الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | بركات أحمد بني ملحم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
لقد فاتكم ما لا عوض عنه ولا بدل، فاغتنموا المداومة على طاعة الله -عز وجل-، وتمسكوا بعرى الإيمان التي ليس لها انفصام، واعتصموا بالله وكونوا ممن كان له بحبل الله اعتصام، ألا وإن الإيمان بالله يشرح الصدور، ألا وإن الإيمان بالله يسهّل صعاب الأمور، ألا وإنه يهون سكرات الموت ويفسح مضائق القبور، وإنه من ..
الحمد لله الذي أعاد علينا من عوائد فضله ما يعود علينا في كل عيد ويظهر، والحمد لله الذي زكى أبداننا من درن السيئات وطهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي جعل لكل شيء وقتًا وأجلاً مقدرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أعظم من شيد أركان البيت الحرام بالحج وعمر، وأجل وأعظم من عيّد ونحر وكبر.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: سارع المشمرون وتركوكم، ومضى المجدون وخلفوكم، وارتحل حجاج بيت الله العتيق ونحن أسارى قيود التعويق، قعدت بنا عن صحبتهم هممنا الفاترة، وآثرنا المساكن الطيبة على المراتب الفاخرة، نريد عرض الدنيا والله يريد الآخرة.
فأين الدموع على فوات الفريق؟! وأين القلق الدائم على التخلف عن الرفيق؟!
يا من فاته التجرد للإحرام: فلا يفته التجرد عن الحرام. ومن فاته فضل التلبية مع الملبين، فلا يفته الإكثار من ذكر رب العالمين. ومن فاته من عرفات جمع الوقوف، فلا يفته في الجمعة والجماعات تعديل الصفوف. ومن فاته المبيت بمنى ورمي الجمار، فلا يفته قيام الليل والتهجد بالأسحار. ومن فاته السعي والطواف بالبيت الحرام، فلا تفته الصلاة فإنها ماحية الآثام. ومن فاتته زيارة سيد الأنام، فلا يفته الإكثار من الصلاة عليه والسلام.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: لقد فاتكم ما لا عوض عنه ولا بدل، فاغتنموا المداومة على طاعة الله -عز وجل-، وتمسكوا بعرى الإيمان التي ليس لها انفصام، واعتصموا بالله وكونوا ممن كان له بحبل الله اعتصام، ألا وإن الإيمان بالله يشرح الصدور، ألا وإن الإيمان بالله يسهّل صعاب الأمور، ألا وإنه يهون سكرات الموت ويفسح مضائق القبور، وإنه من نور الله (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور:40] .
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: فاتقوا الله في السر والعلن، واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإياكم والمعاصي فإنها مغيرات النعم، وإنها المهلكات إذا زلت القدم، وإنها داعية لكل سوء ومكروه، وإنها المسودة للصحائف والوجوه، وإنها محبطات الأعمال وماحقات الأرزاق، وإنها سبب ذل المخلوق وغضب الخلاق، فاستغفروا الله واحذروها، فإنها الفاضحات يوم التناد (وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: زينوا بواطنكم بالتوبة كما زينتم ظواهركم بالملابس، وتذكروا باجتماعكم هذا يوم المحشر، ففكر في نفسك أيها الغافل، وأنت أحق من فكر، فهل ينفعك من الله جاه أو معشر.
ويا أيها القاسي: أبين أحشائك قلب أم حجر؟! أنفقت عمرك في المعاصي ولم تتب ولم تتذكر، أنسيت الحساب الأكبر!! وكيف بوقوفك على الصراط؟! ألهج أكبر الله أكبر.
وكيف إذا سمعت النداء من قبل العلي الأكبر: أين فلان ابن فلان؟! فيرتعد جميع أهل المحشر، فيؤخذ هذا إلى النار، وهذا إلى النعيم الأكبر، فاعتبر بمن مضى، فالفائز من اعتبر، أين من حج وصام معكم في العام الماضي وأفطر.
أذهبهم والله هادم اللذات، وغيّر منهم المحاسن والصور، فتوبوا إلى الله فإنه يقبل التوبة عن عباده ويغفر لمن أخلص واستغفر.
جعلني الله وإياكم ممن ذكر فتذكر، وغفر لي ولكم ما تقدم وما تأخر، وجعلني وإياكم من الأقربين إليه منزلاً ومكانًا، والأرجحين أعمالاً وميزانًا، وإن أحسن الكلام كلام الملك العلام، والله تعالى يقول -وقوله الحق المبين-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98]، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9]
بارك الله لي ولكم في القران العظيم، وآجرني وإياكم من عذابه العظيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه يغفر لكم.
الخطبة الثانية:
يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج:36]، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله -عز وجل- من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله -عز وجل- بمكان قبل أن يصل إلى الأرض، فطِيبوا بها نفسًا".
عباد الله: فتقربوا إلى الله بإسالة الدماء، وذبح الأضاحي، والأكل والتصدق منها في هذه الأيام العظمية، وبذل الأموال في الأضاحي أفضل من بذلها في الصدقات، فتقربوا إلى الله بذبح الأضاحي، وبخيرها وأفضلها، وهي خير أعمال يوم النحر.
فضحوا -عباد الله- عن أنفسكم وأهليكم ليتحصل لكم الأجر العظيم، اقتداءً بهديه وسنته -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث ضحى عن نفسه وعن أهل بيته وعن أمّته، فالتشريك في الثواب لا حصر له، فها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحّى عن كل أمته، فكثير من الناس يحرم نفسه وأهله من الأجر والثواب، فلا يضحي إلا عن نفسه أو عن فلان وفلان، دون أن يجعل لنفسه ولأهل بيته فيها نصيبًا من الأجر والثواب، والأولى أن يضحي عن الجميع.
واعلموا -عباد الله- أن من شروط الأضحية أن تكون من الأنعام، وأن تبلغ السن المقررة شرعًا: الإبل خمس سنوات وطعنت في السادسة، والبقر أن تكون مسنة، أي أتمت السنتين وطعنت في الثالثة، فتجزئ عن سبعة أشخاص والذين يعولونهم من فروعهم وأصولهم، وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة؛ لما روى جابر -رضي الله عنه- قال: نحرنا بالحديبية مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.
ومن شروط الأضحية: أن تكون خالية من العيوب؛ العرجاء البيِّن عرجها، والعوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والكبيرة التي لا تنقي، فإذا أصابت هذه العيوب الأضحية فإنها لا تجزئ، فعن البراء بن عازب قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين ظلعها، والكبيرة التي لا تنقي".
ومن شروط الأضحية أن تقع في الوقت المقرر شرعًا من بعد صلاة العيد، وينتهي وقتها بغروب شمس ثالث أيام التشريق، فمَن ذبَح قبل صلاة العيد فقد خالف السنة، ولا تجوز أضحيته، ويجب عليه أن يعيد ذبح شاة مكانها بعد الصلاة؛ لما رواه الإمام مسلم عن جندب بن سفيان قال: شهدت الأضحى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يعد أن صلى وفرغ من صلاته وسلم، فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقال: "مَن كان ذبَح أضحيته قبل أن يصلي -أو نصلي- فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله".
إذًا فأيام الذبح أربعة: يوم العيد، وأيام التشريق الثلاثة، وأفضلها يوم العيد، ويجوز ذبحها في الليل والنهار، والنهار أفضل.
عباد الله: إنّ ما يطلب وما يستحب وما يجوز وما ينبغي من المضحي أن يفعله هو ما يلي:
فيُسَنُّ له أن يذبح أضحيته بنفسه إن أحسن الذبح اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يذبح أضحيته بنفسه، وأصحابه كذلك، وذلك لأنها قربة يتقرب بها العبد إلى الله، فندب إلى مباشرتها، ومن كان لا يحسن الذبح فليحضر عند الذبح، فقد أمر رسول الله فاطمة -رضي الله عنها- أن تشهد ذبح أضحيتها.
وينبغي له أن يسمي، ويستقبل القبلة بالذبيحة، ويدعو الله بما دعا به رسول الله.
ويجوز له الانتفاع بالأضحية، فيجوز للمضحي أن يأكل منها، فهو سنة مستحَبَّة اقتداءً به -صلى الله عليه وسلم-، ويدخر، ويتصدق على الفقراء، وله أن ينتفع بأي شيء منها، ولا يجوز له أن يبيع شيئًا منها مطلقًا، لا لحمًا ولا شحمًا ولا صوفًا ولا وبرًا ولا جلدًا ولا رأسًا، ولا أن يعطي الجزار منها شيئًا أجرة على ذبحها أو سلخها؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- لعلي -رضي الله عنه-: "تصدق بجلالها وخطامها، ولا تعطِ أجر الجزار منها شيئًا". والنهي عنه نهي عن البيع أيضًا؛ لأنه في معنى البيع، ولو أكل أو باع أو أعطى الجزار الأجرة منها فيضمن، وذلك بتقدير القيمة والتصدق بمثلها.
ويستحب أن تقسم إلى ثلاث: ثلث للأكل والادخار، وثلث للصدقة، وثلث للهدية، فلك ما تصدقت فأبقيتَ، وما أكلت فأفنيت.
واعلموا -عباد الله- أن من حكم مشروعية الأضحية إغناء الفقراء في مثل هذا اليوم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم"، وفيه إدخال البهجة والسرور والمحبة في النفوس، وإزالة الشحناء والبغضاء منها، وتثبيت المودة في القلوب، ومن حكم مشروعيتها -عباد الله- التربيةُ على العبودية، وإحياء سنة أبينا إبراهيم، حيث رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، فتعلم الإنسان التضحية في سبيل الله بالنفس والمال والولد، كذلك التقربُ إلى الله تعالى بامتثال أوامره، ومنها إراقة الدم.
هذا؛ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.