . وَيُتَّبَعُ فِي صَرْفِ الرِّيعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ شَرْطُ الْوَاقِفِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْف) .
اشْتِرَاطُ الْوَاقِفِ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ الْغَلَّةَ أَوْ بَعْضَهَا لِنَفْسِهِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي حَبْسَ الْعَيْنِ وَتَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْعَيْنُ مَحْبُوسَةٌ وَمَنْفَعَتُهَا تَكُونُ مَمْلُوكَةً لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ مَعْنًى.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَجَرٍ الْمَدَرِيِّ أَنَّ فِي صَدَقَةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْكُل مِنْهَا أَهْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ (6) ، وَلاَ يَحِل ذَلِكَ إِلاَّ بِالشَّرْطِ فَدَل ذَلِكَ عَلَى جَوَازِهِ؛ وَلأَِنَّ الْوَقْفَ إِزَالَةُ الْمِلْكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَلأَِنَّ عُمَرَ ﵁ لَمَّا وَقَفَ قَال: وَلاَ بَأْسَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُل مِنْهَا أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ، وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَلأَِنَّهُ إِذَا وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا كَالْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْمَقَابِرِ كَانَ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا (7) . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْف) .
هَل يُزَكَّى رِيعُ الْوَقْفِ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ زَكَاتُهُ؟
6 - غَلَّةُ الأَْرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَثِمَارُ الْبَسَاتِينِ، إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَحَصَل لِبَعْضِهِمْ مِنَ الثَّمَرَةِ أَوِ الْحَبِّ نِصَابٌ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، لأَِنَّهُ اسْتَغَل مِنْ أَرْضِ الْوَقْفِ أَوْ شَجَرِهِ نِصَابًا فَلَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ كَغَيْرِ الْوَقْفِ، وَالْمِلْكُ فِيهَا تَامٌّ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ وَتُورَثُ عَنْهُ. وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمَكْحُولٍ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي ذَلِكَ، لأَِنَّ الأَْرْضَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ زَكَاةٌ فِي الْخَارِجِ مِنْهَا كَالْمَسَاكِينِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ أَوِ الْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ، وَجَعَل لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْفَاضِل، عُمِل بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا؛ لأَِنَّهُ لَوْ جَازَ كَانَ كُل الأَْجْرِ لَهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَيَفُوتُ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ شَيْئًا كَانَ الْعُشُرُ أَوِ الْخَرَاجُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (8) .
وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، وَلاَ فِيمَا يَحْصُل فِي أَيْدِي الْمَسَاكِينِ، سَوَاءٌ حَصَل فِي يَدِ بَعْضِهِمْ نِصَابٌ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ أَوْ لَمْ يَحْصُل؛ لأَِنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَسَاكِينِ لاَ يَتَعَيَّنُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، بِدَلِيل أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ حِرْمَانُهُ وَالدَّفْعُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ بِالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ لِمَا أُعْطِيَهُ مِنْ غَلَّتِهِ مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ كَاَلَّذِي يُدْفَعُ إِلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لأَِنَّ الْمَالِكَ لِلأَْرْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعُشْرِ وَالثِّمَارِ كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ. وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ أَوَّلاً بِمَعْرِفَةِ مَنْ يَلِي الْوَقْفَ، ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِالاِجْتِهَادِ كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ (9) .
وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ مَاشِيَةً لِتَفْرِقَةِ لَبَنِهَا أَوْ صُوفِهَا أَوْ نَسْلِهَا، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ. وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ (10) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (وَقْف) .
ب - الْوَصِيَّةُ:
7 - تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالأَْرْضِ وَالشَّجَرِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَسَوَاءٌ أَوْصَى بِذَلِكَ مَعَ الرَّقَبَةِ أَوْ أَوْصَى بِالْغَلَّةِ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْغَلَّةُ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، أَوْ كَانَتْ مَعْدُومَةً كَالْوَصِيَّةِ بِمَا تَحْمِل الشَّجَرَةُ مِنْ ثِمَارٍ، لأَِنَّ الْمَعْدُومَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالإِْجَارَةِ وَالْوَقْفِ، فَكَذَا يَجُوزُ بِالْوَصِيَّةِ. وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ (11) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّة) .
ج - الْمُسَاقَاةُ:
8 - الْمُسَاقَاةُ هِيَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُل شَجَرَهُ إِلَى آخَرَ لِيَقُومَ بِسَقْيِهِ وَعَمَل سَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ لَهُ مِنْ ثَمَرِهِ.
وَالأَْصْل فِي جَوَازِهَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ﵄ قَال: عَامَل رَسُول اللَّهِ ﷺ أَهْل خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ (12) .
وَأَجَازَهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ اسْتِدْلاَلاً بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمْ يُجِزْهَا، وَاسْتَدَل بِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَال: وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا، نَهَانَا أَنْ نُحَاقِل بِالأَْرْضِ فَنُكْرِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى. وَأَمَرَ رَبَّ الأَْرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا وَكَرِهَ كِرَاءَهَا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لأَِبِي دَاوُدَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلاَ يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلاَ بِرُبُعٍ، وَلاَ بِطَعَامٍ مُسَمًّى (13) .
وَهَذَا مُتَأَخِّرٌ عَمَّا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الإِْبَاحَةِ وَيَعْمَلُونَهُ فَاقْتَضَى نَسْخَهُ؛ لأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ مَعْدُومَةٍ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ؛ وَلأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَحْصُل مِنْ عَمَلِهِ فَلاَ يَجُوزُ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ.
لَكِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ اخْتَلَفُوا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مُسَاقَاة)
د - الْمُزَارَعَةُ:
9 - الْمُزَارَعَةُ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالاِسْتِدْلاَل فِيهَا كَالاِسْتِدْلاَل فِي الْمُسَاقَاةِ (14) . وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُزَارَعَة) .
ضَمَانُ الرِّيعِ:
10 - يَظْهَرُ ضَمَانُ الرِّيعِ فِي حَالَةِ الْغَصْبِ، وَهُوَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى مَال الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (15)
. وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْمَغْصُوبِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ (16) .
كَمَا أَنَّ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ مِنْ ثَمَرِ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ، أَوْ تَنَاسُل حَيَوَانٍ أَوْ صُوفٍ جُزَّ، أَوْ لَبَنٍ حُلِبَ يَجِبُ رَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ الْمَغْصُوبِ، فَإِنْ أَكَلَهُ الْغَاصِبُ أَوْ تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ، لأَِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَكَانَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلُهُ إِنْ كَانَ تَالِفًا. وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: زَوَائِدُ الْغَصْبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لاَ تُضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ. (17) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (غَصْب) . زَكَاةُ الرِّيعِ:
11 - مَا تُخْرِجُهُ الأَْرْضُ مِنْ زَرْعٍ وَمَا تَحْمِلُهُ الأَْشْجَارُ مِنْ ثِمَارٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ.
وَزَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ فَرْضٌ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ} (18) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (19) ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: فِيمَا سَقَتِ الأَْنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ (20) .
وَسَبَبُ فَرْضِيَّةِ الزَّكَاةِ فِي الزُّرُوعِ: الأَْرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، حَتَّى إِنَّ الأَْرْضَ لَوْ لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا لَمْ تَجِبْ زَكَاةٌ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنَ الْخَارِجِ، وَإِيجَابُ جُزْءٍ مِنَ الْخَارِجِ وَلاَ خَارِجَ مُحَالٌ، كَمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنَ الأَْرْضِ مِمَّا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ نَمَاءُ الأَْرْضِ وَتُسْتَغَل بِهِ الأَْرْضُ عَادَةً، فَلاَ عُشْرَ فِي الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ لاَ تُسْتَنْمَى بِهَا الأَْرْضُ وَلاَ تُسْتَغَل بِهَا عَادَةً؛ لأَِنَّ الأَْرْضَ لاَ تَنْمُو بِهَا، بَل تَفْسُدُ، فَلَمْ تَكُنْ نَمَاءَ الأَْرْضِ.
وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاة) . (1)
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير والمغرب، والكليات 2 / 389
(2) ابن عابدين 3 / 421، و5 / 444، ومنح الجليل 4 / 41 - 62، والشرح الصغير 2 / 305 ط الحلبي وشرح منتهى الإرادات 2 / 490، 506، وكشاف القناع 4 /
(3) لسان العرب والكليات 1 / 416، والمهذب 1 / 353
(4) حديث: " إن شئت حبست أصلها. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 355 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1255 - ط الحلبي) . واللفظ لمسلم
(5) الاختيار 3 / 41، منح الجليل 4 / 35، ومغني المحتاج 2 / 376، 389 - 390، والمهذب 1 / 450، وشرح منتهى الإرادات 2 / 489، 490، والمغني 5 / 598.
(6) حديث حجر المدري رواه الأثرم كما في المغني لابن قدامة (5 / 604 - 605 - ط الرياض) وهو مرسل، لأن حجرا المدري تابعي
(7) ابن عابدين 3 / 387، والهداية 3 / 17 - 18، والزيلعي 3 / 328، ومنح الجليل 4 / 47، وجواهر الإكليل 2 / 206، والمهذب 1 / 448، ومنتهى الإرادات 2 / 494، والمغني 5 / 604 - 605.
(8) ابن عابدين 3 / 400، 2 / 49، ومنح الجليل 4 / 77، والمجموع 5 / 292، 457، والمغني 5 / 639
(9) العناية بهامش فتح القدير 2 / 243، والبدائع 2 / 61، ومنح الجليل 4 / 77، والمجموع شرح المهذب 5 / 292، 457، والمغني 5 / 639
(10) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 1 / 229 ط الحلبي، والمجموع 5 / 292، وشرح منتهى الإرادات 2 / 499
(11) الهداية 4 / 254 - 255 وجواهر الإكليل 2 / 317 ومغني المحتاج 3 / 45، والمغني 6 / 59.
(12) حديث: " عامل رسول الله ﷺ أهل خيبر. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 10 - ط السلفية) .
(13) حديث رافع بن خديج أخرجه مسلم (3 / 1181 - ط الحلبي) ، وأخرج الرواية الأخرى أبو داود (3 / 689 - تحقيق عزت عبيد الدعاس) .
(14) الاختيار 3 / 74، والهداية 4 / 53، وجواهر الإكليل 2 / 182، والمغني 5 / 416.
(15) سورة النساء / 29.
(16) حديث: على اليد ما أخذت حتى تؤدي ". أخرجه أبو داود (3 / 822 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث الحسن عن سمرة، وقال ابن حجر: " الحسن مختلف في سماعه من سمرة ". التلخيص (3 / 53 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(17) الاختيار 3 / 59، 64، والهداية 4 / 19، والشرح الصغير 2 / 214 ط الحلبي، والدسوقي 3 / 448، والمهذب 1 / 377، والمغني 5 / 256، 260، ومنتهى الإرادات 2 / 405 - 406.
(18) سورة البقرة / 267.
(19) سورة الأنعام / 141.
(20) حديث: " فيما سقت الأنهار والغيم. . . " أخرجه مسلم (2 / 675 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 206/ 23