المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
ليحذر الكل وخاصة من لم تحمر أعينهم، ولم تتمعر قلوبهم، ولم يحدث عدم الاستجابة لهم فيما نهو عنه من منكر إظهار عدم الرضى، وإظهار عدم المتابعة، وإظهار بغض المرتكبين لذلك المنكر الذي نهوا عنه بقدر ما ارتكبوه من منكر، ليحذروا أن يعمهم الله بعذاب من عنده ..
الحمد لله الذي هدانا للإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج:78] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، اللهم صلِّ وسلم عليه، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته.
أما بعد: أيها الأخوة المؤمنون: لقد وصف الله جل شأنه أمة محمد بأنها أمة ترابط وتراحم وتعاون على الخير وتناهٍ عن الشر (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3]
ووصفها سبحانه وتعالى بأعظم وأجل وأرقى وصف يؤهل لحمل أكمل وأتم وأجمع وأيسر شرع أنزله الله، بل ويكسب أعلى المقامات وأرفع الدرجات في العاجل ويوم الأشهاد، وصفها سبحانه بقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110] (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة:143]
وأمرهم سبحانه وتعالى بالمحافظة على هذه الصفات وتقويمها في النفوس واستمراريتها في واقع الأمة، قال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) [الحجر:94] (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف:199] (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران:104] فخيرية هذه الأمة وشرفها لا يكون إلا بالمحافظة على ما وصفت به، وقيامها بما كلفت به لا بحمل ذلك نظريات ودعاوى لا تتحقق له في الواقع.
لا درّ درّ امرئ يطري أوائله
وإن الله جل شأنه الذي أكرم أمة محمد بهذه الأوصاف، وأهلها بها لحمل شرعه وللشهادة بها على الناس يوم القيامة؛ قد أنذر المتخلي عن هذه الأوصاف تخلياً كلياً أو جزئياً، وبشر الملتزمين لها المحافظين عليها، أنذر المتخلين عنها بقوله سبحانه: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79] وقوله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38] وبشر الملتزمين لها بقوله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف:165] وقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]
أيها الأخوة المؤمنون: إن أمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يعد خافياً، إنه مصدر عز هذه الأمة وفخرها ورفعها لرؤوسها يوم تطأطأ الرؤوس في المشهد الأكبر، يوم يقال: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر:16]
فكما جاء القرآن الكريم فيه بما سمعتموه، وما ورد في معناه فقد جاءت السنة الغراء مبينة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام إيمان الأفراد وشعار وسياج المجتمعات، وأن البيعة أخذت بالمحافظة عليه من كل مسلم.
روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".
وروى الإمام مسلم في صحيحه -رحمه الله- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعده خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" وروى مسلم أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون؛ فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع".
فاتّقوا الله -يا أمة الإسلام-: يا علماء وشباب المسلمين الذين أنتم اليوم محط آمال المسلمين بعد الله في إصلاح ما فسد، وإقامة ما اعوج، واحذروا إرخاص هذا الأمر، أو التحايل والتأول في شأنه.
ليحذر الكل وخاصة من لم تحمر أعينهم، ولم تتمعر قلوبهم، ولم يحدث عدم الاستجابة لهم فيما نهو عنه من منكر إظهار عدم الرضى، وإظهار عدم المتابعة، وإظهار بغض المرتكبين لذلك المنكر الذي نهوا عنه بقدر ما ارتكبوه من منكر، ليحذروا أن يعمهم الله بعذاب من عنده. قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال:25] وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي؛ نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم؛ فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون".
وكان متكئاً فجلس، فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً" وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا مروا على من فوقهم فقالوا: "لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" رواه البخاري.