القوي
كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
عباد الله: إن الناس في دخولهم الشبكة العنكبوتية تجده لمآرب شتى؛ كما قال سبحانه: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 4] فمنهم الباحث عن الحق، ومنهم الباحث عن الباطل، ومنهم الباحث عن الخير، ومنهم الباحث عن الشر، ومنهم الباحث عن الخنا، مآرب لا تحصى. وخيرهم الداخل لها لينصر دينه وينشره على علم ودراية...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس: إن الله -جل وعلا- خلق الخلق، وشرع لهم الشرائع، وكلفهم بالقيام بها، وانتشرت الخليقة على وجه الأرض، وتغيرت اللغات واللهجات، والعادات، والأديان والمذاهب، كل هذا من باب قوله تعالى: (وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)[محمد: 4]، وقوله: (رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا)[الزخرف: 32]، فالناس يختبر الله بعضهم ببعض في تعاملاتهم وعداواتهم.
ولقد سخر الله في هذا الزمن سبلا للتواصل بين الناس، وبالخصوص ما يسمى بالتواصل الاجتماعي، التي منها: برامج الواتساب، السنابات، التويتر، الانستقرام، وغيرها، والتي أصبحت موّجِها عاما للناس جميعا، ومحركا قويا للخير والشر، وتيارا جارفا لابد من ركوب موجته والتعامل معها بحذر.
وهذا ما سنتطرق له في هذه الخطبة -بإذن الله-.
عباد الله: إن الناس في دخولهم الشبكة العنكبوتية تجده لمآرب شتى؛ كما قال سبحانه: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 4] فمنهم الباحث عن الحق، ومنهم الباحث عن الباطل، ومنهم الباحث عن الخير، ومنهم الباحث عن الشر، ومنهم الباحث عن الخنا، مآرب لا تحصى.
وخيرهم الداخل لها لينصر دينه وينشره على علم ودراية، ولقد تيسرت أسباب النصر لهذا الدين، فكل أحد يستطيع نصر الدين من خلال هذه البرامج، ولكن كثيرا من الناس أصبحوا يستخدمون هذه البرامج للتسلية غالبا، وهم يرون أعداء الدين يستخدمونها في حرب الإسلام، ونصرة مذاهبهم الباطلة، ومع ذلك لا تجد له نصرا للدين ولو بالقليل، ولا أعمم، فوالله إن من الناس من جند نفسه لنصرة الدين والدعوة إلى الله بكل قوة ونشاط، حتى من تراه ليس من أهل العلم، غير أن لديه حرقة على الدين وأهله، ومن هذا المنطلق يجب على كل مسلم أن يسأل نفسه ماذا قدمت للدين؟ هل أنا ممن ينصر الدين أم أني مجرد عبئ على الدين وأهله؟
معاشر المسلمين: إنني لأقول ذلك لما أراه من سهولة نشر ونصر الدين بهذه التكنلوجيا الجديدة، وكثرة المتقاعسين عن العمل فيها، فالكل يجتهد لنشر ما عنده من الخير والشر فلم التقاعس والكسل؟
إن أعداء الدين قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وجندوا كل من يستطيعون ليصدوا عن دين الله، بل وأنفقوا أموالهم في سبيل ذلك.
ولقد آتت تحركاتهم ثمارها وهم على الباطل ويدعون إلى ما يخالف الفطرة، ولكن الحركة تثمر ولو في الباطل فكيف لو تحركت في سبيل الحق؟
أيها الناس: لولا توفيق الله ثم اجتهاد الصحابة والتابعين ومن بعدهم لما وصل إلينا هذا الدين غضا طريا كما أنزل، ولو ضربنا الأمثلة لذلك لطال بنا المقام، ولقد ربى النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته على ذلك، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بلِّغوا عني ولو آية"، وفي رواية: "لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ".
ولقد امتثل أصحاب النبي -صلى الله عليه -وسلم لهذا الأمر فبلغوا الدين حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها، فالإمام البخاري -رحمه الله- صاحب الصحيح من بخارى في السند، كيف وصل حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- للسند، بل وجمع وانتشر، إلا ببذل الأموال والأوقات والأجسام في نشر الدين، هذا وهم لم يكن لديهم ما لدينا من وسائل النشر السهلة المريحة، كان أحدهم يسافر على الراحلة لمدة شهر ليطلب حديثا واحدا.
ولا يغيب عن الذاكرة أول سفير في الإسلام مصعب بن عمير القرشي ذهب داعيا إلى الله في المدينة قبل الهجرة، فما بقي بيت في المدينة إلا ودخله الإسلام، وكل من جاء للنبي -صلى الله عليه -وسلم مسلما مكث أياما عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم رده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قومه داعية للإسلام.
أيها المؤمنون: إن نصرة الدين عبر النت بعدة أمور؛ فمن ذلك: الدعوة إلى الله بنشر الكتب الداعية إلى الإسلام عبر المراسلات أو تنزيلها في المواقع بكل لغة يستطيع المسلم نشرها، فكم من كتاب هدى الله به فئاما من الناس.
ومنها وهي خاصة بأهل العلم: مجادلة المشككين في الدين والمثيرين للشبهات، والدفاع عن الدين بالكتاب والسنة.
ومنها: نشر العلم الشرعي للمسلمين، وبيان الكتاب والسنة للناس.
ومنها: إنكار المنكر عبر هذه الوسائل، فكم من منكر أوقفوه، وكم من مظلوم نصروه، وكم من مفتر فضحوه، وكم من باطل أزهقوه، وكم من متربص أو قفوه وفضحوه.
ومنها: نشر فتاوى أهل العلم وإيصالها للناس.
ومنها: الحلول الأسرية، وإصلاح ذات البين، ولم الشمل، إلى غير ذلك من المنافع.
فليسأل كل منا نفسه ماذا قدم للدين عبر هذه الوسائل، حتى من لم يحسن الدخول فيها فلينقل هذا العلم ويحث المتقنين له بالحرص على نصرة الدين ونشره، فإن هذا من الجهاد في سبيل الله.
اللهم اجعلنا من أنصار دين يا رب العالمين.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: بعد أن بينا بعضا من سبل نصر الدين عبر الشبكة العنكبوتية في الخطبة الأولى، نأتي على كيفية التعامل الخاص مع هذه الوسائل، فمن ذلك: الحذر الحذر من نشر الإشاعات، والإرجاف، وأن ينقل المسلم كلما ورد إليه، فكم في ذلك من الآثام؛ كما أخرج مسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع"، فكم أزهقت من أرواح؟! وكم هدمت من بيوت وتفرقت أسر؟! كل ذلك من جراء نشر الإشاعات من غير تثبت؟!
والواجب على المسلم أن يتلقى أكثر مما ينشر وأن لا ينشر إلا ما يعلم صحته، وما لا يعلم صحته يجب عدم نشره، فلقد نشرت البدع وأميتت السنن من النشر بلا علم، فالناشر يريد الخير وربما يكسب وزرا وهو لا يشعر.
وليحذر المسلم من اتخاذ وسائل التواصل الاجتماعي طريقا في الولوج في السياسة، أو الخروج على الولاة، فلقد كان لها دورا بارزا في ما يسمى بالربيع العربي، ولا يخفى عليكم ما جر الربيع العربي على الأمة من الويلات، وكان للفيس بوك والتوتر الدور الأكبر في فتن الناس -والعياذ بالله-، فعلى العامة أن يعرضوا عن الخوض في السياسة، ويدعوا ذلك للساسة، وعليهم أن يقبلوا على ما فيه الخير لهم من نشر العلم والدعوة إلى الله -تعالى-.
وإن مما ينبغي للمسلم الحذر منه: الخوض في أعراض الناس ونشر العصبية والقبلية، والتفريق بين الناس، فالواحد منهم يختبئ خلف اسم مستعار، ثم يعيث في الأرض فسادا، بلا خوف من الله.
عباد الله: إن وسائل التواصل ينبغي أن تعيننا على الخير، وتبعدنا عن الشر، ومتى انعكس الأمر وجب التوقف فورا عنها، فالمجموعات التي تنشأ في الواتساب وغيره إن لم تعن على التواصل فلا خير فيها، فالبعض استغنى بها عن صلة إخوانه وأرحامه، ففقدنا التواصل الحقيقي، بل كم جرت من قطيعة بفهم كلام على غير قصد المتكلم.
وإن من أضرار وسائل التواصل التي انتشرت بين الناس: مسألة التصوير المباشر لكل حدث، فلا خصوصية للمرء، تجد المرأة أو الرجل يصور كل شيء حتى أخص خصوصياته، ويبثها للناس سواء في البيت وأثاثه أو الأكل أو السفريات، وانتشرت صور النساء بين الناس، بل البعض يصور غيره بلا إذن وينشر، كل هذا بحجة طلب كثرة المتابعين أو المعجبين، حتى أصبحت الحياة رتيبة وكئيبة، وانتشر الحسد بين الناس بسبب ذلك.
وكذلك التصوير في الحرمين، تجد الإنسان يرسل نحن متجهون لبيت الله الحرام ثم يصور عند التلبية ويصور وهو يطوف بل وهو يدعو ويصلي، فماذا بقي لله، فقد يفسد العبد عمله بذلك وهو لا يشعر، بل البعض تجده يسافر من أجل ذلك.
ومن مصائب هذه الوسائل والتقنية: إطلاق البصر في المحرمات، بلا خوف من الله، فلنتق الله في ذلك ولنقدر الله حق قدره ولا يكن الله أهون الناظرين إلينا.
وإن من جرائم هذه الوسائل: ذهاب الأوقات، تجد الواحد حتى في المسجد، يجلس منشغلا بجواله عبر النت، بل ربما فتح المقاطع ونظر للنساء وسمع الموسيقى وهو في المسجد، والبعض يجلس في المسجد أو الحرم بعد الفجر وتشرق الشمس وهو لايزال متعلقا بجواله، وأصبحت لقاءات الناس كئيبة وليس فيها أنس، كل متعلق بجواله معرض عن الآخر، وتعظم المصيبة إن كان الرجل عند أمه أو أبيه، ثم ينشغل عنهم بذلك.
ومن أخطر الأمور: استخدام الجوال وهو يقود السيارة، فأصبح من أكبر مسبب للحوادث الانشغال بالجوال وهو يقود سيارته، فيجني على نفسه وعلى غيره.
وإن من المصائب: وقوع الجوالات في أيدي الأطفال، يدخل ما شاء وينظر إلى ما يشاء، وكذلك ما يسمى بالسوني وغيره، تشتت عقولهم، وأصيبوا بالعزلة عن أقرانهم، وضاعت أوقاتهم، وهم في لهو ولعب عبر هذه الأجهزة، والبعض وصل به الحال للانتحار، وقتل الغير.
عباد الله : إن التصدي لهذه الأمور بعزم وحزم، يعد رحمة بالنفس وبمن تحت أيدينا، فلنراجع أنفسنا، ولنتدارك ما فات بإصلاح ما بقي.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه...