المبين
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الإيمان بالرسل |
يدعي بعض المتوهمين أن إبراهيم - عليه السلام - وقع في الكذب ثلاث مرات، ويستدلون على ذلك بما ورد في الحديث الصحيح: «لم يكذب إبراهيم - عليه السلام - إلا ثلاث كذبات...»قوله: (إني سقيم (89) (الصافات)، وقوله: (بل فعله كبيرهم( (الأنبياء:63)، وقوله عن زوجته سارة إنها أخته. ويتساءلون: كيف يكون نبيا معصوما، ثم يقع في مثل هذا الكذب؟
وجوه إبطال الشبهة:1) الإخبار بقوله: )إني سقيم (89)( (الصافات) أي: سقيم من أفعالكم الكفرية التي تمرض القلب.
2) الجواب بقوله: )بل فعله كبيرهم( (الأنبياء: 63) كان تهكما[1] وسخرية أو تبكيتا لهم وإلزاما للحجة عليهم، وتنبيها على خطأ عبادتهم للأصنام.
3) المقصود بقول إبراهيم - عليه السلام - عن زوجته سارة: "إنها أخته" أي الأخوة في الإسلام.
4) تسمية هذا الكلام كذبا في الحديث؛ نظرا لما فهمه الغير منه لا بالنسبة إلى ما قصده المتكلم.
التفصيل: أولا. الإخبار بقوله: (إني سقيم (89)) أي: سقيم من أفعالكم الكفرية التي تمرض القلب:إن إبراهيم - عليه السلام - لم يدخر أي جهد في سبيل دعوة قومه إلى الله تعالى، وقد استخدم معهم كل أنواع الأدلة والبراهين العقلية؛ ليثبت لهم بطلان معتقداتهم ويثبت الحق الذي عجزت أفهامهم السقيمة وعقولهم المغلقة التي تأبى أن تتفتح للنور أن تستوعبه فقوله: (إني سقيم (89)) إشارة إلى السبب الرئيسي لكفرهم وعنادهم لعدم شعوره بالراحة وفي ذلك يقول صاحب الظلال:
"ويروى أنه كان للقوم عيد - ربما هو عيد النيروز - يخرجون فيه إلى الحدائق والخلوات، بعد أن يضعوا النار بين يدي آلهتهم لتباركها، ثم يعودون بعد الفسحة والمرح فيأخذون طعامهم المبارك! وأن إبراهيم - عليه السلام - بعد أن يئس من استجابتهم له، وأيقن بانحراف فطرتهم الانحراف الذي لا صلاح له، اعتزم أمرا، وانتظر هذا اليوم الذي يبعدون فيه عن المعابد والأصنام لينفذ ما اعتزم، وكان الضيق بما هم فيه من انحراف قد بلغ منه أقصاه وأتعب قلبه وهواه، فلما دعي إلى مغادرة المعبد قلب نظره إلى السماء، وقال: "إني سقيم" لا طاقة لي بالخروج إلى المتنزهات والخلوات، فإنما يخرج إليها طلاب اللذة والمتاع أخلياء القلوب من الهم والضيق، وقلب إبراهيم - عليه السلام - لم يكن في راحة ونفسه لم تكن في استرواح.
قال ذلك معبرا عن ضيقه وتعبه، وأفصح عنه ليتركوه وشأنه، ولم يكن هذا كذبا منه، إنما كان له أصل في واقع حياته في ذلك اليوم وإن الضيق ليمرض ويسقم ذويه[2].
وإذا كان صاحب "الظلال" يرى أن إبراهيم - عليه السلام - قد مرض من أفعالهم مرضا حقيقيا وليس في ذلك استخدام للمعاريض، فإن بعض العلماء يرى أنه لما كانت الأصنام مصدر حزنه وسقمه عليه السلام، شعر بأنه ما لم يهدم هذه الأصنام، ويكسرها فلن يجد طعما للراحة، وعندما قال لمن حوله: (إني سقيم (89)) ظنوه مريضا من الناحية الجسدية فتولوا عنه، وكانوا يصرون على استصحابه معهم لمشاركتهم في احتفالهم الديني... وما إن خرجوا من عنده، حتى أسرع ليحطم الأصنام مبينا بذلك السبب الحقيقي لسقمه، غير أنه استعمل في كلامه معهم تعريضا، يفهمون منه شيئا غير المقصود الحقيقي، ولكنه لم ينحرف في كلامه هذا إلى الكذب أبدا، وكل ما هنالك أن قومه لم يفهموا قصده الحقيقي، وليس هذا بغريب على قومه الذين صموا آذانهم عن الاستماع إلى الحق، وكان هذا هو مصدر الخطأ[3].
ثانيا. الجواب بقوله: )بل فعله كبيرهم هذا( كان تهكما وسخرية أو تبكيتا لهم وإلزاما للحجة عليهم، تنبيها على خطأ عبادتهم للأصنام:وفي هذا يبين صاحب الظلال أن
* قوله سبحانه وتعالى: قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء: 63]
هو من قبيل التهكم والسخرية فلا يسمى كذبا يقول: والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر، إنما أراد أن يقول لهم: إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا، فهي جماد لا إدراك لها أصلا، وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمها أم أن هذا التمثال هو الذي حطمها! (فاسألوهم إن كانوا ينطقون (63)( (الأنبياء: 63) [4].
فأراد إبراهيم - عليه السلام - أن يقنعهم أنه لو كانت هذه آلهة - كما تدعون - لدافعت عن نفسها أو دافع عنها الصنم الأكبر أو حتى تنطق فتخبركم بما حدث ومن فعل بها ذلك.
يقول الشيخ ابن عاشور: وقوله تعالى: (بل فعله كبيرهم هذا) الخبر مستعمل في معنى التشكيك، أي لعله فعله كبيرهم؛ إذ لم يقصد إبراهيم - عليه السلام - نسبة التحطيم إلى الصنم الأكبر؛ لأنه لم يدع أنه شاهد ذلك، لكنه جاء بكلام يفيد ظنه بذلك حيث لم يبق صحيحا من الأصنام إلا الكبير، وفي تجويز أن يكون كبيرهم هذا الذي حطمهم إخطار دليل انتفاء تعدد الآلهة؛ لأنه أوهمهم أن كبيرهم غضب من مشاركة تلك الأصنام له في العبودية، وذلك تدرج إلى دليل الوحدانية، فإبراهيم - عليه السلام - في إنكاره أن يكون هو الفاعل أراد أن يلزمهم الحجة على انتفاء ألوهية الصنم العظيم، وانتفاء ألوهية الأصنام المحطمة بطريق الأولى على نية أن يكر على ذلك كله بالإبطال ويوقنهم بأنه الذي حطم الأصنام، وأنها لو كانت آلهة لدافعت عن أنفسها، ولو كان كبيرهم كبير الآلهة لدافع عن حاشيته وقرنائه؛ ولذلك قال: (فاسألوهم إن كانوا ينطقون (63) (الأنبياء) تهكما بهم وتعريضا بأن ما لا ينطق ولا يعرب عنه نفسه غير أهل للإلهية.
وشمل ضمير )فاسألوهم( جميع الأصنام ما تحطم منها وما بقي قائما، والقوم وإن علموا أن الأصنام لم تكن تتكلم من قبل، إلا أن إبراهيم أراد أن يقنعهم بأن حدثا عظيما مثل هذا يوجب أن ينطقوا بتعيين من فعله بهم، وهذا نظير استدلال علماء الكلام على دلالة المعجزة على صدق الرسول بأن الله لا يخرق عادة لتصديق الكاذب، فخلقه خارق العادة عند تحري الرسول دليل على أن الله أراد تصديقه[5].
ولو اعتبرنا أن ذلك تعريضا بقومه في بداية كلامه فلا يعد كذبا؛ لأن الكلام لا يحكم عليه حتى يتم كالكلام المعقب بشرط استثناء؛ يقول الشيخ ابن عاشور:
فهذا الإضراب - يعني بقوله: بل - كان تمهيدا للحجة على نية أن يتضح لهم الحق بآخره؛ ولذلك قال: )قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم (66)( (الأنبياء).
أما الإخبار بقوله: )فعله كبيرهم هذا( فليس كذبا وإن كان مخالفا للواقع ولاعتقاد المتكلم؛ لأن الكلام والأخبار إنما تستقر بأواخرها وما يعقبها، كالكلام المعقب بشرط أو استثناء، فإنه قصد تنبيههم على خطأ عبادتهم للأصنام، مهد لذلك كلاما هو جار على الفرض والتقدير، فكأنه قال: "لو كان هذا تعين أن يكون هو الفاعل لذلك، ثم ارتقى في الاستدلال بأن سلب الإلهية عن جميعهم بقوله: )إن كانوا ينطقون (63)( (الأنبياء).
ويجمع د. أبو النور الحديدي أقوال العلماء والمفسرين في هذه المسألة، وجميعها توضح عصمة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وتبرئه عن الوقوع في الكذب ويمكن تصنيف هذه الأقوال على النحو التالي:
الأول: نسب إبراهيم - عليه السلام - الفعل إلى كبيرهم، وقصده تقريره لنفسه وإثباته له بأسلوب تعريضي؛ تبكيتا لهم وإلزاما لهم بالحجة؛ لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح علموا عجز كبيرهم، وأنه لا يصلح إلها، فإن إثبات فعل - دائر بين اثنين أحدهما عاجز عنه، والآخر قادر عليه - إلى العاجز منهما استهزاء به وإثباته للقادر، وهنا تكسير الأصنام إما أن يكون من إبراهيم عليه السلام، وإما أن يكون من كبيرهم، وكبيرهم عاجز عنه قطعا، فنسبته إليه استهزاء، وإثباته لإبراهيم - عليه السلام - بأسلوب تعريضي يتحقق به غرضه من إلزام قومه الحجة، وتبكيتهم على عبادة ما لا يصلح إلها؛ حيث لا يقدر على شيء.
وهذا الوجه اختاره كثير من المفسرين كالزمخشري، والفخر الرازي، والألوسي، وذكره غير هؤلاء مرجحا له، كابن كثير، والقاسمي.
الثاني: أنه لم يسند الفعل إلى الكبير اعتقادا، بل أسنده حكاية لما يلزم على جوازه، كأنه قال لهم: كيف تنكرون أن يفعله كبيرهم، وحق من يعبد ويدعى إلها أن يقدر على هذا، وأكثر منه؟ وإذا سلمتم أنه لا يقدر على هذا؛ فكيف تعبدونه، وتدعونه إلها؟ إن ذلك يكون عين الجهل، وغاية الغباء.
الثالث: أن إسناد الفعل إلى الكبير مشروط بقوله: )إن كانوا ينطقون (63)( (الأنبياء) وقوله: )فاسألوهم( جملة معترضة، جعل النطق شرطا للفعل وأراد به أنهم إن قدروا على النطق قدروا على الفعل؛ فلما ظهر عجزهم عن النطق تبين عجزهم عن الفعل أيضا.
الرابع: أن إسناد الفعل إلى الكبير من قبيل إسناده إلى السبب الحامل عليه؛ فإنه - عليه السلام - لما رأى الأصنام مصطفة مزينة يعظمها المشركون، ورأى زيادة تعظيمهم لكبير الأصنام، وتخصيصهم إياه بمزيد التواضع، والخضوع له اشتد غيظه منه فحمله ذلك على تكسير الأصنام، وأبقى الكبير - مع أنه السبب - ليورد عليهم هذا القول؛ فيظهر جهلهم وضلالهم في عبادة الأصنام.
وهذه الوجوه الأربعة هي أصح ما تدل عليه الآية - والأول أصحها - وكل واحد منها ينفي حصول الكذب من الخليل عليه السلام.
وأرجح وجه من هذه الوجوه الأربعة، هو الوجه الأول؛ لأن الخليل - عليه السلام - إنما أراد أن يبين للقوم فساد اعتقادهم في عبادتهم الأصنام، بحجة تلزمهم، واعتراف يصدر من جهتهم بعد التأمل في شأن آلهتهم بأنها لا تقدر على شيء؛ حيث هي جماد، وكبيرهم لا يصدر عنه هذا الفعل؛ لأنه مثلهم في الجمادية والعجز، وبذلك تقوم الحجة عليهم بأنهم كيف يعبدون ما لا يصلح إلها؛ لعجزه عن جلب النفع، ودفع الضر، يدل على هذا الآيات التي تلي هذه الآية وهي
* قوله تعالى: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (64) ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون (65) قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم (66) أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (67)) [الأنبياء [6] [7]]
ثالثا. المقصود بقول إبراهيم عن زوجته سارة: "إنها أخته" أي الأخوة في الإسلام:وأما عن قول إبراهيم - عليه السلام - عن سارة - زوجته -: إنها أخته، فهو: ليس كذبا؛ لأنه إنما يقصد الأخوة في الإسلام، والدين الحق الذي كانا عليه، لا أخوة النسب، والله - عزوجل - يقول: )إنما المؤمنون إخوة( (الحجرات: 10)،
وفي الحديث: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه»[8].
فالإيمان هو الرباط الأول، الذي يربط الإنسان بالآخرين، وفي غياب هذه العلاقات؛ فإن الذين يولدون من أب واحد وأم واحدة قد يكونون أعداء، كما أن اختلاف الزمان والمكان، لا يكون حائلا بين أخوة الإيمان، فالمؤمنون والمؤمنات إخوة فيما بينهم، دون نظر إلى تفرقة بين ذكر أو أنثى، أو بين قطر وآخر.
وأما نقاط التقارب؛ فإنها تأتي بعد ذلك، والنبي إبراهيم - عليه السلام - قد أشار إلى هذه العلاقة - وهي الرابطة - في قوله: "ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك"[9].
رابعا. تسمية هذا الكلام كذبا؛ نظرا لما فهمه الغير منه، لا بالنسبة إلى ما قصده المتكلم:* أما ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: اثنتين منها في ذات الله - عزوجل - قوله: (إني سقيم (89)، وقوله:(بل فعله كبيرهم هذا) وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتي سارة فقال: يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فأخذ، فقال: ادعي الله ولا أضرك، فدعت الله فأطلق. ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر»[10]، فورد إشكال من نسبة الكذب إلى نبي. []
ودفع الإشكال: أن تسمية هذا الكلام كذبا منظور فيه إلى ما يفهمه أو يعطيه ظاهر الكلام، وما هو بالكذب بل هو من المعاريض، أي أني مثل السقيم في التخلف عن الخروج، أو في التألم من كفرهم، وأن قوله: "هي أختي" أراد أخوة الإيمان، وأنه أراد التهكم في قوله: )بل فعله كبيرهم هذا( لظهور قرينة أن مراده التغليظ([11]).
وهذا هو رأي أكثر العلماء المفسرين، أما الشيخ الطاهر ابن عاشور فيرى أن ذلك سمي كذبا على لغة قومه الذين لا يعرفون البلاغة ولا المجاز ولا أساليب التهكم والسخرية يقول: وجوابه عندي: أنه لم يكن في لغة قوم إبراهيم - عليه السلام - التشبيه البليغ، ولا المجاز ولا التهكم، فكان ذلك عند قومه كذبا وأن الله أذن له فعل ذلك وأعلمه بتأويله، كما أذن لأيوب أن يأخذ ضغثا[12] من عصي فيضرب به ضربة واحدة ليبر قسمه إذ لم تكن الكفارة مشروعة في دين أيوب عليه السلام [13].
ورأي الشيخ ابن عاشور هنا لا يختلف كثيرا عن الرأي الأول بل إنه يعود فينص عليه في موضع آخر من تفسيره إذ يقول: فالمراد من الحديث أنها كذبات في بادئ الأمر وأنها عند التأمل يظهر المقصود منها، وذلك أن النهي عن الكذب إنما علته خدع المخاطب وما يتسبب على الخبر المكذوب من جريان الأعمال على اعتبار الواقع بخلافه، فإذا كان الخبر يعقب بالصدق لم يكن ذلك من الكذب بل كان تعريضا أو مزحا أو نحوهما.
وأما ما ورد في حديث الشفاعة فيقول إبراهيم: «لست هناكم»[14] ويذكر ثلاث كلمات كذبها فمعناه أنه يذكر أنه قال كلاما خلافا للواقع بدون إذن من الله بوحي، ولكنه ارتكب قولا خلاف الواقع لضرورة الاستدلال بحسب اجتهاده، فخشي ألا يصادف اجتهاده الصواب من مراد الله فخشي عتاب الله فتخلص من ذلك الموقف[15].
الخلاصة:·الفهم الصحيح لهذه النصوص الثلاثة: )فقال إني سقيم (89)(، وقوله: )قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون (63)( (الأنبياء)، وقوله عن سارة: "إنها أختي" - أنها من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب - كما قيل - فمعنى "إني سقيم" قيل: ربما كان - عليه السلام - مريضا من قبل، وقيل: سقيم القلب لكفرهم وعنادهم وهو سقم معنوي، وهم فهموه على أنه سقم حسي.
·جاء قوله: "بل فعله كبيرهم" تعريضا؛ وليرجعوا إلى أنفسهم ويتذكروا إذا كان كبيرهم عجز عن حمايتهم علموا أنه لا يصلح إلها، ونسبة تكسير الأصنام إليه استهزاء، وبذلك يكون الخليل - عليه السلام - بين لهم فساد اعتقادهم في الأصنام، وأنها عاجزة عن جلب النفع أو دفع الضرر.
·وقوله عن سارة: "إنها أخته" ليس كذبا أيضا؛ لأنه قصد الأخوة في الإسلام (الدين) والإيمان هو الرابط الأول الذي يربط بين الناس فقال تعالى: )إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10)( (الحجرات).
·أما تسمية الحديث ذلك كذبا فهو بالنظر لما فهمه الغير منه لا بالنسبة إلى ما قصده المتكلم، وربما لأنه استخدم التعريض في أول كلامه، ولكن العبرة بالخواتيم إذ إنه يعقب بالصدق في كلامه وإنما يستخدم ذلك تمهيدا للاستدراك عليهم وإلزامهم الحجة.
·أما اعتذاره عن الشفاعة بقوله: «لست هناكم»ويذكر ثلاث كذبات، فمعناه أنه ارتكب قولا خلاف الأولى لضرورة الاستدلال بحسب اجتهاده، فخشي أن لا يصادف اجتهاده مراد الله تعالى فيعاقب؛ لذلك اعتذر.