البحث

عبارات مقترحة:

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

آكل الربا

العربية

المؤلف عبد العزيز بن محمد السعيد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. عقوبة آكل الربا في النار .
  2. خطر الربا وآثاره على الفرد والمجتمع .
  3. فداحة التحايل على أكل الربا .
  4. تحريم الربا وبعض الأدلة على ذلك .
  5. الحذر من الربا .

اقتباس

أثقلته الذنوب، وأحاطت به السيئات، حين عصى الله، وانتهك حدوده، وظلم العباد، وأكل أموالهم بالباطل، وضيق على المعايش، وتجرد قلبه من رحمة الضعفاء، ومنع الإحسان، وصار إلى زمرة الجبابرة، وكان فعله آيلا إلى: تعطيل المجتمع من قدرات أهله، وبعث الكسل فيهم، وقتل روح التعاون بينهم، وسد سبل البر، وجعل...

الخطبة الأولى:

رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام منظرا فظيعا -ورؤيا الأنبياء حق- رأى أنه أتاه آتيان فابتعثاه، وقالا له: "انْطَلِقْ، فانطلق معهما، قال: فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا".

عباد الله: أتدرون من هذا الذي يعذب هذا العذاب مذ موته إلى بعثه حين يقوم الناس لرب العالمين؟

ذلك الذي يتصل به العذاب، فإذا بعث الله الناس وخرجوا مسرعين من قبورهم، قام فسقط على وجهه وجنبه وظهره، كالمجنون الذي أصابه الصرع، والنار التي تحشر الناس إلى الموقف كلما سقط أكلته، فجمع الله عليه في الذهاب إلى الموقف عذابين عظيمين: ذلك التخبطَ والسقوطَ في ذهابه، ولفحَ النار وأكلَها له وسوقَها إياه بعنف حتى يصير إلى الموقف، فيكونَ فيه على ذلك التخبط ليمتاز ويشتهر بين أهل الموقف، ثم يصير إلى نار جهنم ونكالها.

هذا هو المحارب لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-: آكل الربا، أثقلته الذنوب، وأحاطت به السيئات، حين عصى الله، وانتهك حدوده، وظلم العباد، وأكل أموالهم بالباطل، وضيق على المعايش، وتجرد قلبه من رحمة الضعفاء، ومنع الإحسان، وصار إلى زمرة الجبابرة، وكان فعله آيلا إلى: تعطيل المجتمع من قدرات أهله، وبعث الكسل فيهم، وقتل روح التعاون بينهم، وسد سبل البر، وجعل المال دولة بين الأغنياء، والفقيرِ تحت وطأة الغني، وحرمانه من المواساة، وإثارة الظغينة والشحناء، والدعوة إلى الشح وممارسته، وإلجاء المضطر إلى المحرمات، وهذا وغيره ينافي ما قررته الشريعة في أصول المعاملات والأخلاق، التي ترمي إلى تحقيق تكامل، يظلله التراحم والعدل والإحسان والتعاون، ويحقق المصالح العامة التي ينتظم بها أمر الناس، ويدرء عنهم المفاسد التي تنغص عليهم حياتهم، وتكدر صفوها، وتزيد من تراكم أعبائها وأضرارها.

فلا ريب حينئذ أن جاءت الشريعة بتحريم الربا تحريما قطعيا، وتوعدت آكله وموكله والمعين عليه بأي وجه كان، سواء سمي باسمه، أو بغير اسمه، كتسميته بالفائدة أو السندات أو الودائع، وسواء أكان ذلك بإتيانه مباشرة أو بحيلة محرمة، فإن تغيير الأسماء لا يغير الحقائق والأحكام، والتحايل على المحارم لا يحلها، بل هو أغلظ في العقوبة، كما صنعت اليهود فاستحلت محارم الله بأدنى الحيل، فنهانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نرتكب ما ارتكبوا، بل قال بعض العلماء: إن أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب والخنازير، من أجل حيلهم على أكل الربا، كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على اصطياد الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت، فحفروا لها حياضا تقع فيها يوم السبت حتى يأخذوها يوم الأحد، فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة وخنازير، وهكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الله -تعالى- لا يخفى عليه حيل المحتالين، قال أيوب السختياني -رحمه الله-: "يخادعون الله كما يخادعون آدميا ولو أتوا الأمر عيانا كان أهون عليهم" [الزواجر].

لقد تواردت النصوص المحكمة على تحريم الربا، وبيان عاقبة أهله، وسوء مآلهم، والتغليظ في شأنهم، وذكره في كبائر الموبقات، وعظائم الذنوب، بما يجعل المؤمن اللبيب يفر من الربا قليله وكثيره، ويستوحش منه، ويَحذَر منه ويُحذِّر، ويتفقد معاملاته، ويسأل أهل العلم؛ لئلا يتسلل إليها شيء من هذا النتن الخبيث فيفسدها، ويقع صاحبها في الإثم، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة: 275 - 279].

وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 130 - 132].

وقال: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء: 160 - 161].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبعَ الموبقات"، قيل: يا رسولَ الله، وما هُنَّ؟ قال: "الشركُ بالله، والسِّحْرُ، وقتْلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكلُ مال اليتيم، وأكل الرِّبا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" [أخرجه البخاري ومسلم].

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، ومُوكِلَهُ، وكَاتبه، وشَاهديه، وقال: هم سواء" [رواه مسلم].

ألا فاحذروا الربا أن تأخذوه أو تعطوه، أو تعينوا عليه، أو تشيروا به، أو تدلوا عليه، فإنه ذنب عظيم، وصاحبه حري بتعجيل عقوبته، ومحق ما في يده، ونزع بركته، كما هو مشاهد في أحوال المرابين يأخذون المال بالباطل من وجوه آثمة، وينفقونه في الحرمات، آثمين في كسبه، آثمين في صرفه، يكدون أجسادهم، ويكلون أذهانهم، ويزدادون شراهة ولهثا، في وبال عليهم، فيتخوضون في المال بغير حق، فلهم النار يوم القيامة.