البحث

عبارات مقترحة:

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الجار ما له وما عليه

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. تأكيد الإسلام على حق الجار .
  2. واجباتك لجيرانك .
  3. من صور الإحسان إلى الجيران .
  4. واجب جارك تجاهك .

اقتباس

خلال الأحداث الجارية سئمنا من عبارات الشؤم والتشاؤم، ومن الأخبار التي تنشر روح الهزيمة في وسائل التواصل، نعم لا أحد ينكر الأحوال السيئة التي يعيشها المسلمون من أهل السنة على الخصوص، لكننا لم نعهد من تربية ديننا التشاؤم، ولا عبارات اليأس والتشاؤم حتى في أحلك الظروف، بل العكس لا نجد إلا التفاؤل والرجاء وحسن الظن بالله ..

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن الله -سبحانه وتعالى- خلقنا في هذه الدنيا لعبادته، وكلفنا فيها بأداء عدداً من الحقوق، وجعل لنا مثلها من الواجبات، وإن من أعظم الحقوق التي كلفنا بها حق الجار على جاره.

هذا الحق العظيم الذي أكدّ الله -سبحانه وتعالى- عليه مرات كثيرة في كتابه الكريم، وأمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كثير من الأحاديث الصحيحة، وجعله من أجلّ الحقوق وأرفعها وأعظمها، نراه اليوم قد أُستهين به، وتغافل بعض الناس عنه وفرطوا فيه.

لا يخفى على أحد منا عناية الإسلام بالجار وحثه على الإحسان إليه، والأدب معه وإكرامه، والصبر على كل ما صدر عنه من خطأ وأذى، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثةٌ يُحبهُم الله .... وذكر منهم: والرجل يكونُ له الجارُ يؤذيه جارُهُ فيصبرُ على أذاهُ حتى يُفَرِّقَ بينهما موتٌ أو ظَعْنٌ" [صحيح الترغيب:2569].

عباد الله: يقول الله - سبحانه وتعالى -: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء:36]. لو تأملنا في هذه الآية لوجدنا أن الله -جل وعلا- قرن الأمر بحق الجار مع الأمر بحقه، فمثلما أمر بعبادته وحده وعدم الإشراك به أمر أيضاً بالإحسان إلى الجار.

بل فصّل في حق الجار تفصيلاً وافياً، فذكر الجار ذي القربى وهو الجار القريب الذي له حقان: حق الجوار وحق القرابة، والجار الجنب الذي ليس بينك وبينه قرابة، فيكون له حق واحد، وهو حق الجوار، والصاحب بالجنب وهو صاحبك الذي يكون إلى جوارك دائماً أوصاك به أيضاً.

لا نريد أن نطيل في توضيح الأمر بحق الجار والأدلة على الوصية به، فهي أدلة نسمعها دائماً، ونقرأها في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيراً، ولكن نريد أن نذكر ما هو الواجب علينا تجاه جيراننا؟ وما واجب جيراننا تجاهنا؟.

إن من أوجب الواجبات عليك تجاه جارك أن تحسن إليه بالقول والفعل، وتتجنب الإساءة إليه بأي نوع من أنواع الإساءة، فهذا ما أمرنا به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "وَأَحْسِنْ مُجَاوَرَةَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا" [المعجم الصغير للطبراني (1057)].

بل نفى الإيمان عمن لا يأمن جاره منه بوائقه وشروره، وجعل إكرام الجار لجاره علامة من علامات الإيمان، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ" [البخاري(6019) مسلم (47)].

وإكرام الجار والإحسان إليه يكون له صور عديدة وأنواع مختلفة، فمن ذلك أن تتعهده بالهدية بين الحين والآخر، فقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك أبا ذر -رضي الله عنه- فقال له: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ" [مسلم (2625)] ويوصي -عليه الصلاة والسلام- النساء بذلك فيقول لهن: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ" [البخاري (2566) مسلم (1030)]، والفرسن هو ظِلف الشاة وحافرها.

ومن صور الإحسان إليه: تفقده والسؤال عنه والاهتمام بشؤونه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ" [المعجم الكبير للطبراني (751)].

ومن صور الإحسان أيضاً أن تعاونه، سواء طلب منك ذلك أو أحسست أنه بحاجة إلى المعاونة ولو لم يطلب منك ذلك، خاصة إذا طلب منك شيئاً وفي مقدورك أن توفره له وتمده به.

فليس من الإحسان إلى الجيران أن تمنع عنهم أموراً بسيطة هم في حاجة لها، أو تتركهم لوحدهم في أمر عظيم يخصهم في جوانب أفراحهم وأتراحهم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ، قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاللهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ" [البخاري (1609) مسلم (2463)].

ومن حق الجار على جاره أن يصون عِرْضه، ويحافظ على شرفه، ويستر عورته، ويسد خلّته، ويغض البصر عن محارمه، ويبتعد عن كل ما يريبه ويُسئَ إليه. روى الطبراني عن أَبَي ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ قُال: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يُحَدِّثُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلَهُمْ عَنِ الزِّنَا فَقَالُوا: حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: "لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارَهِ" قَالَ: وَسَأَلَهُمْ عَنِ السَّرِقَةِ فَقَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: "لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ" [المعجم الكبير للطبراني (605)] [صحيح الجامع (5043)].

يقول الشاعر الجاهلي -مع أنه جاهلي عاش في زمن الجاهلية، إلا أنهم كانوا يقدّرون جيرانهم ويحفظون لهم حقهم، ولا يتعدون عليهم بأي نوع من أنواع التعدي، خاصة التعدي على الأعراض والشرف-:

وأغُضُّ طَرْفي ما بَدَتْ لي جارتي

حتى يُواري جَاَرتي مَأواها

ويقول الآخر:

ما ضرّ جـارِي إذ أجاوره

ألا يكـون لبيته سِتر

أعمى إذا ما جارتي خرجتْ

حتى يُواري جارتي الخِدر

أيها الناس: ومن حق الجار على جيرانه أن يساهم في حل مشكلاتهم، وقضاء مصالحهم، وتكميل حاجاتهم، فلو نزلت بهم كربة ساهم في تنفيس كربتهم، أو أصابتهم شدة اجتهد بما يستطيع في إخراجهم منها، وإذا نزل عندهم ضيف أو من يقّدرونه شاركهم في بره وإنزاله المقام الذي يليق به، وإذا لهم مصلحة في شيء حاول جلبها لهم حتى لا يرى جاره منه إلا خيراً، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَهْلِ أَبْيَاتِ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا، إِلَّا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى وَتَبَارَكَ-: قَدْ قَبِلْتُ قَوْلَكُمْ -أَوْ قَالَ: شَهَادَتَكُمْ- وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" [ أحمد (1398)].

ومن أعظم حقوقك عليه أن تعلمه العلم الشرعي، وتصحبه معك إلى المساجد ومجالس العلم والخير، فقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً ثم قال: "ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم؟ وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون؟ والله ليعلمن قومٌ جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتعظون أو لأعاجلنَّهم العقوبة" ثم نزل ... وفي آخر الحديث قال: ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ* كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة:78ـ79].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

عباد الله: كان الحديث في الخطبة الأولى عن حقك على جارك، لكن في المقابل ما هو حق جارك عليك؟ وهل يصح أن يقوم جارك بأداء حقوقه عليك ولا تقوم أنت بواجبك تجاهه؟.

إن من واجبك لجارك أن تحسن إليه، ولا تسيء الظن فيه، وأن تبادله الوفاء بالوفاء، والإحسان بالإحسان، وإذ أساء إليك فعليك أن تحلم عنه وتسامحه، وتغض الطرف عن هفوته ولا تضخمها.

ولعلنا جميعاً سمعنا بحديث المرأة التي كانت مقصرة في طاعاتها لكنها كانت محسنة إلى جيرانها فدخلت الجنة بسبب ذلك، يقول أَبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا، وَصِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلاَتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ، وَلاَ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ" [أحمد (9675)].

وهذا يتطلب منك أن لا تغتاب جارك، ولا تتكلم عليه بسوء في غيبته، ولا تسبه ولا تلعنه، ولا تكن سبباً في إيقاعه مع الآخرين وفتنته معهم بالنميمة، ولا تزعجه برفع الأصوات والصخب، سواء بالأصوات الصادرة عنك مباشرة، أو الصادرة من أجهزتك كأن ترفع صوت تلفازك حتى ينزعج منه.

ولا تفعل شيئاً فيه مضرة عليه، كأن تبني حول جداره وبيته شيئاً يضره، أو تقطع عنه الهواء النقي، أو تحجب عنه الشمس والأضواء بفعل شيء يتسبب في ذلك، أو تضع قمامتك قرب بيته، أو تضيق عليه مداخله أو مخارجه، أو تغلق بابك دونه، أو غيرها من الأشياء التي تكون سبباً في أذيته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ" [البخاري (5185) مسلم (47)].

ومن آكد الحقوق عليك تجاهه أن تسلم عليه إذا رأيته، وتزوره عند مرضه، وتسأل عن حاله خاصة إذا غاب، وتشيع جنازته إذا وارى الثرى.

وإذا احتاج لك في طلب إعانة أو قرض أو مساعدة؛ فلتلبي ذلك ما استطعت إليه سبيلاً، وإذا رغبت في الانتقال من البيت والخروج منه؛ فلتعلم أن أولى من تعرض عليهم بيع البيت أو تأجيره هم جيرانك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَأَرَادَ بَيْعَهَا، فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى جَارِهِ" [صحيح ابن ماجه (2493)].

فاستوصوا بجيرانكم خيراً -ياعباد الله- واحفظوا فيهم وصية رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- القائل: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" [البخاري (6014) مسلم (2625)].

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم الذي أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم وفقنا للإحسان إلى جيراننا والقيام بحقوقهم يارب العالمين.