الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - صلاة العيدين |
من نعم الله على أمة الإسلام أن جعل لها مواسم فاضلة، فيها أعمال صالحة تتضاعف بسببها الحسنات، وتمحى بها السيئات، وينال بها كثير الأجر وعظيم الثواب، ويُحَصِّلُ فيها العبد رحمة ربه ورضوانه ومغفرته وجنته. وإن من المواسم الفاضلة التي أخبر بها نبينا -صلى الله عليه وسلم- تلك العشر الأول من شهر ذي الحجة، لما ورد في فضلها من الآيات والأحاديث...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: من نعم الله على أمة الإسلام أن جعل لها مواسم فاضلة، فيها أعمال صالحة تتضاعف بسببها الحسنات، وتمحى بها السيئات، وينال بها كثير الأجر وعظيم الثواب، ويُحَصِّلُ فيها العبد رحمة ربه ورضوانه ومغفرته وجنته.
وإن من المواسم الفاضلة التي أخبر بها نبينا -صلى الله عليه وسلم- تلك العشر الأول من شهر ذي الحجة، لما ورد في فضلها من الآيات والأحاديث، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1، 2]، والمراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" - يعني عشر ذي الحجة - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء" (رواه البخاري).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه الطبراني في المعجم الكبير).
قال ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره".
عباد الله: ومن أنواع العمل الصالح في هذه الأيام ما يلي:
أولاً: المبادرة إلى أداء الحج والعمرة: فهما من أفضل الأعمال التي يحبها الله -جل وعلا-، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح).
ثانياً: الصيام: فقد استحب العلماء صيام هذه الأيام أو بعضها، وخاصة صوم يوم عرفة، الذي يتأكد صيامه لغير الحاج لما رواه مسلم عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "يُكفر السنة الماضية والباقية".
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة" (رواه مسلم). وعندما سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمل صالح عظيم الأجر قال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له"، وفي رواية: "لا مثل له" (رواه النسائي، وصححه الألباني).
ثالثاً: التكبير: فيسن في هذه العشر الإكثار من التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح، والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى ، لقوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)، ولما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد، وضعفه الألباني).
ويبدأ التكبير من وقت ثبوت دخول أول شهر ذي الحجة وحتى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل" (رواه مسلم).
وصفة التكبير أن يقول المسلم: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد"، يكررها ويرفع به صوته، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يرفعون أصواتهم بالتكبير، ويسمى هذا بالتكبير المطلق بالليل والنهار، أما المقيد فيبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة وحتى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وللحاج من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.
رابعاً: الإكثار من الأعمال الصالحة: كالمحافظة على صلاة الجماعة، والإكثار من صلاة النافلة، وقراءة القرآن والدعاء والصدقة، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي يحبها الله -جل وعلا- ويرتضيها.
خامساً: التوبة إلى الله: وهي مطلوبة في كل وقت وحين، وتتأكد في تلك العشر لما لها من فضل عن غيرها من الأيام، ولأن المسلم لا يدري متى ينزل به الموت، فلا بد أن يتخفف من حمل تلك الأوزار والمعاصي بالإكثار من التوبة والاستغفار، يقول الله -جل وعلا-: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِين) [القصص:67]، وإذا كان حقاً لآدمي فيلزمه طلب المسامحة قبل أن لا يكون ديناراً ولا درهما، إنما هي حسنات وسيئات.
بسم الله الرحمن الرحيم (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن مما يتأكد فعله في هذه العشر:
سادساً: ذبح الأضاحي: لغير الحاج وهي من الأعمال الصالحة المؤكد فعلها للمستطيع والتي يتقرب بها العبد إلى ربه -جل وعلا-، فقد ثبت عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ" (رواه البخاري ومسلم).
فحين يذبح المسلم أضحيته يُوسّع على نفسه وأهل بيته، ويُهدي منها إلى أصدقائه وجيرانه وأقاربه، ويتصدّق منها على الفقراء والمحتاجين.
ووقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد يوم النحر، إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
وعلى من أراد أن يضحي ألا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً لما ثبت من حديث أم سلمة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان له ذِبْح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي" (رواه مسلم).
وتجزئ الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته، ومن شاء من المسلمين، من حي أو ميّت. وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- لما ذبح أضحيته، قال: "اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ" (رواه مسلم).
ويجزئ سُبْعُ البعير أو البقرة، عما تُجزيء عنه الواحدة من الغنم. فلو ضحّى المسلم في سُبْع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك. ولو اشترك سبعة أشخاص يُضحون أو يهدون في بعير أو بقرة أجزأهم ذلك.
والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء، لما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- ضحّى عن نفسه وأهل بيته. وأما ما يفعله بعض الناس من تقديم الأموات على أنفسهم وأهليهم تبرعاً منهم، فلا أصل له فيما نعلم. لكن لو ضحى عن نفسه وأهل بيته، وأشرك الأموات معهم، أو ضحى للأموات استقلالاً تبرعاً منه فلا بأس بذلك. وهو مأجور إن شاء الله. أما ضحايا الأموات التي هي وصايا عنده، فهذه يجب تنفيذها، ولو لم يضح عن نفسه، لأنه مأمور بتنفيذ الوصية.
ولا ينبغي نقل الأضاحي عن نفسه وأهل بيته، وكذا الوصايا، بل تذبح في بلد المضحي والموصي. وأما الأضاحي المتبرع بها فلا إشكال في نقلها لأنها صدقة.
عباد الله: ويشترط للأضحية شروط، لا تجزيء إلا بتوافرها، وهي:
1- أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، ضأنها ومعزها.
2- أن تبلغ السن المطلوبة شرعاً، بأن تكون جذعة من الضأن أو ثنية من غيره. (الثني من الإبل: ما تم له خمس سنوات - الثني من البقر: ما تم له سنتان - الثني من الغنم: ما تم له سنة - الجذع: ما له ستة أشهر).
3- أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي المنصوص عليها في الحديث. (العور البيّن - المرض البيّن - العرج البيّن - الهزال المزيل للمخ).
ويلحق بهذه العيوب ما كان مثلها أو أشدّ، فلا تجزئ الأضحية بالعمياء، ومقطوعة اليدين، والرجلين، والكسيحة.
4- أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها. فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق، والمشترك بين اثنين، إلا بإذن الشريك.
5- ألا يتعلّق بها حق للغير، فلا تصح التضحية بالمرهون، ولا بالموروث قبل قسمته.
6- أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعاً، فإن ذبحت قبله أو بعده لم تجزئ.
عباد الله: أوصيكم ونفسي باستغلال تلك العشر المباركات؛ فإن لها شأناً عظيماً عند الله -جل وعلا- فينبغي أن نستقبلها ونحن مستبشرين بها، وأن نستغلها فيما شرع ربنا -جل وعلا-، عسى ربنا أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه جواد كريم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].