البحث

عبارات مقترحة:

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

العيد في الإسلام ووحدة الأمة - خطبة عيد الأضحى لعام 1430هـ

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. حكم عيد الأضحى .
  2. دعاوى الإيرانيين الكاذبة .
  3. من أحكام الأضحية .

اقتباس

إن مما لا ينقضي منه العجب أن نرى من يملأ الدنيا ضجيجا بدعاوى الحرص على وحدة الأمة والحفاظ على مصالحها ورعاية حقوق الأخوة الإسلامية والسعي إلى التقريب بين المذاهب.. وغير ذلك مما نسمعه ونقرأه، لكننا لا نرى في أرض الواقع ما يصدِّق هذه الأقوال بالأفعال، بل نرى العكس من ذلك متجلياً في بيانات وتصريحات تدعو إلى كل ما يناقض هذه الدعاوى ويكذب هذا الحرص ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي منَّ على المسلمين بهذا العيد المبارك رحمةً منه وفضلا وجعله يوماً من أعظم أيام الإسلام.. أحمده -سبحانه- الملك القدوس السلام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله خير من حج واعتمر ووقف بعرفة وذكر الله كثيرا في هذه الأيام المباركة العظام.. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا دائمين ما تعاقبت الليالي والأيام.

الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واذكروه بالغدو والآصال، واحمدوه على عظيم فضله وكريم إنعامه.

أيها المسلمون: لقد أظلكم مع إشراقة شمس هذا اليوم عيد الإسلام الأكبر بعد ما مَنَّ الله عليكم يوم أمس بالوقوف على صعيد عرفات داعين ملبين مبتغين الوسيلة إلى ربكم بكل ما يطيب ويزكو من الأقوال وكل ما يُسن ويُشرع من الأعمال.. راجين رحمته خائفين عقابه طامعين في رضوانه ونزول رفيع جنانه.. سائلين لحجكم ولسائر أعمالكم القبول، ومستبشرين بعزٍّ ونصرٍ وتمكينٍ في الأرض لأمتكم، ورفعة قدر وعلو شأن لدينكم وشريعتكم.

وإن هذه الإطلالة الجميلة لهذا العيد لتحدوا أولي الألباب على تذكر أن حكمة الله اقتضت أن يأتي عيد الإسلام عقب الفراغ من فريضة فرضها الله على عباده؛ ليكون العيد جائزةً ربانية ومنحةً إلهية يحظى بها مَن استجاب لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم- فأحسن الاستجابة وأطاع الله وأطاع الرسول أتم طاعة.. فإذا كان عيد الفطر قد أتى بعد إكمال صيام رمضان فإن عيد الأضحى يأتي عقب فراغ حجاج بيت الله من أداء ركن الحج الأعظم (الوقوف بعرفة) الذي لا يصح حجٌّ بدونه ويفوت الحج بفواته؛ ليكون كل عيد منهما بمثابة استراحة قصيرة ووقفة يسيرة تترفه بها الأبدان بعد رحلةٍ طويلةٍ مضنية أدركها فيها الكلل والنصب، ثم تبتدئ مرحلة أخرى من مراحل سير العابدين وكدحهم إلى ربهم المستغرق كل أشواط الحياة.. وهذا يدل على أن العيد في الإسلام ليس تعظيما لشخص مهما علا قدره ولمع نجمه وعظم شأنه.. وليس أيضا تعظيمًا لمناسبةٍ مهما كان وزنها وحسن أثرها، وإنما هو تعظيمٌ لله الواحد الأحد الفرد الصمد واستجابةٌ لأمره والتزامٌ بشرعه.. يتجلى في الترويح عن النفس بألوان المباحات الطيبات التي يتم بها سرور المسلم وإمتاعه وأنسه دون خروجٍ على أوامر الله وبغير تعدٍّ لحدوده..

ويتجلى أيضا في اقتران العيد بهذه العبادة العظيمة (عبادة التكبير).. الذي يتعين معه -أي مع التكبير- الذي يتعين معه على كل مسلم أن يتفتح وعيه لإدراك ضرورة الإذعان لأمر الله ونهيه في كل شأن من شئونه وإلى ضرورة الخضوع له -سبحانه- والتسليم لحكمه، وذلك مستلزمٌ القيام بحقوق الله على العباد بتجريد توحيده -عز وجل- في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته باستيقان أنه لا معبود بحقٍّ إلا الله، وأن كل ما يعبد من دونه آلهةٌ باطلة لا تستحق أن يُصرف لها شيءٌ من أنواع العبادة دعاءً أو رجاءً أو خوفًا أو محبةً أو نذرًا أو توسلًا أو ذبحًا أو خضوعًا أو خشوعا.. وصرف شيءٍ من هذه الأنواع إلى غيره - سبحانه- ظلمٌ عظيم وإثمٌ كبير.. كفى به أنه الذنب الذي لا يغفره الله أبدا كما قال -سبحانه-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) [النساء:48]؛ لأنه انتقاصٌ للربّ -تعالى- بصرف حقه -سبحانه- إلى غيره؛ ولذا كان من تلوث بأرجاس الشرك كمن هوى من القمة التي رفعه الله إليها بتوحيده إلى أسفل دركات الحضيض؛ كما قال -سبحانه-: (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج:31]، وكان بذلك مستحقا الحرمان من الجنة ودخول النار كما قال -عز من قائل-: (إنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [ المائدة:27].

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: إن إطلالة هذا العيد المبارك على حجاج بيت الله الحرام في هذا الصباح وهم يطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروة ويتحللون من إحرامهم.. فيحلقون أو يقصرون بعد أن رموا جمرة العقبة ونحروا هديهم وأضاحيهم لتحدوا بما تصوره من اتحادٍ في المكان وفي الزمان؛ لتحدوا على تذكر أن هذه الأمة أمةٌ واحدة، وهي حقيقة بيَّنها القرآن أوضح بيان في قوله -عز اسمه-: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، وهي نعمة من الله بها تستوجب شكرها بالحفاظ عليها والحذر ممن يقوضها أو يعكر صفوها أو يوهن عراها، ولا يكون ذلك إلا بالاعتصام بحبل الله الذي أمر الله ونبذ التفرق الذي نهى -سبحانه- عنه بقوله: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:138].

ولأن الاستمساك بكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- والاجتماع حولهما يضمن أقوى أساس للوحدة فليس من الممكن اجتماع الأمة على شيءٍ لا وجود له، وليس من المقبول اجتماعهما على باطل.. وهل غير القرآن والسنة من دستورٍ تلتقي عنده القلوب وتطمئن إليه النفوس وتنشرح به الصدور وتتحقق به المصالح؛ ولأن التفرق سببٌ للتنازع المفضي إلى الفشل وذهاب الريح، وكل أولئك من عوامل تقويض هذه الوحدة وجحود النعمة؛ ولذا جاء النهي عنه والتنفير منه في قول الله -تعالى-: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...) [الأنفال:46]

وإن من أظهر السلامة من ذلك: بذل كل الجهود لنبذ كل دعوة للفرقة بين أبناء الأمة وعدم الإصغاء إلى الدعاة إليها الناعقين بها الساعين إلى تأجيج الفتنة في صفوف المسلمين استنادا إلى مذاهب وفرق تناصب الحق العداء وتكيد لأهله وتتربص بهم الدوائر: (.... قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ...) [آل عمران:118].. ثم باستباحة الحرمات وإظهار الخفيات مما تكنه الصدور من ضغائن وما تضطرم به النفوس من أحقاد بالانتقال إلى العدوان السافر.. الذي تتجلى أوضح صوره هذه الأيام في تسلل هؤلاء المتسللين إلى حدود البلاد الجنوبية بسلاحهم وعتادهم لمآرب وأغراض جلية تشهد عليها أعمالهم وأقوالهم وتفصح عنها تحركاتهم واعتداءاتهم التي تم -بفضل الله- دحرها ورُد مقترفوها على أعقابهم خائبين.. فالحمد لله كثيراً على ذلك، ونسأل الله لولي أمرنا ولأخوانه وأعوانه وجنده النصر والتأييد والتثبيت، وأن يكتب أجر الشهادة لمن قُتِل والشفاء لمن جُرِح، وأن يحفظ هذه البلاد المباركة وسائر بلاد المسلمين من كيد الكائدين وعدوان المعتدين.. آمين آمين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: إن مما لا ينقضي منه العجب أن نرى من يملأ الدنيا ضجيجا بدعاوى الحرص على وحدة الأمة والحفاظ على مصالحها ورعاية حقوق الأخوة الإسلامية والسعي إلى التقريب بين المذاهب.. وغير ذلك مما نسمعه ونقرأه، لكننا لا نرى في أرض الواقع ما يصدِّق هذه الأقوال بالأفعال، بل نرى العكس من ذلك متجلياً في بيانات وتصريحات تدعو إلى كل ما يناقض هذه الدعاوى ويكذب هذا الحرص ويجهز على المساعي ويقضي عليها بالفشل؛ فأين دعاوى الحرص على الوحدة والرغبة في رعاية حقوق الأخوة؟ وما مبلغ صدق مدعيها حين يعمل على تحويل هذه الفريضة العظيمة المباركة -فريضة الحج- عن مسارها وصفتها الصحيحة المبينة بتفصيلٍ دقيقٍ في كتاب ربنا وسنة نبينا -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام- إلى أمور مبتدعةٍ لا أصل لها في شريعتنا ولا قائل بها من أئمتنا ومن أهل الصدق والصيانة والورع والورع والحكمة وسعة العلم من أعلام علمائنا..

ثم إننا لم نرَ من هذه الأمور والأعمال خيرًا تنتفع به الأمة أو تتحقق به مصالحها أو يكبت أعداؤها، بل رأينا منها شرًّا ونكرا وفسادًا عريضًا تجاوز الرفث والفسوق والجدال الذي نهى الله -تعالى- حجاج بيته عنه وحذرهم منه في قوله -عز اسمه-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة:197].. تجاوز هذا إلى محاولة الإخلال بأمن الحج وتعكير صفوه بالسعي إلى نقل الصراعات والانقسامات الداخلية الواقعة في بعض البلاد لتجد لها مكانًا عند بيت الله وفي أكناف حرمه، أفيرضى بهذا عقلاء الأمة وحكماؤها وعلماؤها وقادة الرأي وأهل الحل والعقد فيها؟

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: إن الذي لا يرتاب فيه عاقل أن اشتغال حجاج بيت الله الحرام كافة بما ينفعهم وما يكون به صلاحهم وفلاحهم في العاجلة والآجلة بكمال الحرص على أداء مناسكهم وفْق ما أمر الله وسنَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإعراض عما عساه فإنه والله الزبد الذي قال الله فيه: (... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد:17]؛ فعليكم -أيها المسلمون- بما ينفع ويمكث في الأرض فيبقى أثره ولا تنقطع بركته، وحذار من إضاعة العمر في الاستجابة لداعي الهوى وخداع النفس وتسويل الشيطان، وأدُّوا مناسككم شاكرين لله - تعالى - على ما مَنَّ به عليكم من أدائها في ظلالٍ من الأمن الوار وغطاءٍ من الخدمات الجليلة السخية التي وفق الله ولاة أمرنا إلى توفيرها والإشراف الدائم على القيان بها احتسابا منهم لحسن المثوبة وكريم الجزاء الذي نسأل الله أن يكتب لهم أوفى النصيب وأجزله بمنه وكرمه إنه أكرم مسئول.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله اكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: اذكروا في يومكم هذا وصية نبيكم -صلوات الله وسلامه عليه- التي أوصى بها الأمة في هذا اليوم المبارك العظيم حين خطب فقال: "يا أيها الناس اتقوا ربكم -وفي رواية: اعبدوا ربكم- وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم" أخرجه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:27-28].

نفعني الهو وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-..

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار.. أحمده -سبحانه- الواحد العزيز الغفار، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله إمام المتقين وقدوة الأبرار، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا دائمين ما تعاقب الليل والنهار.

الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: ولتكن أيام هذا العيد موسما للإحسان بكل طرقه واعلموا أنكم في يومٍ هو أعظم الأيام عند الله كما أخبر بذلك نبيكم -صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بإسنادٍ صحيح.. وإن خير ما يتقرب به المسلم إلى الله -تعالى- في هذا اليوم إراقة دم الأضاحي إحياءً لسنة أبيكم إبراهيم حين ابتلاه ربه فأمره بذبح ابنه وفلذة كبده ليسلم القلب لله ويخلص العبادة له فامتثل أمر مولاه مسارعا إلى إنفاذه، فلما امتثل الوالد واستسلم الولد أدركتهما رحمة أرحم الراحمين: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات:106-107]

فأحيا النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه السنة المباركة وعظمها، وأهدى في حجة الوداع مائة بدنه وضحى في المدينة بكبشين أقرنين أملحين؛ فابتدروا أيها المسلمون إلى الاقتداء بسنة نبيكم -صلوات الله وسلامه عليه- أملا في بلوغ رضوان ربكم وإسعاد إخوانكم.. فإن للعيد -كما قال بعض أهل العلم-"رسالة اجتماعية يؤديها إلى جانب كونها مناسبة إسعاد وبهجة، فالعلاقات الاجتماعية في هذا اليوم علاقة ودٍّ وحبٍّ وصفاء.. علاقات سخاءٍ نفسي ومادي يتمثل في توزيع قدر محدود من الأضحية على الأحباب من الفقراء والأقارب وعلاقة رضا نفسي ومادي لدى الآخذين.. وتلك الحالة من التواصل الاجتماعي المحمود تضفي على العيد معنى اجتماعي وتمنحه طاقة من الحيوية مصدرها التضحية الكريمة في يوم شاء الله له أن يكون كريما".. انتهى.

وأكثر أهل العلم على استحباب الأضحية وتأكدها، وأوجبها بعضهم عند اليسار -أي الغنى- وأفضل الأضاحي أكرمها وأسمنها وأغلاها ثمنا، وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته والبدنة والبقرة عن سبع شياه، ويجزئ من الضأن ما تم له ستة أشهر ومن الماعز ما تم له سنة ومن البقر ما تم له سنتان ومن الإبل ما تم له خمس سنين، ولا تجزئ العوراء البين عورها ولا العرجاء البين ضلعها ولا المريضة البين مرضها ولا الهزيلة التي لا تنقي ولا العضباء التي قطع أكثر أذنها أو قرنها، وتنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى.. يطعنها في وهدتها قائلا: بسم الله.. الله أكبر.. اللهم هذا منك ولك، ويستحب أن يلي هذا بنفسه أو يحضر الذبح والنحر، وأن يتلفظ بالنية قائلا: اللهم هذا عن فلان.. وتذبح البقر والغنم على جنبها الأيسر.

والسنة أن تقسم الأضاحي ثلاثا؛ فثلثٌ يجعله المضحي لأهله وثلثٌ يهديه وثلثٌ يتصدق به.. رُوي ذلك عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.

ويبدأ وقت الذبح بعد طلوع الشمس من يوم العيد وينتهي بنهاية آخر أيام التشريق لما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي بردة - رضي الله عنه - أنه قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: "من صلى صلاتنا ووجه قبلتنا ونسك نسكنا فلا يذبح حتى يصلي"، ولما أخرجه مسلم أيضا في صحيحه عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا.. ومن ذبح قبل فإنما هو لحمٌ قدمه لأهله ليس من النسك في شيء".

فاتقوا الله -عباد الله-: وأحيوا سنن رسول الله تحظوا برضوان الله..واذكروا على الدوام أن الله أمركم بالصلاة والسلام على خاتم رسل الله محمد بن عبد الله فقال -سبحانه- في الكتاب المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما) [الأحزاب:56].. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك ياخير من تجاوز وعفا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين، وألف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيئ له البطانة الصالحة، ووفقه لما تحب وترضى ياسميع الدعاء، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد يامن إليه المرجع يوم التناد.

اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً لكل خير سالمةً من كل شر وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين.. اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا يارب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا يارب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.. اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يارب العالمين.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر.

اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا.. اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وعملاً صالحًا متقبلاَ يارب العالمين، اللهم اكتب السلامة للحجاج أجمعين يارب العالمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.. اللهم اكتب الأجر والثواب لمن قام على خدمة حجاج بيت الله الحرام وتوسعة الحرمين الشريفين وبذل في ذلك سخاء وعطاء يارب العالمين.. اللهم اكتب له أعظم الأجر وأجزله وأكمله.. بنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد