الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
طلب الإنسان من غيره شغلَ ذمته بديْن . سواء كان هذا الدين، إجارة، أو ضمان متلف، أو عوضاً عن مبيع، أو قرضاً . وفي الحديث الشريف : " مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ". البخاري :2387.
الاسْتِدانَةُ: الاسْتِقْراضُ وطَلَبُ الدَّيْنِ، يُقَالُ: اسْتَدانَ، يَسْتَدِينُ، اسْتِدانَةً، أيْ: طَلَبَ مِن غَيْرِهِ دَيْناً أو قَرْضاً، والقَرْضُ والدَّيْنُ: هو ما يُعْطَى مِن الـمالِ الـمَدْفوعِ لِـمَن يَنْتَفِعُ بِهِ ويَرُدُّ بَدَلَهُ، والـمُدايَنَةُ: الشِّراءُ إلى أَجَلٍ.
يَرِد مُصطلَح (اسْتِدانَة) في الفقه في مَواطِنَ، منها: كتاب الزَّكاة، باب: وُجوب إِخْراجِ الزَّكاةِ، وفي كتاب الحَجِّ، باب: شُروط الـحَجِّ، وفي كتاب النِّكاحِ، باب: وُجوب النَّفَقَةِ، وفي كتاب الشَّرِكاتِ، باب: شَرِكَة الوُجوهِ، وشَرِكَة الـمُضارَبَةِ، وفي كتاب الوَقْف، باب: ناظِر الوَقْفِ، وفي كتاب الأيْمان والنُّذورِ، باب: كفّارَة اليَمينِ.
دين
طلَبُ أَخْذِ مالٍ مِن غَيْرِك لِرَدِّ مِثْلِهِ في الـمُسْتَقْبَلِ.
الاسْتِدَانَةُ: طَلَبُ الشَّخْصِ أَخْذَ مالٍ مِن غَيْرِه؛ لِيَرُدَّ مِثْلَهُ في الـمُسْتَقْبَلِ، سَواءً كان الـمالُ عِوَضاً في مَبِيعٍ، أو إِجارَةٍ، أو قَرْضاً، أو ضَمانَ مُتْلَفٍ، أو غَيْرَ ذلك، وتكون الاِسْتِدانَةُ إمّا لأَداءِ حُقوقِ اللهِ تعالى، كَالـحَجِّ، والزَّكاةِ، ونَـحوِ ذلك، أو لأَداءِ حُقوقِ العِبادِ، كالنَّفَقَةِ على الزَّوْجَةِ والأَولادِ، وأداءِ الدَّيْنِ، ونـحْوِ ذلك، أو لـِحَقِّ النَّفْسِ، كاسْتِدانَةِ الـمُضْطَرِّ لإحْياءِ نَفْسِهِ.
الاسْتِدانَةُ: الاسْتِقْراضُ وطَلَبُ الدَّيْنِ، يُقَالُ: اسْتَدانَ، يَسْتَدِينُ، اسْتِدانَةً، أيْ: طَلَبَ مِن غَيْرِهِ دَيْناً، والدَّيْنُ: هو ما يُعْطَى مِن الـمالِ الـمَدْفوعُ لِـمَن يَنْتَفِعُ بِهِ ويَرُدُّ بَدَلَهُ.
طلب الإنسان من غيره شغلَ ذمته بديْن.
* المحكم والمحيط الأعظم : (9/397)
* لسان العرب : (13/164)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/205)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 60)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (3/262)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (1/157)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (3/262) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِدَانَةُ لُغَةً: الاِسْتِقْرَاضُ وَطَلَبُ الدَّيْنِ، أَوْ: صَيْرُورَةُ الشَّخْصِ مَدِينًا، أَوْ: أَخْذُهُ.
وَالْمُدَايَنَةُ: التَّبَايُعُ بِالأَْجَل. وَالْقَرْضُ: هُوَ مَا يُعْطَى مِنَ الْمَال لِيُقْضَى (1) .
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَتُطْلَقُ الاِسْتِدَانَةُ وَيُرَادُ بِهَا: طَلَبُ أَخْذِ مَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَغْل الذِّمَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ عِوَضًا فِي مَبِيعٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ قَرْضًا، أَوْ ضَمَانَ مُتْلَفٍ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِقْرَاضُ:
2 - الاِسْتِقْرَاضُ: طَلَبُ الْقَرْضِ، وَكُلٌّ مِنَ الْقَرْضِ وَالدَّيْنِ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
وَعَلَى هَذَا فَالاِسْتِدَانَةُ أَعَمُّ مِنْ الاِسْتِقْرَاضِ، إِذْ الدَّيْنُ شَامِلٌ عَامٌّ لِلْقَرْضِ وَغَيْرِهِ.
وَفَرَّقَ الْمُرْتَضَى الزُّبَيْدِيُّ بَيْنَ الاِسْتِدَانَةِ وَالاِسْتِقْرَاضِ، بِأَنَّ الاِسْتِدَانَةَ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ إِلَى أَجَلٍ، فِي حِينِ أَنَّ الاِسْتِقْرَاضَ لاَ يَكُونُ إِلَى أَجَلٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَقُولُونَ بِلُزُومِ الأَْجَل فِي الْقَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقْرِضِ (ر. أَجَل (1)) .
ب - الاِسْتِلاَفُ:
3 - الاِسْتِلاَفُ لُغَةً: أَخْذُ السَّلَفِ، وَسَلَفَ فِي كَذَا وَأَسْلَفَ: إِذَا قَدَّمَ الثَّمَنَ فِيهِ. وَالسَّلَفُ كَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ بِلاَ مَنْفَعَةٍ أَيْضًا. يُقَال: أَسْلَفَهُ مَالاً إِذَا أَقْرَضَهُ (2) .
صِفَةُ الاِسْتِدَانَةِ (حُكْمُهَا التَّكْلِيفِيُّ) :
4 - الأَْصْل فِي الاِسْتِدَانَةِ الإِْبَاحَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . (3) وَلأَِنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَسْتَدِينُ.
وَقَدْ تَعْتَرِيهَا أَحْكَامٌ أُخْرَى بِحَسَبِ السَّبَبِ الْبَاعِثِ، كَالنَّدْبِ فِي حَال عُسْرِ الْمَدِينِ، وَكَالْوُجُوبِ لِلْمُضْطَرِّ، وَكَالتَّحْرِيمِ فِيمَنْ يَسْتَدِينُ قَاصِدًا الْمُمَاطَلَةَ، أَوْ جَحْدَ الدَّيْنِ (4) . وَكَالْكَرَاهَةِ إِذَا كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، وَلَيْسَ مُضْطَرًّا وَلاَ قَاصِدًا الْمُمَاطَلَةَ.
صِيغَةُ الاِسْتِدَانَةِ:
5 - تَكُونُ الاِسْتِدَانَةُ بِكُل مَا يَدُل عَلَى الْتِزَامِ الذِّمَّةِ بِدَيْنٍ، قَرْضًا كَانَ أَوْ سَلَمًا، أَوْ ثَمَنًا لِمَبِيعٍ بِأَجَلٍ وَيُفَصِّل الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلاَمِ فِي مُصْطَلَحِ: (عَقْد) (وَقَرْض) (وَدَيْن (3)) .
الأَْسْبَابُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الاِسْتِدَانَةِ:
أَوَّلاً: الاِسْتِدَانَةُ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى:
6 - حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ، كَالزَّكَاةِ، لاَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إِلاَّ عَلَى الْغَنِيِّ الْقَادِرِ عَلَيْهَا - وَالْغَنِيُّ فِي كُل تَكْلِيفٍ بِحَسَبِهِ - فَلاَ يُكَلَّفُ بِالاِسْتِدَانَةِ لِيَصِيرَ مُلْزَمًا بِشَيْءٍ مِنْهَا بِالاِتِّفَاقِ (5) . أَمَّا مَا شَرَطَ اللَّهُ لِوُجُوبِهِ الاِسْتِطَاعَةَ، كَالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَالاِسْتِدَانَةُ لأَِجْلِهِ مَكْرُوهَةٌ أَوْ حَرَامٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَخِلاَفُ الأَْفْضَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. أَمَّا إِنْ كَانَ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الأَْفْضَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (6) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - يُفْهَمُ مِمَّا فِي الْمُغْنِي - أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ بِالاِسْتِدَانَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ (7) .
فَإِذَا وَجَبَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ عَلَى عَبْدٍ حَال غِنَاهُ، ثُمَّ افْتَقَرَ قَبْل أَدَائِهَا، فَهَل يُكَلَّفُ بِالاِسْتِدَانَةِ لأَِدَائِهَا؟ يُفَرِّقُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَقْرَضَ وَأَدَّى الزَّكَاةَ، وَاجْتَهَدَ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ الأَْفْضَل لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ، فَإِنِ اسْتَقْرَضَ وَأَدَّى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى مَاتَ، يُرْجَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى دَيْنَهُ فِي الآْخِرَةِ.
وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَقْرَضَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، كَانَ الأَْفْضَل لَهُ أَلاَّ يَسْتَقْرِضَ، لأَِنَّ خُصُومَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَشَدُّ (8) . وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الاِسْتِقْرَاضُ عَلَى كُل حَالٍ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، فَتَلِفَ الْمَال بَعْدَ وُجُوبِهَا، فَأَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا أَدَّاهَا، وَإِلاَّ أُمْهِل إِلَى مَيْسَرَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ، قَالُوا: لأَِنَّهُ إِذَا لَزِمَ الإِْنْظَارُ فِي دَيْنِ الآْدَمِيِّ الْمُعَيَّنِ فَهَذَا أَوْلَى (9) .
وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الشَّافِعِيَّةُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ.
ثَانِيًا: الاِسْتِدَانَةُ لأَِدَاءِ حُقُوقِ الْعِبَادِ:
أ - الاِسْتِدَانَةُ لِحَقِّ النَّفْسِ:
7 - تَجِبُ الاِسْتِدَانَةُ عَلَى الْمُضْطَرِّ لإِِحْيَاءِ نَفْسِهِ؛ لأَِنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى حِفْظِ الْمَال، صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَقَوَاعِدُ غَيْرِهِمْ لاَ تَأْبَاهُ؛ لِمَا وَرَدَ فِي الضَّرُورَةِ مِنْ نُصُوصٍ مَعْرُوفَةٍ (10) .
أَمَّا الاِسْتِدَانَةُ لِسَدِّ حَاجَةٍ مِنَ الْحَاجِيَّاتِ، فَهُوَ جَائِزٌ إِنْ كَانَ يَرْجُو وَفَاءً، وَإِنْ كَانَ الأَْوْلَى لَهُ أَنْ يَصْبِرَ. لِمَا فِي الاِسْتِدَانَةِ مِنَ الْمِنَّةِ، قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ. لاَ بَأْسَ أَنْ يَسْتَدِينَ الرَّجُل إِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ لاَ بُدَّ مِنْهَا، وَهُوَ يُرِيدُ قَضَاءَهَا (11) . وَكَلِمَةُ " لاَ بَأْسَ " إِذَا أَطْلَقَهَا فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهَا: مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يَرْجُو وَفَاءً فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الاِسْتِدَانَةُ، وَالصَّبْرُ وَاجِبٌ؛ لِمَا فِي الاِسْتِدَانَةِ مِنْ تَعْرِيضِ مَال الْغَيْرِ إِلَى الإِْتْلاَفِ (12) .
أَمَّا الاِسْتِدَانَةُ مِنْ أَجْل غَايَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ، كَمَا إِذَا اسْتَدَانَ لِيُنْفِقَ فِي وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، مِثْل أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَال مَا يَكْفِيهِ، فَيَتَوَسَّعُ فِي النَّفَقَةِ. وَيَسْتَدِينُ لأَِجْل أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا؛ لأَِنَّ قَصْدَهُ مَذْمُومٌ (13) . ب - الاِسْتِدَانَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ.
أَوَّلاً - الاِسْتِدَانَةُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ:
8 - لاَ يُلْزَمُ الْمُعْسِرُ بِالاِسْتِدَانَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ غُرَمَائِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (14) . وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مِنَّةٍ (15) . وَلأَِنَّ الضَّرَرَ لاَ يُزَال بِمِثْلِهِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَقَوَاعِدُ غَيْرِهِمْ لاَ تَأْبَاهُ.
ثَانِيًا: الاِسْتِدَانَةُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ:
9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا أَمْ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا، وَلَهُ مَالٌ، أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْحَنَفِيَّةِ يَرَوْنَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ، ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالاِسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ تَسْتَدِينُ مِنْهُ أَوْجَبَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً، أَمَّا إِنْ كَانَ غَائِبًا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ، فَإِنَّهُ لاَ تُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ عَلَيْهِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ، وَقَوْلُهُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لَهَا الاِسْتِدَانَةَ، لَهَا وَلأَِوْلاَدِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَدَانَتْ. وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَسْقُطُ بِالإِْعْسَارِ إِذَا ثَبَتَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ فَلَهَا أَنْ تَسْتَدِينَ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْهُ جَبْرًا عَنْهُ. وَإِذَا كَانَ لاَ مَال لَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ، أُجْبِرَ عَلَى التَّكَسُّبِ، وَيَسْتَدِينُ لِلنَّفَقَةِ الْحَاضِرَةِ، أَمَّا إِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الاِسْتِدَانَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَدِنْ كَانَ لَهَا طَلَبُ الْفَسْخِ (16) .
ثَالِثًا: الاِسْتِدَانَةُ لِلإِْنْفَاقِ عَلَى الأَْوْلاَدِ وَالأَْقَارِبِ:
10 - نَفَقَةُ الصِّغَارِ مِنَ الأَْوْلاَدِ الْفُقَرَاءِ غَيْرِ الْمُتَكَسِّبِينَ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الْوَالِدِ دُونَ غَيْرِهِ فِي الأَْصْل، فَإِنِ امْتَنَعَ عَنِ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ مُوسِرًا، أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤْمَرُونَ بِالاِسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: تُؤْمَرُ الأُْمُّ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا إِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، وَإِلاَّ أُلْزِمَ بِنَفَقَتِهِمْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الأَْبُ مَيِّتًا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُنْفِقُ عَلَى الأَْبِ إِنْ أَيْسَرَ (17) . وَإِنْ كَانَ الأَْبُ زَمِنًا اعْتُبِرَ كَالْمَيِّتِ، فَلاَ رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ بَل هُوَ تَبَرُّعٌ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ كَالْحَنَفِيَّةِ فِي حَال الْيَسَارِ، وَيَنُوبُ عَنْ إِذْنِ الْقَاضِي عِنْدَهُمْ إِشْهَادُ الْمُنْفِقِ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى سَبِيل الرُّجُوعِ، أَوْ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ (18) . أَمَّا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا فَيُعْتَبَرُ الإِْنْفَاقُ عَلَى أَوْلاَدِهِ تَبَرُّعًا مِنَ الْمُنْفِقِ، لاَ رُجُوعَ لَهُ وَلَوْ أَيْسَرَ الأَْبُ بَعْدَئِذٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لِلأَْوْلاَدِ الاِسْتِدَانَةُ بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَلاَ رُجُوعَ إِلاَّ إِذَا حَصَل الاِقْتِرَاضُ بِالْفِعْل لِلْمُنْفِقِ الْمَأْذُونِ (19) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَدَانُ لِلأَْوْلاَدِ بِإِذْنٍ، لَكِنْ لَوِ اسْتَدَانَتِ الأُْمُّ لَهَا وَلأَِوْلاَدِهَا بِلاَ إِذْنٍ جَازَ تَبَعًا لِلأُْمِّ. أَمَّا الاِسْتِدَانَةُ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالأَْوْلاَدِ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ كَبِيرٌ، مَوْطِنُهُ " نَفَقَة (20) ".
الاِسْتِدَانَةُ لِيَتَمَحَّضَ الْمَال حَلاَلاً:
11 - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ بِمَالٍ حَلاَلٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَفَّرْ لَهُ إِلاَّ مَالٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَأَرَادَ أَنْ يَحُجَّ بِمَالٍ حَلاَلٍ، فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: يَسْتَدِينُ لِلْحَجِّ، وَيَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ (21) .
شُرُوطُ صِحَّةِ الاِسْتِدَانَةِ:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: عَدَمُ انْتِفَاعِ الدَّائِنِ:
12 - إِنَّ انْتِفَاعَ الدَّائِنِ مِنْ عَمَلِيَّةِ الاِسْتِدَانَةِ إِمَّا أَنْ يَتِمَّ بِشَرْطٍ فِي الْعَقْدِ، أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِفَ - أَيِ الدَّائِنَ - إِذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَلِفِ زِيَادَةً أَوْ هَدِيَّةً، فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ أَخْذَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ رِبًا، وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَوْلَهُ: كُل قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا (22) . وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ السَّنَدِ إِلاَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ مَعْنًى، وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ كُل قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ. وَلأَِنَّ عَقْدَ الاِسْتِدَانَةِ عَقْدُ إِرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، وَاشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ لِلدَّائِنِ إِخْرَاجٌ لَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، وَهُوَ شَرْطٌ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُلاَئِمُهُ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ كَثِيرًا مِنَ التَّطْبِيقَاتِ الْعَمَلِيَّةِ عَلَى الْقَرْضِ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا لِلدَّائِنِ (23) . وَمِنْ ذَلِكَ:
أَنْ يَشْتَرِطَ الدَّائِنُ أَنْ يَرُدَّ لَهُ الْمَدِينُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ، وَهَذَا هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ (ر: رِبا) . وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ الدَّائِنِ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ، أَوْ كَفِيلاً ضَمَانًا لِدَيْنِهِ؛ لأَِنَّ هَذَا شَرْطٌ يُلاَئِمُ الْعَقْدَ كَمَا سَيَأْتِي.
أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي حَصَل عَلَيْهَا الدَّائِنُ مِنَ الْمَدِينِ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ (24) . وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَقَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: {
أَقْبَلْنَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَاعْتَل جَمَلِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، وَفِيهِ ثُمَّ قَال: بِعْنِي جَمَلَكَ هَذَا، قَال: فَقُلْتُ: لاَ، بَل هُوَ لَكَ، قَال: بَل بِعْنِيهِ، قَال: قُلْتُ: لاَ، بَل هُوَ لَكَ يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: لاَ، بَل بِعْنِيهِ، قَال: قُلْتُ: فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا، قَال: قَدْ أَخَذْتُهُ، فَتَبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ لِبِلاَلٍ: أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِيَادَةً، قَال: فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزَادَنِي قِيرَاطًا (25) وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي الْقَدْرِ.
13 - أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ: فَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّ رَسُول اللَّهِ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِل الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُل بَكْرَهُ (26) ، فَرَجَعَ أَبُو رَافِعٍ فَقَال: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاَّ خِيَارًا بَعِيرًا رُبَاعِيًّا، فَقَال: أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً. (27)
وَلأَِنَّهُ لَمْ يَجْعَل تِلْكَ الزِّيَادَةَ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ، وَلاَ وَسِيلَةً إِلَيْهِ، وَلاَ إِلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ.
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أُبَيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ النَّخَعِيِّ: لاَ يَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ قَبُول هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وَلاَ الْحُصُول عَلَى مَا بِهِ الاِنْتِفَاعُ لَهُ، كَرُكُوبِ دَابَّتِهِ، وَشُرْبِ شَيْءٍ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمَا قَبْل الْقَرْضِ، أَوْ حَدَثَ مَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ؛ لِزَوَاجٍ وَوِلاَدَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (28) .
قَال الدُّسُوقِيُّ: " وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ الشُّرْبِ وَالتَّظَلُّل، وَكَذَلِكَ الأَْكْل إِنْ كَانَ لأَِجْل الإِْكْرَامِ لاَ لأَِجْل الدَّيْنِ " لأَِنَّهُ إِنْ أَخَذَ فَضْلاً، أَوْ حَصَل عَلَى مَنْفَعَةٍ يَكُونُ قَدْ تَعَاطَى قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً بِالْفِعْل، فَقَدْ رَوَى الأَْثْرَمُ أَنَّ رَجُلاً كَانَ لَهُ عَلَى، سَمَّاكٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، فَجَعَل يُهْدِي إِلَيْهِ السَّمَكَ وَيُقَوِّمُهُ، حَتَّى بَلَغَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَسَأَل ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَال لَهُ: أَعْطِهِ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَأَهْدَى إِلَيْهِ أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرَةِ أَرْضِهِ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَأَتَاهُ أُبَيٌّ فَقَال: لَقَدْ عَلِمَ أَهْل الْمَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً، وَأَنَّهُ لاَ حَاجَةَ لَنَا، فَبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا؟ ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِل. وَهَذَا يَدُل عَلَى رَدِّهَا عِنْدَ الشُّبْهَةِ، وَقَبُولِهَا عِنْدَ انْتِفَائِهَا.
وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَال: قُلْتُ لأُِبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسِيرَ إِلَى أَرْضِ الْجِهَادِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَقَال: إِنَّكَ تَأْتِي أَرْضًا فَاشٍ فِيهَا الرِّبَا، فَإِنْ أَقْرَضْتَ رَجُلاً قَرْضًا فَأَتَاكَ بِقَرْضِكَ، وَمَعَهُ هَدِيَّةٌ، فَاقْبِضْ قَرْضَكَ، وَأَرْدُدْ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ (29) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: عَدَمُ انْضِمَامِ عَقْدٍ آخَرَ:
14 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاِسْتِدَانَةِ أَلاَّ يَنْضَمَّ إِلَيْهَا عَقْدٌ آخَرُ، سَوَاءٌ اشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الاِسْتِدَانَةِ، أَمْ تَمَّ التَّوَافُقُ عَلَيْهِ خَارِجَهُ، كَأَنْ يُؤَجِّرَ الْمُسْتَقْرِضُ دَارَهُ لِلْمُقْرِضِ (30) ، أَوْ يَسْتَأْجِرَ الْمُسْتَقْرِضُ دَارَ الْمُقْرِضِ، لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ. (31)
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا) .
الاِسْتِدَانَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، وَلِبَيْتِ الْمَال، وَنَحْوِهِ، كَالْوَقْفِ:
15 - الأَْصْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الاِسْتِدَانَةَ لِبَيْتِ الْمَال، أَوْ مِنْهُ جَائِزَةٌ شَرْعًا.
أَمَّا الاِسْتِدَانَةُ مِنْهُ: فَلِمَا وَرَدَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَقْرَضَ مِنْ بَيْتِ الْمَال سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَمَاتَ وَهِيَ عَلَيْهِ، فَأَوْصَى أَنْ تُقْضَى عَنْهُ.
وَقَال عُمَرُ: إِنِّي أَنْزَلْتُ مَال اللَّهِ مِنِّي مَنْزِلَةَ مَال الْيَتِيمِ، إِنِ احْتَجْتُ إِلَيْهِ أَخَذْتُ مِنْهُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ.
أَمَّا الاِسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ: فَلِمَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ إِبِل الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُل بَكْرَهُ. (32) . . الْحَدِيثَ. فَهَذِهِ اسْتِدَانَةٌ عَلَى بَيْتِ الْمَال؛ لأَِنَّ الرَّدَّ كَانَ مِنْ مَال الصَّدَقَةِ، وَكُل هَذَا يُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ، وَالْحَيْطَةُ الشَّدِيدَةُ فِي تَوْثِيقِ الدَّيْنِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ.
وَيُشْتَرَطُ لِذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْوَقْفِ - وَبَيْتِ الْمَال مِثْلُهُ - أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ مَنْ لَهُ الْوِلاَيَةُ، وَأَنْ يَكُونَ الإِْقْرَاضُ لِمَلِيءٍ مُؤْتَمَنٍ، وَأَلاَّ يُوجَدَ مَنْ يَقْبَل الْمَال مُضَارَبَةً، وَأَلاَّ يُوجَدَ مُسْتَغَلاَّتٌ تُشْتَرَى بِذَلِكَ الْمَال.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَقْفِ بِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِشَرْطِ الْوَاقِفِ عَنْ إِذْنِ الْقَاضِي. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي مَال الْيَتِيمِ وَمَال الْغَائِبِ وَاللُّقَطَةِ (33) . وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ، مَوْطِنُهُ مُصْطَلَحُ: (قَرْض) (وَدَيْن) .
آثَارُ الاِسْتِدَانَةِ:
أ - ثُبُوتُ الْمِلْكِ:
16 - يَمْلِكُ الْمُسْتَدِينُ الْمَحَل الْمُقَابِل لِلدَّيْنِ بِالْعَقْدِ نَفْسِهِ إِلاَّ فِي الْقَرْضِ، فَفِيهِ ثَلاَثَةُ اتِّجَاهَاتٍ هِيَ: أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ، أَوْ بِالْقَبْضِ، أَوْ بِالاِسْتِهْلاَكِ (34) ، عَلَى تَفْصِيلٍ مَوْطِنُهُ مُصْطَلَحُ: (قَرْض) .
ب - حَقُّ الْمُطَالَبَةِ، وَحَقُّ الاِسْتِيفَاءِ:
17 - مِنْ آثَارِ الاِسْتِدَانَةِ وُجُوبُ الْوَفَاءِ عَلَى الْمُسْتَدِينِ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (35) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: مَطْل الْغَنِيِّ ظُلْمٌ. (36) وَنَدْبُ الإِْحْسَانِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَوُجُوبُ إِنْظَارِ الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ إِلَى حِينِ الْمَيْسَرَةِ بِالاِتِّفَاقِ (37) .
وَاسْتَدَل لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (38) وَأَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الدُّيُونِ كُلِّهَا وَلَيْسَتْ خَاصَّةً بِالرِّبَا.
ج - حَقُّ الْمَنْعِ مِنَ السَّفَرِ:
18 - لِلدَّائِنِ فِي الْجُمْلَةِ حَقُّ مَنْعِ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ فِي الدَّيْنِ الْحَال، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَدِينِ مَالٌ حَاضِرٌ يُمْكِنُهُ الاِسْتِيفَاءُ مِنْهُ، أَوْ كَفِيلٌ، أَوْ رَهْنٌ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ لأَِنَّ سَفَرَ الْمَدِينِ قَدْ يُفَوِّتُ عَلَى الدَّائِنِ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُلاَزَمَةِ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ تَبَعًا لِنَوْعِ الدَّيْنِ، وَالأَْجَل، وَالسَّفَرِ، وَالْمَدِينِ. (ر: دَيْن (4))
د - حَقُّ مُلاَزَمَةِ الْمَدِينِ:
19 - مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ أَنْ يُلاَزِمَ الْمَدِينَ - عَلَى تَفْصِيلٍ فِي هَذِهِ الْمُلاَزَمَةِ - إِلاَّ إِذَا كَانَ الدَّائِنُ رَجُلاً وَالْمَدِينُ امْرَأَةً؛ لِمَا فِي مُلاَزَمَتِهَا مِنَ الإِْفْضَاءِ إِلَى الْخَلْوَةِ بِالأَْجْنَبِيَّةِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لِلدَّائِنِ أَنْ يَبْعَثَ بِالْمَرْأَةِ تَنُوبُ عَنْهُ فِي مُلاَزَمَتِهَا، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ (39) . هـ - طَلَبُ الإِْجْبَارِ عَلَى الْوَفَاءِ:
20 - يَلْزَمُ الْمَدِينَ وَفَاءُ دَيْنِهِ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنِ امْتَنَعَ وَكَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ مِثْلِيًّا وَعِنْدَهُ مِثْلُهُ، قَضَى الْقَاضِي الدَّيْنَ مِمَّا عِنْدَهُ جَبْرًا عَنْهُ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلِيًّا، وَمَا عِنْدَهُ قِيَمِيٌّ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ) إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ مَا عِنْدَ الْمَدِينِ جَبْرًا عَنْهُ - عَدَا حَاجَاتِهِ الضَّرُورِيَّةِ - وَيَقْضِي دَيْنَهُ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ (40) .
و الْحَجْرُ عَلَى الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ:
21 - الْحَجْرُ عَلَى الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ أَجَازَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَمَنَعَهُ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ سَيَأْتِي فِي (حَجْر) (وَإِفْلاَس) .
ز - حَبْسُ الْمَدِينِ:
22 - لِلدَّائِنِ أَنْ يَطْلُبَ حَبْسَ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الْمُمْتَنِعِ عَنِ الْوَفَاءِ (41) .
اخْتِلاَفُ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ:
23 - إِذَا اخْتَلَفَ الدَّائِنُ وَالْمَدِينُ وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا، فَالْقَوْل قَوْل الْمَدِينِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الصِّفَةِ، وَالْقَدْرِ، وَالْيَسَارِ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الدَّائِنِ فِي الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ مَكَانُهُ مَبْحَثُ (دَعْوَى) .
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس مادة (دين، قرض) .
(2) المغرب للمطرزي مادة (سلف) ، وابن عابدين 4 / 203
(3) سورة البقرة / 282
(4) حاشية الشرواني على التحفة 5 / 37، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 223 طبع دار الفكر - بيروت.
(5) مواهب الجليل 1 / 343، ومغني المحتاج 1 / 187، ومطالب أولي النهى 1 / 339 طبع المكتب الإسلامي، وحاشية ابن عابدين 3 / 346، والفتاوى الهندية 5 / 307، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 358 طبع بيروت - دار الهلال.
(6) ابن عابدين 2 / 114، 141، والحطاب 2 / 505 - 506، والأم 2 / 116 ط بيروت، والدسوقي 2 / 7
(7) المغني مع الشرح الكبير 3 / 170
(8) فتاوى قاضيخان بهامش الهندية 1 / 256، وحاشية ابن عابدين 2 / 140
(9) الشرح الكبير مع المغني 2 / 465
(10) مواهب الجليل 4 / 545، والشرواني 5 / 37
(11) الفتاوى الهندية 5 / 366
(12) حاشية الشرواني على التحفة 5 / 37
(13) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 497، والمغني 4 / 448
(14) سورة البقرة / 280
(15) جواهر الإكليل 2 / 90 طبع دار المعرفة، وحاشية الدسوقي 3 / 270، والمغني 4 / 448 ط المنار الثالثة.
(16) نهاية المحتاج 7 / 203 طبع المكتبة الإسلامية، وحاشية ابن عابدين 2 / 686، ومواهب الجليل 4 / 202، والحطاب 4 / 205، وشرح منتهى الإرادات 3 / 252، 257، ومطالب أولي النهى 5 / 646، 649
(17) حاشية ابن عابدين 2 / 673، 677، 686، وتبيين الحقائق 3 / 54، والفتاوى الهندية 1 / 551، وفتح القدير 3 / 325 طبع بولاق، والهداية بشرح فتح القدير 3 / 346 طبع بولاق.
(18) مواهب الجليل 4 / 193، وحاشية الدسوقي 3 / 274
(19) الإقناع 4 / 144، وحاشية قليوبي 4 / 85، وتحفة المحتاج 8 / 346، ومغني المحتاج 4 / 448
(20) شرح منتهى الإرادات 3 / 257
(21) الفتاوى الهندية 1 / 220
(22) حديث: " كل قرض جر منفعة. . . " رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث علي مرفوعا، وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك، قال عمر بن بدر في المغني: لم يصح فيه شيء (تلخيص الحبير 3 / 24 ط شركة الطباعة الفنية 1384 هـ، وفيض القدير 5 / 28 ط المكتبة التجارية 1356 هـ) وأخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم (نيل الأوطار 5 / 350 - 351 ط دار الجيل ببيروت) .
(23) فتح القدير 4 / 452، وأسنى المطالب 2 / 142
(24) المغني 4 / 321، وتحفة المحتاج 5 / 47، وأسهل المدارك 2 / 218، وابن عابدين 4 / 295
(25) حديث: " أقبلنا من مكة. . . " أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله 3 / 1222 ط عيسى الحلبي.
(26) هو من الإبل ما بلغ سبع سنين.
(27) حديث: " إن رسول الله ﷺ استسلف من رجل. . . . " أخرجه مسلم من حديث أبي رافع مرفوعا 3 / 1224 ط عيسى الحلبي.
(28) حاشية الدسوقي 3 / 224، وأسهل المدارك 2 / 318، والمغني 4 / 322، والمحلى 8 / 86، وآثار محمد بن الحسن ص 132
(29) المغني 4 / 320 وما بعدها.
(30) المغني 4 / 320، وتحفة المحتاج 5 / 47، وحاشية ابن عابدين 5 / 39
(31) حديث: " أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع وسلف " رواه مالك بلاغا، والبيهقي موصولا، وصححه الترمذي، ورواه النسائي والحاكم عن عبد الله بن عمرو مرفوعا وهو عند البيهقي من حديث ابن عباس بسند ضعيف، وفي الطبراني من حديث حكيم بن حزام (تلخيص الحبير 3 / 17 ط شركة الطباعة الفنية 1384 هـ) .
(32) حديث: " أن رسول الله ﷺ استسلف. . . " تقدم تخريجه فقرة (13)
(33) ابن عابدين 4 / 341، والمغني 4 / 243، والقليوبي 3 / 109، وآثار أبي يوسف ص 913، والمحلى 8 / 324 ط المنيرية.
(34) شرح الخرشي 5 / 232، وبدائع الصنائع 10 / 4984، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 574، والمغني 4 / 317، ومطالب أولي النهى 3 / 240، وتحفة المحتاج 5 / 48
(35) سورة البقرة / 178
(36) حديث: " مطل الغني. . . " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا 3 / 1197 ط عيسى الحلبي.
(37) أسنى المطالب 2 / 186، والفتاوى الهندية 5 / 63، وتفسير القرطبي 3 / 372
(38) سورة البقرة / 280
(39) أسنى المطالب 2 / 44، والفتاوى الهندية 5 / 63
(40) أسنى المطالب 2 / 193،187، وحاشية الدسوقي 3 / 269، 270، والمغني 4 / 137، 444 وما بعدها، والفتاوى الهندية 5 / 61 وما بعدها، وتبيين الحقائق 5 / 200 وما بعدها، وحاشية ابن عابدين 5 / 92
(41) أسنى المطالب 2 / 186، وحاشية ابن عابدين 4 / 315 وما بعدها، والفتاوى الهندية 5 / 64، والدسوقي 3 / 578
الموسوعة الفقهية الكويتية: 262/ 3