الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
مفهومُ الصيامِ عند بعضٍ من الناس مُجَرَّدُ تركِ الأكلِ والشرب والنساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس... وهذا المفهومُ مفهومٌ قاصرٌ، فإنَّ الشرعَ أمَر بترك تلك المـــَلَذَّات ليكون هذا التَّركُ وسيلةً لغايةٍ نبيلة، وهي تحقيقُ التَّقْوَى في قلبِ المسلمِ المستجيبِ لله ولرسوله، المتمثِّل بأوامره، والمجتنب لنواهيه.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، نحن في شهر كريم، وموسم عظيم، فسارعوا فيه إلى فعل الخيرات: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]، (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:21].
أمَّة الإسلام: مفهومُ الصيامِ عند بعضٍ من الناس مُجَرَّدُ تركِ الأكلِ والشرب والنساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس... وهذا المفهومُ مفهومٌ قاصرٌ، فإنَّ الشرعَ أمَر بترك تلك المـــَلَذَّات ليكون هذا التَّركُ وسيلةً لغايةٍ نبيلة، وهي تحقيقُ التَّقْوَى في قلبِ المسلمِ المستجيبِ لله ولرسوله، المتمثِّل بأوامره، والمجتنب لنواهيه.
جاء الصوم ليزكي النفس، ويطهِّر الأخلاق، ويعدّ العبد في مستقبل أمره إلى عمل صالح، واستقامة على الهدى، فكما تغلب المسلم على ترك مشتهيات النفس المباحة له، تركها لأن الله يريد منه تركها، فإن هذا وسيلة إلى أن يترك المحرمات التي حرمها الله عليه في الصوم وغيره.
أيُّها المسلم: فالصوم جاء لتهذيب الأخلاق، وتعديل السلوك، جاء لينظم حياة المسلم، جاء ليقوي صلة المسلم بربه، وليكون العبد دائما على صلة بربه بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
أيُّها الصائم: اشْكُر الله إن كنت صائما، واسأله التوفيق والسداد، وتذكَّرْ حال قوم حَلّ عليهم رمضان وقد ابتلوا بأنواع الأمراض والأسقام فحيل بينهم وبين صيام رمضان، فاشكر الله على صحة بدنك، وعافية جسمك، واسأله التوفيق والقبول وسداد العمل.
أيُّها الصائم العزيز: إن الصوم وسيلة لغاية عظمى هي تحقيق التقوى في قلب المسلم، فكن -أخي- حريصاً على صيانة صيامك، وحِفْظه من كل ما يُنقصه ويقلل ثوابه، اسمع نبيك -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في ترك طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"، إذ إنه ترك الطعام والشراب ليحقق الغاية، وهي السمو والارتفاع بالنفس عن قول الزور وعمل الزور، الزور هو البهتان والضلال والكلام الخاطئ، فالكذب من الزور؛ لأنه إخبار بخلاف الواقع، فالمسلم مترفع عن الكذب في رمضان وفي غيره؛ لأنه يعلم أن الكذب من أخلاق المنافقين، وخصال المنافقين: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة:10].
الصائم مجتنب لشهادة الزور فلا يشهد إلا بحق، ولا يشهد إلا على حق واضح لا يجامل شهادته، فلا يظلم زورا وظلما وعدوانا، الصائم يحافظ على فرائض الإسلام، يحافظ على الصلوات الخمس ويؤديها جماعة في أوقاتها.
الصائم مسارعٌ لفعل الخيرات، ملتمس الأعمال الصالحة، مسارع لها جدا واجتهادا وإخلاصا لله بالقول والعمل.
الصائم بعيد عن الغش والعدوان، فلا يغش في بيعه وشرائه؛ لأنه يسمع رسول الله يقول: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا".
الصائم بعيد عن ظلم الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، بعيد كل البعد عن ظلم الناس، فلا يرضى أن يُسفك دمٌ حرام، ولا يرضى لمسلم أن ينتهك عرضه، ولا أن يُجحد ماله، ولا أن يماطل بالحق الواجب عليه.
الصائم متخلق بالحلم والأناءة والرفق؛ فلا يخوض مع الخائضين في خوضهم، ولا مع السفهاء في سفهم، بل يترفع عن دنايا الأمور، ويتخلق بالحلم والصفح: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34].
وفي الحديث: "وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَسْخَبْ، فَإِنْ أَحَد سَابَّهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ"، فصومي يحجزوني أن أجهل معك في جهلك، أو أخوض معك في باطلك، صومي يصون لساني عن الكلام البذيء، والكلام القذر، من الغيبة والنميمة والسباب والشتام والرمي بالآثام والعدوان.
أيُّها الصائم: إن الصوم يجب أن يشمل جميع الجوارح ليكون صوما حقيقيا، صوم اللسان، وصوم البصر، والسمع، وصوم كل الجوارح، صوم اللسان عن كل الكلام البذيء الذي لا خير فيه، من غيبةٍ ونميمةٍ وبهتان وكذب، وقولٍ للزور، ومن سخرية واستهزاء واستحقار، وانتقاص للآخرين.
صوم البصر عن النظر إلى ما حرم الله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30].
صوم السمع، فلا يصغي ويسمع الباطل والزور وما لا خير فيه، فِكره سليم، يفكر فيما ينفعه ويعود عليه بالخير في آجل أمره وعاجله، يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- مبيناً حقيقة الصيام ومفهومه الحق: إذا صمت فلتصن سمعك وبصرك ولسانك عن المحارم، ودع عنك أذى الجار، ولتكُنْ عليك سكينة ووقار أثناء صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
انظر إلى التصوير الحق للصيام بأنه الصوم النافع الذي صامت به كل الجوارح عن محارم الله، فلا أذى للجارِ ولا غيرِه، سكينةٌ ووقارٌ، وامتثالٌ للأمر، وصبرٌ وحلمٌ، وأناةٌ وتخلُّقٌ بكل خلُق كريم، فنسأل الله أن يجعل صيامنا صيام حق، أن يجعله صياما مقبولا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا.
أيها الصائم العزيز: إن للصوم مفسدات يجب على المؤمن البعد عنها لأنها تنافي حقيقة الصيام، فقد أجمع المسلمون على أن الصائم لو تعمد في صيامه الجماع مع امرأته أو تعمد الأكل أو تعمد الشرب فهذا منافٍ للصيام، كما دل القرآن وسنة نبينا على ذلك، فهذه أمور محرمة تنافي حقيقة الصيام.
فالمسلم في رمضان يبتعد عن امرأته لأنه يعلم أن هذا ينافي الصيام، يبتعد عن كل وسيلة تفضي إلى هذا من قول أو فعل؛ لعله أن يسلم صيامه من أن يقع في المحظور.
جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فقال: يا رسول الله: هلكتُ وأهلكتُ، قال: "ما شأنك؟"، قال: أتيت امرأتي في رمضان، قال: "هل تستطيع أن تعتق رقبة؟"، قال: لا، قال: "هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟"، قال:لا، قال: "هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟"، قال: لا، فأوتي للنبي بعرق فيه خمس صاع، فقال: "خذ تصدق به"، قال: أعَلى أفقرَ مني؟ فو الله يا رسول الله! ما بين لابتي المدينة أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال له: "خذه؛ وتصدق به على أهلك".
إذاً؛ فالجماع موجبٌ الكفارة المغلظة: عتق رقبة، فإن عجز عن ثمنها أو عن عينها، صام شهرين كاملين متتابعين، فإن أعجزه المرض أو الكبر أطعم ستين مسكينا، كل هذا حمايةً للمسلم من أن يقع فيما ينافي الصيام.
الأكل والشرب عمدا منافٍ للصيام، لأنه ينافي حقيقة الصيام؛ لأن الله يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة:187]؛ لكن لو وقع الأكل والشرب نسيانا فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ نَسِيَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صومَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمُهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ".
كذلك؛ مما يفسد الصيام محاولة إخراج المادة المنوية سواء كان بطريق العادة المستهجنة المسماة بالعادة السرية القبيحة، فإن هذا منافٍ للصيام؛ لأن الله يقول: "يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ لأَجْلِي".
ومما يلحق بالأكل والشرب لذلك أمران: الأول: الإبر المفضية التي يُعطاها المريض لتكون عوضا عن تناول الطعام والشراب، فهذه بلا شك مفطرة للصيام؛ لأنها أكْل وشرب حقيقيان، وإن لم يكن عن طريق الفم؛ لكنها تغني المريض عن الطعام والشراب، فهذه منافية لحقيقة الصيام.
كذلك لو حقن فيه دم، وأسعف بدم... فإن هذا الدم المحقَن فيه هو غاية الغذاء، فإن ذلك منافٍ لصيامه.
ومما ينافي الصيام أيضا تعمد إخراج القيء، فإن من تعمد الاستفراغ وإخراج القيء فذلك منافٍ لصيامه؛ لأنه يضعفه عن مواصلة الصيام، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَىْءُ فَلا شيء عَلَيْهِ"، فمن خرج القيء منه من غير اختيار وطلب فإن ذلك خارج عن قدرته فلا يضره شيء، وإن تعمد إخراجه فإن إخراج القيء ينافي الصيام، كما دلت عليه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الحجامة للصائم تنافي الصيام على الصحيح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وهذا حديث ثابت، وهذا هو الحق فإن الحجامة تضعف الصائم، وقد لا يستطيع مواصلة الصيام بعد هذه الحجامة التي أخرجت جزءا من الدم؛ ولهذا منع منها الصائم خوفا من أن تضعفه عن مواصلة صيامه.
وكذلك -أيها الأخ المسلم- لو اضطررت إلى إسعاف أحد بشيء من دمك... فسُحب منك الدم لإنقاذ هذا المريض المحتاج إليه فساعدتَّه بذلك فإنك تفطر هذا اليوم وتقضيه؛ لأن سحب الدم مثل الحجامة أو أعظم من ذلك.
أخي المسلم: ومما ينافي الصيام خروج دم الحيض من المرأة المسلمة، إذا خرج دم الحيض وعرفَتْ أنه دم الحيض الحقيقي فإن ذلك منافٍ لصيامها، ولو كان قبل المغرب بدقائق، أما لو غربت الشمس ثم رأت دم الحيض بعد غروب الشمس فصومها صحيح، وهذا الدم الذي يفسد صيامها هو دم الحيض المعتاد الذي تعرفه المرأة من لونه ورائحته وأعراضه، فهذا الدم منافٍ للصيام.
أما الدم الذي يخرج من الحامل، فإن الحامل لا تحيض، وخروج الدم منها يعتبر دما فاسدا، أو دماً للتنظيف نتيجة إسقاط الجنين قبل الثمانين يوما، فخرج دم ليس دم نفاس ولا حيض.
أيُّها المسلم: قد تسأل عن بعض الأشياء، عن البخَّاخ الذي يستعمله بعض الناس في الفم أو الأنف، فنقول هذا شيء لا يضر الصائم؛ لأنه فقط عبارة عن توسيع القصبات الهوائية وليس طعاما ولا شرابا، فلا مانع من استخدام البخاخ عن طريق الفم أو الأنف.
وقد تسأل أيضا عما يعطى لبعض المرضى من هواء الأكسجين الذي يضطر له البعض ممن يصاب بالربو، فنقول: هذا لا مانع منه؛ لأنه مجرد هواء، لا طعامَ ولا شراب فيه.
وقد تسأل عن الحبوب التي توضع تحت اللسان لبعض المصابين بأمراض القلب، فنقول: هذه لا مانع منها، فليست بطعام ولا شراب.
وقد تسأل عن حقنة العين، وعن قطرة العين، وقطرة الأذن، فنقول: لا مانع منها، فليست منفذا للجوف، أما قطرة الأنف فإن وصلت إلى الحلق فإنها تفطر، وأما إن كان موضعها فقط في جزء من الأنف ولا تصل إلى داخله فأرجو أنه لا حرج في ذلك.
قد تسأل -أيها الصائم- عن الجلوس في حمامات التبول أو نحو ذلك؛ فإن ذلك لا مانع منه، ولا يؤثر على الصائم، فاتقِ الله في صيامك، وصُنه، واحفظه؛ فإن ذلك من نعمة الله عليك.
قد تسأل -أخي- عمّا يأخذه بعض المصابين بداء السكر من إبر الأنسولين إما في أول النهار أو في آخره، فنقول: هذه منظّمة فقط فلا مانع منها ولا تؤثر على الصوم.
وقد تسأل أيضا عن بعض من يحتاج إلى خلع السن ويوضع بنج في الفم للتخدير في الموضع الذي سوف يتم خلع السن منه، أو نحو ذلك، فهذا أيضا لا مانع منه؛ لأن هذا ليس أكلا ولا شربا؛ ولكنه علاج ضروري.
وقد تسأل عن بعض العلاجات المرهمية توضع على الجروح ونحو ذلك، فليست هذه مفطرة ولا منافيةً لحقيقة الصيام.
علينا جميعا أن نصون صيامنا ونحفظه من كل مُنْقِصاته، ونستعين بالله، ونتفقَّه في ديننا.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لصالح القول والعمل، وأن يجعلنا وإياكم ممن يصوم هذا الشهر ويقومه طاعةً لله، وإخلاصا لله، وابتغاء مرضاة الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أخيّ المسلم: حافظ على صلاة التراويح، ولازمْها -وفقك الله-، واحمد الله إن كنت قائما على أدائها؛ فنبيك -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، ويقول أيضا: "مَنْ صلى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ".
فيا أخي المسلم: المحافظة على صلاة التراويح سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلنحافظ عليها ونلازمها في هذا الشهر المبارك ولا نتخلف عنها، فالبعض يتخلف عنها لأمور تافهة بإمكانه تأخيرها وتأجيلها إلى أن يؤدي هذه السنة بإخلاص، فحافظ على هذه التراويح ولازمها ولا تدعها، واستمر عليها، واسأل الله القبول والسداد والهداية.
أخي المسلم: اغتنم هذا الشهر ولياليه بالدعاء لله، والتضرع بين يديه، فإن دعاء الصائم مستجاب، فاحرص أخي على تحري أوقات الفضيلة عند السحر، وعند الإفطار، تسأل الله من خيري الدنيا والآخرة؛ فالله -جلَّ وعلا- يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
أخي المسلم: احذر رفع الصوت والصخب بالأقوال السيئة، وتأدَّبْ بآداب الشرع، وروِّضْ نفسك على الصبر والتحمل ودفع الأذى، ومقابلة الإساءة بالإحسان، فعسى الله أن يمن عليك بقبول عملك، أسأل الله للجميع التوفيق والسداد والعون على كل خير.
واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربكم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، اللَّهمَّ سدده في أقواله وأعماله، اللَّهمَّ بارك له في عمره وعمله، اللَّهمَّ اجعله بركة على نفسه وعلى مجتمع المسلم، اللَّهمَّ أعنه على كل مهماته، اللَّهمَّ سدده في أقواله وأفعاله، واجعله موفقاً للخير أين كان، وحيث كان.
اللَّهمَّ شُدَّ أزره بولي عهده سلمان بن عبدِ العزيزِ، ووفِّقْه لصالح القول والعمل، وأعِنْه على مسؤوليته، إنَّك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].
اللَّهمّ انصر عبادك المجاهدين، اللَّهمَّ سدد خطاهم، اللَّهمَّ اجمع كلمتهم، اللَّهمَّ ألقِ الرعب في قلوب أعدائهم، إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولَذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.