الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | أحمد بن محمد العتيق |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
اعلموا أن العبد تمر به أحياناً ساعاتٌ حرجة, ولحظاتٌ قلقٍ واضطراب, وقد يصاحبها شيءٌ من الخوف أو الهم والحزن, فيحتاج إلى أن تُفَتَحَ له أبوابُ السكينةِ والطمأنينة, وتغشاه الرحمةُ, كي يذوق طعم الراحة والسعادة؛ لأن النفس تحتاج دائماً إلى...
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد:
عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وابذلوا أسباب الفوز برحمة الله, واعلموا أن العبد تمر به أحياناً ساعاتٌ حرجة, ولحظاتٌ قلقٍ واضطراب, وقد يصاحبها شيءٌ من الخوف أو الهم والحزن, فيحتاج إلى أن تُفَتَحَ له أبوابُ السكينةِ والطمأنينة, وتغشاه الرحمةُ, كي يذوق طعم الراحة والسعادة؛ لأن النفس تحتاج دائماً إلى ما يُلَطِّفُ أجواءها, لِتَصفو وترتقي في درجات الفلاح وتعلو.
والعقيدة الصحيحة التي بُعِثَ بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-, والعملُ الصالح الذي هو مقتضى هذه العقيدة, هما أعظم أسباب السعادة، وطمأنينة النفس، وراحة البال، وهما الدافع القوي إلى التغلب على جميع المخاوف والقلق والهموم.
والإنسان بدون ذلك، يكون فريسة للأوهام والشكوك التي ربما تتراكم عليه، فتحجب عنه الرؤية الصحيحة لدروب الحياة السعيدة, حتى تضيق عليه حياته ثم يحاول التخلص من هذا الضيق ولو بإنهاء حياته -والعياذ بالله-، كما هو الواقع من كثير من الأفراد الذين فقدوا هداية العقيدة الصحيحة, والإيمانِ والعملِ الصالح.
ويضاف إلى ذلك بذل الأسباب الجالبة إلى الطمأنينة والسكينة وراحة البال, خصوصا عند انتشار المخاوف، واشتداد الأمور، والتي منها:
ـ كثرةُ الدعاء, وملازمةُ أورادِ الصباحِ والمساءِ, فإن لذلك تأثيراً عجيباً لا يشعر به إلا من حافظ على ذلك, ومن قرأ ما ورد في فضل هذه الأوراد تَبَيَّنَ له ذلك.
ثم إن ملازمة الذكر والاستغفار مطلقاً سبب عظيم لطمأنينة النفس، ونزول السكينة، وتقوية القلب: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
ـ ومن ذلك أيضاً: التوبةُ من المعاصي، والتخلصُ من المظالم، وحقوق الناس, فإن أعظمَ ما يُقْلِقُ المؤمنَ: ذنوبُه والحقوقُ التي عليه, خصوصا عندما يتذكر الموتَ ولقاءَ الله.
فَكُلَّما كان العبد ملازما للتوبة, بعيداً عن كل ما يشغل ذمته فيما يتعلق بحقوق العباد كان أكثرَ طمأنينةً وراحةً وسعادة.
ولِعِلْمِهِ أيضاً أن الظلمَ والذنوبَ من أعظم أسباب العقوبات في الدنيا قبل الموت, فتجده في قلق من ذلك.
ـ ومن أسباب الطمأنينة والسكينة: الإيمان بالقضاء والقدر, وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ويدخل في ذلك ما يتعلق بالموتِ ومفارقةِ الحياة, وذلك بأن توقن بأنك لن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلاً, في اليوم والساعة والمكان والسبب الذي قَدَّرَه, ليس لأحد كائنا من كان أن يقدم في ذلك شيئاً أو يؤخرَه.
ـ ومن الأسباب أيضاً: الإقبال على عمل الآخرة, وَحَمْلُ هَمِّها.
فإن الإنشغال بالدنيا هو الذي يجعل العبد يبذُلُ سَعْيَه فيها ويَبْنِي كُلَّ آمالِه فيها فإذا ما تذكر الموت شعر بأنه خسر كُلَّ شيء وَكُلَّ ما بناه, ولو أنه جعل سعيه لِما بعد الموت ما حزن على فراق الدنيا إلا من أجل التزود بالطاعة، قيل لأبي ذر -رضي الله عنه-: ما بالنا نكره الموت؟ قال: " لأنكم عَمَّرتم الدنيا, وخَرّبتم الآخرة, فتكرهون الإنتقال من العمران إلى الخراب".
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
أما بعد:
عباد الله: لِيَعْلَمَ المؤمن, أن من مُكفراتِ الذنوب: ما يصيب المؤمنَ من نَصَبٍ وهمٍّ وحُزَنٍ وغَمٍّ ووصَب، كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومِن أدعية الكرب: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض، ورَبُّ العرشِ الكريمِ".
وذكر أهل العلم: أن لقراءة آيات السكينة أثراً في طمأنينة القلب وسكونه, خصوصاً عند الخوف والهلعِ والتوَتُّر, وانزعاج النفس, قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكان شيخ الإسلام إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة ".
وقال أيضاً: "وقد جربت قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه, فوجدت لها تأثيراً عظيماً في سكونِه وطمأنينته".
وآيات السكينة، هي قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ) [البقرة: 248].
وقوله تعالى: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام: 13].
وقوله تعالى: (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: 26].
وقوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].
وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ) [الفتح: 4].
وقوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].
وقوله تعالى: (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) [الفتح: 26].
اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا, وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان, واجعلنا من الراشدين.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم نج إخواننا في سوريا المستضعفين، اللهم ليس لهم إلا أنت يا قوي يا عزيز فانصرهم على من ظلمهم وعاداهم، اللهم عليك بالكفرة والملحدين وحِزب البَعث العلويين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب اللهم اجعلهم غنيمة سائغة للمؤمنين، اللهم مكّن المؤمنين منهم يا قوي يا متين.
اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].