الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
لقد عظَّم الله -عز وجل- شأن بيوته في الأرض، وأمر برفعها وبنائها وعمارتها بذكره، وجعلها خير بقاع الأرض. وإن حياة المسلم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمسجد؛ لأنه يدخله في اليوم خمس مرات، دعونا نأخذ جولة سريعة عن فضائل المساجد، وكيف رغَّب الله -عز وجل- عباده في الذهاب إلى المساجد، وما الأجور التي لا نجد ثوابها إلا في المسجد. أخي المصلي: ماذا تتوقع أن يعد الله لك من أجور، عندما تقدم إلى بيته، وتجلس فيه تنتظر أداء فريضة عليك؟ أتظن أن تخرج من بيته صفر اليدين وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين؟ كلا والله.
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
يقول الحق تبارك وتعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) [النور: 37].
لقد عظَّم الله -عز وجل- شأن بيوته في الأرض، وأمر برفعها وبنائها وعمارتها بذكره، وجعلها خير بقاع الأرض.
وإن حياة المسلم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمسجد؛ لأنه يدخله في اليوم خمس مرات، دعونا نأخذ جولة سريعة عن فضائل المساجد، وكيف رغَّب الله -عز وجل- عباده في الذهاب إلى المساجد، وما الأجور التي لا نجد ثوابها إلا في المسجد.
أخي المصلي: ماذا تتوقع أن يعد الله لك من أجور، عندما تقدم إلى بيته، وتجلس فيه تنتظر أداء فريضة عليك؟ أتظن أن تخرج من بيته صفر اليدين وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين؟ كلا والله.
فقد روى سلمان الفارسي –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه- قال: "من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله، وحقٌ على المزور أن يكرمَ الزائر" (رواه الطبراني).
إن كبار الأغنياء عندما يدعون الناس إلى بيوتهم لا يخرجون منها إلا وقد ضيفوهم وأكرموهم، وقدموا لهم أفضل ما لديهم، فيخرجون منها سعداء ممتلئين ومعطرين، فماذا سيقدم لك الله -تبارك وتعالى- في بيته وقد دعاك لدخوله؟
اسمع معي هذه الفضائل التي صحَّت عن النبي –صلى الله عليه- وألخصها لك في خمس عشرة خصلة.
أولاً: أنك جالس في خير بقاع الأرض، فالمساجد أفضل البقاع التي يحبها الله -عز وجل-، لقوله –صلى الله عليه-: "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقه" (رواه مسلم).
ثانيا: أنك لا تخطو خطوة إلى بيت الله -عز وجل- إلا جعل الله لك بكل خطوة تخطوها درجة وتمسح عنك سيئة، ويزداد ثواب هذه الخطوة إلى عشر حسنات إذا ذهبت إلى المسجد مبكرًا لانتظار صلاة، فقد قال: –صلى الله عليه-: "إذا تطهَّر الرجل ثم مر إلى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر" (رواه ابن خزيمة).
ويزداد هذا الأجر لو مشيت إلى صلاة الجمعة فيكتب الله لك بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها؛ حيث روى أوس بن أوس الثقفي –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه- يقول: "من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه).
ثالثًا: أنك إذا صليت الفريضة في جماعة في أيّ مكان كتب لك ثواب سبع وعشرين درجة، أما إذا صليتها جماعة في المسجد، فإنك ستكسب ثوابًا إضافيًّا يعدل ثواب حجة كاملة، لقوله –صلى الله عليه-: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم" (أبو داود).
رابعًا: أنك لو صليت ركعتي الضحى في أيّ مكان فلك ثواب من تصدق بعدد سلامى جسمه والبالغ عددها ثلاثمائة وستين سُلامى، أما لو صليت الضحى في المسجد، فسيرتفع ثوابها إلى ثواب أداء عمرة، وهذه سُنة يغفل عنها كثير من الناس، وقد قال: –صلى الله عليه-: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر" (رواه أبو داود).
خامسًا: أنه يكتب لك أجر الصلاة وأنك من المصلين منذ خروجك من بيتك إلى المسجد حتى رجوعك إليه؛ حيث روى عقبة بن عامر –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه- قال: "... والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويُكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه" (رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم).
سادسًا: أنك إذا جلست في المسجد تنتظر الصلاة وكَّل الله لك ملائكة تستغفر لك ما دمت تنتظر الصلاة حيث قال –صلى الله عليه-: "..والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث" (رواه مسلم).
سابعًا: أن من أقام درسًا في المسجد أو ذهب ليتعلم في المسجد أعطاه الله ثواب حجة كاملة حيث قال –صلى الله عليه-: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلّمه كان له كأجر حج تامّ حجته" (رواه الطبراني والحاكم).
كل ذلك ترغيبا في دخول المساجد وجعلها جزءًا من حياة الفرد.
ثامنًا: أنك كلما غدوت أو رحت إلى المسجد أعد الله لك نزلاً في الجنة بعدد ذهابك إليه وإيابك، ومعنى النزل هو ما أعد للضيف من مكان وطعام ونحوه حيث قال –صلى الله عليه-: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدًا أو راح" متفق عليه.
تاسعًا: ومن فضائل المساجد وخصائصها أنه لا يصح الاعتكاف إلا فيها.
أيها الإخوة في لله، هذا هو شأن الله -تبارك وتعالى- مع زواره في بيوته، هذا هو كرمه لهم وعطائه وثوابه، فما هو شأننا تجاه بيوت الله -عز وجل-؟ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العزيز الغفار، أحمده تعالى وأستغفره من جميع الذنوب والأوزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريم الغفار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأخيار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأبرار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، واعلموا رحمكم الله تعالى بأن الله -عز وجل- رغب عباده في لزوم بيوته، وجعَلَها بيت كل تقي، وقدم أعظم الأجور لكل من دخلها منذ مشيه إليها، وجلوسه فيها، وخروجه منها حتى رجوعه إلى بيته.
ومن فضائل المساجد أيضًا، وهي الفضيلة العاشرة: أن من عَمَرَ المسجد بذكر الله -عز وجل-، شهد الله له بالإيمان حيث قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].
الحادية عشر: أن من التزم حضور المساجد فرح الله به وتبشبش له، حيث روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه- قال: "ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر، إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم" (رواه الإمام أحمد وابن ماجه).
الثانية عشر: أن من تعلق قلبه بالمسجد، جعله الله مع السبعة الذين يظلهم الله -عز وجل- في ظل عرشه يوم القيامة، وهذه منزلة عالية الكل يتمناها، وقد قال –صلى الله عليه-: "سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، -وذكر منهم-: ورجل قلبه معلق في المسجد" (رواه البخاري ومسلم).
الثالثة عشر: فقد بلغ من كرم الله -عز وجل- وترغيبه لبيوت الله، أن من قصد المسجد يريد صلاة الجماعة، كتب الله له ثواب الجماعة، ولو رأى الناس قد صلوا عنه، فقد قال –صلى الله عليه-: "من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" (رواه أبو داود والنسائي والحاكم).
فلذلك إذا فاتتك الصلاة فلا تكسل وتصلي في بيتك، وإنما اقصد بيت الله لتنال كل الأجور سابقة الذكر.
الرابعة عشر: أن من جلس في المسجد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس كتب الله له ثواب حجة وعمرة وهذا لا يحصل إلا في المسجد حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " (رواه الترمذي).
الفضيلة الخامسة عشر والأخيرة: أن من بنى مسجدًا أو ساهم في بنائه ولو كان صغيرًا، بنى الله له بيتًا في الجنة، فقد قال –صلى الله عليه-: "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتًا في الجنة" (رواه الإمام أحمد).
ولنعلم أن قصور الجنة تتفاضل، وأن من أفضل هذه القصور وأشرفها ما بُني ثوابا لمن بنى مسجدا، كما قال النووي -رحمه الله تعالى- استنادًا لما قاله النبي –صلى الله عليه-: "من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله"، أي مثله في الشرف، فكما أن المساجد أشرف البيوت في الأرض، فكذلك فإن أشرف القصور في الجنة تلك التي بنيت ثوابًا لمن بنى مسجدًا.
ولا غرابة في ذلك، فكل الأجور التي سيحصل عليها المصلون إذا ذهبوا للمسجد ستكون في صحيفة من بنى المسجد.
هذا هو شأن الله مع زواره في بيوته، هذا هو كرمه لهم وعطائه وثوابه، فما هو شأننا تجاه بيوت الله -عز وجل-؟
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال.
اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.