البحث

عبارات مقترحة:

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

حقوق كبار السن

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الإسلام مهذب الأخلاق .
  2. حث الإسلام على مراعاة حقوق كبار السن .
  3. الجزاء من جنس العمل .
  4. اعتداءات بعض الشباب على كبار السن .

اقتباس

إن كثيرًا من كبار السن يحتاجون إلى رعاية خاصة، وعناية بدنية ونفسية واجتماعية، وكما يدين المرء يدان، فمن كان -عباد الله- عارفًا بحقوق هؤلاء، مؤديًا لواجباتهم، فإن الله -عز وجل- يقيض له في كبره من يقوم بحقوقه وواجباته، وعلى العكس من ذلك -عباد الله-، من يضيّع حقوق هؤلاء، ويهمل واجباتهم، أو يسيء إليهم، فإن الله يقيض له في كبره من يعامله بذلك...

 

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن تقوى الله -جل وعلا- أساس السعادة وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، ومن اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الإسلام جاء بتوجيهاته العظيمة وإرشاداته السديدة ليهذب النفوس، وليكمل الأخلاق، وليرفع بالناس إلى عالي الآداب ورفيعها؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

عباد الله: وإن من الأخلاق العظيمة والآداب الرفيعة التي دعا إليها ديننا الحنيف معرفة قدر كبار السن، ومراعاة حقوقهم والتأدب معهم، ومعرفة ما لهم من حقوق وواجبات، ثبت في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أنزلوا الناس منازلهم"، هكذا الواجب -عباد الله- أن تعرف منازل الناس وأقدارهم وحقوقهم، ومن عدم هذه المعرفة فإنه سيعدم -ولا بد- القيام بحقوق هؤلاء وتأدية واجباتهم.

ثبت في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا". وتأملوا -رعاكم الله- قوله -عليه الصلاة والسلام-: "ويعرف حق كبيرنا"، فإن هذا أساس عظيم لا بد منه في القيام بحقوق هؤلاء وتأدية واجباتهم، لا بد من معرفة مكانتهم وقدرهم وعظيم حقهم، ولابد من معرفة ما لهم من حقوق وواجبات، ولا بد من معرفة مراقبة الله -جل وعلا- واطلاعه على العباد وأعمالهم، إن هذه المعرفة -عباد الله- إذا وصلت إلى القلب فإن القلب يتحرك بالقيام بالحقوق وتأدية الواجبات: "من لم يعرف حق كبيرنا ليس منا"، فمن كان لا يعرف حقوق كبار السن ولا يعرف ما لهم من حقوق وواجبات فإنه ليس على هدي النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وليس على طريقته -صلوات الله وسلامه عليه-.

لما دخل -صلى الله عليه وسلم- مكة فاتحًا ذهب أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وأتى بوالده أبي قحافة، ولم يسلم إذ ذاك، فجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أتى به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له -عليه الصلاة والسلام-: لماذا جعلت هذا الشيخ يأتينا؟! ألا أخبرتنا فأتيناه؟! ثم إنه -عليه الصلاة والسلام- وضع يده على صدره ودعاه إلى الإسلام، فشرح الله صدره للإسلام فأسلم.

عباد الله: ثبت في سنن أبي داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام الحاكم المقسط".

عباد الله: إن إكرام ذي الشيبة من إجلال الله -سبحانه وتعالى-، إن إكرام ذي الشيبة المسلم مما يتقرب به المؤمنون إلى الله، ويطلبون به ثواب الله -عز وجل- وعظيم موعوده، ولا سيما مَنْ صَاحَبَ كبرُ سنه ضعفًا في البنية، ووهنًا في البدن، وضعفًا في الصحة؛ فإن الحقوق تتراكم، والواجبات تتعدد.

إن كثيرًا من كبار السن يحتاجون إلى رعاية خاصة، وعناية بدنية ونفسية واجتماعية، وكما يدين المرء يدان، فمن كان -عباد الله- عارفًا بحقوق هؤلاء، مؤديًا لواجباتهم، فإن الله -عز وجل- يقيض له في كبره من يقوم بحقوقه وواجباته، وعلى العكس من ذلك -عباد الله-، من يضيّع حقوق هؤلاء، ويهمل واجباتهم، أو يسيء إليهم، فإن الله يقيض له في كبره من يعامله بذلك، يقول يحي بن سعيد المدني -رحمه الله-: بلغنا "أن من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يقيض الله -عز وجل- له من يهينه في كبره"، وهذا من قبيل "كما تدين تدان"، و"كيفما تكونون يولَّ عليكم"، فالواجب -عباد الله- معرفة حقوق كبار السن والعناية بهم، ولا سيما -عباد الله- إذا كان كبيرُ السن أبًا أو جدًّا أو خالاً أو عمًّا أو جارًا أو قريبًا؛ فإن ذلك -عباد الله- قد اجتمعت فيه حقوق عديدة، حقوق كبر السن، وحقوق الأبوة أو العمومة أو الجوار، أو نحو ذلك، والواجب على المسلم -عباد الله- أن يتقي الله -جل وعلا-، وأن يحسن مع عباد الله، وأن ينزلهم منازلهم، وأن يعطي كل ذي حق حقه.

عباد الله: إن كبار السن يظهر عليهم في كبر سنهم الوقار والطمأنينة، والحرص على الخير، والبعد عن المحرمات، والإقبال على الله -عز وجل-، وكل منهم يشعر بدنو الأجل، ومفارقة هذه الحياة؛ دخل سليمان بن عبد الملك المسجد، فرأى رجلاً مسنًّا كبيرًا، فدنا منه، فقال له: يا شيخ: أتحب الموت؟! قال: لا، قال: وبم ذاك؟! قال: ذهب الشباب وشره، وجاء الكبر وخيره، فأنا إذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أريد أن يبقى هذا لي. وهذا هو معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من طال عمره وحسن عمله".

عباد الله: إن هؤلاء الأفاضل الأخيار، والأماثل الأبرار، أهل الدعاء والسجود والطاعة والإقبال على الله، أهل الإكثار من الاستغفار، الداعين الله -عز وجل- لهم ولذويهم ولعموم المسلمين، حقهم علينا أن نعرف قدرهم، وأن نرعى مكانتهم، فهم -إي والله- زينة البيوت وجمالها، ألا فلنتقِّ الله -عز وجل- في كبار السن.

عباد الله: إن من المؤسف حقًّا، ومن المبكي صدقًا أن يتعدى بعض الناشئة على هؤلاء، فلا يعرفون لهم حقًّا، ولا يقومون لهم بواجب، بل منهم من ربما اعتدى على كبير السن بشتم أو غير ذلك من الإساءات.

عباد الله: إن هؤلاء الناشئة -وإن كانوا قلة- يجب عليهم أن يعودوا إلى الله عودة صادقة، بمعرفة حق هؤلاء وتأدية واجبهم، ومراقبة الله -عز وجل- فيهم حق المراقبة، قبل أن يفوت الفوات، وكم من إنسان كان عنده في بيته كبير سن لم يرع حقه، ولم يقم بواجبه، فلما مات كبير السن وفارق الحياة لحقه ندم كبير، وأسف عظيم، على التفريط والإضاعة، ألا فلنتقِّ الله في هؤلاء، ولنرعَ لهم حقوقهم، وإنا لنسأل الله -جل وعلا- أن يهدي شباب المسلمين، وأن يردهم إليه ردًّا جميلاً، ونسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك في كبار السّن، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يعلي قدرهم، وأن يرزقنا برهم والإحسان إليهم؛ إنه سميع مجيب، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرّحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تقوى الله -جل وعلا- هي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله، وتقوى الله -جل وعلا- أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله. فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه في الغيب والشهادة، والسر والعلانية، واعلموا أنكم ملاقوه، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على إمام المرسلين، وقدوة عباد الله أجمعين، محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا" اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهدين: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي السبطين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، اللهم عليك باليهود المعتدين المجرمين الغاصبين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه اللهم البطانة الناصحة الصالحة يا ذا الجليل والإكرام، اللهم وقف جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا، واجعلنا مباركين أينما كنا.

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر ذنوب المذنبين، اللهم اغفر ذنوب المذنبين، وتب على التائبين، واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين، اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك أنت الغفور الرحيم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. عباد الله: اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.