الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله |
إن التمسك بهديه، يورث الوجه نضرة، والقلب سرورا، والصدر انشراحا، والبصيرة نورا. إن الحياة الطيبة، ونعيم القلب والروح لا يحصلان إلا بالإيمان والعمل الصالح، قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97]. ولا سيما إذا التزم العبد شريعة الله مع...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي فطر الخلق على الدين القيم ملة محمد وإبراهيم، ووفق من شاء برحمته، فاستقام على هدى النبيين والمرسلين، وخذل من شاء بحكمته، فرغب عن هديهم وسنتهم، وكان من الخاسرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها الفوز بدار النعيم والنجاة من العذاب الأليم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الخلق طريقة، وأقومهم شريعة، وأقربهم إلى الخير العميم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
عباد الله: لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا خطب يوم الجمعة: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها"[البخاري (6849) الدارمي (207)].
ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
والهدي، هو الطريق والشريعة التي كان عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العبادات والمعاملات والأخلاق الظاهرة والباطنة.
ولقد كان من أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه الكامل: إعفاء اللحية، وإحفاء الشارب، قال جابر بن سمرة: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثير شعر اللحية".
لأنه كان -صلى الله عليه وسلم- يعفي لحيته.
وكذلك الأنبياء الكرام قبله، قال الله -تعالى- عن هارون أنه قال لموسى: (يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي)[طه: 94].
كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعفي لحيته، فقد أمر أمته بذلك، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وفروا اللحي، واحفوا الشوارب"[البخاري (5553) مسلم (259) الترمذي (2764) النسائي (15) أبو داود (4199)].
فاجتمع في هاتين الفطرتين، أعني إحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى، قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله، وتبين أن هذا هو هديه، وهدي الأنبياء قبله، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-"[البخاري (5747) الدارمي (207)].
فتمسكوا -أيها المسلمون-: بهدي نبيكم، فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة.
إن التمسك بهديه، يورث الوجه نضرة، والقلب سرورا، والصدر انشراحا، والبصيرة نورا.
إن الحياة الطيبة، ونعيم القلب والروح لا يحصلان إلا بالإيمان والعمل الصالح، قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
ولا سيما إذا التزم العبد شريعة الله مع قوة الداعي إلى مخالفتها، فإن ذلك أعظم لأجره، وأكمل لإيمانه، فالإنسان ربما يشق عليه إعفاء اللحية؛ لأنه ينظر إلى أناس نظراء له قد حلقوا لحاهم، فيحلق لحيته اتباعا لهم.
ولكن هذا في الواقع استسلام للهوى، وضعف في العزيمة، وإلا فلو حكم عقله، وقارن بين مصلحة إعفائها، ومضرة حلقها لهان عليه إعفاؤها، وسهل عليه الأمر، ولعله أن يكون باب خير لنظرائه وأشكاله، فيقتدون به لا سيما إذا كان عنده قدرة على الكلام والإقناع.
وإذا كان إبقاء اللحية شاقا عليه لما ذكرناه كان أجره عند الله أكبر وأعظم.
ولقد كان بعض الناس يظن أن إعفاء اللحية، أو حلقها من الأمور العادية التي يتبع الناس فيها عادة أهل وقتهم.
وهذا ظن غير صحيح، ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإعفائها، وما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فامتثال أمره فيه عبادة.
ثم لو فرض أنه عادة، فلنسأل أيما أفضل عادة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها، وفعلها بنفسه، وفعلها الأنبياء قبله.
وجرى عليها السلف الصالح من الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعين لهم بإحسان أيما أفضل عادة هؤلاء أم عادة قوم يخالفونهم في ذلك؟
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أن حلق اللحية حرام".
وقال شيخنا عبد الرحمن السعدي في خطبة له: "أيها الناس اتقوا الله، وتمسكوا بهدي نبيكم المصطفى، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا ما عنه زجر ونهى، فقد أمركم بحف الشوارب، وإعفاء اللحى، وأخبركم أن حلق اللحى وقصها من هدي الكفار والمشركين، و"من تشبه بقوم فهو منهم" إلى أن قال: "فالله الله عباد الله في لزوم دينكم، ولا تختاروا عليه سواه، فوالله ما في الاقتداء بأهل الشر إلا الخزي والندامة، ولا في الاقتداء بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- إلا الصلاح والفلاح والكرامة، وإياكم أن تصبغوها بالسواد، فقد نهى عن ذلك خير العباد" هذا كلام شيخنا عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-.
وقال شيخنا عبد العزيز بن باز في جواب له في مجلة الجامعة الإسلامية عن سؤال، يقول: ما حكم حلق اللحى أو تقصيرها هل هو مكروه أو محرم؟
فأجاب: "قد ثبتت الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على أن ذلك محرم ومنكر، فالواجب على كل مسلم تركه، والحذر منه.
ولا ينبغي للمسلم أن يغتر بكثرة من فعل ذلك من المسلمين، فإن الحق أحق بالاتباع، ولو تركه الناس" أ. هـ.
أيها المسلمون: إن الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه هو التقدم الصحيح، وهو القوة الحقيقية، وهو الجمال النافع، وهو الحياة السعيدة والمآل الحميد.
فالإنسان الآن قد يكون ساهيا سادرا في حياته، ولكنه سينتبه، ويستيقظ عند مماته، عند مفارقته دنياه وأهله وماله، وسيتمنى حين لا ينفعه التمني أن لو كان متمشيا على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام.
وفقني الله وإياكم لسلوك عباده الأخيار، وقوانا على هوانا بالعزائم الصادقة على فعل النافع، وترك الضار، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النحل: 123].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...