البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

صوم رمضان ركن من أركان الإسلام

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. لماذا خلقنا الله؟ .
  2. فرضية الصيام على جميع الأمم .
  3. الحكمة من مشروعية الصيام .
  4. فضائل الصيام وحكمه .
  5. من فضائل الصيام .
  6. على من يجب الصيام .
  7. من يجوز لهم الفطر في رمضان .
  8. مشروعية قيام رمضان .
  9. الفطر على تقويم أم القرى .

اقتباس

أيُّها المسلمون: إن الله -جل وعلا- افترض على أهل الإسلام صوم رمضان، وجعله الركن الخامس من أركان الإسلام، افترضه عليهم بنص القرآن والسنة، ورغبهم في صيامه، ورتب على الصيام الثواب العظيم، والعطاء الجزيل. اسمعوا الله يخاطبكم -يا معشر المؤمنين، أيها المستجيبون لله ورسوله- يخاطبكم ربكم بأسمى أوصافكم، وأكملها وأعلاها، فاسمعوا خطاب الله لكم تشريفا لكم، وإكراما لكم، ورفعا من شأنكم، وهو الغني عنكم وعن طاعاتكم، طاعاتكم لا...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ وسيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد:

فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.

عباد الله: إن الإيمان إذا تمكن في قلب العبد؛ رضي بالله ربا ومدبرا، ورضي بالإسلام شريعة وعملا، ورضي بمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا رسولا، أسوة وقدوة في كل الأحوال، هذا الإيمان إذا تمكن في قلب العبد؛ دعاه للاستجابة لأوامر الله، والبعد عن نواهيه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال: 24].

أيُّها المسلم: إن المؤمن حقاً يعلم أن الله لم يخلق الخلق لعبا، ولم يتركهم سدى، ولم يشرع الشرائع عبثا؛ بل لكمال حكمه، وكمال حكمته، فرض العبادات ونوعها، الأصل أننا خلقنا لعبادة الله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].

فمن رحمته جل وعلا وفضله، أن شرع لنا عبادات نزداد بها قربة إلى ربنا، وتقوى صلتنا بخالقنا، ورازقنا، وتدعونا إلى شكر نعمته، وحسن عبادته، وأن نكون جازمين حقا أن الله حكيم عليم فيما شرع، وفيما خلق: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].

والعبادات إذا اطلعنا على أسرارها كان خيرا، وإن لم نطلع فالأصل التسليم والانقياد: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).

أيُّها المسلمون: إن الله -جل وعلا- افترض على أهل الإسلام صوم رمضان، وجعله الركن الخامس من أركان الإسلام، افترضه عليهم بنص القرآن والسنة، ورغبهم في صيامه، ورتب على الصيام الثواب العظيم، والعطاء الجزيل.

اسمعوا الله يخاطبكم -يا معشر المؤمنين، أيها المستجيبون لله ورسوله- يخاطبكم ربكم بأسمى أوصافكم، وأكملها وأعلاها، فاسمعوا خطاب الله لكم تشريفا لكم، وإكراما لكم، ورفعا من شأنكم، وهو الغني عنكم وعن طاعاتكم، طاعاتكم لا تزيد في ملكه، ومعاصيكم لا تنقص من ملكه، إنما الخير لكم بالامتثال، والشر عليكم بعدم الامتثال، أما ربكم -جل وعلا- فهو الغني الحميد؛ لكن من رحمته نوع العبادات، وجعلها أنواعا، حتى يظهر استسلام العبد المؤمن وانقياده، فإن المؤمن حق الإيمان يقبل كل الطاعات، ويرضى بها؛ وليس كمن يقبل طاعة، ولا يرضى بغيرها، فالمسلم يصلي ويزكي، ويصوم ويحج، ويقرأ ويصلي، ويلتزم بالأخلاق، كلها طاعة لله، ليس كمن يصوم ولا يصلي، أو من يصلي ولا يزكي، أو من يزكي ولا يحج، لا، المؤمن منقاد لكل طاعة يأمر الله بها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)[البقرة: 183].

فرض عليكم صيام رمضان، وتعبدكم بالصيام، كما تعبد به من قبلكم، فلستم بدعا من الخلق؛ لكنها عبادة قديمة تعبد بها من قبلكم، إلا أنه لا علم عندنا بالشهر، أو بالأيام، أو بطريقة الصيام، إنما نحن نعلم من الله أنه تعبد بالصيام من قبلنا، وأنه تعبدنا به كذلك، ولهذه الأمة مزيد فضل وإحسان على ما سواها من الأمم.

ثم قال جل وعلا: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يقف المؤمن قليلا يتدبر هذا الجزء من الآية: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

لعلكم بالصيام تنالون التقوى، يكتب الكاتبون، ويتحدث المحدثون، ويبحث الباحثون، عن أسرار الصيام وآثاره ومنافعه، ومهما كتبوا، ومهما قالوا، فالمرجع إلى هذه الآية: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

لأن في التقوى امتثال أوامر الله، وبالتقوى اجتناب نواهي الله، وبالتقوى كمال الاستجابة، وبالتقوى كمال الانقياد والذل والخضوع: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

ثم قال: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)[البقرة: 184] لم يقل العام كله، ولا نصفه، ولا ثلثه، ولا ربعه، وإنما شهرٌ واحدٌ من اثني عشر شهرا، رحمة وإحسانا، فإن الشرع جاء بما فيه الرفق بالناس في أحوالهم كلها: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ).

ثم إنه جل وعلا أجاز للمسافر أن يفطر، وللمريض أن يفطر في رمضان، كما سيأتي -إن شاء الله-، وكانوا في أول الإسلام مخيرين بين أن يصوموا، وبين أن يطعموا عن كل يوم مسكينا، فقال: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ثم رحمنا ربنا، وتفضل علينا، وأحسن إلينا، فافترض علينا الصيام فرضا لازما، دون تخيير: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).

أيُّها المسلم: إن لهذا الشهر فضائلَ عظيمة، وحكما جليلة؛ فمن أعظمها:

تحقيق تقوى الله، بامتثال أمره بالصيام، والكف عن ملذات النفس طاعة لله: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 40- 41].

ومنها: أن العبد إذا تيقن يقينا جازما بإطلاع الله عليه، وعلم الله بسره وعلانيته: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) [آل عمران: 5].

ولهذا عظم أمر الصيام لقوة الإخلاص فيه، فبإمكان الإنسان في خلواته أن يأكل ويشرب، ويأتي الزوجة؛ لكن ما في قلبه من تعظيم ربه، وعلمه بإطلاع الله عليه، وعلم الله بسره وعلانيته؛ يدعوه للاستجابة والانقياد.

ومن ذلك: أنه يعرفه قدر نِعم الله عليه، التي أنعم به عليه، فإن المداوم على النعمة لا يعرف قدرها؛ لكن إذا فقدها، وأحس بالجوع والظمأ، لاسيما في طول النهار، علم حقا عظيم النعم، وعظيم الفضل، وأنه ترك هذه النعم مع تواجدها عنده؛ لكن الحال لتركها تقوى الله، ومراقبة أمره، وأداه ذلك إلى رحمة المحتاجين والمعوزين والإحسان إلى الفقراء، لاسيما -يا أخواني- الأمة المشردة من أوطانها، الذين هدمت دورهم، وأتلفت مزارعهم، وشردوا عن بلادهم، فهو في عراء وجوع ومسغبة، ينبغي الرحمة والإحسان إليهم، ولئن كانت حكومتنا -وفقها الله- ممثلة في خادم الحرمين ووزير داخليته، قد قاموا بجهد كبير في إرسال المعونات لهؤلاء المحتاجين، فهم بأمس حاجة، وأمس رحمة، ارحموهم يرحمكم الله، ارحموا فقرهم، وارحموا إعوازهم، وارحموا شدة الحرب عليهم، وارحموا خروجهم من بلادهم، وتشريدهم من أرضهم، فهم أحق بالرحمة والإحسان، وفق الله المسلمين إلى كل خير.

ومن ذلك أيضا: أن في الصيام كفاً للنفس، وحملا لها على الخير، قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".

أيُّها المسلم: وفي الصيام نشكر لله أن أنزل علينا القرآن، فإن الله أنزل هذا الكتاب العزيز على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في شهر رمضان: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البقرة: 185].

ولما كان القرآن مصدر عزنا وقوتنا، وتنظيم أمور حياتنا، كان إنزاله نعمة من الله علينا، فلنقابل هذه النعمة بصيام هذا الشهر، شكرا لله على إنزال القرآن، وهدايتنا للإسلام، وتيسير أمورنا، فلله الفضل والمنة: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ).

فالشرع لا عسر فيه، ولا مشقة فيه، فبمقدور كل مكلف وباستطاعته أن يصوم، ولله الحمد، رحمة من الله وإحسانا.

أيُّها المسلمون: في سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ترغيب لكم في الصيام، فأخبركم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أن صيام رمضان يكفر ما بينه وما بين العام القادم من صغائر الذنوب: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ؛ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".

وأخبركم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أن صيامكم في رمضان مكفرٌ لما مضى من خطاياكم وسيئاتكم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

صامه إيمانا بوجوبه، واحتسابا غير مستثقل له، ولا مستطيل لأيامه، وإنما صامه احتسابا للأجر والثواب عند رب العالمين.

ويقول نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يوما وقد أظلهم رمضان: "أَظَلَّكُمْ شَهْرُ عظيم، شَهْرُكم هَذَا مَا مَرَّ بِالْمُؤْمِنِينَ شَهْرٌ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ َبمَحْلُوفُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلاَ بِالْمُنَافِقِينَ، شَهْرٌ شَرٌّ لَهُمْ مِنْهُ َبمَحْلُوفُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِنَّ اللَّهَ لَيَكْتُبُ أَجْرَهُ وَنَوَافِلَهُ قَبْلِ أَنْ يُدْخِلَهُ، وَيَكْتُبُ إِصْرَهُ وَشَقَاءَهُ قَبْلِ أَنْ يُدْخِلَهُ".

وذلك أن المؤمن يعد فيه العدة للعبادة، تقويا على العبادة، ويعد فيه المنافق والفاجر تتبع عورات الناس وغفلاتهم، فهو غنم للمؤمن يغتنمه، وغرم للفاجر، ويقول صلى الله عليه وسلم عن رمضان: "أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل السكينة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي فيه من حرم رحمة الله".

ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدَودَهُ وَتَحَفَّظَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ فِيهِ كَفَّرَ مَا كَانَ قَبْلَهُ".

قال سلمان الفارسي -رضي الله عنه- فيما يروى عنه مرفوعا: أنه صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان، فقال: "قد أظلكم شهر عظيم مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فيه فريضة، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما غفر الله له، وأعتقه من النار" قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال: "يعطى الله هذا الثواب من فطر صائما تمرة، أو مذقة لبن، أو شربة ماء، ومن خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم: شهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وخصلتان لا غنى بكم عنهما: تسألون الله الجنة، وتستعيذون به من النار، ومن سقى صائما شربة سقاه الله من حوضه شربة لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة، تفتح أبواب الجنة الثمانية، وتغلق أبواب النيران، وينادي منادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، إن الله خصكم بخصائص في هذا الشهر لم تكن لأمة قبلكم".

يقول صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيَتْ أُمَّتِي فِي رَمَضَانَ خَمْسَ خِصَالٍ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطَيْبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغفر لَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وُيَزَيِّنُ اللَّهُ جَنَّتَهُ كُلَّ يَوْمٍ، ويَقُولُ يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يدعوا عَنْهُمُ الأَذَى والْمَئُونَةَ، وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ، وَتُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلاَ يَخْلُصُون فِيهِ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ". قِيلَ: أَهِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ: "لاَ وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ".

إخواني: افرحوا بهذا الشهر، واستبشروا به، واحمدوا الله على بلوغه، وسلوا الله التوفيق والسداد في القول والعمل.

شهر الخيرات والبركات، تضاعف فيه الحسنات، تقال فيه العثرات، تجاب فيه الدعوات، فادعوا الله في صومكم، وألحوا عليه بالمسألة، وسألوه من فضل وكرمه، فإنه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ووفقنا فيه لصالح الأقوال والأعمال.

أقول قولي هذا، واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعد:

أيُّها المسلمون: إن صيام رمضان واجب على المسلم، البالغ، العاقل، القادر، المقيم، الذي خلا من كل الموانع، فيجب أن يصوم رمضان أداءً في وقته، طاعة لله، واستجابة لأمره.

الصغير يأمر به تطوعا، يأمر به قبل البلوغ ترغيبا له في ذلك، ليعتاد عليه.

فاقد العقل لا يخاطب بالصيام، المسافر له أن يفطر في سفره، لاسيما إن كان فطره أرفق به، فله أن يفطر في سفره، وله أن يصوم في سفره، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- صام في السفر وأفطر، ورغبهم في الفطر لمَّا قرب من قتال العدو، فقال: "إنكم ملاقو العدو غدا والفطر أرفق بكم".

فللمسافر أن يفطر، وإن وجد قوة وصام فحسن، فقد سأل حمزة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن لي ظهرا أكريه وأجريه، ويمر بي هذا الشهر، وأنا شاب أجد القوة على الصيام، وأخاف أن أفطرته أن أكسل عن الصيام، فقال: "كل ذلك لك يا حمزة".

وقال أنس: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسافرون، فمن الصائم ومن المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.

ومن أفطر في السفر طلبا للرخصة فحسن، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ".

أيها المسلم: إن الله يقول: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 184].

فالمريض على أقسام:

هناك مرض لا علاقة له بالصيام، صداع، أو وجع، فهذا يصوم.

وهناك مرض، إذا صام فيه الصائم أخَّر الصومُ البرءَ، أو تضاعف الألم، فهذا يستحب له أن يفطر، ولا يصوم مع المشقة.

وهناك مرض خطير؛ كالأمراض المستعصية، التي لا يرجى غالبا الشفاء منها، فإن هذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، فالمصاب بالفشل الكلوي، أو انخفاض السكر، أو الزيادة، أو الوباء الكبدي، أو السرطان، أو غير ذلك من الأمراض الخطيرة، التي يقول الأطباء: أنها أمراض مستعصية، فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، رحمة من الله وفضلا وإحسانا.

أيها المسلمون: الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، إذا أعجزهما الكبر عن الصيام، جاز لهما أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الله يقول: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).

كان مخيرا في أول الأمر بين الصيام والإطعام، فنسخ في حق القادرين، فيبقى في حق الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، اللذين يؤديان الصيام دائما، أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكيناً.

أما الهرم الذي فقد الذاكرة، أو الذين فيهم الجلطة الدماغية، أو الذين في العناية المركزة، ويأتي الشهر وهم في غيبوبة دائمة، فإن هؤلاء لا صيام عليهم، ولا إطعام عليهم؛ لأنهم ليسوا أهل تكليف، حيث كانوا فاقدين الذاكرة، فلا صوم ولا قضاء.

أيتها المرأة المسلمة: إن الحيض يفسد الصيام، ولا صيام لمن بها حيض، فمتى طرقها الحيض ولو قبل غروب الشمس أعتبر اليوم فاسدا، وإن غربت الشمس وأتتها الدورة الشهرية فإن الصوم صحيح.

أيها المسلم: الحامل والمرضع، إذا شق الصوم عليهما، أو خافتا على أنفسهما، أو على الولد، جاز لهما أن يفطرا، ويقضيان مكانهما أياما أخر.

هكذا شريعة الله في الصوم، لا مشقة فيه، فاتقوا الله في أنفسكم، وحافظوا على صيامكم.

أيُّها المسلمون: شرع لكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قيام رمضان، فقال: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

وصلى في أصحابه ثلاث ليالي في رمضان، فغص المسجد بأهله، فلم يخرج عليهم، وقال: "علمت مَكَانُكُمْ، لَكِنِّ خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فلا تستطيعوها".

وفي عهد عمر -رضي الله عنه- مر بالمسجد، فرأى الناس أوزاعاً، هذا يصلي وحده، وهذا مع رجل، وهذا مع الرجلين، فقال: "لو جمعتهم على إمام واحد" فجمعهم على أبي بن كعب وتميم الداري، فقال الصحابة: "نور الله قبر عمر كما نور مساجدنا بالتراويح".

فالتراويح سنة مؤكدة، لا ينبغي للمسلم أن يدعها، فأحيوها -رحمكم الله- وصلوا مع الإمام، وقفوا معه حتى ينصرف: "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ".

وصيامنا -أيها المسلمون- ولله الحمد وفطرنا يكون على وفق شرع الله: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمى عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الشهر ثَلاَثِينَ".

أيها المسلم: أوقاتنا موقتة بتوقيت أم القرى، في صومنا وإفطارنا، وتقويم أم القرى تقويم ثابت، وتقويم موثوق، وتقويم أشرف عليه لجنة علمية شرعية، فلكية إسلامية، ووضعوا له نظاما منذ تسعين سنة على عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- وما زال هذا التقويم موثوق به، ومطمئن إليه، فالذين يشككون فيه، أو يدعون أننا نمسك قبل الوقت بعشرين دقيقة، أو نحو ذلك، كلها دعوى غير ثابتة، يكذبها الواقع، فإنه هناك لجنة علمية خرجت في هذه البلاد في أكثر من موضع، ورأوا حقا أن غروب الشمس وطلوعها وطلوع الفجر الثاني على وفق تقويم أم القرى، فالمشككون في هذا التقويم، والذين يحدثون بلبلة في هذا الشيء، لا علم عندهم، ولا فقه لديهم، ولا ينبغي أن نصغي إليهم؛ بل نكون على ما كنا عليه سابقا في هذا الأمر العظيم.

أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.

واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك بربكم، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، ونصر عبداك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، وفقهم لما تحبه وترضى من الأقوال والأعمال، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بنَ عبد العزيزِ لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وامنحه الصحة والسلامة والعافية، وشد عضده بولي عهده الأمين سلمان بن عبد العزيز، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيء قدير.

إخواني أئمة المساجد: اتقوا الله في أنفسكم، وحافظوا في هذا الشهر المبارك على مساجدكم أعظم من غيره، وإن كان مطلوباً دائما الحفاظُ على المسجد؛ لكن في هذا الشهر لتكن العناية في المسجد، والاهتمام به، وصلاة التراويح، وقراءة القرآن، واستكماله كله بالشهر، هذا من هدي السلف الصالح، كانوا يستحبون من الإمام أن يسمع المأمومين في رمضان كتاب الله كاملا.

وبعض إخواننا الأئمة يجعلون القرآن أربع سنوات، أو ثلاث سنوات، هذا لا ينبغي، بل الذي ينبغي أن نسمعهم كتاب الله في الشهر كله، هذا هدي السلف الصالح، الذي مضوا من قبلنا.

فيا أيها الأئمة: اتقوا لله في مساجدكم، وحافظوا عليها، واعلموا أن بقاءكم في مساجدكم خير لكم من أن تعتمروا، فإن بقاءكم واجبا، والعمرة سنة، فلا تدعوا الواجب لأجل سنة.

اتقوا الله -أيها المؤذنون-: وانظروا في الوقت، فلا تؤذنوا حتى تشعروا بأن الوقت قد دخل، فإنكم مؤتمنون على الأذان، كما أن الأئمة مؤتمنون على أداء الفريضة.

فلنتقِ الله في أنفسنا، ولنتعاون على البر والتقوى، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.

اللَّهمَّ يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أهل علينا هذا الشهر بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.

اللَّهمَّ وفقنا فيه لما تحبه وترضى، اللَّهمَّ اجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا.

اللَّهمَّ كما قربت أيامه منا، فبلغنا صيامه، وأعننا على ذلك، إنك على كل شيء قدير.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: (وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].