الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | محمد الأمين مقراوي الوغليسي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل |
لقد اقتضت سنّة الله أن يستمر الصراع بين الحق والباطل إلى يوم الدين؛ ابتلاءً للمؤمنين، وتمحيصاً لصفوفهم، وتمييزاً للخبيث من الطيّب، فيرفع الله بنصرة الإسلام أقواما، ويخفض الذين خذلوا دينه وعباده دركات، ففي أي الصفوف نقف قولا وفعلا وواقعا؟ وهل نعي حقيقة دورنا؟ وهل ندرك الكيفية التي نرفع بها الغبن عن أمتنا؟ أم نكتفي بعاطفة فوّراة أميّة؛ تثور في لحظات ثم تفتأ تخبو وتختفي؟.
الخطبة الأولى:
الحمد لله خالق الدُّجى والصباح، ومسبِّب الهدى والصلاح، ومقدِّر الغموم والأفراح. عزَّ فارتفع، وفرَّق وجمع، ووصل وقطع، وحرَّم وأباح. مَلَكَ وقدَّر، وطوى ونشر، وخلق البشر، وفَطَر الأشباح. رفع السماء، وأنزلَ الماء، وعلَّم آدَمَ الأسماء، وذَرَى الرِّياح. أعطى ومنح، وأنعم ومدح، وعفا عمَّنِ اجْتَرَح، وداوى الجراح. علم ما كان ويكون، وخلق الحركة والسكون، وإليه الرجوع والركون، في الغد والرَّوَاح. يتصرَّف في الطول والعرض، وينصب ميزان يوم العرض: (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) [النور:35[.
أوصيكم -ونفسي- بتقوى الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29] فاتقوا الله فالتقوى مفتاح الفرج، ومبعدة للشرور والمحن والمصائب.
أيها المسلمون: تمرّ الأمّة الإسلامية في هذه السنوات بمرحلة حرجة، لم تر مثلها منذ نهاية الحركة الاستعمارية المباشرة للعالم الإسلامي، حيث تداعت أمم الأرض على حرب الإسلام والمسلمين، فتحالفت ملة الكفر مع الشيعة لإنهاء العالم السني، وتداعى نصارى إفريقيا على قتال مسلمي القارة، كما حدث في إفريقيا الوسطى، واستحر القتل في مسلمي بورما على يد البوذيين المجرمين، ولم يسلم حجر ولا بشر في سورية الحبيبة، بعد أن اجتمع اليهود والنصارى والشيوعيون والميليشيات الطائفية على تدمير هذا البلد المسلم الحضاري الجريح، أمّا العراق فتدمير حواضره وقتل سنّته قد صار هواية لإيران وميليشياتها الحاقدة؛ فسقطت بعض دول الإسلام في براثن الاحتلال الأجنبي، وسقط بعضها تحت الاحتلال الطائفي، واتفق الجميع على هدف واحد هو: تمزيق العالم السّني، وتخريب حواضره؛ لأنهم يدركون أن نهضة العالم الإسلامي تعني نهاية الظلم في الكثير من الأقطار والأمصار، فبات واقع الأمّة مأساويا بحق، ويحتاج منا إلى وقفات ووقفات.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد اقتضت سنّة الله أن يستمر الصراع بين الحق والباطل إلى يوم الدين؛ ابتلاءً للمؤمنين، وتمحيصاً لصفوفهم، وتمييزاً للخبيث من الطيّب، فيرفع الله بنصرة الإسلام أقواما، ويخفض الذين خذلوا دينه وعباده دركات، ففي أي الصفوف نقف قولا وفعلا وواقعا؟ وهل نعي حقيقة دورنا؟ وهل ندرك الكيفية التي نرفع بها الغبن عن أمتنا؟ أم نكتفي بعاطفة فوّراة أميّة؛ تثور في لحظات ثم تفتأ تخبو وتختفي؟.
عباد الله: إن الكثير من المسلمين قد شغل نفسه بشتم الأعداء، ولعن خططهم، وذمّ غاراتهم، معتقدين أن ذلك غاية المطلوب، وهذا لاشك مخالف للهدي القرآني، فالقرآن إذ يصف الصراع بين الحق والباطل يحثّ المؤمنين على التزام المنهج الرباني في مواجهته، ومن ذلك: معرفة حقيقة العدوّ وأوصافه، فمن ملك تصورا سليما عن شيء؛ ملك الوسيلة المناسبة لرد عاديته ولجم صولاته.
ولقد وصف القرآن الكريم أعداء الإسلام بأوصاف كثيرة، والقرآن لا يكثر من ذكر شيء إلا ليلفت انتباه المسلمين إلى أهميته وخطورته، وقد كان من مقاصد وصف الأعداء في القرآن تنبيه المسلمين إلى مكر وخبث أعدائهم؛ لأخذ الحيطة والحذر، والاستمرار في التجهز والاستعداد، يقول -تعالى-: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) [النساء:102]، فقد وصفهم بالغدر والخديعة والمكر، فتأمّل!.
وقال -عز من قائل-: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة:8]، فوصفهم بالقسوة في طلب قتلنا، والشدة في محاولة إفنائنا، فهل وجدنا غير ذلك؟.
ويقول -سبحانه-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120]، إنّ حربهم ضد الإسلام عقدية تهدف إلى استئصاله من الحياة، ومهما قدم البعض من تنازلات ظنّا منهم أن ذلك مجلبة للسلام والأمن مع أعداء الإسلام فإن القرآن يقر حقيقة خالدة: عداوتهم لا يمكن أن تنتهي إلا بانسلاخنا عن ديننا، فهلّا كفّ المسلم عن إحسان الظنّ بأعداء دينه؟ (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89].
إن حقدهم على الإسلام والمسلمين يجعلهم يتمنون إخراج المسلمين من إسلامهم، وهذا ما يعملون على تحقيقه من خلال ضرب مناهج التعليم وتبديلها وتشويهها بالضغط والإكراه والإغراء.
ويقول -تعالى-: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]. إنّ هذه الآية تدل دلالة واضحة أن الصراع لا يمكن أن يتوقف، ولا يمكن أن ينتهي؛ فحرص الكفار على معاداة الإسلام وضربه أمر راسخ في نفوسهم وعقولهم، فهلا تدبرنا ذلك؟.
إنّ العدو الذي يحوز على هذا الكم الهائل من الصفات المعادية للإسلام والمسلمين؛ لا يمكن أن يجابه بالأماني والتأفف؛ بل يجابه بالمنهج الذي حث عليه القرآن الكريم. فما هو المنهج الرباني لرد عدوان أعداء الإسلام؟.
أيها الأحبة: إن القرآن إذ يصف الداء والأعداء يصف الحل والدواء، ومن ذلك تشجيع القرآن المسلمين على التركيز على غرس نفسية البحث والتعلم والعمل؛ فقال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال:60].
ولاشك أن ناصية الإعداد تكمن في الأخذ بزمام العلم والتفوق فيه، فالأمة الماسكة بالعلوم أمة قوية مُهابة الجانب، أما الأمة الجاهلة فإنها تظل محل طمع لجميع الأعداء، فالضعف يغري العدو، والجهل يفرش له الطريق ويمهده.
أيها الناس: يعتقد الكثيرون أن الإيمان يكفي لوحده لتحقيق النّصر، وهذا مخالف للهدي القرآني والنّبوي، لأن النصر لا يتحقق بالإيمان وحسب، بل يتحقق -أيضا- باتخاذ الأسباب، ولذلك ركّز القرآن على تعليم المسلمين مبدأ الأخذ بالأسباب، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) [النساء:71]، وهنا يعلّم المؤمنين اليقظة، أما في السنة فقد دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- مكة ودرعه عليه رغم أن القرآن قد وعده بدخولها منتصرا آمنا، (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) [الفتح:27]، لكنه -كما يقول ابن القيّم- يعلّم أمته اتخاذ الأسباب.
عباد الله: إنّ المتأمّل في حال الأمة يجدها معتمدة في غذائها ودوائها وسلاحها على أعدائها، قد مكنتهم من أنفاسها وأفرادها وحاضرها ومستقبلها، وهذا ينافي المبدأ القرآني الكريم، والنّبوي الشريف، فالقرآن يحث على العمل في قوله -تعالى-: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105]، ولاشك أنّ أشرف الأعمال ما رفع عن الأمة الضعف والهوان، وخير ما يرفع ذلك أن تكون مالكة لأمرها وغذائها وسلاحها ودوائها.
كما أن نصوص السنة تحث على العمل، بل وإتقانه، بل وتحث على العمل حتّى في أحلك الظروف، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" صححه الألباني في الصحيحة. هذا هو المبدأ الإسلامي الخالد: غرس نفسية البحث والعمل مهما كانت الظروف، ومهما اشتدت الصعاب، وهذا يسد الطريق على الكثير من المخذلين الذين يبررون كسلهم وخذلانهم لأمتهم في ميدان العلم والعمل بالوضع المأساوي الذي عليه الأمّة الإسلامية، فيزيدون من جراحها بدل إسعافها وإنقاذها.
أخي المسلم أختي المسلمة: لو أن كل مسلم دخل باب العلم بجدية وصرامة، وحث أولاده وإخوانه على الأخذ بزمامه، والبراعة فيه لتغيّر حالنا؛ لذلك فإن الواجب على المسلمين جميعا أن يراجعوا أنفسهم؛ لأن الهزيمة إنما تأتي من مجموع الأخطاء التي يرتكبها ملايين الأفراد.
ومن أبرز ما تجب مراجعته: النية والهدف من تعلمنا وتعليم أبنائنا، فإن كانت النية في تعلمنا وتعليم أولادنا وإخواننا الحصول على الشهادات والوظائف فلنراجع أنفسنا؛ لأننا أمة دعوة ورسالة، أمة مربوط بها فلاح البشرية جميعا، فلتكن النيّة خدمة الإسلام والمسلمين، وإنقاذ البشرية من إفك ومكر واستعباد المتكبرين والظالمين، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
ولا تكفي النيّة الصالحة في طلب العلم، بل إن إتقان العمل، واحترام الوقت من أعظم الأمور التي يحرص الإسلام على إيجادهما في حياة المؤمنين، وقد جاءت سور قرآنية عديدة مفتتحة بما يدل على أهمية الوقت، كقوله -تعالى-: (وَالضُّحى) [الضحى:1]، (وَالْعَصْرِ) [العصر:1]، (وَالْفَجْرِ) [الفجر:1].
أمّا الإتقان فقد جاء في الحديث: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" أخرجه أبو يعلى والطبراني، وقد صححه الألباني في الصحيحة.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنّة، وما فيهما من الآيات والذكر والحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يرفع عباده بالطاعات، ويذلهم بالمعاصي والسيئات، والصلاة والسلام على القائل: "وجعل الذل والصغار على من خالف أمري"، فصدق، وعلى آله الطيبين، وصحابته الأكرمين، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فالتقوى حصن للمسلم من الشرور والأعداء، (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [الذاريات:50].
عباد الله: إن اتخاذ الأسباب واجب إسلامي به يتحقق النّصر والتمكين إذا وافقه الإيمان والعمل الصالح، غير أن اتخاذ الأسباب وحدها لا يكفي لهزم العدو المتربص بالأمة أو المنكّل بها، بل يجب أن تبتعد الأمّة عن المعاصي والكبائر، فإنّها قاصمة الظهر، فالذنوب أساس الهزائم التي لحقت بالمسلمين.
لقد انهزم المسلمون في أُحد بسبب مخالفتهم أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الوحي القرآني ليقرر هذا المبدأ الخالد، أي: الهزيمة نتيجة الذنوب والمعاصي، فقال -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165].
وقال عمر: "إنكم لا تُنصرون على عدوِّكم بقوة العدة والعتاد، إنما تنصرون عليهم بطاعتكم لربكم، ومعصيتهم له، فإن تساويتم في المعصية، كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد".
عباد الله: لقد كان ابتعادنا عن دين الله -تعالى- سببا مباشرا للواقع المأساوي الذي نعيشه، مصداقا لقوله -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112]؛ فالمعاصي سبب مباشر لذهاب الأمن والخوف، وسبب للمذلة أمام الأعداء، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن". فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: "حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت".
فلنعد إلى ربنا، ولنتب من ذنوبنا، ولنصلح ما بيننا وبين الله يصلح ما بيننا وبين أنفسنا ونصلح حالنا وحياتنا، فالتوبة والعودة إلى الله طريق النجاة الوحيد، ولا خيار للعبد إلا الفرار إلى الله اختيارا واضطرارا، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) [الذاريات:50].
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم...