العليم
كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عياش هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
فالمساجد نسبها الله لنفسه، تُبنى لعبادته وحده، تبنى لذكره، لذلك وجب على المسلمين تعظيمها والاهتمام بها، وتطهيرها من كل دنس. ومن أعظم التطهير للمساجد: تطهيرها من الشرك، بأن يوَحَّدَ الله فيها بالعبادة ولا يشرك به: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن:18]، لذلك جاء نهيَ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ المقابر في المساجد مخافةَ أن يقع في الشرك بالله فيها بتعظيم أصحاب القبور ودعائهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
فيقول الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) [النور:36-37].
فالمساجد نسبها الله لنفسه، تُبنى لعبادته وحده، تبنى لذكره، لذلك وجب على المسلمين تعظيمها والاهتمام بها، وتطهيرها من كل دنس.
ومن أعظم التطهير للمساجد: تطهيرها من الشرك، بأن يوَحَّدَ الله فيها بالعبادة ولا يشرك به: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن:18]، لذلك جاء نهيَ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ المقابر في المساجد مخافةَ أن يقع في الشرك بالله فيها بتعظيم أصحاب القبور ودعائهم، عن أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي مَرضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". قَالَتْ: وَلَوْلاَ ذلِكَ لأبْرَزُوا قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَخْشى أَنْ يُتَّخَذَ مِسْجِدًا. متفق عليه.
عباد الله: وإنَّ من تعظيم المساجد والاهتمام بها: المجيء إليها بأجمل هيئة، وأحسن حُلُّة، وأطيب رائحة، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].
فيجب على المسلم إذا أراد أن يأتِيَ المسجد أن يعتنِيَ بنظافة بدنه وثيابه وفمه، وأن يتطيب لإتيانها، حتى لا تكون هيئته ورائحته مزعجةً لمن حوله من المصلين، مؤذية للملائكة، ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ -الثُّومِ-، وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ".
فإن هذه الأطعمة -البصل، والثوم، والكراث وما على شاكلتها- لها في الجوف والفم رائحة قوية مزعجة، فلا يجوز لمن أكلَ شيئاً منها أن يأتي للمسجد للصلاة فيه، فإن المصلين معه يتأذون من تلك الروائح، وكذلك الملائكة التي تحضر الصلاة تتأذى من تلك الروائح.
ولا يعني هذا تحريم أكلها، فعن علي -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلِ الثُّومَ، فَلَوْلاَ أَنِّي أُنَاجِي المَلَكَ لأَكَلْتُهُ". رواه أبو نعيم في الحلية.
فعلى من أكل شيئاً منها أن يتبعها بما يذهب رائحتها أو يخففها، كأن يأكل بعدها حبات من الشَّمر، أو ورق النعناع، فإذا ذهبت رائحتها أتى المسجد، فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الثُّومُ وَالْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ، وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَشَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ الثُّومُ، أَفَتُحَرِّمُهُ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُوهُ، وَمَنْ أَكَلَهُ مِنْكُمْ فَلَا يَقْرَبْ هَذَا الْمَسْجِدَ، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ مِنْهُ". رواه ابن خزيمة وأبو داود وابن حبان وغيرهم.
أيها المسلمون: إن بعض الناس يتعاطى تلك الخبيثة البغيضة المحرمة، فيحرق بها بدنه، ويحرق بها ماله، ويؤذي بها أهله وخِلاَّنه، ثم يدخل المسجد ورائحتها الخبيثة في فمه وبدنه وثيابه تزكم الأنوف، وتثير الغثيان، ويتأذى منها الملائكة والمصلون من حوله.
فليتق الله أولئك الذين يتعاطون تلك السموم الحارقة، وعليهم أن يقلعوا عن تعاطيها فإنها محرمة، ولا يخفى على متعاطيها خطرها، ولا يشك منهم أحد في ضررها، وكُلُّهم يعلَم يقيناً تَحْريمها، إلا أنهم يكابرون، ويعاندون، ولو أنهم حكَّموا عقولهم السليمة وضمائرهم الواعية، لبادروا إلى التخلي عنها، والإقلاع عن تعاطيها، والتوبة والندم على ما أسرفوا على أنفسهم.
وقد سئل بعض أهل العلم عن حكم دخول المساجد بعلبة السجائر في الجيب؟! فأفتى بحرمة ذلك قطعاً، فيحرم على المدَخِّن أن يُدخِلَ تلك المادة الخبيثة المحرمة المسجد ولو مخفيةً في جيبه، فكيف بتعاطيها، وإيذاء المصلين برائحتها البغيضة.
(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى".
فيشترط لحصول المغفرة للذنوب فِعْلُ كلَّ تلك الأمور، الاغتسال لصلاة الجمعة، والتطهر، والتطيب قبل الخروج للصلاة، والتبكير للمسجد ليجد الصف الأول فارغاً، فيجلس فيه دون أن يفرّق بين الجالسين، فيصلي نافلة ما شاء الله له أن يصلي، وينصت للإمام إذا تكلم في خطبته.
وكم يفوّت على نفسه من الأجور ومغفرة الذنوب من قصَّرَ وتأخّر، أو تشاغل فلم يُنْصِت.