التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | محمد ابراهيم السبر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله |
أيُّها المسلمون: إنَّ القلوبَ تَمَلُّ كما تَملُّ الأبدان، فبعدَ تعبٍ وجهدٍ وعناءٍ تَميل النُّفوس إلى التَّجديد والتَّنويع، وترنو إلى التَّرويح واللَّهو المُباح؛ دفعًا للكآبة، ورفعًا للسَّآمة؛ ليعود الطَّالب بعدَها إلى مقاعِدِ الدِّراسة بهمَّة وقَّادة، ويرجعَ الموظَّف إلى عمله بعزيمةٍ وثَّابة، ذلك أنَّ...
الخطبة الأولى:
أيُّها المسلمون: إنَّ القلوبَ تَمَلُّ كما تَملُّ الأبدان، فبعدَ تعبٍ وجهدٍ وعناءٍ تَميل النُّفوس إلى التَّجديد والتَّنويع، وترنو إلى التَّرويح واللَّهو المُباح؛ دفعًا للكآبة، ورفعًا للسَّآمة؛ ليعود الطَّالب بعدَها إلى مقاعِدِ الدِّراسة بهمَّة وقَّادة، ويرجعَ الموظَّف إلى عمله بعزيمةٍ وثَّابة، ذلك أنَّ القلوبَ إذا سئِمَتْ عمِيَت.
والإجازة -يرْعاكم الله- تَجديدٌ للنشاط، وإذكاءٌ لِلحركة، وصفاءٌ للأذْهان، وترويضٌ للأجْسام، وتعليلٌ لَها؛ حتَّى لا تُصابَ بالخُمول والرُّكود، فيصبح جسمًا هامدًا وعقْلاً غائبًا.
عَن عَوْنِ بْنِ أَبي جُحَيْفَةَ عَن أبيهِ قال: "آخى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَينَ سَلمَانَ وأبي الدَّرْداءِ، فَزَارَ سَلمَانُ أبَا الدَّرْدَاءِ، فرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فقَال لهَا: ما شَأْنُكِ؟
قالتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ له حَاجَةٌ في الدُّنْيَا، فجَاءَ أبُو الدَّرْدَاءِ، فصَنَعَ له طَعامًا، فقَالَ: كُلْ، قالَ: فَإنِّي صَائِمٌ، قَالَ: ما أَنَا بآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قالَ: فَأَكَلَ، فلَمَّا كانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ فنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ من آخِرِ اللَّيْلِ، قالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: "إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ".
فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "صَدَقَ سَلْمَانُ"[رواه البُخاري].
هنا يُبِينُ الإسلام عن مراعاةٍ لِحاجات الإنسان النفسيَّة، ومتطلَّباته الروحيَّة.
الإسلام دين السَّماحة واليُسْر، يُساير فطرة الإنسان وحاجاتِه، فحين شاهدَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الحبشةَ يَلعبون، قال: "لتعلم يهودُ أنَّ في دينِنا فسحةً، إنِّي أُرْسِلتُ بِحنيفيَّة سَمْحة"[رواه أحمد].
فبعضُ النَّاس لا يرى في الحياة إلا الجِدَّ المرْهِق، والعملَ المُتواصِل، وآخرون يَرَوْنَها فرصةً للمُتْعة المطلقة والشهوة المتحرِّرة، وتأتي النُّصوص الشرعية فيْصلاً لا يُشَقُّ له غبار، فيشعر بعدها هؤلاءِ وهؤلاءِ أنَّ هذا الدِّين وسطٌ، وأنَّ التَّوازُن في حياة المسلم مَطلبٌ؛ قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)..الآية [القصص: 77].
نعم -يا عبادَ الله- إنَّها الموازنة المطلوبة بيْن سائرِ الحقوق والواجبات، فها هُوَ الإسلام يُراعي الإنسانَ: عقْلاً له تفكيره، وجسمًا له مطالبه، ونفسًا لها أشواقُها.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتخوَّلُنا بالموعظة في الأيَّام؛ كراهةَ السَّآمة عليْنا"[رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية: "كان يتخوَّلُنا أن نتحوَّل من حالةٍ إلى حالة".
لأنَّ السَّآمة والمللَ يُفْضِيان إلى النُّفور والضَّجر، يقول علي بنُ أبي طالب -رضي الله عنه-: "إنَّ القُلوب تَمل كما تَمل الأبدان، فابتغُوا لها طرائفَ الحِكم".
ويقول أيضًا: "روِّحوا القُلوبَ ساعةً بعد ساعة، فإنَّ القلب إذا أُكْرِه عمِي".
ويقول أبو الدَّرداء -رضي الله عنه-: "إني لأستجمُّ قلبي باللَّهْو المُباح ليكونَ أقوى لي على الحقِّ".
وقال عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-: "تَحدَّثوا بكتاب الله، وتَجالسوا عليه، وإذا ملِلْتم فحديثٌ من أحاديث الرجال".
وهذا إمامُهم وقدوتُهم مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا حنظلةُ، ساعةٌ وساعة"[رواه مسلم].
وهذا ربُّهم وربُّنا -سبحانه وتعالى- يقولُ: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ).. الآية [الأعراف: 32].
وبعد قِراءة أحوالِهم، واستِقْراء سِيَرهم، يُحدِّدُ لنا سلفُ الأمَّة ضوابطَ اللَّهو المُباح والتَّرويح، هاهم يروِّحون عن أنفُسِهم، فلا يتجاوزُ أحدُهم حدودَ الشَّرع المطهَّر، بعيدًا عن المحرَّمات أو المكروهات، لم يكن ترويحُهم هدفًا لذاتِه، بل كان وسيلةً لتجْديد الهمَّة مع تصحيح النيَّة لعملٍ أفضل، وإنتاجٍ أكمل؛ لذا لم يكُنْ ترويحُهم لمجرَّد تزجية الأوقات وتضيِيعها، وإمضاء السَّاعات دون مَرْدودٍ يقوِّي الجسم، وينمِّي العقل.
كان الصحابة يروِّحون عن أنفُسِهم بالمرح والمِزاح والتسلية، ولا يقصرون في شيءٍ من حقِّ الله -تعالى-، وإذا جَدَّ الجِدُّ كانوا هم الرِّجال، كما ثبت من فِعْلهم أنَّهم كانوا يتبارَحُون -أي يترامَوْن- بالبطيخ، فإذا جَدَّ الجِدُّ كانوا هم الرِّجال.
وكما قال الأوزاعيُّ عن بلال بن سعد -رحمهما الله-: "أدركتُ أقوامًا يشتدُّون بين الأغراض يضحك بعضُهم إلى بعضٍ، فإذا كان اللَّيل كانوا رهبانًا".
وهكذا كانوا رضي الله عنهم؛ كما قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فرسانًا بالنَّهار رهبانًا باللَّيل".
وقال عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-: "كان القَوم يضحكون والإيمان في قلُوبهم أرْسى من الجبال".
ترويحُهم وضحِكُهم وسَمرهم وسفرُهم وترفيهُهم؛ لا يُضْعِف إيمانَهم، ولا يُفْسِد أخلاقهم، لا يتعدَّى وقتُ الترويح على أوقاتِ الصلاة وذكْرِ الله، وصلة الرَّحِم وقراءة القُرآن، أولئك هم الرِّجال: (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)[النور: 37].
كانوا يروِّحون عن أنفُسِهم بعيدًا عن سهرٍ في ليْلٍ طويل، وسمَرٍ فارغ هَزيل، يُخلُّ بِحقوقٍ كثيرة، ومنها: حقُّ الجسم، وحقُّ الأهل، وفوق ذلك حقُّ الله –تعال وتبارك-.
إذا قرأْنا سِيَرهم وتاريخهم نرى عدَم الإفراط في استهلاك المباح؛ لعلمهم بأنَّ المهمَّة الكبرى للإنسان هي عبادةُ الله؛ ولأنَّ الوقت ثَمينٌ، ومن منهج الإسلامِ عدَمُ الإفْراط في كلِّ شيءٍ، حتَّى ولو كان في الصَّوم والصَّلاة والجِهاد، فكيف باللَّهو والتَّرويح، كلُّ ذلك حتى لا تُضيَّع الحقوق الأخرى، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم لأحدِ الصَّحابة -رضي الله عنه-: "صُم وأفطِرْ، وقُم ونَم، فإنَّ لجسدِكَ عليْك حقًّا، وإنَّ لعيْنِك عليْك حقًّا، وإنَّ لزوْجِك عليْكَ حقًّا، وإنَّ لزَوْرِك عليْك حقًّا"[رواه البخاري].
الصيد -كما تعلمونَ- مباحٌ في الأصل، وقد يُفرِط فيه البعْضُ فيهدر أوقاتَه، ويهلك أيامَّه، يتتبَّعُه من مكانٍ إلى مكان، مطاردًا باحثًا ولاهثًا غافلاً، هنا نَهى الإسلامُ عن هذا الإفْراط؛ حفاظًا على وقْت المسلم الغالي؛ ليكونَ في طاعة مديدة ومتوازنة لأداء حقوقٍ كثيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَن بدا جفا ومنِ اتَّبع الصَّيدَ غفل"[رواه أحمد].
هذا فيمَنْ يفرِّط في اللَّهو المباح، فكيف بمَن يفرِّط ويصْرِف أوقاتَه الثمينةَ، وساعاتِ عُمُرِه في أنماطٍ ترويحيًّة مُحرَّمة، ينتهكُ مَحارم الله، ويتجاوز مناهيَه؟! كيف بمن يقدِّم حضورَ حفلٍ أو وليمةٍ أو فرحٍ أو مباراةٍ على فريضة من فرائضِ الله؟! كيف بمَن يلهو ويمزَح ويضْحَك ويَمرح بالسخْرية من أحكام الله، أو الاستهزاء بعباد الله؟ يتهكَّم بأعراضِهم ويسخَر من أحوالِهم! سهرٌ وعبثٌ ونومٌ عن صلاةِ الفَجْرِ أو الظهر والعَصر، هكذا يقضي بعضُهم الإجازة.
أليس هذا نكرانًا لنِعم الله؟ وجريمةً تنذِر بالشُّؤْم وتُوجب سخط الإله؟
كان رسول الله يُداعِب أصحابَه حتى تعجَّب الصَّحابة من مُداعبته لهم، وقالوا: يا رسول الله، إنَّك تُداعِبُنا؟ قال: "إنِّي لا أقول إلا حقًّا"[رواه الترمذي].
عباد الله: الإجازة نعمةٌ، وقد تكون نِقْمةً إذا لم تُسْتَثْمر في تَرويحٍ مُباح، ولَهوٍ بريء، وعملٍ مفيد يستغرِق الصَّباح والمساء؛ فإنَّ هذا الفراغَ الرَّهيب يُعَدُّ مشكلةً تُقْلِقُ كلَّ أبٍ لبيب، وهل فسادُ الأبناءِ إلا من الفراغ.
لَقَدْ هَاجَ الفَرَاغُ عَلَيْهِ شُغْلاً | وَأَسْبَابُ البَلاءِ مِنَ الفَرَاغِ |
فهُو كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: "إذا لم تشغلْ نفسَك بالحقِّ شغلَتْك بالباطِل".
فكم سهرةٍ عابرة أسقطتْ فتًى في أتونِ المُسْكِرات والمخدِّرات، وجلسةٍ عاصفةٍ وقع البريءُ فيها في المُهْلِكات.
الفراغُ جُرثومةُ فسادٍ، تَنتِشر وتَستفْحِل في مُجتمعات الشَّباب، فتحطِّم الجسد، وتقتل الرُّوح، الفراغ لصٌّ خابث، وقاطعٌ عابث، وسارق خارب، أفسد أناسًا ودمَّر قلوبًا، وسبَّب ضياعًا، وقد نبَّه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى غفلة الكثير عمَّا وُهِبُوا من نعمةِ الوقْت والعافية، فقال: "نِعمتانِ مغبونٌ فيهِما كثيرٌ من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ"[رواه البخاري من حديث ابن عبَّاس].
قال ابنُ بطَّال: "قوله: كثير من النَّاس؛ أي أنَّ الذي يوفَّق لذلك قليل" ا. هـ.
الخطبة الثانية:
أخي المسلم: إنَّ الإجازة جزءٌ من عمرِك وحياتك، تُرْصَد فيها الأعمال وتُسجَّل الأقوال، واعلَمْ أنَّك موقوفٌ لِلحساب، بين يدَيْ ذي العزَّة والجلال، فإنَّ الدُّنيا دارُ اختِبار وبلاء، قال صلى الله عليه وسلم: "لن تزولَ قدما عبدٍ يوم القيامةِ حتَّى يسألَ عن أربع: عن عمرِه فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبَه، وفيما أنفقه".
واستِشْعار ذلك -عبادَ الله- يجعل للحياة قيمةً أعلى، ومعانيَ أسمى من أن يَحْصُر المرءُ همَّه في دُنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ يَنكِحُها، أو منصبٍ يَطْلُبه، أو رفاهية يَنْشُدها، أو مالٍ يَجمعُه، حتَّى إذا انتهى راح يطلُب المغريات الكاذبة.
كلاَّ، ليس الأمر كذلِك، فالله -عز وجل- يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
ويقول سبحانه: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115].
عبادَ الله: إنَّ من الأمور التي تُساهِم وتُساعد على استِثْمار الإجازة:
- العناية بالقُرآن الكريم، والاشتِغال به حفظًا وتلاوةً، وتعلُّمًا وتعليمًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم مَن تعلَّم القُرآن وعلَّمه".
فيا أخي المُسْلم: إذا أخذت قسْطَك من النَّوم والرَّاحة، وتنعَّمت بأنواع الطَّعام، وحقَّقتَ شيئًا منَ السَّعادة، فلا تنسَ غِذاءَ قلبِك بقراءة القُرآن؛ طلبًا للحُسنى وزيادة، لا تبخلْ على كتاب الله بساعةٍ من أربعٍ وعشرين ساعة.
- والسَّفر إلى بيت الله الحرام لأداء العُمرة، وزيارة مسجِد رسولِ الله -عليه الصلاة والسلام-، قال صلى الله عليه وسلم: "صلاةٌ في مسجدي أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سِواه إلا المسجدَ الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائةِ ألف صلاةٍ فيما سواه"[رواه أحمد وابن ماجة، وصحَّحه الألباني].
- وكذلك السَّفر في برِّ الوالديْن، وصلة الأرحام، وزيارة العُلماء والصالحين في الله -تعالى-، وعيادة المرضَى، وإجابة دعَوات الأفراح والمُناسبات التي ليس فيها مُنْكرات؛ قال صلى الله عليه وسلم: "مَن لم يُجِبِ الدَّعوة فقد عصى أبا القاسِم".
- وكذلك السَّفر لأجل الدَّعْوة إلى الله على علمٍ وهدىً وبصيرة؛ قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ)[فصلت: 33].
وقال صلى الله عليه وسلم: "فوالله لأنْ يَهديَ الله بكَ رجُلاً خيرٌ لك من حُمر النَّعم".
- ومن الأمور المُعِينة على استِغْلال الإجازة وشغْل الفراغ، وهذا نوصي به النَّاس بعامَّة والشَّباب بخاصَّة: طلبُ العلم وتَحصيله، والسَّفر لأجله؛ قال صلى الله عليه وسلم: "ومَن سلك طريقًا يلتمِسُ فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنَّة"[رواه مُسلم].
ولقد كان السَّلف يَرحلون في طلَبِ العلم والمعرفة؛ فهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "لو أعلَمُ مكانَ أحدٍ أعلمَ منِّي بكتاب الله تنالُه المطايا لأتيته".
وقال البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: "رحل جابرُ بن عبدالله مسيرةَ شهرٍ إلى عبد الله بن أُنَيْس في حديث واحد" ا. هـ.
وقال الشَّعبي -رحمه الله-: "لو سافر رجُلٌ من الشَّام إلى أقصى اليَمن في سبيل كلِمةٍ تدلُّه على هدى أو تردُّه عن ردًى، ما كان سفرُه ضائعًا" ا. هـ.
- ويُحمَد لهذه البلاد المُباركة المعطاءة، ما وفَّرتْه من محاضنَ تربويَّة، وبرامجَ نافعةٍ للشَّباب المسْلِم، من حِلَقٍ ومدارسَ لتحفيظ القُرآن الكريم، وها هي المراكز والنَّوادي الصَّيفيَّة تأْتِي لتَحْفظ فلذات الأكباد من الضَّياع، ولتملأ الفراغَ، وتُحرِّك الطَّاقات، وتستَثْمِر القُدُرات... إلخ، فهي فرصة لإلحاق البناتِ والشَّباب بها.
- ومن البدائل المُتاحة والمتيسِّرة -بِحمد الله-: السياحة النقيَّة والنزهة البريئة، إلى ربوع البلاد الإسلاميَّة المُحافِظة، التي تنعى أبناءَها الذين هجروها، ويُمكن للمُسْلم أن يَجمع بيْن الرَّاحة والعبادة فيزور مكَّة، ويذهب للطَّائف، ومن ثَمَّ إلى جدَّة.
ختامًا: نريدُها إجازةً في طاعة الله، ليس فيها امرأة تتبرَّج، أو شهوةٌ تتهيَّج، أو نزعة إلى الشَّرِّ تتأجَّج، إجازة على ما يُرْضِي الله لا على ما يُسْخِطه، إجازة تَبني الجِسْمَ وتغذِّي العقل، وتروِّح عن النَّفس،، والله من وراء القصْد.
اللَّهمَّ أصلِح الرَّاعي والرعيَّة، والأمَّة الإسلامية.
اللَّهمَّ آمنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِح الأئمَّة وولاةَ الأمور، واعصِمْنا من الفتن والشرور، وانصُرْ عِبادَك المجاهدين في الثُّغور، يا عزيز يا غفور.
اللهُمَّ انصُر دينَك وكتابَك وسنَّة نبيِّك، وعبادَك المجاهدين الموحِّدين.