الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
عن أنس رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسولُ اللهِ ﷺ خُطْبَةً ما سمعتُ مثلها قَطُّ، فقال: «لو تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». فَغَطَّى أَصْحَابُ رسولِ اللهِ ﷺ وُجُوهَهُم، ولهم خَنِينٌ. وفي رواية: بَلَغَ رسولَ اللهِ ﷺ عن أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ، فقال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ والنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كاليومِ في الخيرِ والشرِ، ولو تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». فما أَتَى على أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ يومٌ أَشَدُّ مِنْهُ، غَطَّوا رُءُوسَهُمْ ولهم خَنِينٌ.
[صحيح.] - [متفق عليه.]
وعظ النبي ﷺ أصحابه موعظة لم يسمعوا مثلها قط، وكان من جملتها أن قال: عرضت علي الجنة والنار، فلم أر خيراً أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولا شراً أكثر مما رأيته اليوم في النار، ولو تعلمون ما أعلم من أهوال الآخرة وما أُعِد في الجنة من نعيم وفي النار من العذاب الأليم لضحكتم قليلا ًوبكيتم كثيراً، فما جاء على أصحاب النبي ﷺ يوم أشد منه؛ فبكوا بكاء شديداً.
خطبة | موعظة. |
قط | ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان. |
ما أعلم | أي: من أهوال الآخرة، وما أعد في الجنة من نعيم وفي النار من العذاب الأليم. |
خنين | نوع من البكاء، وأصله: خروج الصوت من الأنف. |
لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً | أي: لحصل من الإشفاق البليغ ما يقل ضحككم ويكثر بكاؤكم. |
أتى | جاء. |
غطوا | أي: ستروا. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".