البحث

عبارات مقترحة:

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

فتنة القتل وتدمـير الحياة

العربية

المؤلف حسان أحمد العماري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. حق الحياة والمحافظة على النفس .
  2. تحريم قتل النفس في جميع الشرائع السماوية .
  3. الوعيد الشديد على قتل المسلم في القرآن والسنة .
  4. شرع الإسلام أشد العقوبات على قتل النفس وإزهاق الأرواح .
  5. مسئولية الجميع عن حقن الدماء .
  6. الثقة واليقين في الله رب العالمين .
  7. وجوب الاستقامة على الشرع وعدم الاعتداء. .

اقتباس

كل واحد يمارس القتل يظن أنه على حق، وأنه على الصراط المستقيم، وأن غايته وأهدافه في قمة السمو .. وليسوا من ذلك في شيء، فقتل المسلم أخاه المسلم جريمة من أعظم الجرائم، وليس هناك ما يبررها مهما كانت الادعاءات والشعارات؛ لأن النفس عزيزة، خلقها الله وكرمها ولا يجوز الاعتداء عليها حتى من صاحبها نفسه؛ لأنها ليست مِلكًا له، فكيف بمن يقتل مسلماً ويباهي بجريمته ويفرح بها ويجاهر الله بهذه المعصية التي تهد الجبال ولا يردعه عنه دين أو قانون أو عرف..

الخطبة الأولى:

الحمد لله يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، خلق الخلق في هذه الدنيا ليبتيلهم أيهم أحسن عملاً، وضرب لكل شيء أجلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، أنذر أمته من بلاء ينزل آخر الزمان لا عاصم لهم منه إلا التقوى والعمل الصالح قال: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا، ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعَرَض من الدنيا"، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: عباد الله: حق الحياة والمحافظة على النفس من أعظم الحقوق التي جاء بها الإسلام ليحافظ عليها ويبين أهميتها من خلال تشريعاته وأحكامه؛ لأن أغلى ما يملك المرء حياته، ولا يجوز لأي أحد أن يتعدى عليها بأي وسيلة من وسائل العقاب النفسية والجسدية، إلا في أمور وضحتها الشريعة وحدود أكدت عليها وفق ضوابط واضحة وجلية تهدف إلى المحافظة على الدين وحماية المجتمع؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسُول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة"(متفق عليه).

وبينت شريعة الإسلام من هو المخول في تنفيذها ووكلت المسؤولية إلى وليّ الأمر والقضاء الشرعي بعد الفحص والتأكد من ذلك.. قال –تعالى- مبيناً سلوك المسلم السوي ومحذراً من الانحراف عن الحق وتحذيرًا من جريمة القتل وإزهاق الأرواح: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68- 69]،.. وقال الله –تعالى-: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام:151].. 

وحرمة قتل النفس في جميع الشرائع السماوية ومما جاء به جميع الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه .. قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة 32]..

وعن أبي سعيد -رضي الله عنه-، عن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وُكِّلت اليوم بثلاثة: بكلّ جبار, وبمن جعل مع الله إلهًا آخر, وبمن قتل نفسًا بغير نفس, فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم" (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2699).

بل جعل الإسلام  التعدي على حياة هذا الإنسان من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم والذنوب التي تورد صاحبها المهالك في الدنيا والآخرة .. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"، وقال ابن عمر : "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حل" (البخاري: 6862).

ويقول عليه الصلاة والسلام: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً" (رواه أحمد: 16849، وصححه الألباني) ..

بل جعل الإسلام  قتل المسلم وسفك دمه من عظائم الأمور يقول عليه الصلاة والسلام: "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" (النسائي 7/ 83، وهو في صحيح الجامع للألباني 4361).

وعن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك! وما أطيب ريحك! ما أعظمك وما أعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ماله ودمه" (اللفظ لابن ماجه، وهو صحيح لغيره، انظر: صحيح الترغيب والترهيب للألباني) ..

إلى جانب ذلك فقد رتَّب الله أشد العقوبات على قتل النفس وإزهاق الأرواح فقال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء: 93].

أيها المؤمنون عباد الله: كثُر القتل، ورأينا جرأة على الدماء المعصومة والأنفس المصونة في كثير من بلاد المسلمين؛ بسبب حروب وصراعات لم تكن مع أعداء العرب والمسلمين، ولا من أجل مناصرة قضايا الأمة وتحرير أراضيها وتطهير مقدساتها، ولكنها بين المسلمين مع بعضهم البعض كان نتيجة التأويل الخاطئ لأحكام الدين ومقاصده، وتفسيره حسب الأهواء والرغبات الذي أثمر التطرف والغلو، وكذلك عدم تحكيم شرع الله في واقع حياة المسلمين إلى جانب الصراع السياسي والظلم ومصادرة الحريات وغياب العدالة الاجتماعية والفقر والأمية، واستغلال ذلك من قبل أعداء الأمة في محاولة تشويه الإسلام وزعزعة ثقة المسلمين به، وتصويره للعالم على أنه دين القتل والدماء والمذابح والظلم والاضطهاد؛ مستغلين هذه الظروف والأحداث في تأجيج الخلافات المذهبية والحزبية بين المجتمعات وبين الدول، فكان القتل وسفك الدماء نتيجة لهذه الأسباب والتي كان يمكن علاجها.

وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الفتنة  فقال: "إن بين يدي الساعة الهرج: القتل ما هو قتل الكفار، ولكن قتل الأمة بعضها بعضًا، حتى إن الرجل يلقاه أخوه فيقتله، ينتزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف لهم هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء" (صحيح الجامع للألباني 2047).

كل واحد يمارس القتل يظن أنه على حق، وأنه على الصراط المستقيم، وأن غايته وأهدافه في قمة السمو .. وليسوا من ذلك في شيء، فقتل المسلم أخاه المسلم جريمة من أعظم الجرائم، وليس هناك ما يبررها مهما كانت الادعاءات والشعارات؛ لأن النفس عزيزة، خلقها الله وكرمها ولا يجوز الاعتداء عليها حتى من صاحبها نفسه؛ لأنها ليست مِلكًا له، بل هي مِلك لله وحده سبحانه .. فكيف بمن يقتل مسلماً ويباهي بجريمته ويفرح بها ويجاهر الله بهذه المعصية التي تهد الجبال ولا يردعه عنه دين أو قانون أو عرف.. عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً" (رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).

عباد الله: إن هذه جرائم القتل وممارستها دليل على الحرمان، وانتكاس البصيرة، والسقوط من عين الله، وهي دليل على ضعف الإيمان والتقوى، واتباع للشهوات والأهواء وسيراً في طريق الشيطان وشبهاته.. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أصبح إبليس بثَّ جنوده فيقول: من أضل اليوم مسلمًا ألبسته التاج، قال: فيخرج هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته فيقول: أوشك أن يتزوج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عقَّ والديه. فيقول: يوشك أن يبرهما. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول : أنتَ أنت! ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج" (السلسلة الصحيحة للألباني).

ولنتذكر يوم القيامة كيف سيكون مشهد المقتول مع قاتله في أرض المحشر ، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل يوم القيامة وأوداجه تشخب دمًا بين يدي الله فيقول: يا رب! سل هذا فيما قتلني؟ حتى يدنيه من العرش" (أخرجه أحمد في المسند: 23004، 23058، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 8031) ..

فماذا ستكون الإجابة؟ أمن أجل دنيا فانية ولذة عابرة وهوى متبع يقع المسلم في مثل هذه الجريمة .. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (19 / 299): قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: "ثَبَتَ النَّهْي عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَة بِغَيْرِ حَقّ، وَالْوَعِيد فِي ذَلِكَ، فَكَيْف بِقَتْلِ الْآدَمِيّ؟!" .. 

ألا فلنتق الله ولنحذر سخطه وعقوبته بحفظ دمائنا وأعراضنا وأموالنا.. وعلى الدول والحكام والقضاة ورجال الأمن والسياسيين والعلماء ومؤسسات المجتمع المدني ومحاضن التربية ووسائل الإعلام أن يقوموا بدورهم في علاج كل انحراف يصيب مجتمعاتنا، ومن ذلك الوقوف بحزم ضد جرائم القتل وإزهاق الأرواح ونشر الخوف وإقلاق الأمن والسكينة ..

كل واحد من هؤلاء عليه واجب ومسئولية حسب مكانته ومركزه الاجتماعي والسياسي والتربوي والتعليمي وفي الأسرة والشارع والوظيفة، لكل مسلم أن يشارك في حماية المجتمع من هذه الجريمة، ولعل من أهم وسائل علاج جريمة القتل هي تحكيم الشرع، ونشر العدل، وإقامة الحدود ومعالجة الاختلالات الأمنية والاقتصادية والفقر، وتحسين وتجويد التربية والتعليم، وتبني الخطاب الديني الوسطي الذي يبني ولا يهدم، ويعطي صورة حقيقة للإسلام في كل جوانب الحياة وتربية الأمة على الإيمان ومراقبة الله والخوف منه قال تعالى -: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ . فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:27-30] ..

 اللهم إنا نبرأ إليك من دماء سُفكت، ومن أرواح أُزهقت .. نسألك أن تحقن دمائنا ودماء المسلمين وأن تنتقم من الظالمين والمعتدين وأن تردنا إلى دينك رداً جميلا .. ... قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية: 

عباد الله: لقد مرت على هذه الأمة فتن ومصائب كثيرة وكبيرة من خلال عصور التاريخ المتعاقبة واعتُقد في الكثير أنها النهاية، ولن تقوم لهذه الأمة قائمة، ولكن لم يحدث ذلك فقد كانت هذه الأمة تعود بصدق إلى دينها وعقيدتها، وتدرك واجبها ومسئوليتها عند كل كبوة وضعف وفتنة ومصيبة، فتعود إلى الحياة من جديد، ويُجري الله على يديها الخير وينتشر بين أبنائها الحب والتآلف والأخوة، وتزدهر بين جوانبها المختلفة حضارة تبني الدنيا وتعمر الآخرة، فلا تخيفكم هذه الأحداث والجرائم عن البذل والعمل والعطاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بكلمة الحق ..

ولا تبتئسوا بما يحدث في بلاد المسلمين اليوم من فتن وصراعات وكثرة القتل، والجرأة على حدود الله وحرماته رغم الألم الذي يعتصر كل مسلم عنده ذرة من إيمان .. فلا تبتئسوا  .. سحابة صيف ثم تنقشع بإذن الله، فلا يوجد أعدل ولا أرحم من الله ولا يوجد أغير من حرمات الله أن تُنتهك من الله...

عما قليل سترون غيرة الله على الدماء التي سُفكت، والحقوق التي سُلبت، والأمانات التي ضُيعت .... فلا تبتئسوا ... وثقوا بالله الذي يعلم السر وأخفى .... نحن قوم إذا ضاقت بنا الدنيا .... اتسعت لنا آفاق السماء ... وإلا فهناك جنة عرضها السموات والأرض يجب أن نعمل لها ففيها الحياة الحقيقية، واعلموا أن لا يصيب المؤمن إلا ما كتبه الله وقدّره، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن: 11] ..

وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك في وصية جامعة تملئ القلب إيمانًا ويقينًا وأملاً وثقة وتفاؤلاً .. فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك،  رُفعت الأقلام وجفت الصحف" (صحيح سنن الترمذي للألباني 2516).

عباد الله: عودوا إلى الله، والتزموا دينه، وحكّموا شرعه، وإياكم أن تتبعوا كل ناعق تحت أي راية حزبية أو مذهبية أو مناطقية، أو حتى دينية، تخالف الدين الصحيح والشرع القويم، وتستخدم العنف والقتل وسيلة من وسائلها بين المسلمين، ولا تغتروا بالشعارات فقد رُفعت عبر التاريخ آلاف الشعارات والرايات وسقطت جميعها، وبقي الإسلام الناصع والواضح وبقي الحق وأهله..

ولنحذر جميعاً أن نكون ممن يبيع دينه بدنياه، أو بدنيا غيره في لحظة ضعف من إيمان أو عصبية جاهليه أو مصلحة ولذة عابرة زائلة، ولنحفظ ألسنتنا وأيدينا من دماء المسلمين، فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" (رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).

فثقوا بالله وأمّلوا خيرًا، وقوموا بما افترضه عليكم، فالله أرحم بنا من أنفسنا، ويجري الأمور حسب إرادته ومشيئته، ولن يضيع أعمالكم ودعواتكم وإخلاصكم ولن يترك الله الظلمة والمعتدين والبغاة بل سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر القائل سبحانه: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [ السجدة 22].

 اللهم يا من لا تضره معصيتنا، ولا تنفعه طاعتنا أيقظنا من غفلتنا، ووفقنا لمصالحنا، واعصمنا من قبائحنا، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا.. اللهم يا من كان مع يونس في لُجَج البحار، ومع إبراهيم في النار، ومع محمد -صلى الله عليه وسلم- في الغار؛ كن معنا حيث كنا. برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم صلِّ على صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والصراط الممدود، صاحب الكرم والشهامة والشجاعة والنبل، جامع مكارم الأخلاق وسيد ولد آدم، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. والحمد لله رب العالمين.