الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
العربية
المؤلف | سالم بن محمد الغيلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
إن شرب الدخان محرم, وبيعه محرم, والتجارة فيه محرمة, إن بيعه غش للمسلمين, ليس فيه مصلحة لا دينية ولا دنيوية ولا بدنية؛ لذلك حرمه الإسلام, وإن الذين يبررون لأنفسهم ويتحايلون عليها بأنه مكروه فقد غدروا بأنفسهم, وأوردوها المهالك شاءوا أم أبوا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[ الأحزاب: 70 – 71 ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: ما أغلى شيء يملكه الإنسان في هذه الحياة؟! أليس دينه الذي هداه الله إليه؟ وبه نجاته من عذاب الله, نجاته من النار, وبه دخوله الجنة.
ثم ماذا بعد الدين؟! أليس النفس؟ النفس الوديعة التي جعلها الله وديعة في أجسادنا, وخوَّفنا من إلحاق الأذى بها, أو إتلافها أو إزهاقها, وما سمعنا بعقوبة أقسى من عقوبة قتل النفس وإزهاقها, قال الله -جل وعلا-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93], هذا الوعيد لمن قتل مؤمناً متعمداً فكيف بمن يقتل نفسه أو يهلكها أو يدمرها, لا شك ولا ريب أن الوعيد أعظم وأدهى وأمر؛ (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[النساء: 29، 30], وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا"(متفق عليه).
ولو قيل لأحدنا بكم تبيع نفسك؟ كم تطلب لها ثمناً؟ والله لو يعطى الدنيا في يديه فلن يبيع نفسه, فما بال كثير من شباب المسلمين وكبارهم يرخصون أنفسهم, ويهلكونها بأرخص الأثمان؟ أهم مجانين؟! أهم بلاعقول؟! ألا يخشون من عقوبة رب العالمين عندما يفرطون في أنفسهم ويهلكونها بالدخان والتنباك والشمة والمعسل؟!.
التدخين من أوبئة العصر القاتلة الفتاكة, يخلق الله الإنسان معافاً صحيحاً لا يحتاج إلى سموم يقتل بها نفسه, ثم هو فجأة يسعى في إهلاك روحه بالدخان, فلماذا؟! ما السبب؟!.
إن من الأسباب التي تجعل المسلم يضيق صدره وتقصر أنفاسه وتحبس روحه في جسده المعصية؛ ارتكاب المعاصي, التقصير في الصلاة والتهاون فيها, العقوق, الكِبر, ترك القرآن, قلة الخوف من الله, وعند ذلك يبحث عن شيء يفعله يُنسيه ذل المعصية والبعد من الله, فما يجد إلا الدخان, دُخان يشربه شرباً يملأ به رئتيه؛ لعله يرتاح من الضيق, ضيق المعصية والبعد من الله, فما يجد إلا السراب والوهم بل المرض ثم الموت.
ومن أسباب التدخين: حب التجربة؛ يجرب ثم يقع في الشباك يقع في المصيدة.
ومن الأسباب: رفقاء السوء, يدخن مجاراة لهم ومجاملة؛ حتى يصير مدمناً مثلهم, يثبت لهم بالدخان أنه رجل, وأنه حر, وأنه لا يخاف من أحد.
ومن الأسباب: تقليد الأب المدخن, فالأب يدخن وما علم بالعواقب والمصائب التي زرعها في بيته, وفي أسرته, وفي أولاده, وربما في قرابته وجيرانه.
أعداء الله وأعداء دينه وأعداء المسلمين, وضعوا في الدخان مواداً مُفتِرة ومُخدِرة؛ حتى لا يستطيع المدخن تركها أو الاقلاع عنها إلا بشق الأنفس عندما يعزم على تركها, إن الدخان يتكون من سموم قاتلة تدهش العقول والأفهام.
التبغ وفيه مادة النيكوتين التي تتسرب إلى الرئتين, ثم إلى الدم وبقية أجزاء البدن, ويصل إلى الدماغ فخلال سبع إلى عشر ثوانٍ, يدخل إلى الدماغ على شكل هرمونات نخامية, يصل إلى الخلايا العصبية, يؤثر على القلب يجعله يضطرب, يؤثر على ضغط الدم, يخفض حرارة الجلد.
التدخين من أسباب سرطان الفم والبلعوم والرئتين والمعدة والدم, التدخين يصيب الرجال بالعجز؛ لأنه يصيب الأوعية الدموية ونهايات الأعصاب, التدخين يسبب العقم, عقم الرجال والنساء, التدخين يعجل بالهرم والشيخوخة واسألوا الأطباء اسألوهم.
التدخين قد يسبب سوء الخاتمة, والأعمال بالخواتيم, ومن مات وهو يدخن بعث يوم القيامة وهو يدخن, قال -صلى الله عليه وسلم-: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ علَى ما ماتَ عليه"(صحيح مسلم), والمدخن يجهر بالمعصية والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ"(البخاري ومسلم), والمدخن مُصر على شرب الدخان في ليله ونهاره مما يجعل القلب يتعلق به ولا يصبر عنه, حتى أن بعضهم يدخن وهو على سرير الموت وفي العناية المركزة, وهذه مخيفة أن يخذله عقله عند السكرات.
ويدخل في مكونات الدخان: الميثانول (وقود الصواريخ), والأمونيا (منظف المراحيض) أكرمكم الله!, والزرنيخ (وهو سم من السموم القاتلة), وحامض الستريك (الشمع), والميثان, والكادميوم (مكون البطاريات الجافة), وحامض الاستيك (الخل), والبيوتان (وقود الولاعة), القطران, وغيرها وغيرها...
إن التدخين مفتاح أو بوابة الخمور والمسكرات والمخدرات, والقات والشمة والشيشة والتنباك, وإحصائيات الموت مخيفة, الدخان يقتل سنوياً ما يقارب أربعة ملايين نفس في إنحاء العالم, بمعدل شخص كل عشر ثوانٍ تقريباً, فالله المستعان وإليه المشتكى.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه؛ كما يُحب ربُنا ويرضى.
عباد الله: إن شرب الدخان محرم, وبيعه محرم, والتجارة فيه محرمة, إن بيعه غش للمسلمين, ليس فيه مصلحة لا دينية ولا دنيوية ولا بدنية؛ لذلك حرمه الإسلام, وإن الذين يبررون لأنفسهم ويتحايلون عليها بأنه مكروه فقد غدروا بأنفسهم, وأوردوها المهالك شاءوا أم أبوا.
الدخان يصنف في الخبائث لما فيه من الأضرار والقتل والسموم والأورام والهلاك لمكوناته النجسة الخطيرة القذرة؛ (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)[الأعراف: 157], (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة: 195], (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29].
إن مما يؤسف له حقاً تهور بعض الشباب -هداهم الله-, وجرأتهم على قتل أنفسهم بالتدخين, ما الذي دهاهم؟! ما الذي أجبرهم على شربه والإدمان عليه؟! نحتاج إلى وقفة جادة مع هذه المشكلة والمصيبة, وقفة من الأولياء من الآباء والأمهات, من المربين, من الدعاة, نريد أن نقنع بعض شبابنا بخطورة التدخين, نريد أن نبين لهم أن ما يشرح الصدور ويطيب الحياة والأنفاس ليس الدخان؛ بل المحافظة على الصلاة في أوقاتها في المساجد, بل تلاوة القرآن يومياً, بذكر الله وليس بالدخان؛ (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28], ببر الوالدين, بالتواضع, بالخوف من الله أولاً, بالخوف من الأورام والأسقام وسوء الخاتمة, بترك رفقاء الشر, والتهور والكِبر.
اللهم اهدنا واهد بنا ويسر الهدى لنا, اللهم اهد شباب المسلمين وردنا وإياهم إليك, اللهم احفظهم من المخدرات والمسكرات, والدخان والشمة والتنباك والشيشة.