الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
وهذه التلبية إجابة لدعوة الله على لسان خليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، ومعناها أنا مجيبك لدعوتك يا الله، مستسلم لحكمتك، مطيع لأمرك مرة بعد مرة، لا أزال على ذلك إلى أن أموت...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلم تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلعمران:102].
أيها المؤمنون: يقول الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ)[آلعمران:96-97]، وقال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة:197].
عباد الله: لقد كتب الله الحج على عباده، وأمرهم أن يسعوا إلى البيت العتيق مجيبين نداء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)[الحج:27-28].
وقد لبي نداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام كلُّ من كتب الله له الحج من بشرٍ وشجرٍ وحجرٍ ومدر إلى يوم القيامة ــ لبيك اللهم لبيك ــ حسب الزمان والمكان والأشخاص.
والحج -أيها المؤمنون- أفضل الأعمال؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: " حج مبرور"(رواه البخاري ومسلم).
والحج جهاد في سبيل الله؛ فعن عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها-: قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة"(رواه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح).
والحج جزاءه الجنة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"(رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"(متفق عليه).
والحج -أيها المؤمنون- يهدم ما كان قبله من الذنوب والمعاصي؛ فعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: أبسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي قال: "مالك يا عمرو؟" قال: قلت أردت أن أشترط، قال: "تشترط بماذا؟" قلت: أن يغفر لي، قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله"(رواه مسلم).
عباد الله: هذه بعض فضائل الحج؛ فعلى المسلم الذي لم يؤدي الفريضة أن يبادر إلى أدائها قبل أن تفجأه المنية؛ فكل واحد منا لا يدري ما يعرض له؛ فهنيئاً لمن أدى الفريضة على الوجه الصحيح مقتدياً بالرسول الكريم القائل -وهو يوجه الناس ويعلمهم في مناسك الحج-: "خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا"(رواه البيهقي).
وشعار الحجاج الذي يرفعون به أصواتهم "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك".
وهذه التلبية -أيها المؤمنون- إجابة لدعوة الله على لسان خليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، ومعناها أنا مجيبك لدعوتك يا الله، مستسلم لحكمتك، مطيع لأمرك مرة بعد مرة، لا أزال على ذلك إلى أن أموت.
وفي التلبية توحيد لله ونفي الشرك عنه، وخصُّه وحده بالعبادة والتحرر من عبودية ما سواه.
وفي التلبية حمد لله، وحمد الله دعاء فيه طمأنينة نفسية، وفيه وقود روحي يزيل شوائب اليائس ويجدد الطاقات ويشحذ الأفئدة بفيض من أمنٍ وأملٍ ورضا وتفاؤل.
وفي التلبية الاعتراف بنعم الله المتوافرة التي لا تحصى، وصدق الله العظيم: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)[إبراهيم: 34].
والمؤمن الصادق مهما عمل من أعمال الخير والبر والطاعة فإنه يستقلها في جانب نعم الله وفضله وعطائه، ويستصغر أعماله في إحسان الله وفضله عليه، فهو يتقلب في نعم الله صباح مساء، بدءاً من خلقه ومروراً بحياته إلى موته وجزائه، ويعلم يقيناً أنه لا ينفعه عمله إلا إذا -رضي الله عنه- ورحمه، وإلا فقد يكون عمله وبالاً عليه والعياذ بالله.
وفي التلبية نفي للشريك مع الله، وإقرار للخالق بالوحدانية والعبودية، والشرك ظلم وإلحادٌ، ونهايته الخلود في النار لمن مات عليه، وهو في الدنيا فوضى واضطراب وقلق وخوفا وهلع.
وقد وصف الله حال المشركين بالحياة الدنيا وما يعانونه من ذعرٍ و رعبٍ وخوفٍ في آيات كثيرة قال الله جل وعلا: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31]، وقال تعالى: (فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)[الأنعام: 125].
يهتف الحجاج بالتلبية -لبيك اللهم لبيك- يهتف بها مئات الآلاف من الحجاج بصوت واحد وعلى صعيد واحد لا فرق بينهم الدين واحد والإله واحد والعبادة واحدة؛ فسبحانه من جعل لهذه العبادات من الحكم والمعاني ما يعجز عن إدراكه كثير من البشر.
وصدق الله العظيم: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[البقرة:125].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين كتب الحج إلى بيته الحرام، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أفضل من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد: فاعلموا -رحمكم الله- أن من أحكام التلبية ما يأتي:
1) التلبية سنة بعد نية الدخول في النسك، وهي مظهر للإحرام ولا تكون بغير العربية إلا لمن عجز عنها.
2) يسن رفع الصوت بالتلبية للرجال، والمرأة ترفع بها صوتها مثل الرجل إلا إذا كان عندها رجال أجانب فتخفض صوتها بحيث لا يسمعونها، ويكفي أن تسمع من حولها من النساء. وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "جاءني جبريل فقال يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج"(رواه ابن ماجه).
وجاء في الحديث: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ شَجَرٍ ، أَوْ مَدَرٍ ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا"(رواه الترمذي)
وجاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ إِلا بُشِّرَ، وَلا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ إِلا بُشِّرَ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"(رواه الطبراني).
3) يستحب الإكثار من التلبية والإتيان بها عند الانتقال من حال إلى حال، فيلبي إذا ارتفع على مكان، أو هبط وادياً، أو قابل رفقة، أو دخل الليل أو النهار، بل يلبي في سائر أحواله فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الحج العج الثج"(رواه أحمد)، ومعنى العج رفع الصوت بالتلبية، والثج ذبح الهدايا والأضاحي في يوم عيد الأضحى وما بعده.
4) وقت التلبية يبدأ من الإحرام إلى أن يبدأ برمي جمرة العقبة ثم يستبدلها بالتكبير .
5) لا ينبغي أن يجتمع الركب ويلبوا بصوت واحد، فهذا لم ينقل عن السلف ولو كان خيراً لسبقونا إليه، بل كل واحد يلبي وحده دون أن يتعمدوا الترديد خلف شخص واحد.
6) لا بأس أن يلبي المسلم ويجعل الأطفال ومن لا يحسن يردد ورائه لكن دون تشويش على أحد وإنما من باب تعليمهم وتعويدهم على التلبية.
7) التلبية ليست هي الإحرام بل هي مظهر له، ولذا لا يلبي إلا إذا دخل في النسك وبعض الحجاج يظن أن الإحرام هو التلبية وهذا غير صحيح.
8) يستحب أن يشغل المسلم وقته بها من حين الإحرام إلى بدء الطواف بالبيت ففي هذا الوقت هي من أفضل ما يؤديه المسلم من العبادات بعد الفرائض، وبعض الحجاج ينشغل بالأحاديث الجانبية التي لا فائدة منها وقد يكون بعضها ضاراً.
9) لا بأس أن يزيد على التلبية فيقول (لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغباء إليك والعمل لبيك حقا حقا تعبداً ورقا).
أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لطاعته ويتم على حجاج بيت الله نعمة الأمن والإيمان، وأن يوأدوا مناسك حجهم بكل يسر وسهولة
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث اللهم غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سحاً عاماً طبقا مجللا نفعا عاجل غير آجل، اللهم أفرح البادية في باديتهم والحاضرة في حاضرهم، اللهم أنزل علينا من خيراتك، اللهم أنزل علينا من خيراتك، اللهم أنزل علينا من خيراتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إن نسألك وأنت المسئول وحدك أن تجعل بداية موسمنا بداية خير وبركة يتبعه الرزق والخير والأمن والطمأنينة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.