المقدم
كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
واعلموا أن الفتنة عار ونار، شديد ضرامها، جائرة أحكامها، مسمومة سهامها، داعية إلى الشرور أعلامها. تزيل النعم، وتحل النقم، وتقطع حسن التواصل بين الأمم، وتصيِّر أهلها إلى التباغض، والتقاطع، والشحناء، والتطاحن والمحن، يطلع الشيطان فيها رأسه، ويثبت فيها..
الحمد لله العظيم شأنه، الدائم سلطانه، الشديد انتقامه ممن بارزه بعصيانه، الناصر للحق وأعوانه، المذل للباطل وأخدانه، جل عن الشريك والنظير، والمخبر والمشير، والمعين والظهير، في تدبيره وأكوانه، يعلم ظاهر العبد، وما انطوى عليه داخل جَنانه، يرى جريان الماء في كل عرق وبنانه. أحمده سبحانه على جزيل بره وإحسانه، وأشكره على سوابغ كرمه، وعظيم إتقانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته وسلطانه.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، المحبوب من الرب؛ بكمال قربه ورضوانه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، الذين أنزلوا كسرى وقيصر من سلطانه، وأشادوا منار الإسلام، وأحكموا تراص بنيانه.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وبادروا إلى رضوانه، واحذروا معصيته وحرارة نيرانه، واعلموا أن الفتنة عار ونار شديد ضرامها، جائرة أحكامها، مسمومة سهامها، داعية إلى الشرور أعلامها. تزيل النعم، وتحل النقم، وتقطع حسن التواصل بين الأمم، وتصيِّر أهلها إلى التباغض، والتقاطع، والشحناء، والتطاحن والمحن، يطلع الشيطان فيها رأسه، ويثبت فيها جنوده، ويطلع الحساد من كل مكان، ويشهر سلاحه، ويحل كل قيوده.
وهل هي إلا نار وقودها الغضب، ومنميها الهوى، وطاعة الشيطان، والنميمة والصخب، وموجهها الجهل واللعب، والعناد والكذب، وضحيتها الدين والنفوس والأموال والأعراض، وعاقبتها العطب؟ وموقظها ملعون، وصاحبها مبطون، والقاتل والمقتول إلى النار والهوان. وتُطمع العدوَّ الجاهل في الصديق الغافل، وتقطع سبل الولد والمال، وتنكد على أهلها الحال والمآل، وتصير أهلها إلى أسوأ حال، وتفرق الجماعات والشعوب، وتورث العداوات، والبغضاء الشحناء، والتقاطع والتدابر، والحزازات في النفوس، وكثرة الغيبة والنميمة.
فالله الله عباد الله، احذروا الفتن والتفرق، وعليكم بالاجتماع على الطاعة: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) [آل عمران: 103].
واسعوا في الإصلاح، وانصحوا للعباد، وتباعدوا عن الفساد، واتصفوا بصفات أهل الإيمان، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]. ولا تطيعوا الشيطان؛ فإنه عدو، فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير.
احذروا أن تسلكوا من الفتن سبيلها، والزموا كلمة التقوى، وكونوا أحق بها وأهلها. واحذروا نخوة العصبية، ودعوة الجاهلية، وهمجية الحمقية، التي تخالف الأوامر الإلهية؛ فقد جعلكم الله بالإسلام إخواناً، وأمركم أن تكونوا على البر والتقوى أعواناً: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
وتناصحوا فيها بينكم، لعل الله أن يمحق عدوكم، ويرد كيده في نحره، إذا اعتصمتم بحبل الله، فلن يضركم أحد من خلق الله.
قال الله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك".
أيها الأخوان والأصحاب، تمسكوا بالسنة والكتاب، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، وما فيها من الخراب، ومن اللهو واللغو، والسؤال والجواب؛ فإن الله سائلكم عما قلتم، وما عملتم، فقد حواه الكتاب، ويقول الله تعالى في أمركم بالصواب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:104 -105].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.