المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد - أهل السنة والجماعة |
إن الناظر إلى الواقع الحاضر يرى تقليصٌ وتنقيص، وتزهيدٌ وتلبيس، وتهاونٌ وتساهلٌ في عِلم التوحيد والعقيدة علمًا وتعلمًا، دعوةً وتدليسًا، وعظًا وتذكيرًا؛ ولهذا تطاول عليه من لا يعرفه، وسهَّل تعلمه من لا يُدركه، ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ الحمد لله الذي منَّ علينا بالعقيدة الصافية، أحمده -سبحانه- على النِّعم الوافية، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو القوة القاهرة، والقدرة الباهرة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله حَمَى حِمَى العقيدة، فأصبحت صافيةً كافية، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه من أهل السُّنَّة والجماعة.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله إخوة العقيدة والتوحيد: من النِّعم العظيمة علينا وعلى بلادنا ننعم في ربوعها، ونقتطف ثمارها إنها نعمة التوحيد والعقيدة، إن هذه النعمة التي هي أَجَل النِّعم بالاتفاق لا بُد من حمايتها وحفظها عن الزوال، وصيانتها عن البدع والأهواء والضلال، وهذا نوعٌ من شكرها وسببٌ لبقائها وزيادتها قال -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:11]، قال بعضهم أي: بلا إله إلا الله.
إن الناظر إلى الواقع الحاضر يرى تقليصًا وتنقيصًا، وتزهيدًا وتلبيسًا، وتهاونًا وتساهلاً في عِلم التوحيد والعقيدة علمًا وتعلمًا، دعوةً وتدليسًا، وعظًا وتذكيرًا؛ ولهذا تطاول عليه من لا يعرفه، وسهَّل تعلمه من لا يُدركه، وقديمًا قيل: فاقد الشيء لا يُعطيه، لا سيما ونحن في عصر الحضارة والجوّالات الذكية، والتقنيات الحديثية والتواصلات الاجتماعية مما تنشر الفساد، وتُدمر العباد، وتُفسد العقائد، وتُشكك في المُسلَّمات والثوابت.
فهذا توحيد الألوهية حصل فيه من عبادة غير الله؛ كالقبورية، والتوسل بالأموات، ونداء الغائبين، وسؤال الشياطين، وعبادة الدنيا والهوى، وتصديق الكهنة والسحرة والعرافين.
وهذا توحيد الربوبية حصل فيه من الإخلال والشك حتى في وجود الرب والإلحاد والريب في تدبيره وتصريفه، وضعف الثقة برزقه، وتحكيمه وأمره.
وهذا توحيد الأسماء والصفات وقع فيه من التحريف والتمثيل، والتكييف والتعطيل، والإلحاد والتأويل.
وانظر إلى كثرة الفرق الضالة، والأهواء المنحرفة الجائرة؛ كالخوارج والمعتزلة، والمرجئة والرافضة، والوثنية والأشاعرة، فالتوحيد والعقيدة هو الحصن الحصين والدرع المتين فيه صلاح الدنيا والدين، وحماية البلاد والعباد من الشياطين وعبث العابثين، وحمايته وصيانته تكون بالاعتقاد الصحيح، والمنهج الصريح عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة.
ونحن -بحمد الله- نعيش بهذه البلاد المباركة في هذه العقيدة والتوحيد، تعلمًا وتعليمًا، تدريسًا وتأصيلاً، دعوةً وتذكيرًا، فلنحمد الله على ما أعطانا، ولنحمِ عقيدتنا مما يُفسدها ويُنقصها.
ومن الحصون المنيعة في حماية العقيدة: على العلماء والمدرسين، وطلبة العلم وأئمة المساجد والمربين كِفْلٌ من الحماية والعناية، والتعليم والرعاية عندها يخرج جيلٌ فريدٌ مؤصَّل، وزرعٌ مُثمرٌ مُكمِّل.
ومن الحصون المنيعة في حماية العقيدة: تعليمه وتدريسه وتأصيله وتأسيسه، كلٌّ فيما يُناسبه؛ فعلم التوحيد هو الأصل وغيره الفرع، فما يضر قِلة العلوم، وقِصر الفهوم عند تحقيق توحيد الحي القيوم، وعندما يفوت غيره من العلوم.
وبعد فاعلم أن كل العلم | كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي |
لأنه العلم الذي لا ينبغي | لعاقلٍ لفهمه لم يبتغِ |
فما حصل من زوبعةٍ وتعالم، وتخبطٌ وتضارب إلا من عدم تأصيله وقراءته، وإتقانه وإهماله؛ فينبغي للعلماء وطلبة العلم تعليمه في الدورات والمحاضرات، والدروس والكلمات، ومن أوجه تعليمه ما يقوم به أئمة المساجد.
فمن الحصون المنيعة: عقد الدروس للجماعة، والحديث عنه لهم على حسب الأوقات المناسبة المتاحة، والقراءة عليهم بكتب التوحيد والعقيدة، وشروحها المُبسَّطة المختصرة من علماء العقيدة المتمكنين.
وتُشكَر وزارة الشئون الإسلامية على حثها وتفقد منسوبيها، وحثهم على قراءة كتب التوحيد؛ كالقواعد الأربع، والأصول الثلاثة، وكتاب التوحيد، ونحوها.
فأخُصّ الأئمة بالوصية، فأنتم من أسباب حماية العقيدة، فدرِّسوا وعلِّموا وتكلّموا وألقوا واحرصوا وبادروا، ولو أن كل إمامٍ قام بذلك وهم أهلٌ لذلك لرأيت الثمار اليانعة والخيرات والاعتزاز بالعقيدة؛ فينشأ جيلٌ يُحافظ على عقيدته وبلده، ويعرف مخططات أعدائه.
وإلى عهدٍ قريب كان الأئمة يُعلمون ويُدرِّسون، ويسألون ويُربون جماعة مسجدهم بعد الفجر مسائل العقيدة، ومهمات الدين، ومن أسئلتهم: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ ما أول ما فرض الله عليك؟ ما هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله؟ ونحو ذلك مما تضمنته الرسالة الفذَّة، والكلمات الجمَّة، الأصول الثلاثة؛ فكانت تُدرَّس ويُسأل عنها كما في الدرر السَّنية، وفتاوى العلامة محمد بن إبراهيم -عليهم رحمة رب العالمين-.
ومن الحصون المنيعة في حماية العقيدة: تعليم الأهل وتدريسهم، وتذكيرهم وسؤالهم، وعقد حِلقٍ لهم، ووضع جوائز وتشجيعاتٌ وحوافز، فالبيت مدرسةٌ كبرى، وتقعيدٌ وتأسيسٌ مُثلى، وإذا تأصَّلت البيوت بالتوحيد خرجت منها الشياطين، وسعدت وانشرحت الأبناء والبنين، وصلحت أمور الدنيا والدين.
فعلى الآباء والأمهات مسؤولية التعليم والتقعيد، فعند ذلك تخرج أُسرٌ بالتوحيد متمكنة، وبالعقيدة متأصِّلة محبةً وخوفًا ورجاءً، وثقةً وتوكلًا واعتمادًا.
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر | كيما تَقَرَّ بهم عيناك في الكِبَرِ |
فإنما مَثَل الآداب تجمعها | في عنفوان الصبا كالنقش في الحَجَر |
وانظر إلى بيوت آبائنا وأجدادنا الأوائل كيف خرَّجوا أبناءً مؤصَّلين ومتمسكين مؤصِّلين في توحيد رب العالمين.
ويَنشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنَّا | على ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه |
فعلموا أولادكم توحيد ربكم، وتمسكوا بعقيدتكم تُفلحوا وتفوزوا، وتنجحوا وتسعدوا.
ومن الحصون المنيعة في حماية العقيدة: ما على الدعاة إلى الله من الدعوة إلى توحيد الله، وتعليم وتذكير الناس بالدروس والمحاضرات، والكلمات واللقاءات، ونشر التوحيد والسُّنَّة وعقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وتعليم الناس أنه لا فوز ولا نجاح، ولا سعادة ولا فلاح، ولا أمن ولا كفاح، ولا طمأنينة ولا انشراح إلا بالتوحيد وتحقيقه والتمسك به وتقعيده.
فالحماية بالعقيدة السليمة، وتحقيق التوحيد والعبودية، فانشروا وأصِّلوا التوحيد وفضائله، وفوائده ومحاسنه، فبعض الدعوات بعيدةٌ عن التوحيد وتأصيله، وثماره وتحقيقه.
ومن الحصون المنيعة: أخذ العقيدة والتوحيد من مصادرها الأصلية من الكتاب والسُّنَّة، وأقوال العلماء المُعتبرين الراسخين المتمكنين علماء السُّنَّة الموثوقين، فالحذر من أخذ ذلك من علماء مجهولين وآخرين مبهمين أو من وراء النت والمواقع والروابط مُتسترين.
قال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم".
فمن قوي كعبه، وتأصَّلت عقيدته وعُرِف مشايخه، فأخذوا عنه وعضوا عليه بالنواجذ.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى.
وبعد -عباد الله- من الحصون المنيعة في حماية العقيدة: الانتباه لما يُرسَل عبر التواصلات، ومعلومات التقنيات، والروابط والمنتديات مما يثير التشكيك في العقيدة، ويُورِث الشبهة في المُسلَّمات والثوابت الأصيلة، سواءً في باب التوحيد والعقيدة أو عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، أو ما فيها من السمع والطاعة واتباع الجماعة، فكلُّ فرقةٍ تبثّ سمومها وتنشر شبهاتها في هذه التقنيات الحديثة؛ كالمرجئة والرافضة، والخوارج والأشاعرة، والعلمانيين والمنافقين، والتكفيريين والمفسدين.
فالواجب الحذر وعدم الاطلاع والتساهل في القراءة والاستماع، فما حصل من انحلالٍ وخلل، وفسادٍ في العقائد والعمل إلا بالتساهل في التلقي وعدم الانتباه والتوقي، فأعداء الله يبثون سمومهم في إفساد عقائد المسلمين لا سيما للصغار والبنين بالتشكيك وإلقاء الشُّبه والتحريف والتأويل، وتقديم العقول والتعطيل، فلا بُد من حماية العقول وتحصينها من الشُّبهات المُضلة والأهواء الضالة.
ومن ذلك: البُعد والنأي عن مواقع ذلك؛ فالمرء لا يأمن على دينه، فكم سمعنا من فسدت عقيدته وتفككت أصوله وتنكَّب الطريق حينما قدَّم عقله واستمع إلى ما لا يستطيع دفعه، ورضي ما عليه أهل الكفر والزندقة من الخزي والبوار وعادى المسلمين الأخيار.
فعليك بما عليه الرعيل الأول، والسلف الكُمَّل من العتيق الأجمل، والاعتقاد المُبجَّل.
دَعْ عَنْكَ مَا قَالَهُ العَصْرِيُّ مُنْتَحِلاً | وَبِالعَتِيقِ تَمَسَّكْ قَطُّ وَاعْتَصِمِ |
مَا العِلْمُ إِلَّا كِتَابُ اللهِ أَوْ أَثَرٌ | يَجْلُو بِنُورِ هُدَاهُ كُلَّ مُنْبَهِمِ |
ومن الحصون المنيعة: حصِّن نفسك وعقيدتك، حصِّنها بالقراءة أو السماع للعلماء المعتبرين الموثوقين، وكذا قراءة كُتب العقيدة السلفية المستمدة من الكتاب والسُّنَّة ككتاب "التوحيد" و"كشف الشبهات"، و"الأصول الثلاثة"، و"القواعد الأربع"، و"مسائل الجاهلية"، خمستها لمُجدد الملة وإمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب؛ أجزل الله له الأجر والثواب لا سيما كتاب "التوحيد"؛ فهو كتابٌ فريدٌ في بابه جميلٌ في أبوابه ومسائله، وقد أثنى عليه العلماء، ومنهم ابن سحمان عليه رحمة الرحيم الرحمن، فمما قال:
قَدْ أَلَّفَ الشَّيْخُ فِي التَّوْحِيدِ مُخْتَصَرًا | يَكْفِي أَخَا اللُّبِّ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَا |
فِيهِ البَيَانُ لِتَوْحِيدِ الإِلَهِ بِمَا | قَدْ يَفْعَلُ العَبْدُ لِلطَّاعَاتِ إِيمَانَا |
فَالشَّيْخُ ضَمَّنَهُ مَا يَطْمَئِنُّ لَهُ | قَلْبُ المُوَحِّدِ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَا |
فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهَذَا الأَصْلِ مُعْتَصِمًا | يُورِثْكَ فِيمَا سِوَاهُ اللَّهُ عِرْفَانَا |
وَانْظُرْ بِقَلْبِكَ فِي مَبْنَى تَرَاجِمِهِ | تَلْقَى هُنَالِكَ لِلتَّحْقِيقِ عُنْوَانَا |
وَلِلْمَسَائِلِ فَانْظُرْ تَلْقَهَا حِكْمًا | يَزْدَادَ مِنهنَّ أَهْلُ الْعِلْمِ إِتْقَانَا |
وَقُلْ جَزَى اللهُ شَيْخَ الْمُسْلِمِينَ كَما | قَدْ شَادَ لِلْمِلَّةِ السَّمْحَاءِ أَرْكَانَا |
وفي باب الاعتقاد العقيدة: الواسطية، والحموية، والتدمرية ثلاثتها لابن تيمية، وأضف إلى ذلك إن شئت لُمعة الاعتقاد والطحاوية، وكذا عليك بفتح المجيد شرح كتاب التوحيد للمجدد الثاني عبد الرحمن بن حسن -رحمهم الله-.
والخاتمة الجميلة من الكُتب النافعة: كتاب الشاب النبيل، والعالم الجليل حافظ حكمي -غفر له ورحمه العلي "معارج القبول في شرح سُلم الوصول" متنه وشرحه له، فهو متنٌ وكتابٌ وشرحٌ نفيس.
ومن الحصون المنيعة: التسلح بالعقيدة، فالسلاح بضاربه فلا تَلِج وتناقش، ولا تَخُض ولا تُجادل، ولا تُناظر وتُحاور خصوصًا في باب العقيدة إلا بعلمٍ وبصيرةٍ ورَوِيَّة، فبعض الناس يلج في خِضم المناقشات ويُتابع التغريدات وهو صفر اليدين، وقليل البضاعة والدِّين.
يقول الإمام المجدد؛ محمد بن عبد الوهاب في "كشف الشبهات": والعامي من الموحدين يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين، كما قال -تعالى-: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات:173]؛ بل جُند الله هم الغالبون بالحُجة واللسان كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحِّد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح".
وقال أيضًا: "إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بُد له من أعداءٍ قاعدين عليه، أهل فصاحة وعلم وحُجج، فالواجب عليك أن تَعلّم من دين الله ما يصير سلاحًا لك تُقاتل به هؤلاء الشياطين".
فاحذر أن تتكلم بالثوابت والمسائل المصيرية والعقائد الإسلامية، والمسائل التكفيرية إلا بعلمٍ راسخ، وعقلٍ فاهمٍ نافع، وبمشورةٍ وروية.
ومن الحصون المنيعة: البُعد عن الكفار ومشابهتهم، والبراءة منهم وأفعالهم مع بغضهم وعداوتهم، ذلك أن الشريعة جاءت بالمُجانبة والمُباعدة؛ فـ"مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، حتى لا يتأثر المسلم بهم ويُعظِّمهم، فالمسلم أخوك وإن كان بعيد الدار، والكافر بغيضك وعدوك ولو كان قريب الدار.
ومن الحصون المنيعة: حمايتها من الوسائل الشركيَّة، والألفاظ البدعيَّة، والمعاصي القادحة المزرية.
ومن الحصون المنيعة لحماية العقيدة، الذَّب عمَّن يتنقصَّها أو يسخر بها أو يحتقرها أو يقول: نحن مسلمون والحمد لله، ويُهوِّن من تعلم التوحيد والعقيدة، وتربية النشء على الثوابت والأصول المتينة.
فحصِّنوا أنفسكم وعلِّموا وتعلموا توحيد ربكم.
وصلوا وسلموا...