المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام - |
هَنِيئَاً لَنا نَحْنُ الصَّائِمُونَ! ويا قُرَّةَ أَعيُنَنا بِهذا اليومِ! فاليومَ أَوَّلُ العَشرِ الأَوَاخِرِ، ذَاتُ الفَضَائِلِ والمَنَازِلِ. وسبحانَ اللهِ! كنَّا قبل أَيَّامٍ نَتَبَاشَرُ باستِقبالِهِ، وها نحنُ في عَشْرهِ الأَواخِرِ!
حَتَّى مَتَـى يَـا قَلْـبُ تَغْـرَقُ فِي | لُجَـجِ الهَـوَى إنَّ الْهَوَى بَحرُ |
هَـا قَـْد حَبَـاكَ اللَّهُ مَغْفِـرَةً | طَرَقَتْ رِحَابَكَ هَـذِهِ العَشْـرُ |
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الرَّحيمِ الرَّحمنِ، نَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ له، المَلِكُ الدَّيَّانُ.
وَنشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه أَجودُ النَّاسِ، وجُودُهُ يَتضَاعَفُ فِي رَمَضَانَ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ الذين يُسارِعُونَ فِي الخَيراتِ، ويَتَنافَسُونَ في الطَّاعاتِ, ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المَمَاتِ.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها الصَّائِمونَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى-, فتقوى اللهِ سَبِيلُ المُؤمِنينَ، وَزَادُ الصَّالِحِينَ.
هَنِيئَاً لَنا نَحْنُ الصَّائِمُونَ! ويا قُرَّةَ أَعيُنَنا بِهذا اليومِ! فاليومَ أَوَّلُ العَشرِ الأَوَاخِرِ، ذَاتُ الفَضَائِلِ والمَنَازِلِ.
وسبحانَ اللهِ! كنَّا قبل أَيَّامٍ نَتَبَاشَرُ باستِقبالِهِ، وها نحنُ في عَشْرهِ الأَواخِرِ!
حَتَّى مَتَـى يَـا قَلْـبُ تَغْـرَقُ فِي | لُجَـجِ الهَـوَى إنَّ الْهَوَى بَحرُ |
هَـا قَـْد حَبَـاكَ اللَّهُ مَغْفِـرَةً | طَرَقَتْ رِحَابَكَ هَـذِهِ العَشْـرُ |
أيُّها الصَّائمونَ: إنَّ شهرَنا قَدْ أَخَذَ فِي النَّقصِ فَلْنَزِد في العمَلِ.
ومِن نِعَمِ اللهِ علينا: أنْ جعلَ عشرَنا مَوسمَ خيرٍ وعَطَاءٍ، فَهيَ فُرصَةٌ لمن فرَّط أوَّلَ الشهر، أو تَاجاً وخِتَامَاً لِمَن أَطَاعَ رَبَّهُ واتَّبعَ الأمْرَ.
أيُّها الصَّائمونَ: عشرُنا سُوقٌ عظيمٌ يَتَنافسُ فيه المُتَنَافِسونَ، وَيَتَمَيَّزُ فيها الصَّائِمونَ المُخلِصونَ؛ أَتَدْرُونَ مَنْ هُمُ الخَاسِرُون؟ طائفةٌ سَمِعتِ النِّداءَ وكأنَّهُ لا يَعنِيها، تَرى المُؤمنينَ يُصَلُّون ويَتَهَجَّدُونَ وكأنَّهم عن رَحمَةِ اللهِ مُسْتَغْنُونَ! وَصدَقَ اللهُ: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103 - 104].
عباد الله: ظاهرةٌ مُؤسفةٌ حقَّاً تَظْهَرُ في العَشرِ المُبارَكَةِ، ولا يُعرَفُ لها تَفسيرٌ إلاَّ الغفلة والحِرمان, فكثيرٌ من الصَّائمينَ قد نَشِطُوا للعبادة أوَّل الشَّهرِ، ثمَّ في مُنتَصَفِهِ ضَعُفَتْ هِمَمُهُمْ وفَتَرَتْ عَزَائِمُهُمْ!
ومِمَّا يَزِيدُ الطِّينَ بِلَّةً: أن تُقضى ليالِي العشر في التَّنَقُّلِ بينَ الأسواقِ بَحثاً عن أثَاثٍ أو ثِيابٍ، سُبحانَ اللهِ! إنَّهُ الحِرمانُ! فَرَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم- قَدْ َقَالَ: "أَحَبُّ البِلادِ إلى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلادِ إلى اللهِ أَسْوَاقُهَا"، فكان لزاماً علينا أن نذكِّرَ أنفُسَنا وَأهلِينا بِفَضائِل العَشرِ لِتَكونَ دافِعَا لَنا على الجدِّ والعملِ.
عبادَ الله: لقد كان رسولُنا يجتهدُ في العشر الأواخر ويخصُّها بمزيدٍ من الأعمالِ ما لا يجتهد في غيرها من الأيامِ والليالي, فهو يُحيي الَّليلَ كُلَّه، ويَتجنَّبُ نساءَه، تقولُ أمُّنا عائشةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ".
قال ابنُ رجبٍ -رحمه اللهُ-: "ولم يكنِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا بقيَ من رمضانَ عشرةُ أيامٍ يَدَعُ أَحَدَاً مِن أَهْلِهِ يُطيقُ القيامَ إلاَّ أَقَامَهُ".
هَكَذا كَانَ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم مُتفرِّغَاً للعبادةِ, مُقبِلاً عَليها، بَلْ كَانَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يعتكفُ في هَذِهِ العَشْرِ لِيَنْقَطِعَ عَنْ الدُّنيا وَمَشاغِلِها مُتَحَرِّياً ليلةَ القدر.
وَمِنْ بعْدِه سَارَتْ قَوَافِلُ الصَّالِحِينَ, تَقِفُ أيَّامَ العَشْرِ وقفَةَ جِدٍّ وَإخلاصٍ، وَيَقِينٍ بِعَفْوِ أَكرَمِ الأَكْرَمِينَ.
لقد كان قتادةُ -رحمه الله- يختمُ القرآنَ في كلِّ سبعِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلَ رمضانُ ختمَ في كلِّ ثلاثِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلتِ العشرُ خَتَمَ في كلِّ ليلةٍ مرةً.
أيُّها الصَّائِمُونَ: أَتعجَبُونَ مِنْ هذا الجَلَدِ وَهذِهِ الهِمَّةِ؟ فَمَا أَحْسَنَ قولَ مَنْ قالَ في زَمَنِنَا: "كُنتُ أقُولُ: كيف كانَ السَّلَفُ يَعكُفُونَ على القُرآنِ طَويلاً؟ فَلَمَّا رِأيتُ العاكِفِينَ على الجَوَّالاتِ زَالَ عَجَبِيْ، وَعَلَمْتُ أنَّ القَلبَ إذا أَحَبَّ شَيئاً عَكَفَ عليهِ!".
أيُّها الصَّائِمُونَ: وَمِنْ شِدَّةِ تَعظِيمِ السَّلفِ لِلعَشْرِ: أنَّهُم كانوا يغتسلونَ ويتطيَّبُون ويتزيَّنونَ لها بِأَحسَنِ مَلابِسِهم كُلَّ ليلةٍ.
فَاللهَ اللهَ يا صائمينَ! لا تَفُوتَنَّكُم تلكَ الفُرصَةُ العَظِيمَةُ، فوالله! لا ندري أَنُدْرِكُها أَمْ لا؟ فاطردوا عنكم الكسل، وارفعوا أكُفَّكم، واسجدوا لربِّكم، وكونوا مِمَّن أثنى الله عليهم بِقَولِهِ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) [السجدة:16 ].
ردِّدوا: اللهم إنِّك عفوٌ تحبُّ العفو فاعف عنا، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ لِطَاعَتِهِ بَرَحْمَتِهِ, وَأَضَلَّ مَنْ شَاءَ بِعَدلِهِ وَحِكمتِهِ, نَشهدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ المتفرِّدُ بِكلِّ جَلالٍ وَكَمَالٍ.
وَنشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ اصْطَفاهُ اللهُ لِأَكْرَمِ الخِصَالِ، صلَّى الله وَسلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وَعلى آلهِ الطَّيِّبِينَ، وَصَحَابَتِهِ الْمُكرَّمينَ، والتَّابِعِينَ لَهُم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ إلى يوم المَآلِ.
أيُّها الصَّائمونَ: من دلائلِ توفيقِ اللهِ للعبدِ: أنْ يَلتَمِسَ لَيلةَ القَدْرِ أَمَلاً بِالفَوزِ بِهَا، وَنَيلِ بَرَكَاتِها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه".
وقد حثَّنا رسولُنا -صلى الله عليه وسلم- إلى التِمَاسِها في ليالِي الوتر من العشر الأواخر، أو السَّبعِ البواقي؛ فعن عبدِ الله بنِ عمرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُفَ أحدكم أو عَجَزَ فلا يُغلبَنَّ على السَّبعِ البواقي".
وقد سَأَلَتْ أمُّ المؤمنين عائشةُ -رضي الله عنها- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بأيِّ شيءٍ تدعو ليلة القدرِ؛ فأرشدها صلى الله عليه وسلم أن تقول: "اللهم إنَّك عفوٌّ، تحبُّ العفو، فاعف عني".
واعلموا -رحمنا اللهُ جَميعا- أنَّ الجَمْعَ بين الصيامِ والصَّدقَةِ أبلغُ في تكفيرِ الخطايا والفوزِ بالجنَّةِ.
فَأكثروا من الصَّدقات فهي سببٌ لِزَكَاءِ نُفُوسِكم، وطهارةِ قُلُوبِكم، ونماءِ أموالِكُم، فَنحنُ في شهر رحمةٍ ومواساةٍ، وقد حَلَّ بإخوانٍ لنا في العقيدة والدِّينِ فجائعُ كبرى، وفقرٌ مُهلكٌ, فأعينوا مُحتَاجَهُم، وأغيثوا مَلهوفَهُم، وانصروا مَغلُوبَهم, وجاهِدوا مَعَهم بِأموالِكم, فاللهُ -تعالى- يقول: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 110].
أيُّها الصائمونَ: كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلتِ العشرُ لزمَ المسجدَ فلا يخرجُ منه إلاَّ ليلةَ العيدِ، ففي الاعتكافِ أسرارٌ ودروسٌ؛ فالمعتكفُ ذكرُ اللهِ أنيسُهُ، والقرآنُ جليسهُ، والصلاةُ راحتهُ، ومناجاةُ الرَّبِّ مُتعَتُه، والدُّعاء لذَّتُه.
فهنيئاً للمعتكفينَ!.
يـا رجـالَ الليل جِدُّوا | رُبَّ داعٍ لا يـُـرَدُّ |
لا يقـومُ اللـيلَ إلا | مَنْ له عـزمٌ وجِـدُّ |
فاللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا.
اللهم وفقنا لليلة القدر, واجعل حظنا فيها موفوراً، وسعينا مشكوراً.
اللهم اجعل شهرنا شهر خيرٍ وبركة للإسلام والمسلمين في كل مكان.
اللهم أعتق رقابنا ووالدينا والمسلمين من النار.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أعز الإسلامَ والمُسلمينَ، وأذلَّ الكفر والكافرينَ، واحمِ حوزةَ الدينِ، واجعل بلادنا وبلادَ المُسلمين آمنةً مطمئنة يا ربَّ العالمين.
اللهمَّ اكشِفِ الغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الأمَّةِ, اللهم اجمع شملنا بِأهلِنا وإخْوانِنا في كُلِّ مَكَانٍ.
اللهم وحِّدْ صُفُوفَنا واجمع كلِمتَنا في خَليجِنَا وفي كُلِّ مَكَانٍ على الهُدى والدِّينِ, اكفِنا شَرَّ الأشرارِ, وَكيدَ الفُجَّارِ.
اللهم وفَّق ولاةَ أمورنا لما تُحبُ وترضى، وأصلح لهم البطانة، ووفقهم لأداء الأمانة.
اللهم كُنْ لإخْوَانِنا المُسلِمينَ ولا تَكُنْ عليهم, وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم، اللَّهُمَّ سَلِّطْ الرَّافِضَةِ والحَوثِيِّنَ جنداً من جندك, اللَّهُمَّ خُذهم أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ, اللهم أرنا فيهم عجائبَ قدرتِكَ.
اللَّهُمَّ احفظ حُدُودَنا وانْصُرْ جُنُودَنا وتَقَبَّل موتَاهم في الصَّالِحينَ.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].