العربية
المؤلف | صلاح بن محمد البدير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وضَع الإسلام حدًّا وسَدًّا لحمايةِ المرأة من مُعابثة الفُسّاق ومطامِع أهل الرِّيَب والنفاق، وستظلّ بالإسلام في إطارِ الشّرَف والفِخار والإجلال والإكبار، درّةً مصونة وزعيمة شريفة وحرّة عفيفة وشقيقة كريمة. حجابها جمالُها، وسِترها جلالُها، وجلبابُها عِزُّها وكمالُها، مِن الإسلام تستمدُّ هديَها، وبسنّةِ رسول الله تشقُّ طريقَها...
الخطبة الأولى
أمّا بعد:
فيا أيّها المسلمون: اتّقوا الله؛ فإنّ تقواه أفضلُ زاد، وأحسنُ عاقبةٍ في معاد، (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)[هود:49].
أيّها المسلمون:
زعَمَ السفورَ والاختلاطَ وسيلةً | للمجد قومٌ في المجانةِ أغرَقوا |
كذبوا متى كان التعرُّضُ للخنَا | شيئًا تعزُّ به الشعوب وتسبق؟!(1) |
قومٌ تعاظم حِقدهم، واشتدَّ عُدوانهم؛ ليأتيَ على الفضيلة أعنفُه، وعلى الحِشمة أشنعُه، وعلى الطّهارة أبشعُه؛ لأنّ العِفّة تثيرُ غيظَهم وتُمضّ أفئدتَهم وتحرِق قلوبهم.
وما على العنبَر الفوّاحِ من حرجٍ | أن مات من شمِّة الزبّالُ والجعَل(2) |
نشؤُوا في حضنِ الإسلام، وتربَّوا في بلاده، فلمّا شبُّوا عن الطّوق استساغوا علقمَ العِدا، واستحبّوا العمَى على الهُدى، وحمَلوا معاولَ الهدمِ، ورفعوا لواءَ الكيدِ والمكر الصُّراح؛ فأيُّ خيرٍ يُرتجَى ممّن سبَق للعِدا تعبيدُه ورِقُّه، وتعذّر فكُّه وعِتقُه؟! فهو الوكيلُ المكتَرى والمملوكُ المشتَرى والخادمُ المرتَضى.
فُسولُ الرجال الغَشَشَة الضُّلاَّل، أثاروها عجابةً هوجاء، وخطّوها مقالاتٍ خَرقاء، ضدَّ المجتمعِ المسلم الطاهر، وضدّ المرأة المسلمة؛ لإسقاط حجابها وتدنيسِ شرفها، وإنزالها في ميادينِ الرجال وزجِّها في جميع الوظائفِ والأعمال، وتأسيس الاختلاط وغَرس نبتتِه الخبيثة ووضعِ لَبِنته النّجسة؛ فقطعها الله من أكفٍّ، وأخرسَها من ألسُن، وأخمدَها من أنفاس، (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[التوبة:107]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)[البقرة:11-12].
أيّها المسلمون: لقد وضَع الإسلام حدًّا وسَدًّا لحمايةِ المرأة من مُعابثة الفُسّاق ومطامِع أهل الرِّيَب والنفاق، وستظلّ بالإسلام في إطارِ الشّرَف والفِخار والإجلال والإكبار، درّةً مصونة وزعيمة شريفة وحرّة عفيفة وشقيقة كريمة. حجابها جمالُها، وسِترها جلالُها، وجلبابُها عِزُّها وكمالُها، مِن الإسلام تستمدُّ هديَها، وبسنّةِ رسول الله تشقُّ طريقَها.
وليخسأْ دعاةُ الافتراءِ المفضوح وأنصار المذهب المقبوح؛ فلن تجنيَ المرأة من الاختلاطِ والظهور والتكشُّف والحسُور إلا النّظرات المتلطِّخة، والتحرّشات العابثة، والاعتداءات الفاحِشة والكلالَ والنكالَ والوبال، (وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)[النساء:119]، (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)[الكهف:50].
أيّها المسلمون: لقد قامت هذه الدّعواتُ الآثمة والشّعارات المضلِّلة في غابرٍ من الزّمن في عددٍ من الأمصار والأقطار، ونجح مناصِروها في إنزال المرأة من قصرها المنيع وحِصنها الرّفيع؛ فخلعت حجابَها، وغادرت حِصنها ومخدعَها، وتحرَّرت من كلِّ سلطان، وانطلقت في كلِّ مكان، وعملت في كلّ ميدان؛ فماذا كانت النتيجة؟! انحسارٌ في أخسّ دركاتِ العبَثِ والفجور، وانغِماسٌ في أسفل دَركات الخلاعة والمجون.
وحُقّ لنا أن نتساءل: ماذا أضحتِ المرأة المتحرّرة -كما زَعموها- والمرأةُ الحديثة -كما نعَتوها- والمرأة العصريّة -كما وصَفوها؟- لقد ابتُذِلت غايةَ الابتذال، واستغِلَّت غايةَ الاستغلال، واستُعبِدَت واستُرِقّت، وغَدت أداة لهوٍ وتسليةٍ في يد العابثين الفُجّار والفَسَقة الأشرار، تعمل بثديَيها قبل يدَيها، راقِصةً في دورِ البِغاء، وعارضةً في دورِ الأزياء، وغانيةً في دور الدّعَارة والتّمثيل؛ فأينَ أُكذوبة تحريرِها وتكريمها؟! وصدق رسول الله : "ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء، فاتّقوا الدنيا واتّقوا النساء، فإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"(3).
أيّها المسلمون: إنّ حتميَّة الفصلِ الدقيق والعميق بين الرجلِ والمرأة يُعدُّ ضرورةً أخلاقيّة وسلوكيّة واجتماعية وأمنية؛ لأنّ تمكينَ الاختلاط بين الرجال والنساء أصلُ كلِّ بليّة ونقيصة وأساسُ كلِّ شرٍّ ورذيلة؛ فعن عقبة بن عامر الجهنيّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "إيّاكم والدخولَ على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسولَ الله، أفرأيتَ الحموَ؟ قال: "الحموُ الموت"(متفق عليه)(4)، وعن أمّ سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله إذا سلّم ـ أي: إذا فرَغ من الصلاة ـ مكَث قليلاً، وكانوا يَرونَ أنّ ذلك كيما ينفذ النساءُ قبل الرجال. أخرجه أبو داود(5). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله : "لو تركنا هذا البابَ للنّساء"، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. أخرجه أبو داود(6).
وعن أبي أسيد الأنصاريّ -رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله يقول وهو خارجٌ من المسجد فاختلط الرّجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله للنساء: "استأخِرن، فإنّه ليس لكنّ أن تحقُقن الطّريقَ، عليكنّ بحافّات الطريق"(أخرجه أبو داود)(7). ويقول جلّ في علاه في كتابه العزيز وكلامه البليغ الوجيز: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب:53].
تلك أدلَّةٌ من الكتاب والسنة تردُّ أباطيلَ كلِّ مارق وتحسِم أضاليلَ كلِّ ماذق ممّن عدَلَ عن مَوردهما العذبِ الزُّلال إلى آسِن قلّوطِ أهل الفِسق والضَّلال.
يا فتاةَ الإسلام: كوني كما أرادَك الله وكما أراد لك رسولُ الله، لا كما يريدُه دعاةُ الفتنة وسُعاةُ التبرُّج والاختلاط؛ فأنتِ فينا مُربِّيةُ الأجيال وصانعةُ الرجال وغارسةُ الفضائل وكريمِ الخصال ومرضِعةُ المكارم وبانيةُ الأمم والأمجادِ؛ فحاشاك حاشاك أن تكوني مِعوَلَ هدمٍ وآلةَ تخريب وأداةَ تغيير وتغريب في بلادِ الإسلام الطّاهرة وربوعِه العامرة ضِدّ أمّة محمّد.
يا نساءَ المسلمين: إنّ الله رفعكنَّ وشرّفكنّ، وأعلى قدركنّ ومكانتَكنّ، وحفِظ حقوقكنّ؛ فاشكُرنَ النعمة، واذكُرن المنَّة؛ فما ضُرِب الحجابُ ولا فُرِض الجِلباب ولا شُرع النقاب إلاّ حمايةً لأغراضِكن وصيانةً لنفوسِكن وطهارةً لقلوبكنّ وعصمةً لكنّ من دواعي الفتنة وسُبُل التحلُّل والانحِدار، فعليكنّ بالاختِمار والاستِتار، واغضُضنَ من أبصاركنّ، واحفظن فروجَكنّ، واحذَرن ما يلفِت الأنظارَ ويُغري مرضَى القلوبِ والأشرار، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)[الأحزاب:33]. استُرن وجوهكنّ وزينتكنّ ومحاسنكنّ عن الرّجال الأجانب عنكنّ.
ولتحذَر المرأةُ المسلمة الرقيقَ من الثيابِ الذي يصِف ويشفّ، والضيِّقَ الذي يبين عن مفاتِنها وتقاطيعِ بدنها وحجمِ عظامها، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "المرأةُ عورةٌ، فإذا خرجت استشرَفها الشيطان، وأقرَب ما تكون من ربِّها إذا هِي في قعرِ بيتِها"(أخرجه ابن حبان)(8).
ولتحذرِ المرأة المسلمةُ أن تمرَّ على الرجالِ متعطِّرةً متبخِّرة، يقول رسول الهدى : "إذا استعطَرت المرأة فمرَّت بالقومِ ليجدوا ريحَها فهي زانية"(أخرجه أبو داود والترمذي) (9)، وعن عُبيد مولى أبي رُهم أنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- لقيَ امرأةً متطيّبةً تريدُ المسجدَ، فقال: يا أمةَ الجبّار، أين تريدِين؟ قالت: المسجد، قال: وله تطيَّبتِ؟! قالت: نعم، قال: فإني سمعتُ رسول الله يقول: "أيّما امرأةٍ تطيّبَت ثمّ خرجت إلى المسجد لم تُقبَل لها صلاةٌ حتى تغتسِل" أخرجه ابن ماجه(10)، وعن عمرةَ بنتِ عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لو أنّ رسولَ الله رأى ما أحدثَ النساءُ لمنعهنّ المسجدَ كما مُنِعَت نساءُ بني إسرائيل، قيل لعمرةَ: نساءُ بني إسرائيل مُنِعنَ من المسجد؟! قالت: نعم. أخرجه مسلم(11).
ولتحذرِ المرأة المسلمةُ أن تخضعَ بقولها أو تترَقرَقَ في لفظها أو تتميَّع في صوتها أو تتنظّم وتتكسَّر في كلامِها مع الرجال، فتُطمِعَ فيها ضعيفَ الإيمان؛ (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا)[الأحزاب:32].
والمرأةُ الشريفة العفيفَة لا تقبلُ أن تكونَ نبعَةَ إثارةٍ أو مثار فتنة للأعين الشرِهَة والنظراتِ الخائنة الوقِحة والنفوس السافِلة الدنيئةِ والأقوال المهينةِ البذيئة، قال جلّ في علاه: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)[النور:31]، ويقول تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب:59].
فأين الامتثال؟! وأين الاستجابة في الحال؟!؛ فعن أم سلمةَ -رضي الله عنها- قالت: لمّا نزلت هذه الآية: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ خرج نساءُ الأنصار كأنّ على رؤوسهنّ الغربان من الأكسية. أخرجه أبو داود(12)، وعن عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: "كُنّ نساء المؤمنات يشهَدن مع رسول الله صلاةَ الفجر متلفِّعاتٍ بمروطهنّ، ثم ينقلبنَ إلى بيوتهنّ [حين] يقضين الصلاة، لا يعرفهنّ أحدٌ من الغَلَس"(متفق عليه)(13).
أيّتها المرأةُ المسلمة: تجلَّلي بأشرفِ إِكليل وتلفّعي بأهدَى سبيل وانتمي إلى خيرِ قَبيل، تجلَّلي بالتقوى والإيمانِ والخشية والخوفِ والحياء من الرحمن، واحذري كلَّ متبرِّجةٍ داعِرة وكلَّ حاسِرة وسافِرة وكلّ ماجنةٍ وكافرة، وأرعِي سمعَك لقول رسولِ الهدى : "صنفان من أهلِ النار لم أرَهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقر يضرِبون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات مميلاتٌ مائلات، رؤوسُهنّ كأسنِمَة البُخت المائلة، لا يدخلنَ الجنة ولا يجِدن ريحَها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرةِ كذا وكذا"(أخرجه مسلم)(14) وزاد أحمد: "العنوهنّ فإنهن ملعونات"(15).
هذا مصيرُ العاريةِ من خشية الله، العاريةِ من شكر نعمةِ الله، العاريةِ من الأخلاق الكريمة، هذا مصير من تبرّجت وترجَّلت ومرجت وبرزت وتكشّفت وفتَنت وافتُتِنَت، فاحذَري سوءَ الخاتمة، ولا يحُل بينك وبين الخاتمة الحسنةِ والدارِ الطيبة في الجنّة العالية دعاةُ المخادنة وأعداءُ الشّرف وأنصار التحلُّل والتفسُّخ والانحدار.
أيّها المسلمون: كلّ ما أدّى إلى محذور فهو في الشّرع محظور، وإنّ من أعظم أسباب الفساد والحيدِ عن سبيل العِفَّة والرشاد سَفَرَ المرأة وليس مَعها ذو محرم منها أو خلوتها بأجنبيّ عنها؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسول الله يخطب ويقول: "لا يخلوَنّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافِر المرأة إلاّ مع ذي محرم"، فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، إنّ امرأتي خرجت حاجَّةً وإني اكتُتِبتُ في غزوةِ كذا وكذا، فقال النبيّ : "انطلِق فحُجَّ مع امرأتك"(متفق عليه)(16)، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطاب خطبَ بالجابية فقال: قام فينَا رسول الله مقامِي فيكم فقال: "لا يخلوَنّ أحدكم بامرأةٍ فإنّ الشيطان ثالثُهما"(أخرجه أحمد)(17). كلّ ذلك سدًّا للذرائع وحَسمًا للوسائل المفضِية إلى وقوع الفواحِش.
أيّها الآباء والأولياء: صونوا نساءَكم، واحفَظوا أعراضَكم وأنسابكم، واجتنِبوا التفريطَ والتشاغُل، وحاذروا التقصيرَ والتساهلَ الذي لا تُؤمَن لواحِقُه وتوابعُه وتواليهِ وعواقبه، بيدَ أنّ عاقبتَه بوار وخاتمته خَسار، كونوا أُباةَ العَار وحُماةَ العَرين، كونوا كمحافظٍ متنبِّهٍ لا يغفل، ومُراعٍ متيقِّظٍ لا يُهمِل. واعلَموا أنّ أشرفَ الناس أشدُّهم غيرةً على نفسِه وأهله وعِرضه، ومَن لا غَيرة عنده فبطنُ الأرض أولى به من ظهرها، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "إنّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمّا استرعاه: حفظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجلَ عن أهل بيته"(أخرجه ابن حبان)(18)، وفي الصحيحين: "والرجلُ راعٍ على أهلِه ومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيّتها"(19).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6].
جعلني الله إيّاكم من الهداة المهتَدين المتّبعين لسنّة سيّد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد:
فيا أيّها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119].
أيّها المسلمون: إنّ ممّا يذيب القلبَ كَمدًا ويعتصِر له الفؤادُ ألمًا ما يحدثُ من مخالفاتٍ في الأعراس والأفراحِ ومنكراتٍ عظيمة في حفلات النكاح، أفراحٌ تعُجّ وتضِجّ بالمخالفات والمنكرات، استئجارٌ للمغنّين والمغنّيات والمطربين والمطرِبات الذين يتغنّونَ بأشعارِ الفِسق والفجور ويستخدِمون آلاتِ الموسيقى والطبول بمبالغَ باهظة وتكاليفَ عالية، سَفهٌ وإسراف ورِياءٌ وتبذير، وإيذاء واعتداء ناتجان عن رفع الصوت بالغناء، ونساءٌ متبرِّجات يلبسنَ ثيابًا شفّافةً وضيِّقة ومجسِّمة وعارية وشبهَ عارية، ورقص كرقص العاهرات، واختلاط للرّجال بالنساء، وبذلٌ طائش وإسرافٌ فاحِش في المآكل والمشارب الذي لا يخفَى مصيرُها، وسَهرٌ لا خيرَ فيه ولا تُحصَى مساويه.
أمورٌ مخجِلة ومحزنة سَرت إلى صفوف المسلمين بطريقِ العدوى والتقليدِ الأعمى، فاتقوا اللهَ -أيّها المسلمون-؛ فما هكذا تُشكَر النِّعم وتستدفَع النِّقم، فانتَهوا عمّا نهيتُم، واستدركوا الفائتاتِ بالتوجُّع للعثرات والخروج من التّبعات والتوبة من السيّئات، والله يتوب على التّائبين.
ثمّ اعملوا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبِّحة بقدسه، وأيَّه بكم أيّها المؤمنون من جنّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:59].
اللهمّ صلِّ وسلِّم على نبيّنا وسيّدنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...
-----------------
(1) من قصيدة "السفور والخلاعة" للشاعر محمد حسن النجمي.
(2) من لامية ابن سند.
(3) هذا النص مركب من حديثين، فالجزء الأول منه أخرجه البخاري في النكاح (4706)، ومسلم في الذكر (4923) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-، والجزء الثاني منه أخرجه مسلم في الذكر (4925) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(4) صحيح البخاري: كتاب النكاح (4831)، صحيح مسلم: كتاب السلام (4037).
(5) سنن أبي داود: كتاب الصلاة (876)، وهو عند البخاري في الأذان (793).
(6) سنن أبي داود: كتاب الصلاة (391، 484)، ورواه عقِبه موقوفا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال: "وهو أصحّ"، وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط (1018)، وذكر الجزء المرفوع الألباني في صحيح سنن أبي داود (439، 534).
(7) سنن أبي داود: كتاب الأدب (4588)، وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير (19/261)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (4392).
(8) صحيح ابن حبان (5598، 5599)، ورواه أيضا ابن خزيمة (1685، 1686)، والطبراني في الأوسط (2096) والكبير (10/108)، وقال الهيثمي في المجمع (2/35): "رجاله موثقون"، وصححه الألباني في الإرواء (273)، وانظر السلسلة الصحيحة (2688).
(9) سنن أبي داود: كتاب الترجل (3642)، سنن الترمذي: كتاب الأدب (2710) عن أبي موسى بنحوه، وأخرجه أيضا أحمد (4/400، 413، 418)، والنسائي في الزينة (5036)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (1681)، وابن حبان (4424)، والحاكم (3497)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3516).
(10) سنن ابن ماجه (3992)، وأخرجه أيضا أحمد (2/246، 297، 365، 444، 461)، وأبو داود في الترجل (3643)، وصححه ابن خزيمة (1682)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (3233).
(11) صحيح مسلم: كتاب الصلاة (676)، وهو أيضا عند البخاري في الأذان (822).
(12) سنن أبي داود: كتاب اللباس (3578)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3456).
(13) صحيح البخاري: كتاب المواقيت (544)، صحيح مسلم: كتاب المساجد (1020، 1021، 1022).
(14) صحيح مسلم: كتاب اللباس (3971) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(15) المعجم الصغير (1125) والأوسط (9331) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، وهو أيضا عند أحمد (2/223)، وصححه ابن حبان (5753)، والحاكم (8346)، وهو في السلسلة الصحيحة (2683).
(16) صحيح البخاري: كتاب الحج (1729)، صحيح مسلم: كتاب الحج (2391).
(17) مسند أحمد (1/18)، وأخرجه أيضا الترمذي في الفتن (2091)، والنسائي في الكبرى (9225)، والبزار (167)، والبيهقي في الكبرى (7/91)، وقال الترمذي: "هذ حديث حسن صحيح غريب"، وصححه ابن حبان (7254)، والحاكم (387، 388، 389، 390)، وهو في صحيح سنن الترمذي (1758).
(18) صحيح ابن حبان (4492)، وأخرجه أيضا النسائي في الكبرى (9174)، والطبراني في الأوسط (1703)، وابن عدي في الكامل (1/312)، وأبو نعيم في الحلية (6/281، 9/235)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (13/113)، وهو في السلسلة الصحيحة (1636).
(19) صحيح البخاري: كتاب الجمعة (844)، صحيح مسلم: كتاب الإمارة (3408) عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.