البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

تفسير قوله -تعالى-: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم)

العربية

المؤلف إسماعيل القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه
عناصر الخطبة
  1. فضائل المسارعة لأداء الخيرات .
  2. صفات عباد الله المتقين .
  3. كظم الغيظ وكف الغضب .
  4. فضل العفو والصفح عن الناس. .

اقتباس

وقد عرف الصحابة -رضي الله عنهم- قدر ذلك، فكانوا يتنافسون فيما بينهم -غنيِّهم وفقيرهم-، كما في حديث أهل الدثور، وبسؤالهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول: "أوصني"، أو "دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة"، أو بسؤالهم عن: "أي العمل أحب إلى الله"، أو كمنافسة عمر لأبي بكر -رضي الله عنهما- بإنفاق نصف مال.

الخطبة الأولى:

أعظم ما يتدبره المسلم هو آي القرآن الكريم فينهل من علومه، ويقف على ما فيها من الأحكام، ويعرف جزاء ما أعده الله لأوليائه من النعيم المقيم، والثواب الجزيل؛ وها نحن نقف اليوم على آيتين عظيمتين من كتاب الله، أمر الله بهما عباده للمسارعة في الخيرات، فقال -سبحانه-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عِمرَان: 133-134].

فقد ندب الله عباده إلى المسارعة لأداء الخيرات لنيل أرفع الدرجات بقوله: (وَسَارِعُوا)[آل عِمرَان: 133]، وقد وردت آيات تدل على المبادرة بقوله -سبحانه-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)[الحَديد: 21]، وقولِه -عز وجل-: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[البَقَرَة: 148]، وهذا الأمر إنما يدل على اغتنام الفرص على الفور لا التراخي؛ لتحقيق الأعمال الصالحة قبل بلوغ الأجل، والمسارعة والمسابقة إلى موجبات دخول الجنة يكون بالإيمان بالله والعمل الصالح.

وقد عرف الصحابة -رضي الله عنهم- قدر ذلك، فكانوا يتنافسون فيما بينهم -غنيِّهم وفقيرهم-، كما في حديث أهل الدثور، وبسؤالهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول: "أوصني"، أو "دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة"، أو بسؤالهم عن: "أي العمل أحب إلى الله"، أو كمنافسة عمر لأبي بكر -رضي الله عنهما- بإنفاق نصف مال.

وقد كانت المسارعة والمنافسة فيما بينهم -رضي الله عنهم- ليس لتحقيق أمر دنيوي، أو لنيل رياسة، أو لأخذ غنيمة، وإنما المسارعة إلى الأسباب التي ينال بها العبد مغفرة الله ورضوانه، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه، حتى يفوز بالدخول في الجنة.

ووصف الله في هذه الآيةِ الكريمةِ اتساعَ دار المتقين الجنة، بأنَّ عَرْضها السماوات والأرض، لأنها أكبرُ مشاهَدٍ للناس، قال ابن كثير -رحمه الله-: عرضها كطولها، لأن الجنة قبةٌ تحت العرش، والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله، ودل على ذلك ما ثبت في الصحيح: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسطُ الجنة، ومنه تتفجر أنهار الجنة، وسقفها عرش الرحمن"(رواه البخاري).

هذه الجنة أعدها الله -تعالى- لعباده المتقين كما في قوله -تعالى-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ)[الرّعد: 35]، و(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصْفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ)[محَمَّد: 15].

ثم بيّن الله صفاتِ هؤلاء المتقين في هذه الآيات بثلاث صفات:

الأولى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ)[آل عِمرَان: 134]، أي: في الشدة والرخاء، والمنشط والمكره، والصحة والمرض، كما في قوله: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً)[البَقَرَة: 274]، فلا يشغلهم أمر عن طاعة الله -تعالى- والإنفاقِ في مرضاته، والإحسانِ إلى خلقه من قرابتهم وغيرِهم بأنواع البر.

وهذه الصدقة ليس لها حد، والصدقة إذا كانت من قلب مخلص فإن جزاءها سيكون عظيمًا، قليلةً كانت أو كثيرة، ولذا وبّخ الله المنافقين من سخريتهم لفقراء المسلمين، حين ندبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- للصدقة لتجهيز جيش تبوك، فلما أتى أبو عقيل بنصف صاع من تمر قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا فنزلت الآية: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التّوبَة: 79]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"(متفق عليه).

الصفة الثانية لعباد الله المتقين: كظم الغيظ قال -سبحانه-: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)[آل عِمرَان: 134]، إذا ثار بهم الغيظُ كظموه وكتموه، وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كتم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره أي الحور شاء"(رواه ابن ماجه).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة"(رواه الطبراني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصُّرَعَة، ولكن الشديدَ الذي يملك نفسه عند الغضب"(متفق عليه).

وفي الجنة بابٌ للكاظمين الغيظ يدخلون منه كما يدخل الصائمون من باب الريان، وطلب رجل من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه فقال له لا تغضب، فقال السائل: ففكرت حين قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قال، فإذا الغضب يجمع الشرَّ كلَّه.

وداء الغضب كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع"(رواه أبو داود)، وبالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ففي حديث سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال: استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضَبًَا قد احمرَّ وجهه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"(رواه البخاري).

نسأل الله أن يجعلنا من عباده المتقين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الصفة الثالثة لعباد الله المتقين: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)[آل عِمرَان: 134]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: مع كف شرهم يَعْفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجَدةٌ على أحد، وهذا أكمل الأحوال"، ولذا قال الله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشّورى: 40].

والعفو من صفات الكرماء، قال يوسف -عليه السلام- لإخوته: (لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ)[يُوسُف: 92]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال الله له: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعرَاف: 199]، وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث أُقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، ومن تواضع لله رفعه الله"(رواه أحمد).

فاللهم إن نسألك رضاك والجنة.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.