الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ- الْعِبَادَاتِ وَيُبَيِّنُهَا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ حِرْصَاً مِنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنْ يَفْهَمُوا الْعِبَادَاتِ تَمَامَاً وَيُطَبِّقُوهَا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، ثُمَّ إِذَا رَأَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ نَبَّهَهُ عَلَى خَطَئِهِ وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ، وَإِنَّنَا بِإِذْنِ اللهِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نُبَيِّنُ بَعْضَ الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّهَارَةِ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لنَا دِينَاً قَوِيمَاً وَهَدَانَا بِفَضْلِهِ صِرَاطَاً مُسْتَقِيمَاً، وَرَبَّانَا بِأَحْسَنِ الأَخْلاقِ وَأَمَرَنَا بِأَقْوَمِ الأَعْمَالِ . أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَمَن اهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَتَحَقَّقُوا مِنْ دِينِكُمْ وَتَثَبَّتُوا فِي عِبَادَاتِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ مُوَافِقَاً لِهَدْيِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]، وَلِذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ- الْعِبَادَاتِ وَيُبَيِّنُهَا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ حِرْصَاً مِنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنْ يَفْهَمُوا الْعِبَادَاتِ تَمَامَاً وَيُطَبِّقُوهَا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ .
ثُمَّ إِذَا رَأَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ نَبَّهَهُ عَلَى خَطَئِهِ وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلَبْانِيُّ) .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّنَا بِإِذْنِ اللهِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نُبَيِّنُ بَعْضَ الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّهَارَةِ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا. فَمِنَ الْأَخْطَاءِ مَا يَلِي:
أَوَّلاً: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يُحْسِنُ التَّطَهُّرَ بَعدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَوْ رُبَّمَا تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُخِيفٌ جِدَّاً، لِأَنَّ التَّهَاوُنَ فِي ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ .
وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ التَّطَهُّرَ الشَّرْعِيَّ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فَيَغْسِلَ الْمَحَلَّ حَتَّى تَذْهَبَ اللُّزُوجَةُ الْحَادِثَةُ بِالْبَوْلِ أَوِ الْغَائِطِ, وَيَسْتَعْمِلَ يَدَهُ الْيُسْرَى فِي الْاسْتِنْجَاءِ وَلَيْسَ الْيُمْنَى.
وَإِنْ كَانَ يَسْتَجْمِرُ بِالْأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا فَلابُدَّ مِنْ ثَلاثِ مَسْحَاتٍ مُنْقِيَةٍ فَأَكْثَر، وَلا يَكْفِي بِدُونِ الثَّلَاثِ أَبَدَاً.
ثَانِيَاً: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْعَكِسُ عِنْدَهُ الْأَمْرُ فَيَسْتَدْرِجَهُ الشَّيْطَانُ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْوَسْوَاسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ التَّطَهُّرِ مِنَ الْحَدَثِ، فَيُشَدِّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَيُبَالِغَ فِي الْغَسْلِ وَيُطِيلَ فِي ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ الْاسْتِنْجَاءُ أَثْقَلَ مِنَ الْجَبَلِ.
وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَعِلَاجُ الْوَسْوَاسِ سَهْلٌ بِإِذْنِ اللهِ، وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ مَا يُمْلِي عَلَيهِ الشَّيْطَانُ، وَيَتَطَهَّرَ وَيَقُومَ بِسُرْعَةٍ وَلا يُبَالِغَ فِي ذَلِكَ . وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ طَبِيبَ نَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا وَسْوَاسٌ فَيَقْطَعَهُ مِنْ أَوَّلِهِ لِئَلَّا يَسْتَشْرِيَ فَيَصْعُبَ عِلَاجُهُ.
ثَالِثَاً: أَنَّ مِنَ النّاسِ مَنْ لا يَنْتَبِهُ لِأَمْرِ تَوْجِيهِ الْمَرَاحِيضِ عِنْدَ بِنَائِهَا فَرُبَّمَا جَعَلَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ أَوْ عَكْسِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ لا يَنْبَغِي حَتَّى إِنَّ كَثِيرَاً مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا حَرَامٌ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ بِنَاءَ بَيْتِهِ أَنْ يُوَجِّهَ دَوْرَاتِ الْمِيَاهِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ.
رَابِعَاً: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَجْهَرُ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ فَيَقُولُ: نَوَيْتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ نَوَيْتُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ .
خَامِسَاً: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ هَدَاهُمُ اللهُ إِذَا غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ يَجْعَلُ لِكُلِّ عُضْوٍ دُعاَءً خَاصّاً، فَمَثَلاً: إِذَا غَسَلَ وَجَهْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي، وهكذا !
وَهَذَا كُلُهُ مِنَ الْبِدَعِ، لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ وَالْوُضُوءُ عِبَادَةٌ وَلَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةُ فِي دَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا الذِي وَرَدَ: قَوْلُ "بِسْمِ اللهِ" فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ، وقَوْلُ :"أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ, وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ" بَعْدَ الْانْتِهَاءِ مِنْهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مَعْرِفَةُ السُّنَّةِ وَالْالْتِزَامُ بِهَا .
سَادِسَاً: مِنَ الْمُخَالَفَاتِ: الْإِسْرَافُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ الطَّهَارَةِ سَوَاءٌ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ، فَتَجِدُ الإِنْسَانَ يَفْتَحُ حَنَفِيَّةَ الْمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ كَمِّيَّاتٍ كَبِيرَةٍ جِدَّاً تَكْفِي لِطَهَارَةِ عَشَرَةِ أَشْخَاصٍ أَوْ رُبَّمَا أَكْثَرْ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِشَرْعِ اللهِ -تَعَالَى- وَخِلَافُ هَدْيِ رَسُولِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ "(مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
سَابِعَاً: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يُبَلِّغُ مَاءَ الْوُضُوءِ إِلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَلا يُكْمِلُهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْغَسْلِ فَتَجِدُ بَعْضَ النَّاسِ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ – مَثَلاً - ثُمَّ لا يُوصِلُ الْمَاءَ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ وَاضِحَةٌ وَيُعَرِّضُ الْفَاعِلُ نَفْسَهُ لِعُقُوبَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْه) .
ثَامِنَاً: يَجْهَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ حُكْمَاً شَرْعِيَّاً جَاءَ دَلِيلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ الْاسْتِيقَاظِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوُضُوءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلاثاً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ: مَشْرُوعِيَّةُ الاسْتِنْثَارِ ثَلاثَاً عِنْدَ الْاسْتِيقَاظِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْه) .
فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَكَذَلِكَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ فَبَادِرْ إِلَى غَسْلِ كَفَّيْكَ ثَلاثَاً وَاسْتَنْثِرْ ثَلاثَاً قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَقَائِدِ الغُّرِّ الْمُحَجَّلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعدُ: فَقَدْ مَرَّ مَعَنَا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى ثَمَانِ مُخَالَفَاتٍ فِي الطَّهَارَةِ، وَنُعِيدُهَا بِاخْتِصَارٍ لِمْنْ لَمْ يَحْضِرِ الخُطْبَةَ الأُولَى، وهي: عَدَمُ إِحْسَانِ التَّطَهُّرِ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَالْوُقوعُ فِي الْوَسْوَاسِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ، وَتَوْجِيهُ الْمَرَاحِيضِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَالْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ، وَتَخْصِيصُ دُعَاءٍ لِكُلِّ عُضْوٍ أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ، وَالْإِسْرَافُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَأَنَّ الْمَاءَ لا يَبْلُغُ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَعَدَمُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ الاسْتِيقَاظِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَتَاسِعَاً: مِنَ الْمُخَالَفَاتِ اعْتِقَادُ بَعْضِ النَّاسِ بِوُجُوبِ غَسْلِ الْفَرْجِ قَبْلَ الْوُضُوءِ، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْفَرْجَ لا يُشْرَعُ غَسْلُهُ إِلَّا إِذَا قَضَى الْإِنْسَانُ حَاجَتَهُ سَوَاءٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَمْ لا، وَأَمَّا غَسْلُهُ عِنْدَ اْلَبدْءِ فِي الْوُضُوءِ فَلا دَاعِيَ لَهُ .
عَاشِرَاً: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَمْسَحُ رَقَبَتَهُ بَعَدَ مَا َيْمسَحُ رَأْسَهَ، وَهَذَا مِنَ الْبِدَعِ، لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَالْعِبَادَةُ تَوْقِيفِيَّةٌ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّلِيلِ، وَلا دَلِيلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ أَنَّ مَسْحَ الرَّقَبَةِ مِنَ الْوُضُوءِ .
الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يَغْسِلُ كَفَّيْهِ إِذَا وَصَلَ لِغَسْلِ الْيَدَيْنِ، وَيَبْدَأُ مِنْ بَعْدِ الْكَفِّ إِلَى الْمِرْفَقِ اعْتِقَادَاً مِنْهُ أَنَّ غَسْلَهُمَا فِي بِدَايَةِ الْوُضُوءِ يَكْفِي، وَلا شَكَّ أَنَّ وُضُوءَهُ هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَرَكَ جُزْءَاً يَجِبُ غَسْلُهُ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إِلَى الْمِرْفَقِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ بَعْضُ الْأَخْطَاءِ التِي يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا وَالانْتِبَاهُ لَهَا، وَعَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْمُوَفَّقُ أَنْ تَنْتَبِهَ لِمَنْ يَقَعُ فِي تِلْكَ الْأَخْطَاءِ وَتُنِبِّهَهُ، وَخاَصَّةً أَهْلَ بَيْتِكَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ، فَانْتَبِهْ لَهُمْ وَعَلِّمْهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6]، وَمِنْ وِقَايَتِهِمْ أَنْ تُعِلِّمَهُمُ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ وَتُحَذِّرَهُمْ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمسلِمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ اللَّهُمَّ أعطنا ولا تحرمنا اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .