الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الحكمة وتعليل أفعال الله |
كل مؤمن تقي، فهو ولّي لله بحسب إيمانه وتقواه، وكل كافر فهو عدو الله. والمؤمن العاصي يجتمع فيه الأمران، فهو وليّ لله بحسب ما فيه من الإيمان. وعدو لله بحسب ما فيه من العصيان، فليس الولي معصوماً من الخطأ، كما ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، أنزل على عبده الكتاب والحكمة، وجعل في اتباعه الهدى والرحمة. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له،ـ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومَن سار على نهجه.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أُوتي القرآن العظيم، وأُوتي مثله معه، ومما أُوتيه: الأحاديث القدسيّة التي يرويها عن ربه -تعالى-، ومنها ما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- قال: مَن عادى لي وليّاً فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليّ عبدي بشيء أحبَّ إليّ ممّا افترضتُه عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَهُ التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّهُ، ولئن استعاذني لأُعيذَنَّهُ".
الوَلاية، بفتح الواو، المحبة، وضدها العداوة.
والولّي: ضد العدو.
وأولياء الله، هم المؤمنون المتقون، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 62 - 63].
فكل مؤمن تقي، فهو ولّي لله بحسب إيمانه وتقواه، وكل كافر فهو عدو الله.
والمؤمن العاصي يجتمع فيه الأمران، فهو وليّ لله بحسب ما فيه من الإيمان.
وعدو لله بحسب ما فيه من العصيان، فليس الولي معصوماً من الخطأ كما يزعم بعض الغلاة فيمن يسمّونهم أولياء، وليس لهم تصرف في الكون، ولا قدرة على جلب النفع، ودفع الضرّ، وشفاء المرضى، وتفريج الكربات، كما يزعم كثير من الخرافيين الذين يتعلقون بالأولياء، ويعبدونهم من دون الله، ويستغيثون بهم في الملمّات، ويطلبون منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، ويتبرّكون بتربتهم وأضرحتهم، وينذرون لهم، ويذبحون لهم القرابين، كما كان المشركون في الجاهلية، وينذرون لهم، ويذبحون لهم القرابين، كما كان المشركون في الجاهلية يفعلون ذلك، كما قال الله -تعالى- عنهم: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) [يونس: 18].
وقال تعالى عنهم: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر: 3].
وغير ذلك من الآيات.
وليس كلُّ مَن ادّعيت له الولاية يكون وليَّاً، إنما الولُّي مَن كان مؤمناً تقياً، وهو فقير محتاج إلى ربه لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً.
وأولياء الله تجِبُ محبتهم، واحترامهم، بدون غلو فيهم، وإفراط في حقّهم، وذلك بأن يطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله، وتحرُم عداوتهم، وتنقُّهم وأذيّتهم، وقد توعد الله مَن فعل ذلك بقوله في هذا الحديث: "مَن عادى وليّاً فقد آذنته بالحرب" يعني: فقد أعلمته بأني مُحارب له، حيث كان محارباً لي بمعاداته أوليائي، وهذا منطبق بالدرجة الأولى على مَن عادى الصحابة -رضي الله عنهم-، وأبغضهم من الشيعة والمبتدعة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبّوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه".
وقال عليه الصلاة والسلام: "الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً، فمَن آذاهم فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله، ومَن آذى الله يوشك أن يأخذه" [خرّجه الترمذي وغيره].
قال ابن دقيق -رحمه الله-: ووليّ الله -تعالى-: هو الذي يتبع ما شرعه الله -تعالى-.
فليحذر الإنسان من إيذاء قلوب أولياء الله -عزّ وجلّ-.
ومعنى المعاداة: أن يتخذه عدواً.
ولا أرى المعنى إلا مَن عاداه لأجل ولاية الله.
أما إذا كانت لأحوال تقتضي نزعاً بين وليّين لله محاكمة أو خصومة راجعة إلى استخراج حق غامض، فإن ذلك لا يدخل في هذا الحديث، فإنه قد جرى بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- خصومة، وبين العباس وعلي -رضي الله عنهما-، وبين كثير من الصحابة، وكلهم كانوا أولياء لله -عزّ وجلّ-. انتهى.
ثم بيّن سبحانه وتعالى الأسباب التي بها تُنال ولاية الله -تعالى-، ويكون العبد بها وليّاً لله، أي: محبوباً له، فتحرم حينئذ معاداته، فقال: "وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أُحبه".
فبيّن أن سبب الولاية، هو التقرّب إليه سبحانه بطاعته.
فأولياء الله هم الذين يعملون ما يقرّبهم منه العمل بطاعته، وترك معصيته، وهذا يبطل دعاوى الذين يدعون الولاية لأناس يخالفون شرع الله، ويعملون بالبدع والخرافات والشركيات، فهؤلاء هم أعداء الله على الحقيقة، وليسوا أولياءه: (إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ) [الأنفال: 34].
وهؤلاء أعداء الله الذين أبعدهم منه بأعمالهم المقتضية لطردهم وإبعادهم، وإن ادّعوا أو ادّعي لهم أنهم أولياء الله ليتخذوا من هذه الدعوى حِرفةً يْختِلون بها الناس، ويسلُبون بها أموال العوام، فقد أصبح لقب الوَلاية والأولياء في هذا الزمان مصدَر ارتزاق تُبنى له الأضرحة، وتُفتح فيها صناديق النذور، وتُوظّف حولها السدنة لحراسة تلك المصائد، وحفظ ما يُدفع لها من أموال بغير الحق.
إن أولياء الله -أيها المخرِّفون- لا يدعون لأنفسهم أنهم أولياء، ولا يدّعي المسلمون الوَلاية لمعين إلا بشهادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك، لكنهم يرجون للمؤمن الخير، ويخافون على المسيء الشر، ويحبّون أهل الخير، ويكرهون أهل الشر.
وفي قوله تعالى: "وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه".
دليل على وجوب العناية بالفرائض وأدائها قبل النوافل، وأن النافلة لا تُقبل إلا بشرط أداء الفريضة.
وفي قوله تعالى: "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه".
دليل على فضيلة فعل النوافل، والإكثار منها؛ لأنها تسبّب محبة الله لفاعلها؛ ولأنها تكمل بها الفرائض إذا حصل فيها نقص.
ومعنى قوله تعالى: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها".
معنى ذلك: أن يسدّده ويحفظه في سمعه وبصره، ويده ورجله، فلا يباشر بهذه الجوارح معصية من المعاصي، وإنما يستعملها في طاعة الله -عزّ وجلّ-، قال ابن دقيق العيد: "ومعنى ذلك: أنه لا يسمع ما لم يأذن الشرع له بسماعه، ولا يبصر ما لم يأذن الشرع له في إبصاره، ولا يمدّ يده إلى شيء ما لم يأذن الشرع له في مدّها إليه، ولا يسعى إلا فيما أذن الشرع في السعي إليه" انتهى.
ومما يدل على هذا التفسير قوله في آخر الحديث: "ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه".
ومعناه: أن الله -تعالى- يكون معه بتوفيقه ونصره وحفظ جوارحه من كل محذور؛ لأن الجزاء من جنس العمل، والله -تعالى- يقول: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل: 128].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين، أمرنا بموالاة عباده المؤمنين، ونهانا عن موالاة الكفّار والمنافقين.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلى الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- وكونوا مع الصادقين، واعلموا أن المعاصي كلها محاربة لله -عزّ وجلّ-، قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "واعلم أن جميع المعاصي محاربة لله –تعالى- قال الحسن: "ابن آدم هل لك بمحاربة الله -عزّ وجلّ- من طاقة، فإن مَن عصى الله فقد حاربه، لكن كلما كان الذنب أقبح كانت المحاربة لله أشد، ولهذا سمى الله -تعالى- أكَلَة الربا، وقطّاع الطريق؛ محاربين لله -تعالى- ورسوله، لعظم ظلمهم لعباده، وسعيهم بالفساد في بلاده.
وكذلك معاداة أوليائه، فإنه تعالى يتولّى نصرة أوليائه ويؤيّدهم، فمَن عاداهم فقد عادى الله -تعالى- وحاربه.
وقد روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن وهب بن منبّه قال: "إن الله -تعالى- قال لموسى -عليه السلام- حين كلّمه: اعلم أن مَن أهان لي وليّاً أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وعاداني، وعرض نفسه ودعاني إليها، وإن أسرع شيء إلي نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أو يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، فلا أَكِلُ نصرتهم إلى غيري".
فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا من الذين يوالون الله بالطاعة، ولا تكونوا من الذين يحاربونه بالمعصية ومعاداة أوليائه.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله | إلخ |